أيها المعلم أيها الأستاذ ، أنت الذي لا تتوقف عن المطالبة بالحقوق و التهديد بالإضراب في كل مرة ، و تريد من الدولة تحسين ظروفك الاجتماعية .
أنت أيها المربي ، لنفترض أن الدولة استجابت لكل مطالبك ، فرفعت أجرتك إلى مستوى يفوق كل القطاعات التابعة للوظيف العمومي ، و وفرت لكل أستاذ السكن اللائق ، وضمنت لأبنائه الرعاية اللازمة ، حتى يتفرغ لمهام التعليم و صنع رجال المستقبل ، ستكون في وضعية مريحة جدا ، و ستحتل مركز اجتماعي مرموق ، وتكون مثل أعلى يقتدى به افراد المجتمع ،
لنفترض ان كل هذا تحقق ، فما هي النتيجة أيها المربي ؟ انك لا تتصور حجم الكارثة التي تنجر عن الاهتمام بك. ان الرفع من قيمة المعلم يشكل طامة كبرى و تهديد مباشر بالنسبة لكثير من القطاعات التابعة للوظيف العمومي ، فلا تكون أناني أيها المعلم . نعم تهديد مباشر لأرزاق الناس . وتهديد للأمن القومي .
إن الاهتمام بالمعلم و جعله يتربع على صدارة الفئات النشطة في المجتمع نتيجته واضحة و سريعة ، ان هذا الكائن ـ المعلم ـ سيتفرغ الى التعليم نتيجة لهذه الرعاية ، و يأخذ عمله كل وقته ، مادامت الدولة تكفلت بمشاكله الاجتماعية ، وستكون مردوديته كبيرة جدا ، وسينجح أخيرا في بناء المواطن الصالح ، إن التلميذ الذي يدرسه هذا المعلم ـ المهتَم به ـ سيكون مهئ للفعل الحضاري ، و على دراية تامة بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ، سيكون هدف هذا التلميذ هو التطور و اللحاق بالركب الحضاري
و فضلا عن هذا ، سيكون ابعد الناس عن الفساد و الإجرام و اللصوصية و الرشوة و التزوير و الغش و المحاباة ، و يكون معتمدا على نفسه و قدراته ، ولا يضع في الحسبان اي اعتبار " للمعريفة " و المحسوبية ، لن يفكر هذا التلميذ في المستقبل بعقلية " عندي لكتاف " سواء كانت هذه الأكتاف مرصعة بالنجوم او اليورو ، لا يوجد اعتبار عن هذا التلميذ الذي درسه ذلك المعلم الذي اهتمت به الدولة لكل هذا ، لن يفكر في الوسائل الملتوية حتي ينال مناصب معينة . كما انه سيكون ابعد خلق الله عن تعاطي المخدرات و الحبوب المهلوسة .
اسمع أنت ... أيها المعلم
ربما تعتقد ان بناء المواطن الصالح مدعاة للافتخار ، و قد يذهب بك الغرور إلى حد الاعتقاد بانك تساهم في تحقيق مشروع مجتمع مستقبلي . ايها المربي " أفطن " ، ان روادك هذا الشعور فأنت مخطئ تماما ، وحالم ، انك في الحقيقة أناني فقط ، لا تفكر الا في نفسك .
تصور معي ايها المعلم الحالم.. تصور مجتمع أفراده على وعي كبير ، فلا يفسدون في الأرض ، لا يتورطون في جرائم ، لا سرقة ، لا رشوة ، لا محسوبية ، لا تزوير ، لا نصب و احتيال . انه المواطن الصالح .
لنفترض مرة اخرى انك تمكنت من تكوين المواطن الصالح ، الم تفكر ايها المعلم للحظة ، قبل ان تقدم على هذا العمل الخطير ، في مصير الآلاف من الموظفين مثلك في قطاعات أخري غير التعليم ، ما مصير قوات مكافحة الشغب ايها المحترم ، اذا كان الجمهور على وعي تام ، فيتابع مثلا مباراة في كرة القدم بروح من يتابع عمل فني او مسرحية فليس له من غرض الا المتعة البعيدة كليا عن العنف . ماذا نفعل بقوات مكافحة الشغب ؟ نسرحها أيها الأناني أليس كذلك .
ثم اذا انعدمت اللصوصية و الإجرام في المجتمع ، فماهو دور الشرطة ، التي كنا نعمل على الرفع من تعدادها ،هل يبقى لها من دور ؟ وجود المواطن الصالح ايها المعلم يعني تسريح اغلبية الشرطة ، فهل هذا يرضيك ؟ لا اظن ، و انت المعلم ، صاحب الضمير الحي .
و اذا انعدم الإقبال على المخدرات و تجارة الأسلحة فما فائدة حرس الحدود و الدرك الوطني . نسرحهم كذلك ايها المجرم ،اذ لا مبرر لهذا العدد الكبير من هذه الفئات التي تنهك الخزينة العامة بدون سبب في ظل المجتمع الصالح .
و بالطبع اذا زالت مبررات وجود الشرطة ، فان المحاكم بدورها تكون مهددة . ايها المعلم الم تفكر في مصير القاضي ؟ الا تعلم ان المواطن الصالح يجهل طريق المحاكم ، ان المواطن الصالح يضع القضاة و كل من ينتسب الى هذه المؤسسة ، في حالة بطالة ، الأمر الذي يفرض تقليص عددهم ، و اذا كان القاضي لا عمل له ، فقل على المحامي و المحضر القضائي السلام ، وانصحهم ايها المعلم بتغيير المهنة .
ثم ان الدولة يجب ان تلغي كل المشاريع ، بسبب ظهور المواطن اصالح على يديك ، المشاريع التي كانت مبرمجة لإقامة المزيد من السجون ، و العمل على تحويل المنجز منها الى مراكز ثقافية و نوادي للمواطن الصالح ، الم تفكر ايها المعلم في مصير السجانين ؟.
كما ان المواطن الصالح سيهتم بصحته اكثر ، ونظافة المحيط ، و نظافة المحيط تعني عدم الحاجة لعمال النظافة فنسرح الكثير منهم كذلك ايها المجرم ، بل ان نظافة المحيط و الاهتمام بالصحة فان هذا المواطن قلما يتعرض للأمراض ، و اذا لم يمرض المواطن ، فهذا يعني غلق الكثير من المصحات العمومية والصيدليات . ويعني الحكم على الموظفين هناك بالبطالة . فهل تريد التوظيف لنفسك فقط ايها الأناني ؟
وفي المحصلة نصل الى إلغاء وزارة العدل و وزارة الصحة . فهل يرضيك هذا ايها المعلم ؟ هل يجب التضحية بكل هذه القطاعات من اجلك خسئت ايها المعلم , عد لرشدك
لهذه الأسباب يجب ان تُهان و تُداس بالإقدام ويجب تصويرك دائما في شكل كاريكاتوري يبعث على الضحك و الاحتقار ، و السخرية . ينبغي ان لا تكون مثل اعلى للتلميذ ، يجب ان لا يراك التلميذ الا و أنت في وضع مأساوي ، بائس ومنبوذ من كل فئات المجتمع . حتى لا تكون قدوة بل تكون عبرة لمن يعتبر، لا بد من التشهير بك و الحط من قيمتك و التقليل من دورك في المجتمع ، و تشويه سمعتك ومحو ما سطره الشاعر فيك من مديح ، هل يمكن تشبيهك بالرسول ؟ عن اي رسول تتحدث بل قم للمعلم ووفه التركيل ، لا تبجيل و لاهم يحزنزن...عد لرشدك يا معلم......الحكم لكم يا زملاء...تحياتي