الأوامر القضائية
خول المشرع قاضي التحقيق سلطة اتخاذ قرارات قسرية لضبط وإحضار المتهمين وإيداعهم في المؤسسات العقابية.
يعد إصدار الأوامر القسرية من أخطر المهام المنوطة بقاضي التحقيق لما تشكل من انتهاكات على الحرية الفردية.
وهكذا يجوز لقاضي التحقيق خلال سير التحقيق وحسب ما تقتضيه الحالة ، إصدار الأوامر الآتي بيانها :
- الأمر بإحضار المتهم.
- الأمر بالقبض على المتهم.
- أمر إيداع المتهم بالحبس.
يتعين على قاضي التحقيق أن يوضح في كل أمر الهوية الكاملة للمتهم وأن يذكر فيه الجريمة المنسوبة إليه ومواد القانون المطبقة عليها وتاريخ إصداره وأن يوقع عليه ويمهره بختمه.
يؤشر وكيل الجمهورية على أوامر قاضي التحقيق ويتولى إرسالها ، وتكون هذه الأوامر نافذة في كل أنحاء التراب الجزائري.
وتعد هذه الأوامر القسرية من الأعمال التي يلجأ إليها قاضي التحقيق في إطار صلاحياته كهيئة يحث وتحر وليس من صلاحياته بصفته هيئة قضائية غير أن أمر إيداع المتهم بمؤسسة عقابية ينتسب أكثر إلى صلاحيات قاضي التحقيق القضائية.
ونظرا لما يجمع بين أمري الإحضار والقبض من خصائص فإننا سنتناول الأمرين معا قبل التطرق إلى أمر الإيداع.
أولا : أمرا الإحضار والقبض : يشترك الأمران في خصائص معينة كما أن كل أمر ينفرد بخصائص مميزة.
أ)- الخصائص المشتركة : يتفق الأمران من حيث التبليغ والتنفيذ.
وهكذا يتم تبليغ كليهما وتنفيذ هما من قبل ضباط الشرطة القضائية أو أحد أعوانهما أو أي عون من أعوان القوة العمومية ، ويعرض الأمر على المتهم وتسلم له نسخة منه (م 110/2).
وإذا كان المتهم محبوسا من قبل لسبب آخر يجوز تبليغه الأمر بمعرفة مدير المؤسسة الذي يسلمه نسخة منه.
وفي حالة الاستعجال ، يجوز توزيع وإذاعه الأمر بكل الوسائل (عن طريق الفاكس أو التلكس أو البرق) وفي هذه الحالة يتعين أن توضح جميع البيانات الجوهرية الواردة في أصل الأمر وبالأخص هوية المتهم ونوع التهمة واسم وصفه القاضي مصدر الأمر ، ويوجه أصل الأمر في أقرب وقت إلى العون المكلف بتنفيذه (م111/2.
ملاحظة : (هناك اختلاف بين النسختين العربية والفرنسية لنص المادة 111 فالعربية تتحدث عن الضابط المكلف بتنفيذ الأمر ، فيما تتحدث النسخة الفرنسية عن العون AGENT المكلف بتنفيذ الأمر).
* وإذا رفض المتهم الامتثال للأمر أو حاول الهرب تعين إحضاره جبرا عن طريق القوة (م116).
ولحامل الأمر في هذه الحالة استخدام القوة العمومية للمكان الأقرب إليه وعلى هذه الأخيرة أن تمتثل لما تضمنه الأمر من طلبات.
ومن جهة أخرى فسواء ضبط المتهم في دائرة اختصاص القاضي الآمر أو خارجه ، فلا يجوز أن يبقى المتهم في مؤسسة عقابية ، بدون استجواب أكثر من 48 ساعة ، و إلا أعتبر محبوسا تعسفيا (م133 و121 ).
وفي هذا المجال تعاقب المادة 291 ق.ع على الحبس التعسفي بالسجن من 5 إلى 10 سنوات ، وترفع هذه العقوبة إلى السجن من 10 إلى 20 سنة إذا استمر الحبس لمدة أكثر من شهر ، وتطبق هذه العقوبات على حد سواء على رجال القضاء والموظفين الذين أمروا بالحبس التعسفي أو تسامحوا فيه عن علم.
