السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
آثاره و مؤلفاته:لقد بحثت و فتشت في كل المصادر و المراجع التي طالتها يدي عن مؤلفات أيو القاسم الوهراني ، لكني لم أعثر على أي كتاب كامل باسمه ، وكل ما وجدته أنه ترك جزء ذكر فيه رحلاته و شيوخه و أسانيده في كتب الحديث الشريف، وقد جمعت من خلال تتبعي للمصادر التي نقلت من جزئه هذا - بالإضافة الى شيوخه الذين ذكرتهم آنفا – مجموعة آخرى ممن سمع عنهم و أجازوه منهم مثلا : الإمام المقرئ عبيد الله بن أحمد بن يعقوب أبو الحسين البغدادي، الشيخ الفقيه اليحرمي، والفقيه الأديب ابن مالك، وابن السقا، وابن مامي، وابن سيف، وأبو الفضل العطار، وأبو الحسن ابن لؤلؤ.
وقد نقل من هذا الجزء بعض تلاميذه و ذكروا انه املى و أقرأ عليهم منه في مجالسه ، ومنهم ابن الحذاء الذي احتفظ لنا ابن بشكوال ببعض ما كتبه، ومنها على سبيل المثال هذه الحادثة التي رواها الوهراني لما كان بمرو : " ... أخبرنا أبو محمد بن عتاب رحمه الله قال: أنا أبو القاسم حاتم بن محمد ونقلته من خطه قال: (( أملي علينا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني رضى الله عنه قال: لما وصلت إلى مدينة مرو من مدائن خراسان سمعت الجامع الصحيح على محمد بن عمر بن شبوية المروزي فسمعنا عن شيخ بها يروي الحديث فأتيناه لنروي عنه أيضاً. وكان اسمه علي بن محمد الترابي يعرف به، فوجدنا معه كتاباً غير بين فوجدناه يقرأ في المصحف وعند أصحاب الحديث أن من لا يستظهر القرآن عن ظهر قلب فهو ناقص. وكان الرجل إماماً في الحديث. فقلنا له: مثلك يقرأ في المصحف؟ فقال: ليس في أصحاب الحديث احفظ مني للقرآن، وذلك أني أصلي به الأشفاع في كل عام وأنا إمام قومي، فلما كبر سني ضعف بصري فتركت القراءة في المصحف، وكان ابن أخي يقودني إلى المسجد أصلي بالناس الفريضة، فنمت ذات ليلة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا علي: لم تركت القراءة في المصحف، فقلت يا رسول الله: ذهب بصري. فقال لي ارجع إلى القراءة في المصحف يرد الله عليك بصرك. فقمت فتوضأت وصليت وكانت ليلة طويلة من ليالي الشتاء فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا علي:؛ أقرأ في المصحف يرد الله عليك بصرك ففكرت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّالشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي " ( 2) فلما أصبحت غدوت إلى المسجد وابن أخي يقودني ولا أرى شيئاً فصليت بقومي الفريضة ثم انصرفت إلى منزلي فقلت لهم: أعطوني المصحف. فقال لي أهلي: وما تريد من المصحف؟ قلت لهم: انظر فيه: فأخذت المصحف وفتحته وأخذت في القراءة ظاهراً وأنا أفتح المصحف ورقة فما طلع النهار إلا وأنا أقرأ في المصحف وأرى حروفه أجمع، ثم تماديت في القراءة إلى الظهر، فلم يأت الظهر إلا وأنا أرى كما كنت أرى وأنا أحدث فهذا شأني)). (3)
كما ذكرت هذه المصادر و نقلت عنه من مصنف يتعلق ب " غوامض الأسماء المبهمة " منها ما أورده ابن بشكوال لما عرّف بمغيث بن جحش زوج بريرة ، وهل هو عبد أم حر؟ و مغيث هذا هو المذكور في الحديث الشريف الذي أخرجه البخارى (5/2023 ، رقم 4979) ، وأبوداود (2/270 ، رقم 2231) ، والنسائى (8/245 ، رقم 5417) ، و ابن ماجه (1/671 ، رقم 2075) .
قال ابن بشكوال: "... في زوج بريرة هذا الذي تقدم هو مغيث بن جحش الحجة في ذلك... أخبرنا أبو الحسن يونس بن محمد عن أبي عمر أحمد بن محمد ابن يحيى القاضي عن أبيه قال، (( قال أبو القاسم الوهراني زوج بريرة هو مغيث بن جحش مولى لآل أبي أحمد)) "(4).
فلست أدري إن كان هذا المصنف هو من تأليفه أو هو من بعض أملاءاته في مجالسه ؟ كما نقلت عنه المصادر أيضا أن له آراء فقهية و أقوال في الجرح و التعديل و التعريف ببعض المحدثين و رجال الفقه المالكي بالمشرق و كلها مبثوثة في مظانها من الكتب.
وفاته:
توفي رحمه الله في مدينة بجانة في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وأربع مئة ( 411 هـ) وقد جاوز سبع و سبعين سنة،و بعد حياة حافلة بكثرة الرحلات و السياحة في بلاد الإسلام طلبا للعلم و الإسناد العالي و التفقه في الدين، و الإفادة و الاستفادة.
