الفصل الثانـي: تنظيم المسؤولية الجنائية و أسباب الإباحـة في جرائـم الصحـافة
قبل أن نتطرق إلى تنظيم المسؤولية الجنائية و أسباب الإباحة في الجرائم الصحفية ارتأينا إلى أن نتطرق إلى بعض الصعوبات التي تواجه تنظيم المسؤولية الجنائية و التي أنجزنها فيما يلي:
تثير مشكلة تحديد الأشخاص المسؤولين عن الحجاز في استعمال حرية الصحافة عدة صعوبات قانونية بسبب التنظيم الخاص بالصحافة سواء في مجال الإعلام المقروء او الإعلام الالكتروني و من بين هذه الصعوبات
- كثرة المتدخلين في إعداد و نشر المطبوع و يرجع ذلك إلى تعقد العمل في الصحيفة الذي يتطلب أنشطة متعددة تميز كل نشاط عن الآخر و تسهم كلها في تحقيق الركن المادي للجريمة و يلاحظ أنه مع تعدد المساهمين في نشر الصحيفة فإن بعض هؤلاء قد أراد إرتكاب الجريمة بينما يسهم الآخر بحسن نية دون أن يعلم بمكونه.
- نظام اللارسمية في الكتابة و تزداد المشكلة صعوبة عندما نجد أن عددا كبيرا من المقالات غير متوقعة من مؤلفيها و بالتالي صعوبة تحديد الأشخاص المسؤولين عن الجريمة.
- سرية التحرير و هي صعوبة تتعلق بتحديد الأشخاص المسؤولين عن التجاوز في استعمال حرية الصحافة و السرية في مجال الصحافة لا تعني بطبيعة الحال أن يحتفظ الصحفي على المعلومات التي تحصل عليها – بما أن أحد مهام الصحافة هو الحصول على المعلومات لنشرها بغير تمييز على أكبر عدد ممكن من الجمهور- و لكن تعني السرية هنا الحق في أن يحافظ رؤساء التحرير أو المحررين بسرية مصادرهم الصحفية و هو ما يعرفه بسرية التحرير.
المبحث الأول: تنظيم المسؤولية الجنائية
أمام الصعوبات التي تعكر تحديد الأشخاص المسؤولية جنائيا عن الجرائم التي تقع عن طريق الصحفي و غيرهما من طرق العلانية، فإن المذاهب التشريعية لم تتفق على قواعد ثابتة في تنظيم المسؤولية الجنائية بل أن الدولة الواحدة لم تستقر على نظام واحد في تنظيم المسؤولية، الجنائية في جرائم النشر و يمكن رد الحلول المتجهة إلى ثلاثة اتجاهات ( ) ، الاتجاه الأول يتبنى نظام التتابع و هو نظام يقوم على حصر المسؤولين عن الجريمة و ترتيبهم بحيث لا يسأل احدهم كفاءة أصل الجريمة إلا إذا تعذر معرفة من يسبقه في الترتيب و يتبنى هذا الاتجاه القانون الفرنسي و القانون التونسي.
أما الاتجاه الثاني فهو مبني على المسؤولية التضامنية حيث يسأل كل من مدير التحرير او الناشر كفاعل أصلي للجريمة بالإضافة إلى مؤلف الكتابة.
أما الاتجاه الثالث فهو مبني على القواعد العامة حيث لا يسأل الناشر أو مدير التحرير إلا عن الخطأ الذي ارتكبه، فيسأل عن جريمة عمدية إذا صدر عنه سلوك يجعله فاعلا للجريمة أو شريكا فيها أو عن جريمة خاصة أساسها الإخلال بواجب الرقابة. و يتبنى هذا الاتجاه القانون الألماني.
و سوف نقتصر بعرض النظام المنبع في القانون الفرنسي لتمييزه بالأخذ بنظام التتابع بالنسبة للمسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعية بالإضافة إلى تقرير المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في حدود معينة.
حيث أنه إذا كان مرتكب الجريمة شخصا واحد و انفرد بارتكاب الجريمة، كما في حالة صدور العبارات المتضمنة للإهانة أو القذف أو السب في محل أو طريق عام، أو في حالة وضع الشخص الكتابات التي يعاقب عليها القانون في مكان عام أو في مكان خاص بحيث يستطيع من كان في مكان عام رؤيتها، فالقواعد العامة هي الواجبة التطبيق في هذه الحالات، فيعتبر فاعلا للجريمة الشخص الذي صدرت منه العبارات المجرمة او الذي وضع الكتابات في مكان خاص بحيث يستطيع من كان مكان رؤيتها، و يسأل كشريك كل من حرض أو ساهم في الجريمة بجزء لا يصل إلى حركتها المادي.
و المشكلة في الجريمة تثور بصدد الجرائم التي ترتكب عن طريق الصحف أو المطبوعات غير الدورية كالكتب حيث يساهم عدد كبير من الأشخاص في إعدادها و نشرها
و نلاحظ أن هذا ما تطرق إليه المشرع الجزائري حيث بين كيفية المتابعة الجزائية و ذلك ما نصت عليه المادة 144 مكرر 1 قانون العقوبات الجزائري. ( )
" ...فإن المتابعة الجزائية تتخذ ضد مرتكب الإساءة و ضد المسؤولين عن النشرية و عن تحريرها و كذلك ضد النشرية نفسها..."
