بيان بشأن سقوط فرعون مصر ، ودعوة لإطلاق الثورة العربية الكبـرى
قال الحق سبحانه : ( ودمّرنا ما كان يصنعُ فرعونُ وقومه وما كانوا يعرشون )
الحمد لله الذي أذلّ الطغيان ، ونصر المظلومين على سلطة البغي ، والظلم والعدوان ، وكلَّل جهاد المضطهدين ضد الطاغية بالفـوز المبين ، وهزم فرعون وأعوانه ، وألحقـهم بالحال المهين ، وأعقـب الشعب بعد طول الإضطهـاد ، وشدّة الإستعبـاد ، الظفـر ، وأورثـه وأمّتنا النصـر .
ونهنّىء الشعب المصري الشامـخ ، كما نهنئ جميع الشعوب العربية ، والأمّة الإسلامية ، على هذا الإنجاز الكوني الذي كان الفضـل الأول فيه بعد الله لشعب تونس البطل
غير أنه لم يكد يستقر في يد مصـر العظيـمة ، حتى حوَّلته إلى إعصـار حضاري عمـلاق ، أدار رحى التاريخ ، فاستدار نحـو النهضة الشامـلة
وغيـّر مسار الريـاح فهـبّت تدفـع بسفيـنة الأمـّة ، إلى بـر المستقبل المشـرق الوضـّاء ، والأمـل الأَلـِق بالمجـد في آفـاق السـماء.
وإننا لمتفائلون _ بإذن الله تعالى وحوله _ بهذا التحـوّل التاريخي الهائل ، أن يبعث بنهضـة شاملة سوف تنتشر وشيكا في أمتنا إنتشار النار بالهشـيم ، وتدور على ثلاثة عناويـن رئيسة :
أحدهما : تطهيـر أمّتنا من بقايا إرث المستعـمر ، وإزالـة ما تبقى من أذيالـه بالكليّة ، وذلك أنّ هذه الأنظمة التي صادرت إرادة أمتنا ، واستلبت حريتها ، وسخرت مقدراتها للأجنبيّ ، لم تكن سوى أدوات لم يزل يدير بهـا المستعمر أطماعه الدنيئة ، ويحقـق أهـدافه الخبيثـة .
ولهذا يجب أن تستمر هذه الثورات حتى تسقط جميع أنظمة الزيف التي تسلطت على شعوبنا بغير حـقّ ، ولم تنبثق من الإرادة الحرة لشعوبنا ، بل سُلِّطت عليه بإرادة الأجنبيّ المعادي ، وما دامت تحقق له ما يـريد
وحتى يتـم تطهير جميع البلاد من الهيمنة الأجنبيـة ، وأدواتـها ، بجميع صورها وأشكالهـا.
الثانـي : إعادة السلطة للأمـّة ، حتى تصبح جميع مقاليـد أمورها بيدها ، وعلى رأسها أنظمتها السياسيّة
فتولـّي عليها خيارَها ، وتقصي شرارَها ، وتسخّـر آلة الدولة لمصلحة الأمـّة ، ولنشر العدالة بين شعوبها ، ولحفظ حقوقها ، ولتحقيق رسالتها الحضارية العالميـة .
ولهذا يجب إشاعة ثقافة الثورات الشعبيّة على غرار الثورتين التونسية ، والمصرية ، وتدريسها في منابر الثقافة ، ومعاهـد التعليـم .
حتى تسترد الأمّة سلطتها ، وتصبح هـي وليـّة أمـرها ، كما يجب إلحاق الهزيـمة النهائية بثقافة الإنبطاح ، وتعبيد الشعوب للسلطات الخائنة ، وتغييـب دور الأمـّة .
كما الواجـب محاربة الإستبداد ، وثقافته ، وجميع أدواته ، وذلك بنشـر الوعي بين الشعوب بحقوقها ، وعلى رأسها حقها السياسي بالإختيار الحر لرأس النظام ، ومحاسبتـه ، ووقف كارثـة التوريث ، وإيقـاف مهزلـة الحزب الحاكـم الواحـد !