غير أن الأمرين ، أي الأمر بالإحضار والأمر بالقبض يختلفان من حيث القوة والأثر كما سنرى ذلك فيما يأتي :
ب)- الخصائص المميزة لكل أمر :
ب1) الأمر بإحضار المتهم : وهو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية لاقتياد المتهم ومثوله أمامه فورا (م110/1).
وهنا يجب التمييز بين ثلاثة حالات :
أولا : حالة ضبط المتهم في دائرة اختصاص قاضي ا لتحقيق مصدر الأمر : يقتاد المتهم في هذه الحالة فورا أمام قاضي التحقيق وعلى هذا الأخير أن يستجوبه في الحال مستعينا بمحاميه (م 112/1) ويثور التساؤل حول مصير أمر الإحضار في حالة ما إذا تعذر سماع المتهم بسبب غياب قاضي التحقيق الأمر أو بسبب أي عذر آخر ، فهل يصلح هذا الأمر أي يكون سندا لاقتياد المتهم إلى مؤسسة عقابية مؤقتا إلى حين زوال العذر؟.
تجيب المادة 112/2 بنصها "فإذا تعذر استجوابه على الفور قدم أمام وكيل الجمهورية الذي يطلب من قاضي التحقيق المكلف بالتحقيق وفي حالة غيابه من أي قاضي آخر من قضاة هيئة القضاء أن يقوم باستجواب المتهم في الحال و إلا أخلى سبيله".
سينتج من نص المادة المذكورة أن مفعول أمر الإحضار ينتهي بمجرد اقتياد المتهم إلى المحكمة وأنه لا يعد سندا لاقتياده إلى مؤسسة عقابية ، غير أن ما ورد في نص المادة (113) يخالف هذا الاستنتاج حيث نصت على أن كل متهم ضبط بمقتضى أمر إحضار وبقي في مؤسسة عقابية أكثر من 48 ساعة دون أن يستجوب يعتبر محبوسا حبسا تعسفيا مما يحمل على الاعتقاد بجواز اقتياد المتهم الذي ضبط بمقتضى أمر إحضار إلى المؤسسة عقابية ، وصلاحية هذا الأمر بأن يكون سندا لبقائه محبوسا لمدة لا تفوق 48 سا.
ثانيا : حالة ضبط المتهم خارج دائرة اختصاص قاضي التحقيق الآمر: يقتاد المتهم في هذه الحالة فورا إلى وكيل الجمهورية لمكان القبض الذي يقوم باستجوابه عن هويته ويتلقى أقواله ، بعد أن ينبهه بحقه في عدم الإدلاء بشئ منها ، ثم يحيله إلى حيث يوجد قاضي التحقيق مصدر الأمر (م114).
ويمكن للمتهم أن يعارض في إحالته بإبداء حجج جدية تدحض التهمة ، فإذا فعل يقتاد إلى مؤسسة إعادة التربية ويبلغ بذلك قاضي التحقيق المختص في الحال بأسرع الوسائل.
وفي هذه الحالة ، يرسل وكيل الجمهورية بدون تأخير محضر مثول المتهم إلى قاضي التحقيق متضمنا كل البيانات التي تساعد على التعرف على هوية المتهم أو التحقيق في الحجج التي أدلى بها ، علاوة على الإشارة إلى أنه نبهه بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح.
ويرجع لقاضي التحقيق مصدر الأمر تقرير ما إذا كان ثمة محل لنقل المتهم إليه.
ملاحظة : التزم المشرع الجزائري الصمت حيال مهلة نقل المتهم إلى حيث بوجد قاضي التحقيق.
ثالثا : حالة عدم العثور على المتهم : إذا لم يمكن العثور على المتهم ، يرسل العون المكلف بتنفيذ أمر الإحضار إلى محافظ الشرطة أو قائد فرقة الدرك أو عند غيا بهما إلى ضابط الشرطة رئيس قسم الأمن لبلدية إقامة المتهم (115/1).
يؤشر رئيس مصلحة الأمن المعنى على الأمر ويرسله إلى القاضي الأمر مرفقا بمحضر البحث بدون جدوى.
• لم ترد هذه الفقرة في النص العربي للمادة 115.
ملاحظة : صمت المشرع الجزائري بخصوص حق تفتيش مسكن المتهم تنفيذا لأمر الإحضار.