و كذلك نصت عليه المادة 43 من قانون الصحافة:" إذا أدى مرتكبوا المخالفة المكتوبة أو المنطوقة أو المصورة يتابع مدير النشرية أو ناشرها باعتبارها متواطئين، ويمكن أن يتابع بالتهمة نفسها في جميع الأحوال، المتدخلون المنصوص عليهم في المادة 42 منه.
و بناءا عليه نقترح تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: الأول يتناول المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين، و الثاني يتناول المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية.( )
المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين ( )
تعتبر أغلب التشريعات أن عملية النشر وحدها هي جوهر الجريمة و ترتب على ذلك نتيجة هذه ان يقوم بها يجب أن يكون وحده فاعلا أصليا، و نتيجة لهذا رتب المشرع الفرنسي في المادة 42 من قانون الصحافة الفرنسي للأشخاص الذين يمكن أن يساهموا في عملية النشر بحسب أهميتهم، و هذا كذلك ما تناوله المشرع الجزائري حيث نصت المادتين 41 و 42 قانون الصحافة الجزائري ( ) على التحمل الكامل للمسؤولية الصحفية، بالإضافة إلى ذلك نصت المادة 43 من نفس القانون على أنه: إذا أدى مرتكبوا المخالفة المكتوبة أو المنطوفة أو المصورة يتابع مدير النشرية أو ناشرها باعتبارها متواطئين، و يمكن أن يتابع بالتهمة نفسها في جميع الأحوال المتدخلون المنصوص عليهم في المادة 42.
حيث أنه لا يسأل أحدهم كفاعل أصلي للجريمة إلا إذا تقدر معرفة الشخص الذي يسبقه في الترتيب و هذا النظام عرف بنظام التتابع.
و سوف نشير فيما يلي الى الفاعلين الأصليين و الشركاء في حالة إرتكاب الجريمة عن طريق الصحافة.
الفرع الأول: الفاعلون في الجرائم التي تقع بواسطة الإعلام المقروء
رتب المشرع الفرنسي في قانون الصحافة الأشخاص الذين تقع عليهم المسؤولية الجنائية في حالة ارتكاب الجريمة عن طريق الإعلام المقروء – و هذا كذلك حسب نص المادة 43-42 قانون الصحافة الجزائري – على النحو التالي:
- مدير النشر ( التحرير ) فيما يتعلق بالنشرات الدورية أو الناشرون فيما يتعلق بالنشرات غير دورية) أيا كانت مهنتهم أو مسمياتهم – إن لم يوجد يسأل المؤلفون.
- إن لم يوجد يسأل الطابعون – إن لم يوجد يسأل الموزعون و الملصقون
و بناءا على هذا يسأل المؤلف كفاعل أصلي للجريمة إلا إذا تعذر معرفة مدير التحرير و هو الشخص الذي يسبقه في الترتيب.
1- مسؤولية مدير التحرير: يتبين من نص المادة 43 من قانون الصحافة الجزائري أن مدير النشرية ( التحرير ) يسأل وحده كفاعل أصلي في الجريمة في حالة إرتكاب الجريمة عن طريق الفحص، أو غيرها من المطبوعات الدورية، و يسأل الناشر إذ كانت الجريمة وقعت عن طريق المطبوعات غير الدورية كالكتب.
و قد أشار المشرع أنه في حالة تمتع مدير النشر بالحماية البرلمانية وجب عليه تعيين مدير مشارك ( نائب مدير ) ليكون مسؤولا منذ وقت تعيينه عن الجرائم التي يمكن أن يسأل عنها مدير التحرير في حالة عدم تمتعه بالحصانة، و يترتب على تحديد مدير شريك عدم مساءلة أحد من الأشخاص من التاليين في الترتيب بصفته فاعلا أصليا في الجريمة.
2- مسؤولية مؤلف الكتابة:
إذ تعتبر معرفة مدير التحرير أو الناشر يسأل مؤلف الكتابة كفاعل أصلي في الجريمة، و إذ تعذر معرفة الشخص، أي عدم استطاعة العدالة معرفة أو تحديد شخصية مدير التحرير أو الناشر، و يترتب على ذلك أنه إذا أمكن تحديد شخصية مدير التحرير أو الناشر و لو لم يتم تقديمه للمحاكمة أو لهروبه أو لإنقضاء الدعوى الجنائية لوفائه أو لتمتعه بالحماية البرلمانية، فلا يسأل مؤلف الكتابة تفاعل أصلي للجريمة.
و الضابط في تحديد مدى مسؤولية مؤلف الكتابة كفاعل أصلي في الجريمة هو تمتع مدير التحرير بوظيفته وقت النشر، فلا يسأل مؤلف الكتابة كفاعل أصلي في الجريمة إلا إذا تعذر معرفة مدير التحرير أو الناشر او في حالة وفائه أو فقد لهذه الصفة قبل النشر كما في حالة تقديم استقالته.
3- مسؤولية الطابع و البائع و الموزع و الملصق:
كذلك يسأل الطابع عن الجريمة كفاعل أصلي إذا تعذر معرفة الأشخاص الذين يسبقونه في الترتيب، و يترتب ذلك عندما يكون مدير التحرير أو الناشر أو مؤلف الكتابة غير معروفين.
غير أن ذلك لا يحول دون مساءلته كفاعل أصلي في الجريمة إذ يجمع بين صفته كطابع وصفة مدير التحرير ( النشر ) أو الناشر أو إذا جمع بين صفة الطابع وصفته كمؤلف الكتابة.
