فند الأطروحة التالية : «لايمكن حل المشاكل الإنسانية ألا باستخدام العنف»
إذا كانت العلاقات الإنسانية تتسم في بعض الأحيان بالتجاذب والتواصل، وفي بعض الأحيان تتسم بالتنافر والعنف والمشاكل،فقد اعتقد البعض أن الوسيلة الوحيدة للوقوف ضد مختلف أشكال العنف هو استخدام القوة،بل يرى فيه البعض روح العدل والإنصاف وطريقة لاسترجاع الحقوق المهضومة،بينما يرى البعض أنه ليس من الأخلاقي أن نقابل العنف بالعنف بل لابد من لغة التسامح،وعليه يمكن أن نطرح السؤال التالي : إلى أي مدى يمكن دحض فكرة أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل الإنسانية؟
يرى بعض المفكرين أن استخدام القوة ضروري كوسيلة ضرورية لاسترجاع الحقوق المغتصبة وللوقوف أمام الاضطهاد ومختلف أشكال الظلم ومواجهة المعتدين وإلا حكم على الإنسان بالجبن حيث يقول الفرنسي جون جاك روسو: « ليس لنا فقط الحق بل يجب أن نثور إذا اقتصت الضرورة ذلك فهناك نوع من الأخلاقية يدعونا إلى حمل السلاح في أوقات ما»،وهذا ما ذهب إليه السياسي ماوتسي تونغ في قوله: « نقوم بالحرب من اجل السلم لا الحرب من اجل الحرب...والعنف يبرره الدفاع عن النفس،ولقد وجد الإنسان قانون مقابلة المثل بالمثل وتحديدا في هذا السياق العنف بالعنف ،فالعين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم في القصاص روح العدل والإنصاف في ضمد الجراح منذ القديم،وهو قانون أمر بوضعه الملك حامورابي سنة1730ق.م، وأيدته مختلف الكتب السماوية حيث جاء في إنجيل متى: « من قتل إنسانا يقتل،..فالنفس بالنفس.ومن تسبب في إحداث عاهة لدى موطن يعامل بالمثل : الكسر بالكسر،والعين بالعين،والسن بالسن». وجاء في القرآن الكريم: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُُقتلون» ،ونصت عليه الكثير من الدساتير والمنظمات العالمية خاصة بعد هجمات 11/9/2001 وفق القانون: إذا وقع الظلم والاعتداء ،هنا يجب الرد: على من اعتدى علك بمثل ما اعتدى به.
لكن الواقع يثبت أن العنف ظاهرة سلبية تهدد الإنسانية ،فالعنف لايولد إلا العنف عاجلا أم آجلا فالعنف لا ينبئ سوى بنكوص ما هو إنساني نحو اللاإنساني ومقابلة السوء بالسوء لا يزيد الأمر إلا سوء ويولد روح الانتقام وهذا ما يثبته التاريخ أيضا،كما انه يسقط الإنسان من إنسانيته حيث اثبت عالم النفس الأمريكي فروم fromm أن الحيوانات لا تلجا للعنف إلا لضرورة بيولوجية أو دفاعا عن النفس ،فكيف بالإنسان الذي يتصف بالحكمة والأخلاق أن يكون عنيفا؟،والعنف المبرر في حالة الهجوم و كأداة ضرورية لرده لا يمكن أن يكون ففي الواقع إلا حجة لكل المجرمين حيث يصبح متنفسا لكل مرتكب جريمة بادعائه الدفاع عن النفس مثلما تمارسه السياسة الأمريكية الآن ضد الدول الإسلامية العراق ولإيران بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية نفسها ونشر السلام.لذا فمن الحكمة أن يصفح الإنسان عمن اخطأ في حقه .
وهذا ما اتجه إليه بعض المفكرين حيث يرون انه من الحكمة مقابلة العنف بالتسامح واللين كأسلوب لمحاربة الشر دون تغذيته ،وباعتباره قيمة أخلاقية عامة بين الناس غايتها تحقيق التعايش السلمي والتواصل بين بني البشر في إطار القبول بالتنوع الاجتماعي والديني والثقافي،حيث يقول الفيلسوف كانط : اعمل دائما بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي أشخاص آخرين كغاية لا مجرد وسيلة، فالإنسان باعتباره كائن عاقل والأخلاقي يجنح إلى السلم ويطلب الأمن والسعادة ،والتسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري للثقافات ولأشكال التعبير،فهو نوع من الواجبات الأخلاقية.ولنا في حياة النبي عليه الصلاة والسلام أرقى النماذج السلوكية لمقابلة البشر بالخير والتعامل بالرفق واللين حيث يقول: « إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، ونهى عن استخدام العنف حيث يقول : «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه من أبيه وأمه»، نجد في القران الكريم دعوة إلى العفو والصفح: «وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم »،و في حياة السياسي الهندي غاندي وسيرته الذاتية خير دليل عن ثقافة اللين والاتصاف بالحكمة بعيدا عن التهور حيث يعتبر «اللاعنف قانون الجنس البشري أما العنف قانون البهيمة ..... »
بفضل حكمة الإنسان يمكنه حل المشاكل ومختلف إشكال العنف بالتسامح، ولا سبل على ذلك إلا بنشر ثقافة مقابلة العنف بالتسامح.وهكذا يتسامى بسلوكه إلى ماهو مثالي....الأستاذة سويحي إيمان/ثانوية سيدي لعجال/ولاية الجلفة
ادعوا لوالدي