ب2 : الأمر بالقبض على المتهم : هو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية للبحث عن المتهم واقتياده إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر ، حيث يجري تسليمه وحبسه (م 119/1).
يجوز لقاضي التحقيق إصدار الأمر بالقبض ، بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية في حالتين :
- إذا كان المتهم هاربا.
- إذا كان مقيما خارج إقليم الجمهورية.
وماعدا هاتين الحالتين يتعين على قاضي التحقيق أن يمتنع عن إصدار الأمر بالقبض وأن يستخدم الأمر بالإحضار، وقبله ينبغي أن يوجه استدعاء إلى الشخص المطلوب ضمن الأوضاع القانونية المنصوص عليها في المواد 431( إلى 439) وينتظر رجوع وصل الاستلام ليتأكد من عدم امتثال صاحب الشأن للاستدعاء.
غير أنه يلاحظ من خلال الممارسة أن قضاة التحقيق لا يلتزمون دائما بأحكام المادة 119/2 ، حيث يلجأ ون إلى إصدار الأمر بالقبض بمجرد عدم مثول الشخص المطلوب أمامهم في التاريخ المعين في الاستدعاء دون التأكد من استلامه الاستدعاء ودون المرور بالأمر بالإحضار.
وأحيانا أخرى يستخدم قضاة التحقيق الأمر بالقبض بناء على طلبات النيابة العامة الواردة في طلب فتح التحقيق ، وهذه الطلبات تستند إلى محاضر التحقيق الابتدائي التي غالبا ما تفيد بأن المشتبه فيه في حالة فرار بمجرد عدم العثور عليه أو عدم حضوره إلى مكاتب المصلحة التي تجري التحقيق الابتدائي ، وتبعا لذلك فقد يحصل أن يفاجأ الشخص المطلوب بالقبض عليه وهو يجهل السبب لكونه لم يتلق أي استدعاء من مصالح الشرطة القضائية ولا من قاضي التحقيق بل ويجهل تماما إن هو محل متابعة.
وعلاوة على ذلك يشترط القانون لإصدار الأمر بالقبض أن يكون الفعل الإجرامي المنسوب للمتهم جناية أو من الجنح المعاقب عليها بعقوبة الحبس ومن ثم لا يجوز إصدار الأمر بالقبض في الجنح المعاقب عليها بالغرامة فحسب وكذا في المخالفات.
وبخصوص النتائج المترتبة على الأمر بالقبض يجب التمييز بين ثلاث حالات :
1- حالة القبض على المتهم في دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدر الأمر :
يقتاد المتهم في هذه الحالة بدون تأخير إلى مؤسسة إعادة التربية المبينة في الأمر (م 120).
يتعين على قاضي التحقيق الأمر أن يستجوب المتهم خلال 48 ساعة من حبسه ( م 121/1).
وإذا تعذر استجواب المتهم خلال هذه المهلة ، يقدم المتهم أمام وكيل الجمهورية الذي يطلب ن قاضي التحقيق أو في حالة غيابه من أي قاضي آخر من قضاة المحكمة القيام باستجوابه في الحال و إلا أخلى سبيله (121/1 و 112).
ويعتبر كل متهم ضبط بمقتضى أمر بالقبض وبقي في مؤسسة عقابية أكثر من 48 سا دون أن يستجوب محبوسا حبسا تعسفيا ، يسأل عنه جزائيا كل قاضي أو موظف أمر به أو تسامح فيه عن علم.
2- حالة القبض على المتهم خارج دائرة اختصاص القاضي مصدر الأمر : يقتاد المتهم في هذه الحالة فورا أمام وكيل الجمهورية لمكان القبض الذي يقوم باستجوابه عن هويته ويتلقى أقواله ، بعد أن ينبهه بحقه بعدم الإدلاء بشئ منها وينوه عن ذلك التنبيه في المحضر ( م 121/2).
ثم يقوم وكيل الجمهورية بدون تأخير بإخبار القاضي الذي أصدر الأمر ويطلب من المصالح المعنية بتحويل الموقوفين نقل المتهم إلى قاضي التحقيق.
- وإذا تعذر نقله في الحال يتعين على وكيل الجمهورية أن يعرض الموضوع على القاضي الأمر.
ملاحظة : لم يحدد المشرع مدة النقل.
