عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى الجزائري الحسني
(1222/1808ـ 1300/1883)
قائد فذّ عبقري، وخطيب ملهم، جمع بين السيف والقلم، أوّل من أثار الضمير الشعبي الجزائري، وبذر بذور الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، عالم الأمراء و أمير علماء دمشق .
ولد في قرية القيطنة التابعة لوهران، من عائلة مرابطيّة كريمة مشهورة بالفضل والكرم، تنحدر من سلالة مولاي إدريس .
نشأ في حجر والده وتتلمذ عليه، وكان يترأس الطريقة القادريّة .
حفظ القرآن، وتعلم مبادئ العربيّة على أبيه، ثم قرأ على الشيخ أحمد بن طاهر القرآن والحديث وأصول الشريعة، واستكمل فنون العلوم في وهران، ونال شهادة حافظ . فقد درس الفلسفة (رسائل إخوان الصفا - أرسطوطاليس - فيثاغورس) ودرس الفقه والحديث فدرس صحيح البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو، والسنوسية، والعقائد النسفية في التوحيد، وايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان القتال، وعلى ذلك فإن الأمير الشاب تكاملت لديه مؤهلات تجعله كفؤًا لهذه المكانة، وقد وجه خطابه الأول إلى كافة العروش قائلاً: "… وقد قبلت بيعتهم (أي أهالي وهران وما حولها) وطاعتهم، كما أني قبلت هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مؤملاً أن يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورفع النزاع والخصام بينهم، وتأمين السبل، ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهرة، وحماية البلاد من العدو، وإجراء الحق والعدل نحو القوى والضعيف، واعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله الاتكال في ذلك كله". بونايل عادل
عاد إلى بلده في السابعة عشرة من عمره، فعكف على القرآن والمطالعة، وانصرف إلى التأمّل الديني الهادئ .
سافر بصحبة والده في جولة علمية إلى الديار الحجازية ودمشق وبغداد، حيث لقي الشيوخ والعلماء أمثال: المحدث الكبير عبد الرحمن الكزبري في دمشق، والإمام خالد النقشبندي السهروردي، والسيد محمود الكيلاني في بغداد، ومن لقيهم من بعد في دمشق كالسيد محمود الحمزاوي، ومحمد الخاني .
وأقام في ضيافة الشيخ محمد زكريا قاضي تدمر عدّة أشهر، في طريقه إلى بغداد،
وسلك الطريقة القادريّة، ولقي الشيوخ فيها والعلماء ؛ وعاد مع والده إلى الجزائر يحمل علوم المشارقة وآدابهم .
اشتهر في صباه بشدّة البأس، وقوّة البدن، والفروسيّة ؛ بايعه رؤساء القبائل العربيّة سنة 1248/1832 بعد أبيه على نصرة الإسلام، والذود عن الوطن، ولقّبوه بناصر الدين، فجمع كلمتها، وخاض المعارك دفاعا عن استقلال المغرب العربي، وانتصر في معركة وهران .
عقد مع الفرنسيّين معاهدة 1250/1834 وتفرّغ للإصلاحات الداخليّة، ونظّم دولته على أسس إسلاميّة، ولم يعترف بسيادة فرنسا على بلاده، وكان حاكماً جريئاً، شجاعاً، يتقدّم الجيوش بنفسه، ولا يبالي بكثرة العدو واستعداده .
نظّم مملكته إلى ثماني خلافات، وأقام جهازاً إدارياً مسلسل الرئاسات، ونظّم القضاء، وأسّس مجلساً ثورياً، وأنشأ مصانع الأسلحة والبارود، وملابس الجند، وجمع الزكاة، وبنى مدينة (تقدمة) وكثيراً من المعامل، وافتتح المدارس، وضرب النقود (المحمديّة) ونظّم جيشاً قوامه عشرة آلاف جندي .
