من المؤسف أن يصبح القمار لعبة السهرات الرمضانية، إذ أن مصالح الأمن عندنا لا تكاد تسجل حالات القمار إلا في الشهر الفضيل، وضيف الشروق اليومي هو شاب من الجنوب الشرقي الجزائري دخل المدينة الكبيرة طالبا جامعيا وانتهى به الحال في السجن .."ب.ب" جاوز سنه الآن 35 عاما تعلّم القمار في رحلة قادته إلى وهران صيفا، حيث جمعته الصدفة في فندق صغير بمقامرين كانوا يقضون الليل في لعبة البوكير وولعبة مكعبات النرد .. وجرّب معهم حظه فعاد من جولته السياحية وجيبه مليء بقرابة مليونين من السنتيمات، فراح يبحث عن صالات القمار في المدينة الجامعية التي كان يزاول فيها دراسة اللغة الإنجليزية ..
كان يظن أن الحظ حليفه وكان يظن أن القمار مثل لعب الكرة بإمكان ممارسه التوقف والاعتزال في الوقت الذي يختاره هو ..ولكنه دخل الدوامة بعد ذلك إذ لم يزر عائلته التي تبعد عن المدينة الجامعية جنوبا أكثر من 700 كلم كان في كل مرة يقول إن الربح الوفير هو الذي يجعله يتوقف، ولكنه نسي حاله وأمضى أيام الشتاء في قاعات القمار البعيدة عن الأنظار رغم علمه بأن لا فائز في القمار إلا صاحب الدار الذي يستأجر مسكنه للاعبين إلى أن قرّر التوقف عن الدراسة نهائيا وممارسة بيع الأقمشة النسائية في شوارع المدينة، وهناك تعرف على شريكة حياته وتزوّج منها ..
كانت امرأة جميلة مثل الحلم الفاتن في عالم من الكوابيس .. المتهم الضحية وهو يروي للشروق اليومي مأساته كان يرتعد حينا ويغرق أحيانا في دموعه، وهو يذكر الرسائل والمكالمات التي كانت تصله من عائلته بالمنطقة الجنوبية البريئة، ويذكر زوجته المسكينة التي رضيت به زوجا رغم فقره، ووقفت إلى جانبه عندما علمت بأنه مصاب بوباء القمار الذي أضاع حتى حليّها، فكان كلما خسر جولة قمار، إلا وأخذ أقراطها إلى درجة أن طاولة القمار صارت أحيانا خليط بأوراق اللعب والأوراق النقدية وأيضا مصوغات الزوجة المسكينة التي خسرت لأجل زوجها مالها وعائلتها التي كانت تترجاها لأجل تركه وخُلعه وكانت ترفض بسبب الابن المغروس في أحشائها ..
ثم يصمت ويقول.. كنت مدمنا على القمار طامعا في صفقة العمر ومرّة عندما خسرت كل شيء ورفضت رفع الراية البيضاء اقترحت على خصومي زوجتي، لم أكن مخمورا ولا مدمن مخدرات بل كنت تحت وقع القمار، كانت زوجتي في تلك اللحظة مجرد شيء يباع ويشترى، كنت مستعد أن أعرضها بدل المرة الواحدة عدة مرات، المهم أن تمكّنني من اللعب والحلم بالربح وفقط، رغم يقيني بأن الخسارة قدري .. ثم يجهش بالبكاء وهو يقول كل هذا مقابل أن يمنحوني 5000 دج ألعب بها جولة أخرى وليست الأخيرة .. والطامة الكبرى أن الأنذال وافقوا واتجهوا إلى بيته وحاولوا اغتصاب المسكينة، حيث أفهموها بأنها ملك لهم وزوجها من منحهم "حق" التمتع بها.. صدمتها لم تكن في هاته الذئاب، وإنما في زوجها كانت تصرخ ليس خوفا على نفسها وعلى شرفها، ولكن على العمر الذي ضاع مع رجل باع شرفه، ولكن الجيران أنقذوها وتم القبض على المقامرين الذين جرّوا معهم الزوج الديوث، ليتم الزجّ به في السجن في أغرب تهمة وجهت له، وهي خيانة زوجته بعرضها للبيع.. الرجل تاب الآن والزوجة تطلقت، وهي تحاول أن تعيش مع ابنها الوحيد الكرامة التي دافعت بها عن نفسها، أما هو فقد طلب من زوجته أو طليقته أن لا تسامحه لأنه أدرك أن ما بدر منه لا يُغتفر؟