مقالات في الفلسفة للبروفيسور موسى معيرش - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتدى أساتذة التعليم العالي و البحث العلمي > قسم البحث العلمي و الدكتوراه

قسم البحث العلمي و الدكتوراه كل ما يتعلق بدور البحث العلمي في دفع عجلة التنمية... و كذا بالمجلات و الدوريات العلمية المحكمة... و رصدٍ لفرق و مخابر و مراكز البحث العلمي ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مقالات في الفلسفة للبروفيسور موسى معيرش

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-05, 22:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
تجويد
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية تجويد
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي مقالات في الفلسفة للبروفيسور موسى معيرش







السلام عليكم ورحمة الله

نفتتح هذه الصفحة لوضع إسهامات البروفيسور

موسى معيرش

أستاذ بالمركز الجامعي لخنشلة

وهو مشكور على موافاتنا بجديد مقالاته العلمية











 


آخر تعديل تجويد 2011-02-05 في 22:31.
رد مع اقتباس
قديم 2011-02-05, 22:10   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
تجويد
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية تجويد
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي



قسوم ومدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصرة.


الأستاذ الدكتور : موسى معيرش



























مدخل:
يعد عبد الرزاق قسوم من المفكرين الجزائريين القلائل الذين قدموا منهجا وتفسيرا جديدين في دراستهم للفكر العربي الإسلامي ويتجلى هذا الجهد في مجالين هامين : فهو من جهة من المساهمين في إثراء هذا الفكر بوصفه مفكرا متميزا أسهم بالعديد من مؤلفاته في هذا المجال سواء أتعلق الأمر بدراسته لبعض شخصياته المميزة أو بمساهماته الفكرية الواضحة. و من جهة ثانية بتحليلاته ودراساته النقدية بوصفه باحثا أكاديميا وأستاذا جامعيا بلور العديد من الأفكار وأثر في الكثير من طلبته الذين صار البعض منهم باحثين ومفكرين لا يشق لهم غبار تعدت شهرتهم الجزائر إلى العالم العربي والإسلامي.
مع هذا فإنّ القلائل من يعرف قسوم بهذه الكيفية، وهذه الدراسة هي في الحقيقة محاولة للاقتراب من الرجل وفكره، هادفة إلى تسليط الأضواء على بعض الجوانب منها دون أن تدّعي أنها تغطي شخصية قسوم، وداعية في الوقت نفسه إلى الاهتمام بمفكرينا من خلال دراسة أفكارهم والتعريف بها باستخدام المنهج العلمي الذي يتطلب الحياد والموضوعية ولكن دون تحامل أو مجاملة .