بدأ كفاح الامير عبدالقادر بالتحاقه بالمتطوعين للجهاد وصحبة ابيه الشيخ محيي الدين ، وظهر أمره في أول اشتباك مع القوات الفرنسية عنداسوار مدينة وهران، فبويع ليتولي قيادة الجهاد بعدما اعتذر ابوه الشيخ عن ذلك ، فبويع الامير عبدالقادر في1832م ،ليبدأ سيرته الجهادية باستقدام المتطويعين وتأليف السرايا وجمع القبائل على الجهاد ضد الفرنسيين ، فحقق نجاحات ارغمت الفرنسيين على عقد معاهدة معه في 1834م.
غدر به الفرنسيّون سنة 1251/1835 وخرقوا معاهدة (دي ميشيل) وحاولوا التفريق بينه وبين رجاله، ولكنهم باؤوا بالفشل، واستخدموا أسلوب الحرب التخريبيّة، بتدمير المحاصيل الزراعيّة، وتدمير المدن الرئيسيّة، وأقصوه بعد أربع سنوات من النضال، إلا أنه لم يستسلم، والتجأ مع إخوانه إلى مراكش سنة 1259/1843 ثم عاد إلى الجزائر، وقاد حركة الأنصار .
هزم بالخيانة شأن كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي، فهاجمته العساكر المراكشيّة من خلفه، فرأى من الصواب الجنوح للسلم، وشاور أعيان المجاهدين على ذلك، وأسره المحتلون سنة 1263/1847 وأرسلوه إلى فرنسا، حيث أهداه نابليون الثالث سيفاً ورتب له في الشهر مبلغاً باهظاً من المال، وسمح له بالسفر إلى الشرق سنة 1268/1852 فتوجّه إلى الآستانة وحصل له الإكرام والاحتفال من خليفة المسلمين السلطان عبد المجيد، وأنعم عليه بدار في مدينة بروسة، ثم استوطن دمشق، بعد توالي الزلازل على بروسة، سنة 1271/1855 فكان يقضي أيامه في القراءة و الصلاة وحلقات العلم، وجمع مكتبة ضخمة، واشتهر بالكرم ولطف المعشر، وحب العلم وأهله .
تولّع بكتب الصوفية، خصوصاً مؤلفات الشيخ محي الدين بن عربي، وكان له اختصاص بمعرفة تاريخ الإسلام، واشتهر بالفصاحة، وشدة البأس والفروسيّة .
وعندما طرحت صيغة الإمارة العربيّة في أجواء الحرب (الروسيّة ـ العثمانيّة) وأجواء (معاهدة سان استيفانو) ومؤتمر برلين، لم تخرج عن نطاق المفهوم الإسلامي للسلطة (إمارة عربية في إطار الخلافة الإسلامية) وبويع زعيماً لهذه الحركة وأميراً مرتقباً على بلاد الشام .
وقد أورد محمد علي شاهين في كتاب أعلام الصحوة الإسلاميّة كما غيره من بعض المؤرخين الذين أنطلت عليهم الأكاذيب التي نشرها الأستعمار الفرنسي آنذك عن القائد البطل وهو بأن المجاهد البطل عبد القادر الجزائري كان متعاطفا مع الماسونية ، وهنا نص من كتاب يشير الى ذلك :
( ......... وعندما طرحت صيغة الإمارة العربيّة في أجواء الحرب (الروسيّة ـ العثمانيّة) وأجواء (معاهدة سان استيفانو) ومؤتمر برلين، لم تخرج عن نطاق المفهوم الإسلامي للسلطة (إمارة عربية في إطار الخلافة الإسلامية) وبويع زعيماً لهذه الحركة وأميراً مرتقباً على بلاد الشام .
وكان عبد القادر الجزائري متعاطفاً مع الحركة الماسونيّة التي في إطار محافلها كانت تطرح طروحات الاستقلال .
وكان قد انتظم في سلك الماسونيّة بالاسكندريّة سنة 1864، وهو في طريق عودته من الحجاز، بمحفل الإهرام التابع للشرق الفرنسي، وكان يجهر بانتسابه ....)