3- حالة عدم العثور على المتهم : إذا تعذر القبض على المتهم ، يتم تبليغ الأمر بالقبض بتعليقه في المكان الكائن به أخر محل سكني المتهم بعد تفتيشه (122/3).
وفي هذا الصدد يتعين على المكلف بتنفيذ الأمر بالقبض التقيد بمهلة تفتيش المنازل المنصوص عليها في المادة 47 - /1 ، حيث لا يجوز له أن يدخل المسكن قبل الساعة الخامسة صباحا ولا يعد الثامنة مساءا (122/1).
ولكي لا يتمكن المتهم من الإفلات من سلطة القانون ، لحامل الأمر بالقبض أن يستعين بالقوة العمومية للمكان الأقرب من محل تنفيذ الأمر ، وعلى هذه الأخيرة أن تمثل لما تضمنه الأمر من طلبات (122/2).
يحرر محضر تفتيش المسكن بحضور اثنين من أقرب جيران المتهم ممن تسنى لحامل الأمر العثور عليهما ، يوقع الحاضران على المحضر فإذا كان لا يعرفان التوقيع أو امتنعا عن ذلك ، يذكر هذا في المحضر مع الطلب الموجه لهما (122/3).
وإثر ذلك يقدم حامل الأمر بالقبض هذا المحضر إلى محافظ الشرطة أو قائد فرقة الدرك الوطني أو عند غيابهما إلى ضابط الشرطة رئيس قسم الأمن ، لمكان سكن المتهم للتأشير عليه ويترك له نسخة من الأمر (122/4).
وبعد ذلك يرفع أمر القبض إلى القاضي الأمر (122/5).
ثانيا : أمر الإيداع : وهو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى رئيس مؤسسة عقابية باستلام وحسب المتهم (117/1).
أجاز المشرع لقاضي التحقيق إصدار أمر الإيداع وقيده في ذلك بشرطين أوردتهما المادة 118 :
- أن يقوم قاضي التحقيق بإستجواب المتهم قبل إصدار الأمر.
- أن يكون الفعل المنسوب إلى المتهم يشكل جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس.
ويعد أمر الإيداع في التشريع الجزائري من الأوامر القسرية التي تدخل في صلاحيات البحث والتحري التي يتمتع بها قاضي التحقيق ومن ثم فإن المشرع لم يقيد قاضي التحقيق في لجوءه إلى مثل هذا الأمر بقيود أخرى غير القيدين سالفي الذكر ، بحيث يصدر قاضي التحقيق أمر إيداع المتهم لمؤسسة عقابية دون حاجة إلى تسبب أمره وبدون أي مناقشة قبليه.
يبلغ قاضي التحقيق أمر الإيداع للمتهم ويشير إلى هذا التبليغ في محضر الإستجواب.
يقوم العون المكلف بتنفيذ الأمر بتسليم المتهم إلى رئيس المؤسسة العقابية الذي يسلم إليه إقرارا باستلام المتهم.
وإذا أفلت المتهم من أيدي العدالة بعد متوله أمام قاضي التحقيق وتبليغه بالأمر بالإيداع ، يرخص هذا الأمر بالبحث عن المتهم ونقله إلى المؤسسة العقابية ( م 177).
يجوز لوكيل الجمهورية أن يطلب من قاضي التحقيق إصدار أمر بإيداع المتهم بمؤسسة عقابية ، غير أن قاضي التحقيق غير ملزم بتلبية طلبه ، فإذا رفض ذلك يتعين عليه أن يصدر أمرا بذلك ( م 118) أما إذا استجاب إلى طلبة فهو غير ملزم أمره.
وهكذا نلاحظ أن قاضي التحقيق في التشريع الجزائري غير مطالب بتسبب أمره بإيداع المتهم في الحبس إذ يكفيه ملأ مذكرةMANDAT لا تعد من الأوامر القضائية بل مجرد إجراء يدخل ضمن صلاحيات قاضي التحقيق كمحقق ، في حين أنه ملزم ، إذا ترك المتهم في الإفراج المؤقت خلافا لطلبات وكيل الجمهورية بإصدار أمر قضائي مسبب يبرر فيه قضاءه.
مادة : الشرطة القضائية.
دفعة : ضباط الشرطة داخليين.
