نختلف كأزواج..نعم، يتحطم الأبناء..لا!!!!
نختلف كأزواج..نعم، يتحطم الأبناء..لا!
لا يخلو بيت من خلافات بين أفراده، وعلى رأس هذا البيت قطباه وعماده الأب والأم، وهما باعتبارهما بشرين ولكل واحد منهما شخصيته وثقافته التى شكلت عاداته وأخلاقياته، ومن حق كل واحد منهما أن يعبر عن نفسه، فإن لم يوجد القدر المطلوب من التفاهم بين الطرفين، أفرز هذا التعبير اختلافات قد تصل إلى حد المشاجرات والمشاحنات التى تؤثر بشكل مباشر وكبير على استقرار الأبناء وأمانهم النفسي.
ومن الغريب أن نعرف أنّ الخلاف الصامت الذى يحاول الوالدان إخفاؤه ظاهرياً عن الأبناء، أشدُ تأثيراً على الأبناء من الخلاف الصاخب؛ فقد عزَّت بعض الآراء العلمية الحديثة أحد أسباب الإصابة بمرض الربو فى سنوات الطفولة الأولى إلى الخلاف المكتوم بين الأبوين الذى يستشعره الطفل وإن كان خافياً.
وماذا نفعل إذا كان الخلاف أمراً وارداً وطبيعياً..؟
الجواب ببساطة: أن نشمر لنتعلم جميعاً فنون إدارة الخلاف، فكما أنَّ الطفل بحاجة لتماسك العلاقة بين والديه، فالوالدان أيضاً بحاجة ماسَّة إلى الحنكة والمهارة فى إدارة الخلافات الأسرية بينهما بما يعني موازنة ضبط الأمر بين اطلاع الطفل على حقائق الحياة، وبين إشعاره بالأمان والاستقرار والتماسك.
فالطفل يتعلم مما يشاهد من الإدارة الذكية لخلافات والديه؛ أن مشاعر الغضب مسموح بها؛ لأنها لا تؤذي أحداً، وأن الإحساس ما لم يرتبط بفعل فهو مازال فى نطاق المسموح، كما أنه يتعلم أن الاختلاف في الرأي يفترض ألا يفسد للود قضية.
وهذه خطوات عملية لإدارة الخلافات الزوجية:
1- عدم التعرض لنقاط الخلاف أمام الأبناء.
2- إن حدث وعلموا بالخلاف نخبرهم أن الخلاف بين أى شخصين أمر عرضي وطبيعي.
3- عدم إطالة فترة الخلاف مهما كانت الأسباب.
4- محاولة إخفاء آثار الخلاف وممارسة الوالدين للحياة كالمعتاد.
5- صرف نظر الأبناء عن الخلاف بإشاعة جو المرح، أو الخروج للتنزه أو ممارسة أعمال جماعية.
6- عدم إظهار الخلاف عملياً للأبناء؛ فلا يترك أحد الأبوين حجرة النوم لينام فى حجرة أخرى، أو أن تبكي الأم أو أن تجلس واجمة صامتة.
7- يجتهد الزوجين أن يحاولا بكل الوسائل منع هذه النزاعات، وأن يتفقا على التزام الهدوء وعدم الجدل أمام الأولاد، وتأجيل الحديث لوقت لا يتواجد فيه الأبناء، ويكون الطرفان فى حالة هدوء واتزان وموضوعية.
8- عند وقوع الخلاف، لابد من تجنب الإهانات تماماً باللفظ أو الحركة؛ فتلك الإهانات تصيب الحالة العاطفية للطرف المهان بنوع من الشروخ يصعب إصلاحها، إضافة إلى ما يصل للطفل من مشاعر سلبية تدمر اطمئنانه لزمن بعيد، كما يستمر إحساس الطرف المهان بالعار والخجل مما لا يمكن إزالة آثاره لوقت بعيد.
9- لابد من السيطرة على الانفعالات في موقف الغضب كي لا تفلت الأمور، مع ضرورة تأجيل المناقشة فى الأمور التي لا يجب أن يسمعها الأبناء لوقت لاحق.
10- الأخذ فى الاعتبار أن قرار تأجيل المناقشة يعني تجنب إصدار الهمهمات والغمغمات الساخطة المشمئزة، التي تنم عن الكراهية بلا صوت، فإن ذلك يثير شكوك الأبناء وقلقهم وتوقعهم للكوارث.
11- لابد من إفهام الأطفال أن الحب هو الأصل فى علاقة والديه مع بعضيهما، وأن كلاً منهما يحترم الآخر ويخشى عليه من كل سوء، وأن كل مشكلة تأخذ وقتها وتنتهي، ويتجلى ذلك بالتعبير اللفظي عن هذه الرسالة، والعملي من خلال تعاملات الوالدين الهادئة والناضجة.
12- ينبغي ألا يسمع الأبناء أصوات الصراخ الأعمى- إن كان لابد منها- من خلف الباب المغلق؛ بل يفضل أن تكون المناقشة بلا مؤثرات صوتية خلف الأبواب المغلقة.
13- وبدلاً من الصراخ الأعمى فليكن الخلاف فرصة لتنفيذ وصية الرسول في التعامل مع الغضب؛ كالوضوء والصلاة والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ويا حبذا لو استطاع أحد الوالدين المبادرة بتغيير جو الخلاف باقتراح تغيير الحالة كالخروج فى نزهة أو ممارسة لعبة أو تناول أكلة تهدىء وتلطف الأجواء، أو التعامل بمرح أو إنهاء الخلاف سريعاً؛ لتقليل شعور الأبناء بألم الخلاف، مع اقتراح آليات لإرجاء المناقشة، ومحاولة الطرف الهادىء تطييب خاطر الغاضب بشكل يعلن الإحترام له ولحالته الشعورية.
14- لا داعي أن يلعب أحد الوالدين دور الشهيد المغلوب على أمره؛ لكيلا يمتلىء الأبناء قلقاً وضيقاً نحو واحد من اثنين يراهما أعز وأغلى ما يملك، أو يتحول إلى مستغل لهذه الحالة لمناصرة أحد الأطراف؛ للحصول على مغانم خاصة به.
15- يجب ألا يتحول الآباء إلى مفسرين لسلوكهم باستمرار، ويتحول الأبناء إلى قضاة، بل يفضل تقليل الخلافات قدر المستطاع.
لا شك أن المرونة مطلوبة لحياة أكثر إشراقاً، وصاحب مبادرة الحل وعلاج الخلاف ليس الطرف الخاسر بأى حال؛ بل هو صاحب الفضل