*****




1-قسوم المفكر والإنسان:
مع ما لقسوم من إسهامات هامة ومميزة فإنّ الكثير من باحثينا فضلا عن طلبتنا لا يكادون يعرفون عنه- وعن المفكرين الجزائريين-إلا القليل، وهو ما يدفعنا هنا إلى تقديم لمحة موجزة وسريعة عن أهم محطات حياته وأعماله تسهيلا لفهم أكثر وأشمل لهذا الرجل وفكره.
ولد عبد الرزاق قسوم بالمغير وهي مدينة صغيرة تتبع إداريا في الوقت الحالي لولاية الوادي بجنوب شرق الجزائر عام 1933م، في أسرة تحترم العلم وتقدسه ، إذ كان والده أحد فقهاء بلدته، مما جعله يهتم بتعليم ولده علوم العربية و وأرسله إلى الكتاب لحفظ القرآن الكريم دون أن يهمل اللغة الفرنسية. وبعد تأسيس معهد ابن باديس بقسنطينة التحق به عبد الرزاق سنة 1948م ليتتلمذ فيه مدة خمس سنوات كاملة.
إنظم إلى ثورة التحرير مبكرا ، وهذا بعد عودته مباشرة إلى مسقط رأسه ليقوم بتعليم أبناء بلدته،ثم انتقل إلى الجزائر العاصمة معلما وفدائيا إلى غاية الاستقلال ليعود إلى ميدان الدراسة فالتحق بجامعة الجزائر ليخرج منها بشهادتي لسانس ،الأولى في الترجمة عام 1967م والثانية في الفلسفة عام 1969م. لينتقل بعد مدة إلى جامعة السربون بفرنسا حيث تحصل على شهادة الدكتوراه عام 1979م.ليعود إلى معهد الفلسفة مدرسا ليعين بين سنتي1989و1995م مديرا للمعهد العالي لأصول الدين بالجزائر العاصمة.
إذا كان نجاح الإنسان يقدر بمقدار الأثر الذي يتركه هذا الأخير سواء بعمله أو في ذرية صالحة ، فكذالك الأمر بالنسبة لقسوم الذي عرفته مفكرا و عرفت أعماله العلمية والكثير من طلبته الذين أصبحوا باحثين ومفكرين فضلا على أنّ جهده في تربية وتعليم أبنائه يكاد يوازي أو يتفوق على جانبه المعرفي وهو ما لاحظته لما التقيت بأبنائه وبناته ومنهم الدكتور نضال أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالشارقة بالإمارات العربية المتحدة.
وتكريما لأعماله الفكرية نظم له في جوان 2006م مخبر الدراسات الفلسفية والتاريخية بجامعة منتوري بقسنطينة برعاية الأستاذ الدكتور عبد الكريم بوصفصاف يومان دراسيان لمناقشة أعماله ودراستها، والتي توزعت على النحو التالي :
-عبد الرحمان الثعالبي والتصوف.
-مفهوم الزمن في فلسفة أبي الوليد بن رشد.
-مدارس الفكر العربي الإسلامي.
-نزيف قلم جزائري.
-مفهوم الزمن في الفكر العربي المعاصر وقد أصدره باللغة الفرنسية.
-فلسفة التاريخ من منظور إسلامي.
-تأملات في معاناة الذات.




