م: د. عماد الدين خيتي
أكملت الثورة المباركة في سورية التسعة أشهر، وقد سطر فيها الشعب أروع الصور في البذل والتضحية في النفس والمال والجهد، فنقلوا هذه الثورة من مجرد فكرة كان السوريون لا يحلمون بها إلى واقعٍ ملموسٍ لم يستطع النظام تجاوزه أو التعامل معه.
وقد أفرزت هذه الثورة المباركة عددًا كبيرًا من النتائج والثمار، ولعل من أهمها: روح التلاحم والتآلف والتعاضد بين أفراد المجتمع، فصدم بتآزره وتعاونه أزلام النظام وزبانيته.
كما أنَّ ثوار الداخل قد أدوا واجبهم على أفضل وجه، ولم يبخلوا في سبيل الثورة بنفسٍ أو مالٍ، وهم ماضون في ذلك وقد حسموا خياراتهم في إزالة هذا النظام، وإحلال نظامٍ آخر بديل عنه يوفر العدالة للمجتمع.
الجالية السورية في الخارج:
والمقصود بالجالية هنا: عموم السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم وتحزباتهم.
وأهم ما يُلحظ في هذا الجانب: أعداد الجالية الكبيرة التي تعيش في الخارج، وتوزعها على معظم بلدان العالم، بل وتركز الكثير منها في البلدان ذات التأثير والنفوذ السياسي أو الاقتصادي.
وقد قدَّمت هذه الجاليات الكثير من التضحيات: المالية، والإغاثية، والدعم الإعلامي بالإسهام في توصيل صوت الثوار للخارج، وذلك تحت مسميات عديدة (تنسيقية، اتحاد، تجمع، رابطة…).
غير أنَّ من أهم ما يُلحظ على جهود الجالية حول العالم: تعدد تلك التجمعات التي تعمل تحتها، وضعف التنسيق بينها، مما يُسهم في تشتت جهودها، وعدم بروزها قوة فاعلة ومؤثرة.
إنَّ جهود الأحزاب التقليدية والجهات السياسية الرئيسة في دعم ثوار الداخل ومواجهة هذا النظام البائس غير كافية، ولا تعفي الجاليات السورية في الخارج من القيام بمسؤولياتها السياسية الكاملة تجاه الثوار ومستقبل الوطن.
فلا بد لهذه الجاليات أن توحِّد جهودها بالانضواء في تجمعات كبيرة بحسب كل إقليم أو دولة تعيش فيها _بغض النظر عن انتماءاتها_ لما يحققه ذلك من أهداف جليلة وعظيمة، ومن أهمها:
1_ توحيد الجهود المبذولة وعدم تشتتها، فما يبذله السوريون في الخارج كبير ومؤثر، لكنه غير منظم.
2_ سيادة ثقافة التعاون والتلاحم، والاستعداد للتنازل عن المكتسبات الشخصية لصالح الجماعة ووحدتها.
3_ غرس بذور ثقافة سياسية واجتماعية واعية بين أبناء الجالية مما سيعود بالنفع على المرحلة القادمة بعد سقوط النظام.
4_ إظهار قيادات اجتماعية وسياسية جديدة قد لا تكون مرتبطة بالفعاليات السياسية التقليدية، ما سيوسع من دائرة الأفكار والآراء السياسية والاجتماعية ويثريها، أو تكون رافدًا لها بالخبرات والدماء الشابة.
5_ إظهار وحدة الشعب السوري: بحيث يظهر للعالم أنَّ الثورة لا تقتصر على بضع أفراد يتظاهرون في الداخل، بل إنها تشمل السوريين في الداخل والخارج.
6_ إظهار الوحدة والتلاحم مع الشعب في الداخل، بإيصال الرسائل المباشرة له بأنَّ الجالية في الخارج تقف معه في تضحياته وآلامه، وتعمل على تحقيق آماله وطموحاته، مما يسهم في دعمه نفسيًا ومعنويًا، وإشعاره بأنهم شركاء في البذل والتضحية، لا في قطف الثمرات فقط.
7_ تكوين قيادات وجهات للتواصل مع الحكومات التي تعيش فيها هذه الجاليات، تقوم بإيصال صوت الشعب ورعاية مصالحه، وعدم ترك الساحة لشبيحة السفارات وأزلام النظام.
8_ دعم مواقف الفعاليات السياسية الحالية في مواقفها المختلفة في المحافل الدولية، بحيث يظهر أن الموقف من النظام الحالي ليس مقتصرًا على هذه الجهات لحسابات خاصة بها كما يزعم النظام، بل هي مطالب لكافة فئات المجتمع.
9_ تقديم النصح والمشورة للفعاليات السياسية الموجودة باختلاف أطيافها، بل ونقد مواقفها والاعتراض عليها بشكلٍ منظم وواضح فيما لو بدا منها ما يخالف تطلعات الشعب ورغباته، فالوطن لكافة الشعب، وهو المقصود بجميع هذه الجهود، فلا ينبغي ترك توجيه مستقبله لفئة قليلة مهما حسنت مسالكها وأساليبها، فضلاً عن وجود توجهات أو تحالفات أو ضغوط غير مقبولة.
10_ رفع الحرج عن الفعاليات السياسية المختلفة في بعض المواقف التي قد لا يؤيدها المجتمع الدولي أو يضغط في عدم تبنيها، وذلك بإظهار أنَّ هذه المطالب شعبية عامة، وليست مجرد آراء نخبوية.
إنَّ أهم ما عمل النظام المجرم على ترسيخه في العقود الماضية بمنظومته الأمنية التسلطية: محاولة تحطيم الحياة الاجتماعية من خلال زرع ثقافة الخوف من بقية أفراد المجتمع، بحيث أصبح كل سوري شخصية مستقلة بذاتها لا علاقة لها بأفراد المجتمع، وبالتالي: فإن أعظم إنجاز مضاد يمكن تحقيقه هو القضاء على هذه الفرقة والاختلاف بالتوحد والاجتماع، وإذا كانت معارضة الداخل بظروفها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الشديدة الصعوبة قد تجاوزت هاتين العقبتين: فلا يليق بالجالية في الخارج أن تبقى دون توحد وتنظيم للقيام بحقوق ثوار الداخل وما بذلوه من تضحيات، على أقل تقدير.