September 2010 - 01:24 PM السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة وعبرة لمن ابتليا اشد ابتلاء
من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلي عباده الصالحين
حتى يرفع بذلك درجاتهم، ويكفر بها من سيئاتهم،وحتى يكونوا قدوة لمن بعدهم إذا مسهم البلاء
يقتدون بهم في الصبر والاحتساب،
ويتسلون بما أصابهم فإنّ عِلْمَ المبتلى بمصيبة غيره إذا كانت مثل مصيبته أو أشد مما يخفف وقعها عليه،
وقـد ابتليت عائشة ببليــة عظيمـة
ألا وهي حـادثة الإفـك
التي اتهمت فيها بالفاحشة _عمداً_
من قبل بعض المنافقين يريدون بذلك أذية الرسول صلى الله عليه وسلم وتلطيخ فراشه، وإسقاط الثقة به، وشغله عن القيام بواجبه في الدعوة إلى الله تعالى،
ولكن
الله خيب سعيهم، وأبطل كيدهم، وجعل من ذلك البلاء رفعة لعائشة،
ونزول براءتها من السماء قرآنا يتلى إلى قيام الساعة،
أنتبهن القصة ترويها صاحبتها رضي الله عنها وأرضاها
ونترك عائشة رضي الله عنها تروي لنا حادثة الإفك بأسلوبها الجليل البليغ الذي تأسر روعته القلوب (1)
تقول رضي الله عنها كما في رواية الزهري عن جماعة عنها :
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا
أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه.
قالت عائشة رضي الله عنها :
فأقرع بيننا في غزوة غزاها (2) فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي (3) وأنزل فيه مسيرنا.
حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل (4) ودنونا من المدينة آذن (5)ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش (6) فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي (7)
من جزع (8) ظفار (9) قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط (10) الذين كانوا يرحلون لي (11)
فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه
قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلهن (12)
ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العُلقة من الطعام (13) فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا.
ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش (14) فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب (15)فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي.
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطَّل السلمي ثم الذكواني قد عَرَّسَ من وراء الجيش (16) فأدلجَ (17) فأصبحَ عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم (18) فأتاني فعرفني حين رآني _ وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي _ فاستيقظت باسترجاعه (19) حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما يكلمني كلمة (20)
ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطىء
على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين (21)في نحر الظهيرة (22)
فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كِبْرَه (23) عبد الله بن أبيّ بن سلول.
فقدمنا المدينة فاشتكيت (24)
حين قدمنا المدينة شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف(25)
الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟(26)
فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت (27) وخرجتْ معي أم مسطح قِبَلَ المناصع (28) _وهو متبرزنا_ (29) ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف (30) قريباً من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنـزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا.
فانطلقت أنا وأم مسطح _وهى بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب
_ فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قِبَلَ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت:"تَعِس مِسْطح"(31) .
فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبين رجلاً قد شهد بدراً؟!.
قالت: أيْ هنْتاه (32) أو لم تسمعي ما قال؟
قلت: وماذا قال؟
قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال:كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟
قالت: _ وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما_ فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجئت أبوي فقلت لأمي:
يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوّني عليك.
فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة (33) عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثّرنَ عليها.
قالت: قلت: سبحان الله!! وقد تحدث الناس بهذا؟!.
قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع(34)ولا أكتحل بنوم(35).
ثم أصبحت أبكي.
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي (36)يستشيرهما في فراق أهله ،قالت فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود.
فقال يا رسول الله: هم أهلك (37) ولا نعلم إلا خيراً.
وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك (38).
قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال:
أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟
قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه (39) عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن
تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (40) فتأكله(41).
قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر (42) من عبد الله بن أبي ابن سلول
قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟!! فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي.
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله. إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت: فقام سعد بن عبادة _ وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية(43)
_ فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله.
فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت
_ لعمر الله _ لنقتلنه. فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
فثار الحيان الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم
قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.
فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي.
قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس.
قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء.
قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه.
قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قَلَص دمعي (44) حتى ما أحس منه قطرة
فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال.
فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن:
إني والله لقد عرفتُ أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة واللهُ يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)(يوسف: من الآية18) قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي.
قالت وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكنْ والله ما كنت أظن أن ينـزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقرَ في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يُتلى. ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
قالت: فوالله ما رام (45) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (46) عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان (47) من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه.
قالت: فلما سُرِّيَ (48)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك.
فقالت لي أمي: قومي إليه.
فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي.
قالت: فأنزل الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ )(النور: من الآية11) عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي.
قالت: فقال أبو بكر:
_ وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره
_ والله لا أنفق عليه شيئا أبداً بعد الذي قال لعائشة
فأنزل الله عز وجل (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى)(النور: من الآية22) إلى قوله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)(النور: من الآية22)
فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي.
فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال لا أنزعها منه أبدا؟
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري
ما علمت أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيراً.
قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله
بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك" .
قال الزهري: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط(49)
نقلتها وعيني تسيل دمعا لو كنت مكانها
هل يكون لي نفس الموقف ؟؟؟هل اكون صبورة واصبر واحتسب ؟؟؟
عائشة وضي الله عنها كانت حديثة السن وابتليت اشد ابتلاء
اقتدين بها في الصبر عند المحن والابتلاء .
فكم هي الفتن التي تمر بها المسلمة اليوم ،فما لم تعتصم بربها وتستمسك بدينها
جرفتها تلك الفتن وهوت بها في مكان سحيق .
والله المستعان