*****



2-مراحل الفكر العربي الإسلامي:
يثير عبد الرزاق قسوم في كتاباته العديدة إشكاليات معرفية ومنهجية مختلفة فيما يتعلق بالفكر الإسلامي، منها على سبيل المثال لا الحصر إشكالية التسمية ، دون أن يهمل الحديث عن إشكاليات تطوره.
هذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعة القضايا التي يطرحها قسوم ، وإذا ما كانت قد طرحت من قبل أم لا ؟ وإذا كان الأمر قد طرح من قبل فماذا أضاف قسوم لذلك أم أنه أعاد طرح الإشكالية دون أن يقدم الجديد؟.
هذا ما سنحاول أن نناقشه في هذا العنصر.
بداية لابد و أن نحدد المقصود بمصادر الفكر العربي الإسلامي هذا تلافيا لكل لبس خصوصا وأن بعض الباحثين لا يفرق بين المقصود بمصادر الفكر الإسلامي والمقصود بمصادر الفلسفة الإسلامية ومن ثم الخلط بين الفكر والفلسفة، وهذا يقودنا إلى أن نحدد مفهوم هذا الفكر.
أما فيما يتعلق بمصادر هذا الفكر فقسوم يرى أن المقصود بها ليس مصادر محددة لمفكر معين أثناء محاولته شرح الإسلام وإنما يقصد به مجمل المصادر التي تشكلت في مختلف العصور وساهمت بل وقادت إلى إنتاج هذا الفكر بمختلف اتجاهاته. أما المهتمون بدراسة هذا الفكر ورغم تنوعهم وكثرتهم فهم لا يخرجون عن دائرتين أساسيتين حسب وجهة نظر قسوم هما:
- دائرة الخطاب الديني.
-دائرة الفكر الفلسفي.
إلا أن المتمعن في هذا التقسيم يتبادر إلى ذهنه السؤال التالي: هل كان استخدام قسوم مصطلح خطاب عندما تحدّث عن الدائرة الأولى ومصطلح فكر عندما حدد الدائرة الثانية مقصود أم لا؟ و إذا ماكان مقصودا فهل يعني ذلك أن هذا التميز تقتضيه ضرورة معرفية ابستمولوجية أم ضرورة منهجية؟.
في محاولته تقديم قراءة جدية لزمن الفكر الإسلامي ينطلق قسوم من نقده للقراءات السابقة ، ويرى أنها في مجملها تنطلق من قراءة غربية لزمن غربي يقسم مراحل الفكر إلى فكر قديم وفكر وسيط وآخر حديث ، وهذه القراءة حسب وجهة النظر هذه وإن كانت مقبولة في الفكر والفلسفة الغربيتين فهي مرفوضة معرفيا وتاريخيا بالنسبة للفكر العربي الإسلامي،كما لا ينفي قسوم أنّ هنالك محاولات جادة لتقديم زمن مقارب لهذا الفكر كما فعل فهمي جدعان عندما قسم مراحل هذا الفكر على النحو التالي :
- مرحلة التنوير الديني في بناء الحضارة.
- مرحلة التوقف الحضاري والتوازن.
- مرحلة اختلال التوازن والانحطاط.
- مرحلة اليقظة والنهوض.
رغم الجهد المبذول والتفرد الذي نظر من خلاله فهمي جدعان إلا أنه حسب قسوم لم يخرج من تحت سيطرة تأثير الزمن الغربي نتيجة لاستخدامه مصطلحاته التي لا تصلح لقراءة وتفسير الفكر العربي الإسلامي، ونتيجة لهذا يحاول قسوم أن يقدم قراءته الخاصة حيث يقول:" لقد كنا نود أن تكون مراحل الفكر العربي الإسلامي على النحو التالي:
1-مرحلة الفتح والفتوحات.....
2-مرحلة التحرير العقلي....
3-مرحلة الإبداع العلمي...
4- مرحلة المد والجزر الحضاريين...
5-مرحلة النهوض والصحوة...
6- مرحلة التحدي وهي المرحلة المعاصرة ً (1) .
إلا أن المتمعن في هذا التقسيم يتساءل حول الجديد الذي أضافه ،وعن ما يميزه عن تقسيم فهمي جدعان الذي انتقده قسوم من قبل ماعدا الاختلاف في استخدام بعض المصطلحات علاوة على تقسيمه للمرحلة الأولى والأخيرة إلى مرحلتين مادام المضمون واحد، ومع هذا فإننا لا ننكر حق الفيلسوف في أن يكون له مفرداته الخاصة وتصنيفه المميز وهو ماكان لقسوم.
ومن هذه الناحية يمكننا القول أن صاحبنا قدم تصنيفا لتاريخ الفكر الإسلامي ينسجم مع قناعاته وتصوراته و منطلقاته وهذا إذا ما طبقنا معاييره التي وضعها في كتابه مدارس الفكر العربي المعاصرة، وبهذا يكون قد حقق الهدف الذي جاء من أجله هذا التصنيف وهو محاولة التحرر من سلطة الفكر الغربي.