أما إذا عرف مدير التحرير أو الناشر في الحالة الأخيرة فإنه يسأل كشريك في الجريمة باعتباره مؤلف للكتابة.
و أخيرا إذا كان المدير أو الناشر أو المؤلف أو الطابع مجهولين يسأل البالغون، الموزعين و الملصقون عن الجريمة المرتكبة كفاعلين أصليين.
الفرع الثاني: الشركاء في الجرائم التي تقع بواسطة الإعلام المقروء
1- مسؤولية مؤلف الكتابة كشريك في الجريمة:
و يترتب على ذلك أن مؤلف الكتابة يكون دائما مسؤولا عن الجريمة المرتكبة سواءا كفاعل أصلي في الحالات السابق بيانها ( عندما يكون الفاعل الأصلي غير معروف ) أو كشريك في الجريمة في الأحوال التي يكون الفاعل الأصلي معروفا و لا يؤثر اعتبار مؤلف الكتابة شريكا في الجريمة، في الحالة الأخيرة. في حالة ما إذا لم كان الفاعل الأصلي هاربا أو لم يتم تقديمه للعدالة او لانقضاء الدعوى العمومية لوفاته أو تمتعه بالحصانة.
2- مسؤولية الطابع كشريك:
تنص أغلب التشريعات و منها المشرع الفرنسي عن حالات ثلاث يسأل فيها الطابع كشريك في الجريمة و هي:
- إذا ساهم بأفعال بعيدة عن صناعته مثل قيامه بتحريض المؤلف على قذف او سب أحد الأشخاص، أو إذا ساعد مؤلف كتابة المقال بإمداده بمعلومات عن الموضوع.
- في حالة تمتع المدير بالحصانة البرلمانية و عدم تعيين مدير شريك ( ثانيا ) بديلا عنه.
- يسأل الطابع في حالة ما إذا قضت المحكمة بعدم مسؤولية مدير التحرير او المدير المشارك، و المقصود هنا توافر مانع من موانع المسؤولية التي تجرد إرادة هؤلاء الأشخاص من القيمة القانونية كالجنون أو عاهة في العقل.
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية للاشخاص المعنوية
لم يكن ينص قانون العقوبات الفرنسي ( ) الصادر سنة 1810 على المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، فلم يجد مكانا إلا في ظل قانون العقوبات الجديد، الصادر في 22 جويلية 1992.
أما المشرع الجزائري تناول هذه المسؤولية في قانون العقوبات فاقر عقوبات على الشخص المعنوي في المادة 18 من الأمر رقم 04/15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 الفقرة الأولى ( المادة 18ف 01) و هي: " الغرامة" و كذلك في الفقرة الثانية ( المادة 18 ف 02 ) بالأمر رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006: " ... حل الشخص المعنوي – غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة خمس سنوات – الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات- المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر ...".
كما أن هناك شروط يجب توافرها حتى تطبق المسؤولية الجنائية على الأشخاص المعنوية و هي:
الفرع الأول: أن يرتكب أحدى الجرائم المنصوص عليها على سبيل الحصر
حصر المشرع الجرائم التي يمكن أن يسأل عنها جنائيا الشخص المعنوي، فهي مسؤولة محددة في نطاق بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، و مؤدى إلى أن الشخص المعنوي لا يسال جنائيا في حالة ارتكاب احد أعضائه أو ممثله لجرائم لم ينص القانون على إمكانية مساءلتها عنها و من ثم لا يسأل الشخص المعنوي عن جريمة نشر أخبار كاذبة و جرائم السب و القذف.
و مع ذلك انتقى المشرع بعض الجرائم عليها في قانون العقوبات و التي تمثل اختلالات نمس بالنظام العام، او انتهاك لحرية الفرد الشخصية، فتنص على إمكانية مساءلة الشخص المعنوي عن جريمة نشر أمر بعد إنتهاء كحرمة الحياة الخاصة للأفراد المنصوص عليها في المادة ( 303 مكرر و 303 مكرر 01 ق ع ج ) و جريمة التحريض على مقاومة السلطات او على التسلح المادة ( 74 ق ع ج ) او تحريض الجند على عدم طاعة رؤساءتهم المادة ( 62 ق 04 ق ع ج ) أو إذاعة معلومات او مستندات او أوراق متعلقة بالدفاع و التي يحضر نشرها المادة ( 70 ق ع ج ).
و من الأهمية أن نوضح انه يشترط لمساءلة الشخص المعنوي جنائيا أن تكون الجريمة منخفضة بجميع عناصرها من الشخص الطبيعي الذي يعمل لحسابها.
الفرع الثاني: ان تكون الجريمة مرتكبة بواسطة أحد أجهزة أو ممثلي الشخص المعنوي
إختار المشرع من بين الأشخاص التي تكون الشخص المعنوي تلك التي تنسب أفعالهم لها، و قد عبر عن هؤلاء الأشخاص في المادة 51 مكرر ق ع ج باستعماله لفظان هما: " أجهزته " و " ممثليه الشرعيين "، و يقصد بأجهزة الشخص المعنوي الأشخاص الذين يمثلون أهمية كبيرة في المؤسسة بالنظر إلى الوظائف التي يباشرونها و التي تؤهلهم لتسيير أمورها و التكلم و التصرف و التعاقد باسمها و لحسابها و يدخل في هذا المدلول مجموعة شركاء أو أعضاء مجلس الإدارة العامة.