وقبل الرد على ما ورد دعونا نعرف الماسونية ونتعرف على أفكارهم
التعريف : الماسونية لغة معناها البناءون الأحرار ،
وهي في الاصطلاح منظمة يهودية سرية هدامة ، إرهابية غامضة ، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد ، وتتستر تحت شعارات خداعه ( حرية - إخاء - مساواة - إنسانية ) . جل أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم ، من يوثقهم عهداً بحفظ الأسرار ، ويقيمون ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام تمهيداً بحفظ جمهورية ديمقراطية عالمية - كما يدعون - وتتخذ الوصولية والنفعية أساساً لتحقيق أغراضها في تكوين حكومة لا دينية عالمية
الأفكار والمعتقدات للماسونية
· يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات ويعتبرون ذلك خزعبلات وخرافات
· يعملون على تقويض الأديان
· العمل على إسقاط الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية في البلاد المختلفة والسيطرة عليها
· إباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة
· العمل على تقسيم غير اليهود إلى أمم متنابذة تتصارع بشكل دائم
· تسليح هذه الأطراف وتدبير حوادث لتشابكها
· بث سموم النـزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية
· تهديم المبادئ الأخلاقية والفكرية والدينية ونشر الفوضى ولانحلال والإرهاب والإلحاد
يقع في حبائلهم بالشباك من كل جانب لإحكام السيطرة عليه وتيسيره كما يريدون ولينفذ صاغراً كل أوامرهم
· الشخص الذي يلبي رغبتهم في الانضمام إليهم يشترطون عليه التجرد من كل رابط ديني أو أخلاقي أو وطني وأن يجعل ولاءه خالصاً للماسونية
· إذا تململ الشخص أو عارض في شيء تدبر له فضيحة كبرى وقد يكون مصيره القتل
· كل شخص استفادوا منه ولم تعد لهم به حاجة يعملون على التخلص منه بأية وسيلة ممكنة
· دعوة الشباب والشابات إلى الانغماس في الرذيلة وتوفير أسبابها لهم وإباحة الإتصال بالمحارم وتوهين العلاقات الزوجية وتحطيم الرباط الأسري
فمن خلال تعريفنتا وتعرفنا على الماسونية الصهيونية وعلى أفكارهم نعلم أن ما نسب للبطل عبد القادر الجزائري بإنتسابه لها ما هو إلا كذب وتلفيق لتشويه تاريخه الناصح وبطولاته
فكل هذه الإدعاءات والأكاذيب وضعتها فرنسا التي ناضل وجاهد ضدها قصد تشويه صورة بطل بذل النفس والنفيس في جهاد الغزاة الصليبيين ... وهم، أعني غزاة الأمس، لم يهضموا احترام العالم كله للأمير عبد القادر بما تحلى به من فضائل السماحة والإنسانية
فهي في رأيهم فضائل لا يمكن لمسلم أن يتحلى بها فأرادوا أن يحسبوه على الماسونية ليخلعوا عنه ثوب الإسلام . قضى الأمير عبد القادر خمس عشرة سنة في ساحات الجهاد، قائدا محنكا أدهش أعداءه بذكائه المتقد و خططه العسكرية البارعة، يتقدم جنده إلى معمعة القتال مثالا للشجاعة والإقدام، وهو مع شدة بأسه في غاية الإنسانية يقاسم أسراه طعامه ويتعهدهم بنفسه ... وفي حادثة مشهورة أطلق من بيده من الأسرى لما لم يجد ما يطعمهم به
أقرؤا ما دار بين البطل عبد القادر الجزائري وبين الجنرال الفرنسي دي ميشال لتعلموا سبب التلفيبق والكذب عما قيل أن عبد القادر الجزائري ماسوني
ولما عجز ولم يتمكن من فك الحصار المضروب حول رجاله في وهران وستغانم ، وكادت الجيوش المجاهدة ، تسحق القوات الاستعمارية داخل الحصون ، لو لم يمل القائد الفرنسي إلى المراوغة ، فأرسل إلى الأمير الشيخ عبد القادر ، يطلب منه التماس الصلح من فرنسا ودس بين سطور رسالته عبارات التهديد والتخويف ، بقوة فرنسا الهائلة التي تعد أكبر قوة في العالم .