*****




3- إشكالية التسمية:
لا يقتصر الخلاف حول طبيعة الفكر الإسلامي وإنما يتعداه إلى إشكالية تسميته، والواقع أن هذه الإشكالية سبقت قسوم سواء أكانت هذه الأسبقية تعود إلى تاريخ طرحها أو في الكيفية التي عولجت بها وهو ما يدفعنا إلى أن نتساءل هنا عن مبررات إعادة طرح قسوم لها.
قلنا أن طرح إشكالية تسمية الفكر الإسلامي أثيرت في الفكر الغربي الحديث والمعاصر كما طرحت في بلاد المسلمين بعيد ذلك فإذا أخذنا الفيلسوف الألماني هيجل نجده يثير الإشكالية إلى أبعد من مسالة تصنيف هذا الفكر وتسميته إلى إشكالية وجوده وطبيعته وهو بهذا يذهب إلى نفي وجود فكر عربي إسلامي أساسا معتبرا أن ما هو موجود عند هؤلاء ويطلق عليه فلسفة أو فكر لا يغدو أن يكون ترديدا لأفكار اليونانيين وأمثالهم دون أن يعمل العرب على الإضافة أو الابتكار.
أما الفيلسوف الفرنسي أرنست رينان صاحب كتاب ابن رشد و الرشدية فيذهب إلى أن ما عند المسلمين مجرد شرح وتقليد لفلسفة اليونان بمختلف مدارسها وتوجهاتها وهذا انطلاقا من كون الفكر والفلسفة فعل مميز لا تقدر عليه الشعوب السامية التي تميل إلى التبسيط وتبتعد عن التعقيد وهو ما نجده في قوله:" وليس العرق السامي هو ما ينبغي أن نطالبه بدروس في الفلسفة ومن غرائب النصيب أن لا ينتج هذا العرق الذي استطاع أن يطبع على بدائعه الدينية أسمى سمات القوة أقل ما يكون من بواكير خاصة ضمن حقل الفلسفة، ولم تكن الفلسفة عند السامين غير استعارة خارجية صرفة خالية من كبير خصب غير اقتداء بالفلسفة اليونانية"(2).

بالنسبة للمفكرين العرب والمسلمين الذين تصدوا لمناقشة هذه الأفكار معتبرين أن النظرة الغربية لا تنمّ عن جهل بحقيقة هذا الفكر فحسب وإنما تدل على نظرية عنصرية مقيتة وهو ما عبر عنه مصطفى عبد الرازق في كتابه الشهير تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية.إلا أن هؤلاء المفكرين سرعان ما انقسموا بين تيارات ثلاث أولها يمثله مسيحيو لبنان بصورة خاصة الذين يعتبرون هذا الفكر والفلسفة التي أنتجته عبارة عن فلسفة عربية خالصة على أساس أنه نتاج اللغة العربية التي يشترك فيها المسيحيين والمسلمين العرب على حد سواء وفي هذا السياق كتب جميل صليبا تاريخ الفلسفة العربية وكذلك فعل حنا الفاخوري وخليل الجر(3).
بينما ذهب آخرون إلى أن هذا الفكر هو فكر إسلامي خالص وهو ما تجلى في كتاباتهم ، وفي هذا السياق يمكن أن نشير إلى أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة في الأربعينات من القرن الماضي ونقصد به مصطفى عبد الرازق الذي قدم وجهة نظره في كتابه الشهير تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، و تلامذته من بعده كسامي النشار وغيره. ولا نستغرب في هذا المجال أن نجد بعض المستشرقين كهنري كوربان ودي بور بذهابهما هذا المذهب(4).
في الوقت الذي ينتقد قسوم هذه التصورات ويعتبر أن أفضل تسمية تطلق على هذا النوع من التفكير هو الفكر العربي الإسلامي وهو ما تجلى في كتابه الذي نقوم هنا بمناقشته (5). إلا أن الملاحظة الأساسية التي يمكن أن نسجلها هنا على قسوم هو أن إشكالية التسمية التي أثارها تتعلق بفكر قديم ولكنه هنا لا يتحدث عن فكر حديث فحسب وإنما عن فكر معاصر مازال أغلب ممثليه أثناء إصداره لهذا الكتاب أحياء يرزقون بل ولا يزال أكثرهم على قيد الحياة ونحن نعدّ هذه الدراسة بعد عشر سنوات كاملة من صدور كتاب قسوم.
يبدو أن صاحبنا يرى أن الأحكام التي أطلقها سابقوه على الفلسفة الإسلامية أو العربية تنطلق من مسلّمات ومنطلقات ثابتة وبالتالي تنطبق حتى على كل فكر يأتي بعدها كما انطبقت على كل فكر سابق عنها وهذا إن صح فهو مصادرة عن المطلوب كما يقول المناطقة ، وتصور يضع الفكر في قالب جاهز يمنعه من التحرر والإبداع وهو ما لا يقبله قسوم وينتقده و لا ينادي به .
*****