أما الممثلون فيقصد بهم الأشخاص الطبيعيون التي تكون لديهم سلطة التصرف باسم و لحساب الشخص المعنوي و يستوي في ذلك ان يكون الممثل معينا أو منتخبا، و كذلك لا عبرة بمسمياتهم، فقد يكون ممثلا للشخص المعنوي رئيس مجلس الإدارة او مدير المؤسسة او المدير العام أو مدير مؤقت فالذي يؤخذ في الاعتبار هو سلطة الشخص الطبيعي في التصرف في أمور الشخص المعنوي و اتخاذ قرارات باسمه و لحسابه، و على ذلك لا تنسب الجريمة للشخص المعنوي إذا ارتكب الفعل المكون لها شخص طبيعي زالت عنه الصفة.
الفرع الثالث: أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي:
لا يكفي لانعقاد المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية أن تقع الجرائم التي نص عليها القانون بواسطة الجهاز أو الممثل لهذه الأشخاص المعنوية. بل يجب أن تقع هذه الجرائم لحساب هذه الأشخاص المعنوية، و بناءا على ذلك فإنه إذا وقعت الجريمة تحقيقا لمصلحة شخصية ( ممثل الشخص المعنوي، فلا تنعقد المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، و في جميع الأحوال فإن هذا التقدير يدخل في نطاق السلطة التقديرية للقاضي في مقام تقييمه و موازنته بين المصالح المختلفة.
و يلاحظ أن عبارة " يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه" الواردة في المادة 51 مكرر ق ع ج إلى ما سيعود على الشخص المعنوي من فوائد و أرباح أو مصلحة او مزايا من وراء إرتكاب الجريمة، و لا يشترط ان يجني الشخص المعنوي فائدة من وراء الجريمة، بل يكفي أن يقع الفعل المكون لها بمناسبة ممارسة وظيفته كممثل للشخص المعنوي على امل تحقيق هذا الهدف ( هدف مادي او معنوي ).
المبحث الثاني:أسباب الإباحة في جرائم الإعلام
من المقرر قانونا أن المسؤولية الجنائية قد تنتفي لعدة أسباب، بعضها شخصية و الأخرى موضوعية، فمن ناحية نفي المسؤولية الجنائية في حالة توافر أسباب شخصية أو كما يطلق عليها الفقه " موانع المسؤولية " و مع أسباب تجرد إرادة الجاني من القيمة القانونية، فلا يسأل عن الجريمة التي ارتكبها، مثال ذلك الجنون أو عاهة في العقل أو صغر السن، و من ناحية أخرى فقد لا تنعقد المسؤولية الجنائية لتوافر أسباب موضوعية تسمى أسباب الإباحة، و هي أسباب تخلع عن الفعل الصفة غير المشروعة ليصبح مباحا و مشروعا، و تفسير ذلك ان قانون العقوبات يهدف إلى حماية مصالح متنوعة منها ما يتعلق بمصالح الأفراد، و منها ما يتعلق بالمصلحة العامة و قد تكون هذه المصالح لتنوعها متضاربة فينشأ تنازع بينها مما يتعين معه المفاضلة بين هذه المصالح و إضفاء الحماية على المصلحة الأجدر بالرعاية و التضحية بالمصلحة الأقل، و ترتيبا على ما تقدم فإن توافر أسباب الإباحة يعني أن الفرد يعتبر مرتكبا لفعل مباح و مشروع.
كذلك فإنه إذا كانت موانع المسؤولية تتفق مع أسباب الإباحة في أنها تحول دون معاقبة الشخص إلا أنها تختلف معها في أنها ذات طابع شخصي يتعلق بالشخص ذاته الذي جردت إرادته من القيمة القانونية، فلا يتقيد بها إلا الشخص الذي توافرت لديه باقي المساهمين في الجريمة، حيث تضل الجريمة معاقبا عليها و مسؤوليتهم قائمة.
على العكس من ذلك فإن أسباب الإباحة ذات طابع موضوعي يتعلق بالفعل ذاته و تجرده من الصفة غير المشروعة، فيستفيد من توافرها جميع المساهمين سواء علموا أو لم يعلموا بها وقت صدور السلوك.
و سوف نخصص دراستنا هذه لأسباب الإباحة في مجال النشر و في حق نشر الأخبار، حق النقد و الطعن في أعمال الموظف العام أو من في حكمه.
المطلب الأول: حق نشر الأخبار
من المهام النبيلة التي تنهض بها الصحافة نشر الأخبار لما تنطوي عليه من تسجيل للأحداث و تقديم للمعلومات و تشخيص للمشكلات، فهذا النشر ينقل الرأي العام من دائرة الغموض إلى دائرة النور و يتحول من حالة الجهل إلى حالة المعرفة.
فحرية الصحافة في الاخبار و المعلومات هي أساس تقدم و إزدهار الأمم و الوسيلة الوحيدة لتواصل الأفكار و التعارف على مختلف الثقافات و تدفق المعرفة الإنسانية في جميع مجالات العلوم الاجتماعية، و بمبرر هذا الدور الهام للصحافة أن حرية المعلومات و حرية الرأي يكفل الدستور حمايتها و هذا في المادة 41 من القانون الدستوري.
فالأخبار التي تنطوي على القذف يعتبر نشرها عملا مباحا لا بالنظر على الشخص المقذوف في حقه إلا فيما يتعلق بالموظف العام بسبب وظيفته ( هذا بالنسبة للقانون الفرنسي).
