لا لانضمام فلسطين الى دول التعاون الخليجي
كتب رئيس التحرير - تنتشر النكات في العاصمة الاردنية وسط المثقفين هناك ، ومنها ان مسافرا اردنيا على الحدود سأل مسافرا اّخر : من اين انت ؟ فاجابه : انا خليجي من اصل اردني . والبعض الاخر راح يقول ان محلات بيع الدشاديش وأغطية الرأس ( الشماغ ) ستنتشر في الصويفية وعبدون والشميساني . ولا اخفي عليكم ان ارتياحا واسعا ينتشر وسط الاردنيين من هذا القرار ، لانه قرار هام ويعبّر عن مصلحة خليجية اردنية مشتركة تنال رضى اهل الخليج الذين عاشوا وتربوأ على ان الاردن بأهلها وثقافتها ومسلسلاتها التلفزيونية وحدودها المشتركة وثقافتها لا تختلف ابدا عن ثقافة اهل الخليج .
وبما اننا لا نملك الا ان نقول مبروك للاردن الشقيق على محاولة دخوله مجلس دول التعاون الخليجي ، وليس سرّا ان دول الخليج بحاجة الى جيش من المسلمين السنة لحمايتهم . وان الاردن دولة أمنية قوية ويمكن ان تنجح في ذلك بل ان هناك ملايين الاردنيين متواجدون منذ الستينيات في بلاد الخليج كمعلمين واطباء ورجال اعمال وضباط امن في دول الخليج ، ونقول مبروك للمغرب التي ستدخل هناك وتوفر العمالة والشغّيلة والكفاءات والطاقات الادبية والفنية من المسلمين السنة الذين سيمزجون ثقافة المغرب العربي مع ثقافة وموال الخليج في حضارة عربية جديدة نتمنى لها النجاح .
اما نحن ، اي اهل فلسطين فلا نريد ذلك أبدا ، ودعونا نقول شكرا على الفكرة ولكننا لا نريد ، وبصراحة نحن لا نملك امنا لنعطي الخليج الاستقرار ، ولا نملك سكانا فائضا عن حاجتنا فنقوم بتصديرهم الى صحراء النفط ، حتى اننا لا نملك روح المرح حتى نضيف الى ثقافة الخليج ما يمكن ان يسعدهم ،كما لا نريد اموالا ولا دشاديش ولا نفط ، وستكون صفقة خاسرة يندم عليها اهل الخليج ونندم عليها نحن .
ومع احترامي الكبير لثقافة أمين عام مجلس الوزراء الدكتور نعيم أبو الحمص قوله ( عند الاستقلال سوف تكون لنا مواقف متقدمة مع جميع الدول المحيطة مع الأردن ومصر وخاصة في مجال التنقل الحر والتبادل التجاري السريع، وسنبذل علاقة مماثلة مع سوريا ولبنان وسندرس بعمق فكرة الانضمام لدول التعاون الخليجي ).
وانا لا اعتقد اننا نريد الانضمام الى دول التعاون الخليجي كي يعمل اولادنا عمالا في الصحراء ، او معلمين في اقاصي الربع الخالي ، او سقائين او حطّابين هناك ، فقد سبق وعمل اباؤنا عمالا وسوّاقين ومعملين وعمال نظافة وباعة متجولين وخدم في الفنادق لمدة 30 عاما في الخليج والنتيجة لم تكن سوى المزيد من الاغتراب والضياع ، وكم أّلمني وضع الفلسطينيين في دول الخليج وقد تزوجوا وتناسلوا واصبح اولادهم في الجامعات وتخرّجوا يبحثون عن عمل ثم لم يلبثوا ان اتصلوا بنا يتوسلون بطاقة هوية من اجل العودة ، علما ان العامل او المعلم الفلسطيني في الخليج لا يحصل على مرتب اعلى من 2000 دولار ويدفع نصف المبلغ للسكن ويعيش بالباقي ، فلا هو يتمكن من عمل ثروة ينقذ بها اهله في الارض المحتلة من ناب الجوع ، ولا هو ( غالبيتهم ) لا يتمكنون من التفوق على منافسة الهنود والباكستانيين والبنغال والسريلانكيين والصينيين والفيتناميين في جلد العمل المتواصل تحت اشعة الشمس هناك .
فمن الناحية التاريخية ، لم يكن هناك سوى 6 دول عربية وهي اليمن ، والحجاز والعراق وسوريا ومصر والمغرب العربي ، وان باقي الدول التي نشأت وتنشأ واخرها دارفور مجرد تقسيمات غربية وغريبة عن التاريخ العربي ، ونحن سوريون من بلاد الشام ، ولسنا عراقيين ولا مصريين ولا مغاربيين ولا خليجيين ، لنا لهجتنا وثقافتنا ومزاجنا وطريقة حياتنا الخاصة ، نحن من بلاد الشام ولسنا من الكويت ولا من قطر ، فلا تتعبوا انفسكم وتبحثوا الامر ، واذا كانت امريكا تريد العبث بالقوميات الفرعية في العالم العربي عن طريق اقامة المزيد من الدول الطائفية والافريقية والاتحادات السياسية ، فهذا لن يسعف اسرائيل بشئ ، وحتى لو اعطونا هوية خليجية ، نحن هنا باقون ولا نريد حل " مشكلة حق العودة " عن طريق بطاقة هوية خليجية .
هنا فلسطين ببحورها الثلاثة ( البحر الاحمر والبحر المالح والبحر الابيض ) ، وهنا فلسطين التي يتدفق فيها نهران ( نهر الاردن ونهر العوجا - اسرائيل اطلقت عليه اسم نهر اليركون ) ، وهنا فلسطين التي تحتوي على 7 تضاريس جغرافية من ام الرشراش ( ايلات ) الى عكا الى يافا الى جبال نابلس الى سهول مرج بن عامر الى صحراء النقب الى اريحا ، هنا ولدنا ، وهنا نعيش ، وهنا نريد ان نموت .
وهناك مليون فلسطيني في امريكا الشمالية وكندا ، وهناك مليون فلسطيني في اوروبا ، ومليون في امريكا اللاتينية ، و 5 مليون في الدول العربية ، ومليون ونصف في داخل اسرائيل ، ومليون ونصف في غزة ، و3 مليون ونصف في الضفة الغربية ، لدينا 15 مليون فلسطيني هنا وفي العالم ، منهم كبار رجال الاعمال والعلماء والفقهاء والشيوخ والثوّار والعمال والفلاحين واللاجئين والطلبة والاشراف ووالاغبياء واللصوص وكل اصناف البشر ، لكننا ، لا نريد سوى فلسطين ، وكما رفضنا الجنسية الكندية والامريكية والاوربية ، اغفروا لنا اخوتنا في الخليج ، نحن شعب في مهمة ، ومهمتنا لم تكتمل بعد ، والمهمة هي الحرية .
بقلم الدكتور : ناصر اللحام