4- مدارس الفكر العربي الإسلامي:
ينفرد عبد الرزاق قسوم بتصنيف جديد ومميز لمدارس الفكر الإسلامي المعاصر يقوم على أسس ثلاث هي على النحو التالي:
أ- مدرسة المنطلق العقلي والمصب الديني:
يقول عبد الرزاق قسوم في تعريفه لهذه المدرسة:"إن هذه المدرسة تضم عينات من المفكرين الذين توجهوا تحت ظروف تكوينية خارجية أو داخلية معينة، على منح العقل أولوية خالصة في الدراسة، والبحث ، واعتماد منهجية ولكنهم وجدوا أنفسهم يخدمون الفكر الديني ويجعلونه الهدف الأسمى والوحيد...و كأنهم يريدون بذلك التأكيد على أن العقل متى أحسن توجيهه وأقيم على مقدمات سليمة؛ فإنه لا محالة يقود إلى نتائج سليمة، وهل هناك نتيجة أعظم من فهم الدين فهما عقليا منطقيا"(6). ولتمثيل هذه المدرسة يقدم قسوم ثلاثة أسماء لمفكرين مصريين هم:
- خالد محمد خالد.
-محمد عمارة.
- مصطفى محمود.
دون شك فإن هذه الشخصيات تنطبق عليها القوالب التي وضعها قسوم لهذه المدرسة في كثير من نقاطها فهي شخصيات اتجهت في مرحلة ما بعد التكوين إلى الفكر العلماني فهاجمت المشتغلين بالدين أحيانا والدين في حد ذاته في أحيان أخرى لكنها سرعان ماعادت لا لتدافع عنه فحسب بل ولتكون ممثلة له : دفاعا وتنظيرا ، ومهاجمة لخصومه، إلا أن هذا لا يمنعنا من الإشارة إلى أن بعض هذه الشخصيات في الأصل ذات تكوين ديني كخالد محمد خالد خريج الأزهر.
إلا أن السؤال الذي يواجهنا -وكنا قد وجهناه من قبل لقسوم – يتعلق بالأسباب التي دفعت قسوم إلى الاقتصار على شخصيات مصرية -بغض النظر عن قيمتها العلمية ومكانتها الفكرية التي لا يمكن التشكيك فيها حتى من قبل خصومها-ودون شك فإنّ هناك شخصيات عربية وحتى جزائرية كثيرة مثلت هذا الاتجاه ،كان من المستحسن الإشارة إليها ودراستها كمالك بن نبي مثلا. ب- مدرسة المنطلق الديني والمصب العقلي:
يحاول قسوم أن يحدد الأطر العامة لهذه المدرسة معترفا بأن الأمر فيه الكثير من الصعوبة ومع هذا فإن السياق العام لهذه المدرسة:" سيتجلى لنا من خلال ظروف النشأة وعوامل التنمية وروافد الفاعلية، أنها ذات ألوان خاصة بعضها داخلي يستمد معالمه ، وبصمات هويته من داخل التراث الإسلامي الذي ينطلق منه في دراسته المنهجية ، والبعض الآخر خارجي وافد على العقل إما بحكم التكوين العقلي، أو بدافع نزعة الاستغراب، أو كرد فعل ضد الفكر الإسلامي فيكون بذلك كله قد حدد متطلبات الإرساء...
فأما من حيث النشأة، فإن ما يطبع هذه المدرسة هو التكوين المزدوج الذي وإن اتخذ الدراسة الإسلامية مادة لدراساته، إلا أنه يغلب عليه التوجه الفلسفي في المنهج والتكوين والاستنتاج"(7).. ولتمثيل هذا الاتجاه الفكري يستحضر قسوم ثلاثة شخصيات علمية وفكرية هي:
- حسن حنفي من مصر.
- محمد عابد الجابري من المغرب .
- ومحمود المسعدي من تونس.
وإن كنا لا نشك لحظة في أن هذه الشخصيات تصب في الاتجاه العقلي الخالص إلا أننا نتساءل عن منطلقاتها الدينية إذ لا يخف على أحد أن تكوين هذه الشخصيات فلسفي عقلاني إلا أنها كما يبدو اتجهت تحت ظروف عديدة إلى الاهتمام بدراسة التراث وفق منهجها العقلاني ولم يعرف عن هذه الشخصيات في يوم من الأيام انطلاقها من الفكر الديني وهذا خلافا لأنصار الاتجاه الأول الذين انطلقوا من مهاجمة الدين –رغم تكوين بعضهم الديني- ومحاربة مفكريه ووصف رجاله بالتخلف ليتحولوا إلى مدافعين ومؤيدين وصولا إلى اعتبارهم ممثلين لهذا الفكر.
ج- مدرسة المنطلق العقلي والمصب اللاّديني:
عن الكيفية التي انتقى بها قسوم ممثلي هذه المدرسة يقول:" فقد راعينا في اختيارهم التنوع اللغوي، والتلون الثقافي والتوازن الجغرافي ، مما يعطي دراستنا موضوعية أكثر، ومصداقية أشمل لهذا وقع اختيارنا على كل من الأستاذ الدكتور فؤاد زكريا من مصر، والدكتور محمد أركون من الجزائر مولدا، الفرنسي جنسية، والدكتور هشام جعيط من تونس"(.
رغم إقراره بصعوبة الجمع بين هذه الشخصيات في مدرسة واحدة، إلا أنه يقول بإمكانية ذلك وهو ما يبرزه قوله:" على أن ما يشفع لنا في الجمع بين هؤلاء المفكرين- بالرغم من اختلاف مواقعهم ومصادر تكوينهم، وتباين لغاتهم- السمات العامة، والتي هي القواسم المشتركة التي تطبع توجههم المنهجي الاديولوجي العام" (9) .
أما بالنسبة للنقاط العامة التي تحدد الأطر العامة لهذه المدرسة ، وتجمع بين أتباعها فيحددها قسوم في مايلي:
1- التكوين العقلي الفلسفي.
2-المنهج الشكي إزاء النص الديني .
3 -رفض إضفاء القداسة على النص الديني الإسلامي.
4-النزعة الانسلابية.
5-مناصبة العداء للعاملين في الحقل الديني.
6-التركيز على المبدأ النقدي.