رقم الدرس : 16
الأوامــر القـــضـــائــيـة
مـــقـدمــة : يتمتع قاضي التحقيق بسلطات واسعة ، حيث يقول عنه الكاتب Balzacأنه أقوى رجل، وقال عنه نابليون أنه أقوى رجل في دائرة اختصاصه ، وقد خصه المشرع الجزائري بصفة المحقق(38) وصفة القاضي علما أنه حسب التشريع الجزائري فإن التحقيق يمر على درجتين الأولى بواسطة قاضي التحقيق 66-175 ق إ ج والثانية بواسطة غرفة الاتهام كد رجة عليا في المواد 176-211 إ.ج .
وتتعدد اختصاصات قاضي التحقيق حسب طبيعة الإجراء والغرض من مباشرتها، فهناك إجراءات يباشر ها يكون الغرض منها الحصول على الدليل وتسمى أعمال التحقيق وهناك إجراءات يباشر ها تسمى بالأوامر.
فقد يصدر قاضي التحقيق مجموعة من الأوامر تختلف من حيث طبيعتها فهناك أوامر.
1)- أوامر ذات طبيعة إدارية : يصدرها بصفته محققا لا يمكن استئنافها كأمره بالانتقال إلى مكان الجريمة لإجراء معاينة، أو الأمر برد الأشياء الموجودة تحت سلطة القضاء(86 ا.ج) الأمر بالتفتيش.
2)- أوامر ذات طبيعة قضائية : هذه الأوامر يصدرها عند فتح التحقيق كالأمر بعدم الاختصاص ، أو الأمر بعدم قبول مدعى مدني.
3)- أوامر في مواجهة متهم : كالأمـر بحبـــسه احتــيـاطـــيـــا.
4)- أوامر يصدرها عند انتهاء التحقيق : كالأمر بألا وجه للمتابعة أو الأمر بالإحالة.
يجب الذكر أن الأوامر القضائية هي وحدها التي تبلغ لمحامي المتهم والمدعي المدني وإن كانت هناك بعض الأوامر القضائية لا يجوز استئنافها رغم أنها تبلغ لهما، كما يلاحظ أن المشرع الجزائري لم يأتي بقائمة الأوامر القضائية ولم يعط توضيحات حول المسألة.
* تعريف الأمر القضائي : ويعرف الأمر القضائي أنه " ذلك الأمر الذي بموجبه يبت قاضي التحقيق بكل حرية إما من تلقاء نفسه وإما بطلب من طرف في ادعاء يبدي أمامه صراحة أو ضمنيا والذي قد يتسبب عن قبوله أو رفضه إضرارا بأحد أطراف الدعوى" يؤخذ على هذا التعريف هو تجنبه الحديث عن التبليغ والاستئناف.
إن ما يهمنا بصفتنا ضباط شرطة قضائية هو الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق في مواجهة المتهم ونخص بالذكر الأوامر القسرية التي نتعامل بواسطتها مع قاضي التحقيق.
*الأوامر القسرية : هي التي نظمها المشرع الجزائري في المواد 109 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية، وهي من أخطر المهام المنوطة بقاضي التحقيق لما تشكل مساسا بالحريات الفردية وهي :
- الأمر بالضبط والإحضار.
- الأمر بالقبض.
- أمر بإ يداع المتهم.
حيث جاء في نص المادة 109 ا.ج" لا يجوز لقاضي التحقيق حسب تقتضيه الحالة أن يصدر أمرا بإحضار المتهم أو بإيداعه في السجن أو بإلقاء القبض عليه" وحسب ما جاء في المادة 109/3 أن هذه الأوامر نافذة على كامل تراب الجمهورية.
البيانات العامة للأوامر : هي شروط شكلية يجب أن يتضمنها كل أمر تتعلق بالخصوص بالمتهم والتهمة وبالجهة المصدرة للأمر ومواد القانون المطبقة وهي الشروط المحددة في المادة 109/1 ق ا ج، كما يجب أن يتضمن كل أمر تاريخ إصداره وتوقيع قاضي التحقيق وختمه وتأشيرة وكيل الجمهورية.