ولكن الشيخ عبد القادر أجابه إجابة القائد المؤمن ، الواثق بنصر الله تعالى ، الفاهم للإسلام ، العالِم بأحكام الشرع المتعلقة بالجهاد ومقاتلة الكفار .
فقال - رحمه الله تعالى - : " إن ديننا يمنعنا من طلب الصلح ابتداءً ، ويسمح لنا بقبوله إذا عرض علينا ، وإن المفاوضة التي تطلبونها يجب أن تكون مبنية على شروط محترمة منا ومنكم " . والشيخ بقوله هذا يشير إلى قوله تعالى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ )( الأنفال: 61 ) .
ثم استطرد الأمير الشيخ قائلاً في جوابه : " كيف تفاخرون بقوة فرنسا ولا تقدرون القوة الإسلامية ، مع أن القرون الماضية أعدل شاهد على قوة المسلمين وانتصاراتهم على أعدائهم ، ونحن وإن كنا ضعفاء على زعمكم ، فقوتنا بالله الذي لا إله إلا هو لا شريك له ، ولا ندعي بأن الظفر مكتوب لنا دائمـًا ، بل نعلم أن الحرب سجال يوم لنا ويوم علينا ، غير أن الموت سر لنا وليس لنا ثقة إلا بالله وحده ولا شريك له ، لا بعَدد ولا بعُدد ، وإن دوي الرصاص وصهيل الخيل في الحرب لآذاننا خير من الصوت الرخيم " .
ثم يتحدى الجنرال دي ميشال وقواته قائلاً : " متى خرجتم من وهران مسافة يوم أو يومين يظهر للعيان من يستحق الفخر بنا " .تلك إجابة العالم المجاهد ، فكان جوابه كالصاعقة التي أذهلت هذا القائد الكافر الغر النزق .
أنشأ الأمير دولة بالغة التنظيم جعل لها عاصمة سرابية متنقلة (الزمالة) وكان شديد الاعتماد على النفس يأكل مما ينتج قومه، يلبس مما ينسجون ويصنع السلاح الذي يحارب به... كانت مسيرته الجهادية على ثلاث مراحل مفصولة بمعاهدتي التافنة الأولى والثانية، كانت المرحلة الأولى حافلة بالانتصارات الكبيرة مما اضطر الفرنسيين إلى طلب الهدنة ... ما لم ينتبه له الأمير، لبعد الشقة ربما، أن الأعداء استغلوا الهدنة ليوجهوا حملة ثانية على مدينة قسنطينة التي صدتهم عنها مقاومة الشيخ أحمد الباي، كانت المرحلة الثانية أيضا لصالح الأمير غير أن الجيش الفرنسي استطاع إعادة بناء ثقته المهزوزة في النفس ...
ولما لم تستطع الجيوش الفرنسية مجابهته في ساحة حرب شريفة كانت هزائمهم فيها فادحة لجأوا إلى سياسة الأرض المحروقة ومؤامرات الخيانة ... كانت أقسى الخيانات على الأمير عام 1843 إذ حدد الخونة نزول العاصمة المتنقلة في 'طاقين' يوم السادس عشر من ماي وبينما كان الأمير مشتبكا في معركة ضارية مع الجنرال الفرنسي لامورسيير قام الدوق دومال ابن الملك الفرنسي بمهاجمة العاصمة وتدميرها بما حوت من موارد وعتاد إضافة إلى الخسائر الباهضة في الأنفس ..
زاد الطين بلة تخاذل السلطان المغربي آنذاك وحشده لجيشه عام
1844 كي يمنع جيش الأمير من التسرب إلى أراضيه.... ولأن الجيش الصليبي بالغ في ترويع الآمنين
و إلحاق الضرر بالسكان العزل اضطر الأمير للاستسلام عام 1847 بعد وعود من الملك الفرنسي بإخلاء سبيله، لكنهم غدروا وأرسلوه إلى سجن لامبرواز ليقضي مدة خمس سنوات
كان الأمير يطمح إلى دعم السلطان العثماني لمعاودة تنظيم الصفوف واستئناف الجهاد لكن الأمر لم يكن كذلك ...
