تركيا، وبحكم الجوار الجغرافي، والكثير من فصول التاريخ المشترك، تعتبر من اكثر البلدان الاسلامية غير العربية فهما، بل واحيانا تورطا، في الاحداث الجارية في سورية، ولذلك نجدها، خاصة في الوقت الراهن، محور معظم الاتصالات والتحركات المتعلقة بالازمة في هذا البلد.
السياسة التركية تجاه الملف السوري تبدو ملتبسة، وهناك من يذهب الى ما هو ابعد من ذلك ويقول انها مرتبكة. فتارة تتعاظم الضغوط التركية الرسمية على النظام السوري لدرجة اتهام رئيسه بشار الاسد بالجبن لقتله شعبه بدلا من تحرير الجولان، مثلما ورد على لسان السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء، وتارة اخرى تتسم بالهدوء و'العقلانية' والحديث عن ضرورة ايجاد مخارج سياسية للازمة.
بالامس قال سفير تركيا لدى الاتحاد الاوروبي السيد سليم اينل ان الرئيس بشار الاسد ما زال يحظى بتأييد الطبقة الوسطى في سورية، وان المعارضة مشتتة الامر الذي يعرض البلاد لخطر السقوط في هاوية حرب اهلية تشعل الوضع في المنطقة. واضاف في مقابلة مع وكالة 'رويترز' ان بلاده تخشى ان تفشل العقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في حمل الرئيس الاسد على ترك السلطة مع تمتعه بدعم مطرد من قبل ايران وروسيا.
اهمية تصريحات السفير التركي هذه تأتي من حيث تزامنها مع زيارة الدكتور احمد داوود اوغلو وزير الخارجية التركي للولايات المتحدة الامريكية، وحديثه قبل المغادرة الى واشنطن عن رغبة بلاده في استضافة مؤتمر دولي يضم اصدقاء سورية لبحث الازمة الراهنة فيها.
القول بان الطبقة الوسطى في سورية تدعم الرئيس بشار الاسد خوفا مما يمكن ان يترتب على سقوط نظامه من المتوقع ان يثير العديد من علامات الاستفهام ليس في اوساط المعارضة السورية فقط، وانما في اوساط العديد من العواصم الغربية التي تريد من تركيا ان تكون رأس حربة في اي تدخل عسكري او غير عسكري في سورية.
المعارضة السورية قطعا لن تكون مرتاحة لاي حديث عن وجود تأييد للرئيس السوري حتى لو في وسط قطاع محدود من شعبه، خاصة في مثل هذا الوقت الذي تتوالى فيه انباء عن سقوط عشرات القتلى يوميا من اهالي مدينة حمص ومدن سورية اخرى برصاص الجنود السوريين، كما انها، او المتحدثين باسمها يحرصون دائما على التقليل من شأن اي تحذيرات باحتمال نشوب حرب اهلية، او وجود انقسامات في صفوفها.
السفير التركي في الاتحاد الاوروبي الذي يحظى بمكانة متقدمة في السلك الدبلوماسي التركي شدد على ان بلاده لن تقدم اي مساعدات عسكرية للمجلس الوطني السوري الذي يمثل المعارضة او القطاع الأعرض فيها، وهو المجلس الذي تأسس في اسطنبول برعاية حكومة السيد اردوغان، ولعل ذلك عائد الى خوف تركيا من عسكرة الانتفاضة السورية، وتوسيع نطاق الاشتباكات بين الجيش السوري الحر والقوات النظامية مما قد يؤدي الى امتداد هذه الاشتباكات الى الاراضي التركية نفسها، او اقدام النظام السوري المدعوم روسيا على الانتقام بدعم الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني المعادي لانقرة وسياساتها تجاه الاكراد.
ولا يستبعد البعض ان تكون تصريحات السفير التركي مجرد قنبلة دخان لاخفاء استعدادات امريكية واوروبية متصاعدة لتدخل عسكري في الازمة السورية يكون لتركيا فيها دور كبير ان لم يكن اساسيا.
الازمة السورية تدخل مرحلة الحسم هذه الايام وهي مفتوحة على كل الاحتمالات.