أما القانون الجزائري فهو ينص في المادتين 296-297 من قانون العقوبات على تجريم فعل القذف و السب في حق مواطن عادي أو موظف كما نصت عليه المادة 40 من قانون رقم 90-07 الخاص بالإعلام ( الامتناع عن الانتحال، الافتراء، القذف و الوشاية).
- شروط نشر الاخبار:
يشترط لإباحة نشر الاخبار توافر أربعة شروط:
1- أن يرد على اخبار لا يحظر نشرها.
2- الالتزام بمراعاة الحقيقة.
3- أن تكون هناك فائدة اجتماعية للأخبار بالنسبة للجمهور في توافر حسن النية.
I- أن يرد على أخبار لا يحظر القانون نشرها:
لاشك في ان حرية تدفق المعلومات تعتبر شرطا أساسيا لحرية الصحافة لا تقوم إلا ارتكابا إليها و المشرع قد يرى أن بعض المعلومات لا يجوز نشرها غما لأن الرأي العام لا مصلحة له في معرفتها و ما يمثل نشر إهدار مصلحة جديرة بالرعاية دون تحقيق أية فائدة للجمهور أو ان ثمة مصلحة من أجدر بالرعاية من المصلحة التي يحققها النشر و يكون ذلك في أحوال محددة بينها القانون.
1- المصالح التي تهددها إذاعة أو نشر بعض الأخبار:
قد يؤدي نشر أو إذاعة بعض الأخبار و المعلومات المتعلقة بأمن الدولة من جهة الخارج، و قد تنطوي علانية بعض الأخبار على إنتهاك أسرار الأفراد و بذلك يحدث مساس خطير بحقوقهم في الحياة الخاصة .
و قد تنطوي علانية بعض الأخبار المساس بنفسية بعض الأفراد و تلحق بهم أضرار نفسية جسيمة و بأسرهم، و بالتالي تؤدي إلى خروج الشخص من محنة المحاكمة الجنائية و قد فقد شرفه بين المواطنين بسبب هذا النشر، و قد تنطوي العلانية على المساس بالنظام العام و الآداب العامة و مساسا بحرية الأسرة.
2- الحالات التي يحظر القانون نشر أخبارها:
ثمة حالات حظر المشرع نشر بعض الأخبار و أهم هذه الحالات: حظر نشر أسرار الدفاع عن البلاد المادة 73 من قانون العقوبات الجزائري، و أخبار محاكمة الأحداث و بعض الإجراءات القضائية منها ما هو سابق على المحاكمة كنشر أخبار التحقيق الإبتدائي و منها في مرحلة المحاكمة كنشر ما يجري في الدعاوي المدنية او الجنائية التي قررت المحكمة سماعها في جلسة علنية.
2-1- أسرار الدفاع: نصت المادة 79 من قانون العقوبات الجزائري: " كل من يعمل باية وسيلة كانت على المساس بسلامة وحدة الوطن..." و من بين هذه الوسائل إذاع الأسرارو المعلومات الحربية أو السياسية أو الاقتصادية أو الصناعية التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك و يجب مراعاة مصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على هؤلاء الأشخاص. و يشترط لقيام هذه الجريمة ما يلي:
- أن يكون الشيء ذات طبيعة سرية و أن يكون متعلقا بالدفاع عن البلاد.
و يقصد بالمعلومات الحربية كل ما يتعلق بالدفاع عن الوطن من جهة الخارج فيدخل في هذا النطاق عمليات تحريك القوات و الاستعدادات الحربية و الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها و كذلك: " الأشياء و المكاتبات و المحررات و الوثائق و الرسوم و الخرائط و التصميمات و الصور و غيرهما من الاشياء التي يجب لمصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظهما أو إستعماله".
و يعتبر أيضا من أسرار الدفاع " الأخبار و المعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة و تشكيلاتها و تحركاتها و عتادها و تموينها و أفرادها و بصفة عامة كل ماله المساس بالشؤون العسكرية بنشره أو إذاعته" فيدخل في نطاق السر شراء الأسلحة و بيان أنواعها و أسلوب استخدامها و مكانها و كل ما يمكن أن يكون في إذاعته إفادة للعدو و تقدير ذلك موكل إلى المحكمة الخاصة بذلك، و في سبيل ذلك يجوز أن تستعين بمن ترى الاستعانة به، كما لها أن تأخذ برأيه أولا.
أما بالنسبة للمعلومات السياسية و الدبلوماسية فتشمل المعلومات التي يتعين الإبقاء عليهما في طي الكتمان مراعاة للمصلحة العامة للبلاد.
و يدخل في مدلول إذاعة أو إشاعة أسرار البلاد " الأخبار و المعلومات المتعلقة بالأمن العام للبلاد ".
و مع كل ذلك فإن القانون قد أجاز للمحكمة التي تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجريات المحاكمة و ما تراه من عدم تأثير الأخبار التي تسمح بإذاعته".
2-2- الحياة الخاصة للفرد و الجماعة:
جرم المشرع الجزائري في المادة 303 مكرر من قانون العقوبات الجزائري رقم 06/23 الاعتداء على الحرية الخاصة للمواطنين الماسة بالحريات الشخصية و التي تخص جريمة الاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد فتنص: " يعاقب بالحبس من ستة (06) أشهر إلى ثلاث (03) سنوات، و بغرامة مالية من 50000 إلى 300.000 دج كل من تعمد المساس بجرمة الحياة الخاصة للأشخاص باية تقنية كانت..."