للأمانة، الدولة التي أنشأها الأمير فرضتها طبيعة المعركة ولم تكن دولة بالمفهوم الوطني اليوم، والأمير لا يعرف عن جنسيته سوى أنه عربي مسلم لذلك فضل الإقامة بين أهله وقومه في الشام
مما أحفظ له أبيات من قصيدة قالها بعد معركة خنق النطاح قرب وهران عام 1832 وهو ابن الخامسة العشرين:
ألم ترَ في خنقِ النطـاحِ نطاحَنـاغداة َ التقينا كم شجاع ٍ لهم هـوى
وكـم هامـة ذاك النهـار قددتهـابحد حسامي والقنا طعنـه شـوى
وأشقـرَ تحتـي كلّمتـهُ رماحهـمثمانٍ ولم يشكُ الجوى بل وما التوى
ويومَ قضى تحتـي جـواد برميـةوبي أحدقوا لولا أولو البأس والقوى
..
مدحته الشعراء والبلغاء، ورثته العلماء، وأرّخته الأدباء .
ألف في التصوف كتاب: (المواقف) مملوء بالقول بوحدة الوجود ـ سامحه الله ـ على طريقة ابن عربي الفلسفية، قبس فيه كثيراً من آراء والده في كتاب (إرشاد المريدين).
و(المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد) و(ذكرى الغافل وتنبيه الجاهل) في الحكمة والشريعة، وهي الأطروحة التي قدّمها للمجمع العلمي الفرنسي في أخريات سنيه، فقبل بها عضواً مراسلاً، وترجمها له سكرتير القنصليّة الفرنسيّة في دمشق .
وكانت له قدم راسخة في الشعر، جمع شعره في ديوانه (نزهة الخاطر) ونشر زكريا عبد الرحمن صيام (ديوان الأمير عبد القادر الجزائري) سنة 1978 .
توفي بدمشق، ودفن بالصالحيّة، إلى جانب الشيخ محي الدين بن عربي، وفي ذلك يقول الشاعر :
ذو الدار والضيف سراجا هدى فنعم رب الدار والضيف
ونقلت رفاته إلى الجزائر بعد الاستقلال، واحتفلت الأمّة احتفالاً مهيباً بدفن رفاته، حيث اجتمع نحو نصف مليون مواطن جزائري، إلى جانب أربعين وفداً من الأقطار العربية والصديقة، وأعضاء مجلس الثورة الجزائري، في مقبرة الشهداء، خارج العاصمة.
ألف في سيرته أبو القاسم سعد الله في كتابه: (حياة الأمير عبد القادر) و يحي أبو زيز (بطل الكفاح الأمير عبد القادر الجزائري) وعمار الطالبي (عبد القادر الجزائري) .
ومن أشعاره
سلامٌ عليكم طال شوقي إليكم ............... وقلبي سواكم في البرية ما أحب
سلامٌ يفوق المسك نشر عبيره ............. يعمّكم والآل يا سادة العرب
أتيتكم عبدا لقصد زيارة ............... لعلّي أؤدّي ما عليّ لقد وجب
فمنوا على العبد الذليل بدعوةٍ ............ ينال بها حسن الختام مع الأرب
وله أبيات حافلة بعبق العروبة وشذى الطبيعة الريفية الرائقة
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضـر ......... وعـاذلاً لمحـبّ البـدو والقفـر
لا تذممنّ بيوتاً خـفّ محملهـا ........... وتمدحـنّ بيـوت الطيـن والحجـر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني........... لكن جهلت وكم في الجهل من ضـرر
أو كنتَ أصبحت في الصحراء مرتقياً ............. بساط رملٍ به الحصباء كالدرر
أو جلتَ في روضةٍ قد راق منظرها .......... بكل لـونٍ جميـل شيّـق عطـر
تستنشقنّ نسيماً طاب منتشقاً ........... يزيد في الروح لـم يمـرر علـى قـذَر
