بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر وهو ناقض من نواقض الإسلام ، والدليل قول الله تعالى : [التّوبَة: 65-66] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}
و قد توعد الله من اتخذ آياته هزواً ولعباً بالعذاب المهين، فقال: [الجَاثيَة: 9] {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *} وإعداد العذاب المهين في القرآن لم يأتي إلا في حق الكفرة والمشركين وآيات الله دلائله وحججه وأمره ونهيه.
قال ابن حزم في «الفصل»: (3/299): صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر) انتهى.
فالاستهزاء بالدين ردّة عن الإسلام، وخروج من ملّة خير الأنام، وإن كان المستهزيء مازحاً أو هازلاً، وقول الله تعالى: [التّوبَة: 65-66] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } دال على أن الاستهزاء بالله كفر، وأن الاستهزاء بالرسول كفر، وأن الاستهزاء بشيء من دين محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته كفر، فمن استهزأ بواحد منها مستهزيء بها كلها جميعها.
ونزلت الآية السابقة في قوم منافقين استهزأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فحكم الله بكفرهم، فقد روى ابن جرير وغيره من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلسٍ: مارأيت مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: أنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: [التّوبَة: 65-66] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }
وقد حكم الله بكفرهم، وقطع بعدم عذرهم مع قولهم معتذرين : [التّوبَة 65] {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فقال الله تعالى لهم : [التّوبَة: 66] {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، أي كفرتم بعد كونكم مؤمنين بالله، والإيمان لا يجعل صاحبه يستهزيء برسول الله أو دينه، ولكن لمّا كان إيمانهم ضعيفاً قالوا الكفر لاعبين هازلين.
والاستهزاء بدين الله من علامات الكفّار قال تعالى : [الفُرقان: 41-42] {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً *إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً }.
ومن علامات المنافقين خاصة قال تعالى : [المطفّفِين: 29-33] {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ *وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ *وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ *وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَآلُّونَ *وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ *} الآيات.
والمُستهزيء بالله أو آياته أو رسوله أو شيءٍ من دينه وشريعته، كافر بالله حتى وإن زعم عدم قصده لحقيقة ما قال، وإن صلى وصام، فهو بذلك القول مرتد سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الإيمان بقلبه، ولذا هؤلاء المنافقون في الآية لم يكونوا يعلمون بكفرهم، وظنّوا أنهم معذورون، ومع هذا لم يقبل منهم ذلك، ولم يمنعهم من الردّة، وهذا حُكم الله يحكم ما يشاء لا مُعقّب لحكمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى [آل عِمرَان: 106]{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} في «المجموع»: (7/273) :
(دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله ورسوله يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفراً وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه) انتهى.
ولقد أصبح الإستهزاء بالدين في زماننا هذا أمرا شائعا جدا ليس عند الكفار فقط بل حتى عند المنتسبين إلى الإسلام، فالإستهزاء بشعائر وأحكام الإسلام وكذا بالملتزمين والملتزمات صار أمرا روتينيا خصوصا في الجرائد على شكل مقالات أو رسومات كاريكاتورية.
وقد ابتلينا في بلادنا هذه ببعض الجرائد التي اتخذت من نشر الفتنة والفرقة ومشاعر الحقد والبغض والكراهية بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة هدفا لها تسعى جاهدة وبكل ما أوتيت من إمكانيات لتحقيقه، لذلك فهي لا تدخر جهدا في الطعن في علماء الأمة والسخرية منهم والكذب عليهم وفي إيقاد نار الفتنة بين المسلمين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى الإستهزاء العلني والصريح بشعائر وأحكام الإسلام وكذلك بسنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وبالمتمسكين والملتزمين بها خصوصا في الرسومات الكاريكاتورية.
وكان رائد هذا الفعل الشنيع هو رسام الكاريكاتير في جريدة الشروق (خضراء الدمن) وكنت قد نبهت وحذرت سابقا من هذا الرسام ومن رسوماته المسيئة للإسلام في موضوع نشرته في منتدى النقاش العام هذا هو رابطه :
حرام على صحف الدانمارك حلال على صحفنا...
لكن للأسف وجدت هناك من يدافع عن هذا الرسام ويعتبر أن الرسومات عادية وهي تعبر عن الواقع وهذا سببه الجهل بأحكام وعقائد الإسلام وكذلك الجهل بخطورة الإستهزاء بالدين، لكن العريب في الأمر أن الإستهزاء عندما يصدر من الكفار الجميع يستنكر ذلك وتقوم الدنيا ولا تقعد وتتعالى صيحات ودعوات المقاطعة، لكن عندما يكون الإستهزاء من طرف أناس هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا لا أحد يهتم لذلك ويكون الأمر عادي جدا بل هناك حتى من يدافع عن هذه الرسومات.وكأن الإستهزاء حرام فقط على الكفار وحلال على المسلمين.
يتبع إن شاء الله...