و لم يحدد المشرع الجزائري التقنية بل ترطها مفتوحة في عدة نقاط و تدخل الصحافة في هذا المجال فهي التي تملك الوسائل التقنية المتاحة لنشر الأخبار و التشهير بالأفراد دون رضاهم او علمهم.
2-3- التحقيق الإبتدائي:
بحكم مرحلة التحقيق الإبتدائي مرحلة سرية، و هو ما يعني أن أخبار الأفراد التي نجمت عن هذه الإجراءات لازالت في نطاق السرية، فلا يجوز نشرها، و يرجع مبدأ خطر نشر التحقيقات الإبتدائية إلى حماية الإجراءات من التأثير فيها بالعلانية، كما يهدف إلى حماية المتهم من الإساءة إليه بسبب نشؤ أخبار تؤثر في سمعته و لن تمحى هذه الإساءة عندما يتقرر فيها بعد عدم وجود وجه الإقامة الدعوى الجنائية لأن هذا الأمر لن يمحو ما علق بأذان الجمهور.
2-4- الدعاوي التي تنظر في جلسة سرية أو التي قررت المحكمة الحد من علانيتها:
إذا كان الأصل هو علانية المحاكمات فإن المشرع الجزائري قد أجاز سلطة تقديرية او خول المحاكم سلطة تقدير الحد من هذه العلانية بالنسبة لسماع الدعوى.
فأجاز للقاضي و للمحكمة مراعاة النظام العام أن تأمر بسماع الدعوى كلها او بعضها في جلسة سرية و كذلك لها أن تسمعها في جلسة علنية و هذا ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية في المادة 285.
2-5- النشر الماس بالنظام العام:
المقصود بالنظام و الآداب العامة هي المحافظة على هاتين القيمتين اللتين تعدان من أهم ركائز النظام في الجزائر و قد نصت المادة 144 من قانون العقوبات الجزائري رقم 01/09 و التي نصت " يعاقب بالحبس من شهرين (02) إلى سنتين و بغرامة مالية من 1000 دج إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أهان قاضيا أو موظفا أو ضابطا عموميا أو قائد أو أحد رجال القوة العمومية بالقول أو الإشارة أو التهديد أو بإرسال أو تسليم أي شىء إليهم أو بالكتابة أو الرسم غير العلنيين أثناء تأدية وظائهم أو بمناسبة تأديتها و ذلك بقصد المساس بشرفهم أو اعتبارهم أو بالإحترام الواجب لسلطتهم.
لكن هناك مصالح متداخلة فهناك مصالح سياسية و اجتماعية و خلقية، اما المصلحة العامة للمجتمع فهي ثمرة توافق بين المصالح المتعارضة في المجتمع و من ثم فإن المحافظة على النظام العام التي نجيز للقصر الحد من علانية الجلسات تشمل كذلك حماية أسرار الدولة فإنه يجوز تقرير السرية في جرائم الخيانة، التجسس وسائل جرائم الإعتداء على أمر الدولة من جهة الخارج. كما أن حماية النظام السياسي و الاجتماعي للدولة قد تقضي فرض السرية في بعض الجرائم في بعض الجرائم الماسة بأمن الدولة من جهة الداخل مثل جرائم محاولة قلب نظام الدولة، و هي في ذات الوقت غير ملزمة الخصوم إلى ما قد يطلبونه من تقرير السرية و تقرير السرية يجب أن يكون بحكم يصدر في جلسة علنية و لا يكفي فيه صدور قرار من رئيس المحكمة بعكس بعكس إعادة العلانية و ذلك لأن العلانية هي الأصل و ليس هناك ما يوجب أن يكون تقرير السرية في حكم مستقل فيكفي إثبات القرار في محضر الجلسة مع بيان أسبابه و من تلك الأسباب حماية النظام العام و الآداب العامة.
2-6- النشر الماس بالآداب العامة:
تعتبر حماية الآداب مصلحة تجيز للمحكمة أن تأمر بسرية الجلسة فالمحاكمات الخاصة بالجرائم الجنسية مثل الإغتصاب و جرائم هتك العرض أو أي جريمة مخلة بالآداب عموما تقتضي تقرير السرية و في هذه الحالة يوجد مجال واسع لمعرفة أسرار الحياة الخاصة و منها ما يتعلق بالأعراض و حماية الأداب تتسع لتشمل كل ما يتعلق بحماية الناموس الأخلاقي.
2-7- مداولات المحاكم:
تعتبر سرية المداولات من الأصول الجوهرية للمحاكمة في جرائم الصحافة و ذلك ما نصت عليه المادة 309 من قانون الإجراءات الجزائية.
فلا يحضرها غير القضاة الذين سمعوا المرافعة و بناءا على ذلك فإن اخبار المداولات تعتبر من الأسرار بما تتضمنه من مناقشات و آراء.
و بناءا على سرية المداولات لا يجوز أخبارها بأي حال من الأحوال و لو استطاع الصحفي ان ينفذ لمعرفة ما بداخلها.
و علة هذه السرية هي حماية العدالة حتى لا تخشى القضاة من نشر أرائهم و ما يترتب عليه من سخط الناس و هو ما يؤثر في استقلال القضاة فهي سرية تصون كرامة القضاة و قدسية في نظر الناس.