أو كنت في صبح ليل هاج هاتنه ............ علوت في مرقبٍ أو جلت بالنظـر
رأيت في كلّ وجهٍ من بسائطها ............ سرباً من الوحش يرعى أطيب الشجر
فيا لها وقفة لم تبق من حزن ........... في قلب مضنى ولا كـدّا لـذي ضجـر
نباكرُ الصيد أحيانا فنبغته ............ فالصيد منّـا مـدى الأوقـات فـي ذعـر
فكم ظلمنا ظليما في نعامته ............. وإن يكن طائـراً فـي الجـو كالصقـر
يوم الرحيل إذا شدّت هوادجنا ............. شقائـق عمّهـا مـزنٌ مـن المطـر
فيها العذارى وفيها قد جعلـن كـوىً .......... مرقعـاتٍ بأحـداقٍ مـن الحـور
تمشي الحداة لها من خلفها زجلٌ ........... أشهى من الناي والسنطيـر والوتـر
ونحن فوقَ جياد الخيل نركضهـا .......... شليلهـا زينـة الأكفـال والخصـر
نطارد الوحش والغزلان نلحقها ............ على البعاد وما تنجـو مـن الضمـر
نروح للحيّ ليلا بعدما نزلوا ........... منـازلاً مـا بهـا لطـخٌ مـن الوضـر
ترابها المسك بل أنقى وجاد بها ............. صوب الغمائـم بالآصـال والبكـر
نلقى الخيام وقد صفّت بها فغدت ........... مثل السماء زهـت بالأنجـم الزهـر
قال الألى قد مضوا قولا يصدّقه ............ نقلٌ وعقلٌ ومـا للحـق مـن غيـر
الحسن يظهر في بيتين رونقه .......... بيتٌ من الشعـرِ أو بيـتٌ مـن الشعَـر
أنعامنا إن أتت عند العشيّ تخل ............ أصواتهـا كـدويّ الرعـد بالسحـر
سفائن البرّ بل أنجى لراكبها ............. سفائن البحر كـم فيهـا مـن الخطـر
لنا المهارى ومـا للريـم سرعتهـا ......... بهـا وبالخيـل نلنـا كـل مفتخـر
فخيلنا دائما للحـرب مسرجـةٌ ............ مـن استغـاث بنـا بشّـره بالظفـر
نحن الملوك فلا تعدل بنا أحداً .......... وأيّ عيشٍ لمـن قـد بـات فـي خفـر
لا نحمل الضيم ممن جار نتركه ........... وأرضه وجيمـع العـزّ فـي السفـر
وإن أساء علينا الجار عشرتـه ........... نبيـن عنـه بـلا ضـرٍّ ولا ضـرَر
نبيت نار القرى تبدو لطارقتنا .......... فيها المداواة مـن جـوع ومـن خصـر
عدوّنا ما لـه ملجـا ولا وزرٌ ............ وعندنـا عاديـات السبـق والظفـر
شرابها من حليبٍ ما يخالطـه .......... مـاء وليـس حليـب النـوق كالبقـر
أموال أعدائنا فـي كـلّ آونـة ............ نقضـي بقسمتهـا بالعـدل والقـدر
ما في البداوة من عيـب تـذمّ بـه ........... إلّا المـروءة والإحسـان بالبـدرِ
وصحّة الجسم فيها غير خافيةٍ ........... والعيب والداء مقصورٌ علـى الحضَـر
من لم يمت عندنا بالطعن عاش مـدى فنحـن أطـول خلـق اللَـه فـي العمـر
من مؤلفات الأمير عبد القادر 1 - "المقراض الحاد لقطع لسان الطاعن في دين الإسلام من أهل الباطل والإلحاد" وهي رسالة كتبها في سجنه بفرنسا.
2 - "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" وهي رسالة للأكاديمية الفرنسية عندما انتخبته عضوًا فيها.
3 - "المواقف" وهو في التصوف.
4 - تعليقات على حاشية جده "عبد القادر بن خدة" في علم الكلام.!
5 - رسائل وإجابات على أسئلة في العديد من الموضوعات والفنون