ثم سائر حقوقها السياسية ، من حقّهـا في رسم السياسات ، ووضع الإستراتيجيات في جميع المجالات ، إلى مراقبة السلطة ، إلى حقها في إمتـلاك جميـع وسائل التغيير ، والإصلاح ، والإحتجاج ، لرفض السياسات التي لاتحقق آمال الشعـب .
الثالث : إطـلاق طاقات الشعوب في فضاء الحرية الواسع الذي يحقق أهـداف الأمة ، ويدفع بحضارتها إلى التفـوق الكوني ، والقضاء على كلّ القيود التي وضعتها أنظمة الزيف التي قتلت الإبداع في شعوبنا ، وسخرتها لمثلث ( القصر ، ومافيا الفساد الذي يدور حوله ، وإرهاب البوليس السري ) !
وذلك لايتحقق إلاَّ بإسقـاط كلِّ الأنظمة السياسية التي تحكم بهذا المثلث ، ونزع كلّ السلطات التي تمكنها من تقييد حريات الشعب ، ومصادرة حقوقه ، وامتهان كرامته ، وإذلاله ، ووضعهـا كلَّها بيد مؤسسات يديرها الشعب نفسه .
وذلك تحت شعار : لا للقمـع ومنع الشعوب من ممارستها حقوقها السياسية والمدنيـّة ، ولالدولة البوليس السرّي ، ولا للإرهاب للفكر ، ولا للحجب على وسائل المعرفـة .
ولا وألف لا لتوظيف الدين ومؤسسات الفتوى ، لأطمـاع الطغيـان ، ولشهوات سلطـته ، وأهـواء حزبه وحاشيـته ، فالإسلام برىء من دين يكون رديفا لسلطة البغـي ، وملحـقا بدولة الظلم ، وظهيـرا لنـظام الجـور .
بل قد بعث الله تعالى هذا الدّين العظيم ، وجوهر رسالته ، الإطاحة بالطغاة ، وإستبدادهـم على البلاد ، وتحطيـم الفراعنة وإستعبادهم للعبـاد ، وتحرير الإنسان من العبودية لغير الله تعالى ، وإكرام البشـرية عن الإمتهان ، وحكمها بالعدل والخيـر ، والإحسـان .
قال تعالى ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشـاء ، والمنـكر ، والبغـي يعظكم لعلكم تذكرون ) .
وتحت هذه العناوين التي ذكرتـها ، لنطـلق ثورتنا الكبـرى ، ثـورة الشعوب العربية ، لتتخـذ من الثورتين التونسية ، والمصرية ، نبراسـا هاديا ، وطريـقا إلى التحـرُّر من الإستبداد ساميا.
فلنبدأ الإنطلاقـة النهضوية بتأسيس الكيانات ، والتجمُّعـات ، والتوجهـات التي تجمع النخب الواعيـة ، لتوسع نموذج الثورتين إلى جميع البلاد العربية .
ولتنـظم نفسها ، ولتشـرع في تجميـع أدوات التغيير ، الإعلامية ، والتنظيمـية ، والمعرفية ، والتعبوية .
مقدمة مصلحة الأمة على المصالح الحزبية الضيقة ، وأهـدافها العامّـة على كلّ الأطمـاع الخاصـة .
ومتخلّصة خلوصا تامـا من التبعية لأيّ نظام سياسي ، أو توجه دينيّ تابع لأيّ نظام سياسي ، أو شخصية متورطة في التبعية لأي نظام سياسي .
وليكن شعار المرحلة القادمـة الأوحـد :
لنحوّل الثورتين في تونس ومصر إلى نهضة شاملة ، ولنجعل منهما أفق ثقافة جديـدة ، ولنبـني عليهـما صرح التغيير الشامـل ، ليشمل كلَّ الوطن العربي ، ثم الإسلامي ، حتى نزيـل كل إرث الماضي البائس وأنظمته السياسية ، ونهتف بشمس التحرر من الإستبداد ، والطغيـان ، لتشـرق على أمـّتنا إشراقة لاتغيـب بعدها أبـدا بإذن الله تعالى .
والله الموفق وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكـل المتوكـلون
الشيخ حامد بن عبدالله العلي
الكويت 8 ربيع الأول 1432هـ
11 فبرايـر 2011م