السلام عليكم
من الناحية البويولوجية لا يوجد ما يبرر استثناء الإنسان من عملية التطور ... يكفي أن نقارن بين جينوم الإنسان و جينوم القردة العليا حتى تتضح لنا صلة القرابة التي لا يفسرها إلا التطور . كما أن حفريات(homo habilis , homo erectus , neandertal , ausralopithecus ...etc) تدعم مبدأ عدم استثناء الإنسان من العملية التطورية , أو التطويرية إذا اردنا ان نجمع بينها و بين مبدأ التصميم الذكي .
إن فكرة انحدار جميع البشر من فردين (عاشا بالضرورة في فترة واحدة) لا تؤيده الدراسات الجينية , فالتحليل الجيني للكروموزوم الذكري و لـ "رنا" الميتوكوندري (الانثوي) يعطينا فارقا زمنيا كبيرا بين السلفين المشتركين الذكري و الانثوي . كما انه يعود بنا إلى إفريقيا بما ينسجم مع الجانب المتعلق بالإنسان في نظرية التطور ...
و السؤال الذي يصرح نفسه على العقل المسلم هو ما محل آدم و حواء من الإعراب إذا سلمنا بتطور البشر ؟ بالنسبة لي و لكثيرين كانت هذه القضية و لا تزال تشكل معضلة . و الحل بالنسبة لي كان إعادة قراءة الآيات بمعزل عن التفسير التقليدي و نصوص التراث . و بدأت من الآية "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" و افترضت ان "السير" هنا يعني "الاستكشاف" و النظر يعني الملاحظة و التفكير و هما الأساس "للمنهج التحريبي" , كما استنتجت من النص ان كيفية الخلق ليست من امور الغيب , فالخلق حسب الآية هو امر يمكن تتبعه عن طريق الإستكشاف و الملاحظة و التفكير . و هذا هو بالضبط ما يقوم به علماء البيولوجيا و الإحاثة ...
الخطوة الثانية كانت تتمثل في محاولة العثور على تصور يجمع بين فكرة الإصطفاء و التطور , و بدا لي من الوهلة الاولى أن الحل المنطقي هو افتراص ان آدم كان اول نبي و اصطفائه كان يمثل بداية عصر التكليف للنوع الإنساني بعدما اكتمل تطوره البيولوجي و النفسي و الإجتماعي و وجدت أن بعض الآيات يمكن قراءتها وفقا لهذا التصور . مثلا الآية : "إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران على العالمين"حيث افترضت أن الإصطفاء يكون من جماعةو أن اصطفاء آدم قد يمثل بداية النبوة و التكليف ... و الآية : " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم"اوردت الخلق و التصوير بصيغة الجمع , لذا افترضت أن هذه الآية قد تعني أن خلق النوع (البشر) يسبق خلق الفرد (آدم) , و هكذا حاولت إعادة قراءة الآيات من زاوية مختلفة ... و هكذا توالت الآيات التي تقبل التفسير التطوري . "والله أنبتكم من الارض نباتا"" و قد خلقكم أطوارا"... "الذي احسن كل شيئ خلقه و بدأ خلق الإنسان من طين"
الخطوة الثالثة كانت تتمثل في محاولة فهم العلاقة بين الطين و الإنسان . و افترضت وجود ثلاث مراحل اساسية لتطور الإنسان (الخلق – التسوية – التصوير) و بإسقاط هذه المفاهيم على التصورات البيولوجية و الانثروبولوجية يكون الخلق من طين دلالة على ظهور و نشأة الحياة , و التسوية دلالة على بداية خروج الإنسان (اشباه الإنسان) من الطور الحيواني (الإستواء و السير على قدمين و كل ما يرافق ذلك من تغيرات جذرية ) , و اخيرا التصوير و هو اكتمال الخلق إلى احسن تقويم .
و بما ان الخلق يسبق التسوية و التصوير فمن الصعب اسقاط هذا التصور على عملية خلق فورية , لذا حاولت ان أخرج بتصور علاقة محتملة بين نشأة الحياة من الطين كنت قد طرحته مختصرا في بدايات هذا الموضوع (منذ سنتين و نصف) . و هو ان التراب , الطين , الحمأ المسنون , الطين اللازب , الصلصال , يمكن ان ان تدل على الشروط الضرورية لتشكل البروتينات و السلاسل النووية التي تعد الخطوة الاساسية في ظهور الحياة (الماء – الحرارة – المتفاعلات – المحفز catalyser) ...
و بدا لي ان هذا التصور يحل عددا من المشكلات , كمشكلة انحدار كل البشر من زواج الاخ بأخته و خلق المراة من ضلع الرجل , و فهم تطور اللغة و الثقافة من منظور انثروبولوجي , و يضع الإنسان في موقعه الطبيعي من الناحية البيولوجية ... و ان الخلق عملية مستمرة و متواصلة الحلقات و أننا إذا جمعنا بين هذا التصور عن الخلق و نظرية الفوضى (chaos theory – butterfly effect) فسنخرج بتصور لاهوتي مذهل عن القدرة و العلم الإلهي ... لكن هذا الانقلاب في التعامل مع الآيات عالي التكلفة بالنسبة للبعض لأنهاولا يستلزم إعادة النظر في كثير من الامور , و ثانيا لان إعادة قراءة النصوص (كاملة) وفق تصور تطوري ليس بالامر السهل إن لم يكن مستحيلا . لان التعامل مع اللغة و المعاني و دلالات الالفاظ ليس كالتعامل مع الأرقام و المتغيرات الكمية القابلة للقياس .
عودة لقصة آدم و حواء فأنا أرى ان الحل المنطقي هو ان نفترض ان آدم كان فردا من جماعة الإنسان (بعد ان ترقى البشر إلى درجة من الذكاء و اكتسبوا القدرة على التعامل مع المفاهيم المجردة) و أن الله اصطفاه ليكون بداية النبوة و التكليف و أن الله عرضه على الملائكة كنموذج و ليس بوصفه اول البشر . و في هذا الموضوع الطويل حاولت ان أقدم وجهة نظر عن هذا التصور البديل و لكن الموضوع يبقى إشكاليا من بعض الوجوه ... و يهمني ان أعرف وجهة نظرك الشخصية و هل انت ممن يعترص أو يتحفظ على التطور إجمالا او على الجزء المتعلق منه بالإنسان ...