II- الالتزام بمراعاة الحقيقة:
يتعين على الصحف الإلتزام بمراعاة الحقيقة و الدقة في نشر الأخبار و الإلتزام فيما ينشر بالمبادئ و القيم التي يتضمنها الدستور و بأحكام القانون متمسكا في كل أعماله بمقتضيات الشرف و الأمانة و الصدق و آداب المهنة و تقاليدها بما يخفض للمجتمع قيمة و بما لا ينتهك حقا من حقوق المواطن أو يمس إحدى حرياتهم.
III- أن تكون هناك فائدة اجتماعية للأخبار بالنسبة للجمهور:
لا تكفي أن تكون الأخبار صادقة بل يجب أيضا أن يحقق نشرها فائدة اجتماعية سواء بالنسبة للمجتمع كله او لمجموعة من الأشخاص و يستوي في ذلك ان تتعلق هذه الأخبار بموظف عام أو بفرد عادي طالما أن الوقائع المنشورة تتعلق عامة او تفيد الجمهور.
و في نطاق فكرة الفائدة الاجتماعية التي تعتبر وجها للمصلحة العامة فقد تسمح للصحف بان تنشر أخبار تتعلق بثروة الشخص أو صحته أو صفاته و غير ذلك من المعلومات التي تتعلق بحياته و تفيد في التحقق من الثقة الاجتماعية فيه إذا كان مرشحا لمكان هام ليتعرف الناخبون عليه.
IV- توافر حسن النية:
يشترط فيمن ينشر الخبر ان يكون حسن النية، و واقع الأمر ان فكرة حسن النية كشرط أساسي لممارسة حق نشر الأخبار.
تعتبر تطبيقا لشرط عام حدده قانون العقوبات، و هذا الشرط يعبر عن مشروعية الغاية التي توخاها الشخص من وراء نشر الخبر، فيجب أن يستهدف النشر تحقيق المصلحة العامة فيتوافر سوء النية إذا استهدف صاحب الخبر من وراء نشره باعث رديء و غير مثقف مع القيم و مقتضيات الشرف و آداب المهنة كالإنتقام الإيذاء او الإبتزاز.
و إذا كان " حسن النية " او " مشروعية الغاية " أمرا خفيا و من الوسائل الدقيقة التي يصعب إثباتها لتعلقها بداخليات الشخص إلا أنه قد يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى و المظاهر الخارجية للخبر، و من تلك المظاهر الخارجية التي يمكن ان تسترشد بها المحكمة في استخلاص مدى توافر مشروعية الغاية لدى صاحب الخبر طريقة و أسلوب و شكل عرض الخبر ومدى موضوعيته و وقت نشره.
المطلب الثاني: حق النقد
حرية النقد صورة من صور حرية الرأي و التعبير تتيح للأفراد بطريقة غير مباشرة المشاركة في الحياة العامة و الإسهام في مواجهة المشاكل و إدارة شؤون الوطن و ذلك بنشر آرائهم و تقييم الأعمال المختلفة التي تهم المجتمع لبيان أوجه القصور و العمل على إصلاحها أو تفاديها في المستقبل، فتظهر حرية نشر الأفكار كشرط أساسي للتقدم و الإزدهار لمجتمع ديمقراطي فلاشك في أن حرية الرأي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي و تعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم و الذي لا يتأتى إلا بتعدد قنوات المعلومات و تعدد الأفكار و الآراء، فحرية الرأي تعد من الدعامات الأساسية التي تنهض عليها النظم الديمقراطية الحرة، و قد غدت من الأصول الدستورية الثابتة في كل بلد ديمقراطي متحضر.
الفرع الأول: تعريف النقد المباح
يتميز النقد عن النشر للأخبار في أنه بينما يتناول الثاني وقائع غير معلومة للجمهور يتناول الاول محض وراء تعليا على الوقائع، هو حكم او تعليق أو تقييم على واقعة ثابتة ( )
و عرف القضاء المصري النقد المباح بأنه " إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر بغية التشهير به أو الحط من كرامته".
و مع ذلك، فإنه قد يتعذر الفصل التام بين الشخص و بين تصرفاته، إذ أن تعييب هذه التصرفات قد يحمل بذاته المساس بشرف أو اعتبار الشخص نفسه باعتبار أن الشرف و الاعتبار قيمتان تمثلان الحصيلة النهائية لمجموع تصرفاته.
فيباح هذا المساس بالقدر اللازم لتقييم العمل ( ) بل من المتصور أن يمس النقد بعض مظاهر الحياة الخاصة للفرد إذا كانت تتصل اتصالا وثيقا بالمصلحة العامة.
الفرع الثاني: مجال النقد المباج
الحكم أو التعليق أو التقييم الذي ينصب على أمر من الأمور يمكن أن يتدخل في عدة مجالات، كالمجال الأدبي أو الفني او الفلسفي أو السياسي، أو في مجال البحث العلمي او التاريخي أو الانتاج العلمي او الصناعي أو في مجال المنافسة في السلع، و لكنه يبدو أن حدود حق النقد يختلف من مجال لآخر، فإذا كان حق النقد يفضل في مجال الجدل و مناقشة الأفكار عن حق الفرد في شرفه أو إعتباره، فذلك يختلف في مجال المنافسة حيث لا يسمح إلا في حدود ضيقة جدا حق منافس آخر. و يجد ذلك علته أن النقد في هذا المجال الأخير يستند في غالبية الأحوال إلى خدمة أغراض شخصية و لا يعتبر حقا من حقوق الإنسان.