-البيانات الخاصة : تعرف بالشروط الخاصة لأنها تتعلق بكل أمر مثل شرط استطلاع رأي وكيل الجمهورية قبل أن يصدر قاضي التحقيق الأمر بالقبض 119/2 وفي تمديد الحسب المؤقت (125 ق إ ج) وفي الإفراج المؤقت الذي يبادر به قاضي التحقيق من تلقاء نفسه(126).
أولا - الأمر بالإحضار : هو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية واقتياد الشخص أمامه فورا وقد نظمه المشرع الجزائري في المراد 110.116 ق إ ج ويتضمن الأمر بالإحضار أمرين هما
أ)- الأمر بالحضور الطوعي أمام قاضي التحقيق وذلك بأن يبلغ المعني بالأمر وعرضه عليه وتسليمه نسخة منه فيبدي استعداده للحضور.
ب )- الأمر بالحضور عنوة وهو الذي يرفض فيه المعني بالأمر الامتثال أو يحاول الهروب وفي هذه الحالة على منفذ الأمر إحضاره قسرا أو جبرا بواسطة القوة العمومية(116).
ويعني ذلك أن الأمر بالإحضار في شقه الأول هو دعوة المتهم من طرف قاضي التحقيق بواسطة القوة العمومية للحضور والمثول أمامه في موعد و مكان محددين والثاني يتضمن معنى الإكراه عند عدم الامتثال للأمر الأول حيث يجوز إحضاره جبرا بواسطة القوة العمومية.
وطبقا للمادة 110 ق إ ج فإنه يجوز أيضا لوكيل الجمهورية إصدار الأمر بالإحضار وما يجب ذكره أن المشرع الجزائري لم يتطرق لمسألة تنفيذ الأمر بالإخطار داخل المنازل مثلما ذلك في تنفيذ الأمر بالقبض في المادة 122.
*ضبط المتهم في دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدر الأمر: يقتاد في هذه الحالة فورا أمام قاضي التحقيق الذي عليه استجوابه في الحال م112 /1 ق ا. ج وطبقا للفترة الثانية من نفس المادة فإنه إذا تعذر استجوابه يقتاد فورا إلى وكيل الجمهورية الذي يطلب من قاضي آخر من المحكمة استجوابه و إلا أخلي سبيليه.
ويعني ذلك أنه لا يجوز وضعه في مؤسسة عقابية قبل سماعه غير أن التناقض ظاهر بالرجوع لنص المادة 113 التي تصرح أنه إذا ضبط متهم بموجب أمر ضبط وإحضار وبقي بمؤسسة عقابية أكثر من 48 ساعة دون استجوابه يعد حبسا تعسفيا.
*ضبط المتهم خارج دائرة اختصاص قاضي التحقيق الأمر: يقتاد فورا إلى وكيل الجمهورية مكان القبض الذي يستجوبه عن هويته ويتلقى أقواله بعد أن ينبهه بحقه بعدم الإدلاء بشيء ثم يحيله إلى قاضي التحقيق الذي أصدر الأمر(114).
وفي هذه الحالة يجوز للشخص الموقوف إنكار التهمة ، وإن فعل ذلك يقتاد إلى مؤسسة إعادة التربية ويتم إبلاغ قاضي التحقيق المختص فورا بجميع الوسائل ، ويرسل وكيل الجمهورية بدون تأخير محضر مثوله إلى قاضي التحقيق.
يشار هنا أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى قضية مدة نقل المتهم إلى قاضي التحقيق مصدر الأمر في الحين أن المشرع الفرنسي حددها بأربعة أيام ابتداء من تاريخ التبليغ.
*حالة عدم العثور على المتهم : لم يتطرق المشرع إلى قضية تفتيش مسكن المتهم لتنفيذ أمر الضبط والإخطار مثلما فعل في الأمر بالقبض (122 ق إ ج) لكن في المادة 115 ذكر أنه يرسل الأمر إلى محافظ الشرطة أو قائد فرقة الدرك الوطني وفي حالة غيابهما إلى ضابط الشرطة رئيس قسم الأمن المتواجدة بمقر إقامة المعنى بالأمر الذي يحرر محضر بحث بدون جدوى.
ثانيا – الأمــــر بالـقــبـــــض : الأمر بالقبض هو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية للبحث عن المتهم واقتياده إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر حيث يجرى تسليمه وحبسه.
