عولمة الثورة العربية
من المفارقات العجيبة أن انهيار الخوف الذي يملكه الإنسان في الشمال والجنوب له سمة واحدة، وقد ظهر ذلك جليا واضحا بين جدار برلين في ألمانيا و شارع الحرية في تونس .
ليس من الغرابة أن ينهار المعسكر الاشتراكي في ظرف قياسي بسبب سقوط الجدار، فعندما تكون المبادرة والعزيمة قوية بما يكفي لتطبيقها على الواقع الميداني، تفعل القوى الخفية ما يستحقه المجتمع، هذا ما يعتقده أهل الشمال على الأقل، بينما إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر لدى أهل الجنوب وذلك ما حصل بالفعل في واقع الحال ولا يزال وعامل الزمن خير دليل.
إذا كانت الثقافة الوافدة من الشمال تغير طبيعة الأفكار والسلوك لدى أهل الجنوب، لما تملكه من قوة التأثير عليهم بشتى الوسائل التقنية والإعلامية والاقتصادية، فقد انعكست في تحول هذه المجتمعات لتتطلع إلى الحياة الكريمة والذوق السليم الذي تحلم به كغيرها من الشعوب .
إن العولمة التي دمجت الشركات الكبرى وأفرزت الدولة الأقوى من بينها، قربت البعيد وأظهرت الخفي وربطت المجتمعات ببعضها فشكلت نسيجا اجتماعيا متشابها ومتكاملا، لا يعترف بحدود جغرافية أو مناخية ولا حتى سياسية، فيكفي أن تتوحد فكرة لأحدهم ويحس بها غيره ويتم التواصل الاجتماعي فتنتشر المبادرة على الفضاء الافتراضي كالنار في الهشيم، وتصبح مرئية ومسموعة بواقع الصورة والصوت، فلا تهم اللغة في التعامل إذ تكفي لغة الوجدان والإحساس والمعاني فتؤتي ثمارها في الحين .
ربما بدت بوادر عولمة الثورة العربية تظهر للعيان في الاتجاه العكسي، فهي ليست حكرا على الدول العربية فقد انتشرت شرارتها إلى أوروبا بداية من اليونان، والنموذج الإسباني ليس منا ببعيد والبقية تأتي.. والإعلام يعطيها وصفات ملطخة لتهدئة الخواطر ومعالجة انفلونزا الثورات العربية حتى لا تسمى مرض القرن، تيمنا بزواج القرن ..
فالفقر والقهر والظلم والاستبداد، و... ملة واحدة، وقد استأثر الأغنياء بثرواتهم التي سلبوها من أرزاق الفقراء بشتى الوسائل وعبر عدة عقود، ألم يخبرونا أن ما نسبته 8 بالمئة من الأثرياء تمتلك ثروة ما نسبته 80 بالمئة من السكان، من أين لهم ذلك؟ ألا تعرفون الجواب؟ قد تعود المجتمعات إلى نفسها مرة أخرى عبر التناغم الوجداني، والحاصل اليوم داخل الثورات العربية واقتداء المجتمعات الأخرى كالشباب الاسباني في ساحات مدريد خير دليل على الأقل، فهل لها من أيديولوجية تحركها فلكل ثورة أسس ومبادئ وأهداف وبرنامج يجعلها ترتكز على مقومات الحياة ولو لجيلين على الأقل.
فلا الثرثرة السياسية تفي اليوم بمتطلبات الشباب، ولا ننتظر طويلا حتى تتبلور الأفكار، اقتفاء بمقولات الجامــــعة العربــــية.. فالمجتمع يريد حلولا جـــذرية وآنية وعملية ميدانية، لكي تتجسد أفكار الثورة إلى عمل ميداني في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها..
ومن هنا تدور عجلة الزمن مرة أخرى لتشكل الثورة العربية نموذجا حضاريا جديدا تحيا به المجتمعات الغربية .
باهي لخضر التبسي – الجزائر.