كذلك فإن الفرد قد يتعرض للمساءلة في مجال أكثر من آخر، فإذا كان الفرد يتعرض للمساءلة في المجال السياسي، فإن ذلك يقل في مجال النقد التاريخي حيث أنه يقدم على تقييم وقائع حدثت منذ زمن بعيد يمكن ان يكون المقذوف في حقه لا وريث له ( ) بالإضافة إلى أنه يشترط أن يكون الوريث مجنيا عليه، أي أن يتعرض حقه في الشرف أو الاعتبار للعدوان، كمن يسند إلى المتوفى أنه أنجب إبنه من علاقة غير شرعية، و من ناحية أخرى فإن النقد التاريخي قد يكون في مجال البحث العلمي فيستفيد الناقد من حقه في البحث العلمي.
الخاتمــة
إن جرائم الصحافة ظاهرة من ظواهر العصر الحديث، و قد تجلت بوضوح في بعض الدول و عانت منها دول أخرى،قد رافقت هذه الظاهرة في الحرية و التي ظهرت عند بعض الدول و المتمثلة في حرية إبداء الأفكار و الكتابات و المقالات على مجتمع الصحف، و قد ساعدت هذه الظاهرة الديمقراطية في بعض الدول العريقة في هذا المجال.
إن الفكرة التي ينطلق منها هذا البحث تتبع أساسا من رغبتنا في إظهار ينظمه الفنون للحرية الصحافة، و نر هذا الإطار كشفنا أن التقييد القانوني لهذه الحرية و في كثير من الحالات يهدف إلى تحقيق التوازن بين حق الصحافة الدستوري في كفالة حريتها و حق المجتمع الطبيعي في صحافة حرة و موضوعية بعيدة عن المزايدات و المغالات، و يؤكد المدى الواسع للتكامل في هذا النطاق بين الدستور و القانون الجنائي و قانون الصحافة.
حقا أن هناك من القيود ما يعد ضرورة لابد منها حتى لا تنطلق هذه الحرية فتصبر فوضى أو تنقلت فتصبح عبثا.
إن المشرع الجزائري لم يستهدف من وراء هذا التقييد إلا وجه المصلحة العامة التي سعى من خلالها التحقيق أهداف الصالح العام و الخاص.
إنه الإعلام حاجة من الحاجات المطلوب اتباعها للفرد، و حق من حقوق المواطن لذلك على المشرع أن لا يتركه في متناول مؤسسات و أشخاص غير مكونين و غير واعيين بتأثير الإعلام على الجمهور فالإعلام الذي يبحث عن الربح و الإثارة غالبا ما ينسب في فتنة المجتمع.
فلو تطرقنا للظاهرة التي قامت بها قناة الجزيرة القطرية التي تعد جريمة كاملة في حق المجتمع الجزائري، فالإستفتاء الذي قامت به مؤخرا على شبكة الإنترنت و السؤال الغريب الذي ألقته على آلاف المشاهدين و المستعملين للإنترنت و هي تساؤل بكل سخافة عن تأثير العمليات الإرهابية تعد ضربا لمشاعر الملايين من الجزائريين و استهجان بدمائهم و أرواحهم و عدم مراعاة الأخلاق المهنية و التقييد القانوني الدولي الذي ينظم سير الإعلام. كما يحافظ و يراعي مشاعر الآخرين فليس بدعوة الحرية و الديمقراطية أن نطلق العنان لأفكارنا.
فنجرح مشاعر الآخرين، و إن الموقف الذي وقفته الصحف الجزائرية في وجه هذه الهجمة الشرسة يعد بمثابة الضمير المهني الذي يحكم المصلحة العامة للصحافة الجزائرية.
و انطلاقا من هذا فإننا لا نمتدح لقيام حرية الصحافة من إلغاء القيود التي تنظم و تحدد السير العام للصحافة، فالمشرع الجزائري تشريعاته القانونية التي تنحكم حرية الصحافة جعلها كغطاء وقائي من الجرائم الصحفية التي قد تظهر في خظم عدم المسؤولية و اللامبالات.
المـراجــع
أولا: المراجع باللغة العربية
1- دكتور رياض شمس ، حرية الرأي وجرائم الصحافة والنشر.
2- الأستاذ أحمد أمين، د. علي راشد، شرح قانون العقوبات.
3- دكتور عمر سالم، نحو قانون جنائي للصحافة.
4- دكتور عثمان أمال ،جريمة القذف، دراسة مقارنة.
5- دكتور سرور طادق، قانون الإعلام.
6- دكتور جابر يوسف عبد الكريم،جرائم إنتهاك أسرار الدفاع.
7- دكتور خلود سامي غزارة، النظرية العامة للإباحة.
8- دكتور محمود هشام محمد رياض، المشؤولية الجنائية للشخص المعنوي.
ثانيا: المراجع باللغة الفرنسية
1- BORRICAND (JACQUES) SIMON (ANNE – MARIE) Droit Pénal et Procedure Penale ,Edition DALLOZ, 1998.
2- Conte (PHILIPE) MAISTRE (PATRICK) ,Droit Pénal général , 3 éd Presse UNIVERSITAIRE de France , 1998.
3- LAURE RASSAT (Michéle) ,Droit Pénal Spécial ,Infractions des et contre les particuliers ,éd DALLOZ,1995.