- ويفهم عن ذلك أن الأمر بالقبض يتضمن أمرين هما :
أمر بإيقاف المتهم وأمرا باعتقاله وإيداعه مؤسسة عقابية.
وقد تناولت المادة 119 ق إ ج تعريف الأمر بالقبض، والهدف في إصداره هو وضع المتهم تحت تصرف قاضي التحقيق في مدة لا تزيد عن 48 ساعة لاستجوابه ثم اتخاذ ما يراه بشأنه كحبسه احتياطيا أو وضعه تحت المراقبة القضائية أو إخلاء سبيله.
شروط إصدار الأمر بالقبض : إذا كان لقاضي التحقيق الحق في إصدار الأمر بالقبض فإن المادة 119/2 ق إ ج قيدته بشروط للقيام بهذا التصرف وهذه الشروط هي :
1)- أن يكون المتهم هاربا أو مختف عن العدالة أو من الأشخاص المقيمين خارج التراب الجمهورية.
2)- أن تكون الجريمة موضوع الأمر بالقبض جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس أكثر من شهرين طبقا للمادة 05 و 27 ق.ع أي استبعاد الجرائم المعاقب عليها بالغرامة أو المخالفات.
3)- استطلاع رأي وكيل الجمهورية وطبقا لنص المادة 181 ق. إ .ج يجوز لرئيس غرفة الاتهام إصدار أمر بالقبض بناءا على طلب النائب العام وذلك إذا توافرت الشروط التالية.
1)- أن لا تكون غرفة الاتهام منعقدة لأن انعقادها يعطي لها الحق في إصدار الأمر.
2)- أن تكون غرفة الاتهام قد أصدرت أمرا بالأوجه للمتابعة.
3)- ظهور أدلة جديدة من شأنها تدعيم الأدلة السابقة( 175).
يجب أن نشير أنه من خلال الممارسة القضائية أن الكثير من قضاة التحقيق لا يلتزمون بالشروط الواردة في المادة 119 حيث يلجئون إلى إصدار الأمر بمجرد عدم مثول الشخص في التاريخ المعين في الاستدعاء دون التأكد من استلامه، وأحيانا يصدرون الأمر بناءا على طلبات النيابة التي غالبا ما تكون مستندة إلى محاضر التحقيق الابتدائي التي غالبا ما تفيد أن المشتبه فيه في حالة فرار بمجرد عدم العثور عليه أو عدم حضوره مكاتب المصلحة.
*نتائج إصدار الأمر بالقبض : - ينتج عن إصدار الأمر بالقبض وتنفيذه ثلاثة نتائج
1)- حالة القبض على المتهم في دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدر الأمر:
طبقا للمادة 120 ق إ ج فإن الشخص محل الأمر بالقبض يقتاد بدون تأخير إلى مؤسسة إعادة التربية المذكورة في وثيقة الأمر وفي هذه الحالة يجب على قاضي التحقيق استجوابه خلال 48 ساعة من حبسه طبقا للمادة 121/1 ق. إ. ج وإذا تعذر استجوابه خلال هذه المهلة يقدم أمام وكيل الجمهورية الذي يطلب من قاضي التحقيق أو إلى قاضي آخر من قضاة المحكمة في حالة غيابه باستجوابه في الحال و إلا أخلي سبيله ، و إلا يعد حبسه حبسا تعسفيا.
إلا أنه عمليا كثيرا ما يصادف ضابط الشرطة القضائية برفض رئيس المؤسسة العقابية استلام المتهم قبل عرضه على وكيل الجمهورية أو القاضي المصدر للأمر.
2)- حالة القبض على المتهم خارج دائرة اختصاص القاضي مصدر الأمر :
يقتاد فورا إلى وكيل الجمهورية مصدر الأمر الذي يستجوبه عن هويته ويتلقى أقواله بعد أن ينبهه بحقه بعدم الإدلاء بشيء يذكر ذلك في المحضر (121/2 ) ثم يخبر القاضي المصدر للأمر دون تأخير ثم يأمر بتحويله.
يشار أيضا أن المشرع الجزائري أغفل المهمة المحددة لنقل المتهم مثلما حددها المشرع الفرنسي بأربعة أيام.