ثناء العلماء عليه:نال مترجمنا ثناء كثير من العلماء والشيوخ فقد أعجب به أساتذته وشيوخه ، و عرف قدره و فضله تلاميذه و أقرانه، وكل من ترجم له من المصنفين ذكروا همته العالية في طلب العلم و رسوخ كعبه فيه ، كما اثنوا على أخلاقه و حمدوا سيرته وسأورد بإيجاز بعضا منها:
- ترجم له الإمام الخبير مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي فقال عنه في سير أعلام النبلاء : " الشيخ الثقة الجليل أبو القاسم عبد الرحمنبن عبد الله بن خالد بن مسافر الهمداني المغربي الوهرانيثم البجانيالمعروف ابن الخراز، مولدهسنة ثمان و ثلاثين و ثلاث مئة ، و سافر في التجارة إلى أقصى خراسان ، و عنيبالرواية... وكان خيرا صالحا متقبضا، يتكسب بالتجارة ".
- ذكره الخولاني و أثنى عليه في مجالسه وقال عنه : ... رجل صالح صاحبسنة".
- وهو نفس الثناء الذي حلاه به الإمام المقرئ أبو الطيب ابن غلبون : "... كان صالحاً صاحب سنّة، له رحلة قديمة لقي فيها الناس، وحجّ ورحل إلى العراق و غيرها".
- قال عنه تلميذه الإمام ابن الحذاء كما نقل ابن بشكوال في ترجمته لأبي القاسم الوهراني في كتابه الصلة : " ... قال أبو عمر بن الحذاء : كان رجلا صالحا منقبضا دارهببجانة قرب دار ابن أبي الحصن كان معاشهمن ثياب كان يبتاعها ببجانةويقصرها ويحملها إلى قرطبة فتباع له ويبتاع في ثمنها ما يصلح لبجانة ويجلب كتبهفتقرأ عليه في خلال ذلك".(4)
ملاحظة: كل ما وضعته بين قوسين (( )) و ظللته باللون الأزرق فهو من كلام أبو القاسم الوهراني.
الهوامش:
(1) - " بَجانَةُ: بالفتح ثم التشديد وألف ونون، مدينة بالأندلس من أعمال كورة البيرة خربت وقد انتقل أهلها إلى المَرية وبينها وبين المرية فرسخان وبينها وبين غرناطة مائة ميل وهي ثلاثة وثلاثون فرسخاَ ".
أنظر : معجم البلدان لياقوت الحموي 1/237.
(2) – حديث صحيح ، عن أبى هريرة رضي الله عنه: رواه مسلم (4/1775 ، رقم 2266) وأخرجه أحمد (2/232 رقم 7168) و ، وابن ماجه (2/1289 ، رقم 3917).
(3) – الصلة في الرواة لابن بشكوال 1/101.
(4) - غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال : 1 / 161.
(5) - الصلة في الرواة لابن بشكوال 4/23.
المصادر و المراجع:
- " غاية النهاية في طبقات القراء" للحافظ ابن الجزري مكتبة الخانجي مصر 1932م.
- " ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك" للقاضي عياض السبتي، تحقيق مجموعة من الباحثين. الرباط: وزارة الأوقاف، 1983م.
- " الصلة في الرواة " لابن بشكوال - مكتبة الخانجي القاهرة 1994م.
- " غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة" لابن بشكوال
تحقيق د. عز الدين علي السيد ، محمد كمال الدين عز الدين - نشر عالم الكتب بيروت لبنان ، الطبعة 1 ، 1407هـ.
- درة الحجال في أسماء الرجال لأبي العباس أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن القاضي تحقيق محمد الأحمدي أبو النور نشر دار التراث بالقاهرة والمكتبة العتيقة بتونس الطبعة 1- 1390هـ /1970م.
- " فهرسة ما رواه عن شيوخه " لابن خير الإشبيلي، دون تاريخ.
- " وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان "لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، الطبعة 1 - 1968م.
- " سير أعلام النبلاء " للحافظ الذهبي، تحقيق :: شعيب الأرناؤوط , محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة 9 - 1413 هـ.
" تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" لعلي بن حجر العسقلاني - طبعة القاهرة 1964م.
- " الاكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الاسماء والكنى والانساب" للأمير الحافظ ابن ماكولا - دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ.
- " جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس " للحميدي ، تحقيق روحية عبد الرحمن السويفي ـ دار الكتب العلمية بيروت ، الطبعة 1 1417هـ / 1997م.
-بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس. ابن عميرة الضبي. تقديم وشرح د. صلاح الدين الهواري. المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، الطبعة 1، 2005م.
- " طبقات الشافعية" لابن قاضى شهبة - تحقيق : د. الحافظ عبد العليم خان.، عالم الكتب - بيروت - الطبعة 1 ، 1407 هـ
- "التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد " لابن النقطة الحنبلي ، تحقيق كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة 1، 1408 هـ.
- " توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم"
لابن ناصر الدين الدمشقي، تحقيق محمد نعيم العرقسوسي - مؤسسة الرسالة بيروت ، الطبعة1، 1993م.
-" الإعلام " لخير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين بيروت - الطبعة الخامسة أيار (مايو) 1980م.
- " حياة ابن حزم و تعليمه" دراسة منشورة في مجلة مجمع اللغة العربية ، الجزء الرابع والثمانون - المحرم 1420هـ/ مايو 1999م.