الاعتراف بالخطايا ليس عيباً، ولا عاراً، بل فضيلة؛ وهو ما دعاني إلى تسجيل هذه المراجعة الذاتية بعد مرور عام على الثورة السورية، فمن حق الرأي العام علينا أن نعترف أمامه، وللرئيس السوري بشار الأسد، أن نعتذر منه!
نعم، أعترف بأنّنا أسأنا التقدير، وظنّنا أنّ النظام هناك لا يمكن أن يصمد أمام إرادة الإنسان وشوقه للكرامة والحرية والتحرر من أغلال الاستبداد، فأثبت (النظام) أنّ لديه قدرة خارقة، تفوق أعتى الأنظمة الحديدية والدكتاتورية في العالم بالقمع والقتل والذبح والتنكيل بالأبرياء، وأنّه لا حدود لهذه الطاقة الجبّارة. فهو ليس كرتونياً، لا بل نظام بلا قيم ولا أخلاق مستعد أن يمضي إلى أقصى مدى لا يتخيله بشر في استباحة الدماء والأعراض وارتكاب الجرائم، من دون أي حسبة أو دراسة لكلفة إنسانية أو أخلاقية أو حتى اقتصادية!
وأعتذر للرئيس الأسد أنّني ظننت أنه غير قادر على تكرار ما حدث في حماة 1982، كما فعل والده. ظننته آدميا , أخطأتُ؛ إذ تجاوز هذا الشاب عمه ووالده وفعل كل شيء، من قصف وذبح ومنع للغذاء والدواء، وإعادة الناس في أغلب المحافظات السورية قروناً كاملة إلى وراء، بلا وقود ولا طعام ولا ماء، ولا حتى سقوف للبيوت. أعترف له بأنّه تجاوز كل التوقعات، وأثبت للعالم بأنّه ليس مثل مبارك وزين العابدين والقذافي، فهو مستعد أن يبيد شعبه فعلاً، واحداً واحداً من دون أن يرف له جفن، أو يشعر ولو لحظة واحدة بتأنيب الضمير! أعتذر له بأنّنا ظنناه لن يصل إلى ما وصل إليه الصهاينة. فكذّب ذلك، وأثبت بأنّ ما يقومون به تجاه الفلسطينيين أقل بكثير مما يفعله قادة عرب في شعوبهم.
يوماً بعد يوم يُغرق "السيد الرئيس" شعبه في بحور من الدماء والدمار، ويجعل من البشر جماجم مطحونة، ومن المعتقلين جثثاً متفحّمة أو بقايا بشر بعد أن انتُزعت منهم أرواحهم وكرامتهم وأجسادهم. إنها قدرات فائقة تستحق –بجدارة- غداً أن تدرّس في الكتب والمراجع العالمية، وأن تكون تخصصاً علمياً جديداً بعنوان "كيف يمكن أن تحطّم شعباً كاملاً لتبقى أنت رئيساً؟"!
أنا مدين قبل هذا وبعده باعتذار عميق وشديد وأليم للشعب البطل العظيم في سورية؛ في حمص وإدلب وحماه وحلب واللاذقية ودير الزور والقامشلي، وريف دمشق، وكل هذه البقاع.. فقد خذلناهم، ورمينا بهم إلى الجحيم، وقلنا لهم "اذهب أنت وربك فقاتلا..". أشقاءنا وإخواننا؛ إننا خجلون منكم كثيراً، نشاهد ما يحل بكم، ولا نملك إلا الدموع والألم، فالعالم كله متواطئ اليوم، يشاهد مذابح ومجازر وينتظر حتى تنتهي مهمة "القائد التاريخي"!
أما أولئك الذين لا يشعرون بتأنيب ضمير كاف بعد، فقط شاهدوا برنامج (72) ساعة تحت النار، الذي عرض على شاشة الـ"سي. أن. أن"، حيث ستشاهدون وتسمعون من القصص الحية من قلب حمص وبابا عمرو ما يجعلكم لا تنامون ليلاً، بالطبع إن كنتم تمتلكون ذرة من الرحمة المفقودة في نظام الشام!
أيها الرئيس؛ أعتذر منك أنت (..) مما تصورت وتوقعت.
د. محمد أبو رمان