3)- حالة عدم العثور على المتهم : طبقا للمادة 122 ق إ ج يجوز للمكلف بتنفيذ الأمر بالقبض الدخول منزلا الشخص محل الأمر بالقبض مع احترام القواعد العامة الخاصة بالتفتيش المذكور في المادة 47 ق إ ج و اصطحاب القوة العمومية اللازمة لكي لا يفلت من سلطة القانون.
غير أنه طبقا للفترة الثانية من المادة 122 ق. إ. ج إذا تعذر إلقاء القبض عليه يتم تعليق الأمر بآخر محل لسكن المتهم بعد عملية التفتيش ويحرر محضر تفتيش السكن بحضور شاهدين اللذان يوقعان على المحضر مع الإشارة أنه يجوز لهما الامتناع على الإمضاء ويرسل المحضر إلى القاضي الأمر (م 122 /5 ق إ ج).
*الخصائص المشتركة بين الأمر بالإحضار والأمر بالقبض :
- يتفق الأمر بالإحضار مع الأمر بالقبض في الخصائص التالية :
1)-من حيث التبليغ والتنفيذ : حيث يتم ذلك من قبل ضابط الشرطة القضائية أو أحد مساعديه أو أي عون من القوة العمومية ويعرض الأمر على المتهم وتسلم له نسخة منه(110/2).
2)- إذا كان الشخص محبوسا لسبب آخر يتم تبليغه بواسطة مدير المؤسسة العقابية وتترك نسخة له.
3)- في حالة الاستعجال يجوز إذاعة وتوزيع الأمر بكل الوسائل ويتم توضيح جميع البيانات الجوهرية الواردة في أصل الأمر ويوجه أصل الأمر إلى العون المكلف بتنفيذه(111/2).
4)- مع الإشارة أن النسخة العربية في المادة 111 تتكلم على الضابط المكلف بتنفيذ الأمر أما باللغة الفرنسية تتكلم عن العون Agent المكلف بتنفيذ الأمر.
ب)- إذا رفض الشخص المتهم المثول يحضر قسرا بالقوة 116.
5)- في كلا الأمرين لا يجوز الإبقاء على المتهم محبوسا أكثر من 48 ساعة بدون استجواب و إلا يعد حسبا تعسفيا(113-121 ق. إ .ج) و 291 ق. ع.
ثالثا الأمر بالإيداع : هو اعتقال المتهم بمؤسسة عقابية منوه عنها بالأمر، وقد عرفت المادة 117/1 أن أمر الإيداع هو ذلك الأمر الذي يصدره القاضي إلى رئيس مؤسسة إعادة التربية باستلام وحبس المتهم ويبلغ هذا الأمر للمتهم وينوه على هذا الأمر بمحضر استجوابه.
ويجوز لرئيس غرفة الاتهام إصدار الأمر بالإيداع إذا كانت غرفة الاتهام غير منعقدة وظهرت أدلة جديدة ، كما يجوز لوكيل الجمهورية بناءا على المادة 59- و117 من إصدار الأمر بالإيداع في جرائم التلبس.
وعندما يستلم رئيس المؤسسة العقابية المتهم يسلم إقرارا بذلك إلى منفذ الأمر، ويتم إصدار هذا الأمر بناءا على طلبات النيابة.
*شروط إصدار الأمر بالإيداع :
1)- أن يصدر الأمر من طرف قاضي التحقيق ومن تلقاء نفسه متى رأى ضرورة لذلك ، وقد يكون بناءا على طلب النيابة العامة التي يجوز لها الطعن بالاستئناف أمام غرفة الاتهام إذا رفض قاضي التحقيق إيداع المتهم في مهلة عشرة(10) أيام (118/3 ق إ ج).
2)- أن تكون الجريمة جناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس أو بعقوبة أشد.
3)- أن يصدر الأمر عقب استجواب المتهم(118/1).
*خلاصـة : إذا كان الكاتب BALZAC قد وصف قاضي التحقيق بأنه أقوى رجل في فرنسا، فإنه في النظام الجزائري يتمتع بسلطات أوسع، بل حتى أنه أقوى قضاة التحقيق في العالم من حيث السلطات التي خصه بهما المشرع فله الحق أن يسمع متى شاء إذا رأى في ذلك ضرورة لإظهار الحقيقة (م68 ق.إ.ج) وله الحق في اتهام من له ضلع في الجريمة إلى غير ذلك من الصلاحيات.