الفيلسوف عبد الرزاق قسوم


*****




5- بين الموقف والمنهج:
يطرح عبد الرزاق قسوم في كتاباته أحد أهم الإشكاليات المتعلقة بالفكر الإسلامي بقوله:" يمكن -بكل موضوعية- الانطلاق في تحليل منهجية الفكر العربي الإسلامي من حكم قاس ، يتمثل في أزمة المنهج في دراسة هذا الفكر، فالدارس ما يزال محتارا في اختيار المنهج الأسلم للتمكن من سبر أغوار خبايا إنتاجنا الإسلامي ،وإخضاعه للتصنيفات الفكرية والفلسفية السائدة في العالم، أو صياغته ضمن منهجية خاصة بالعقل العربي الإسلامي، تكون موازية للمناهج، بل وبديلة عن القوالب الجاهزةً "(10).
المتصفح للباحثين في التراث الفكري الإسلامي يلاحظ تعدد المناهج المعتمدة وقلة النتائج المستخلصة؛ فهذا منهج ماركسي يعتمد الجدل أساسا والمادية التاريخية والمادية الجدلية منطلقا ومرتكزا والتفسير المادي للتاريخ هدفا وهو ما فعله حسين مروة في كتاباته المختلفة وخصوصا في كتابه الضخم النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية.
بينما اعتمد البعض الآخر منهج كلود ليفي ستروس المعروف بالبنيوية وبشّر به كمذهب وحيد غير قابل للنقد ، دون أن ننسى أن هناك من جعل من الوجودية فلسفة ومنهجا كعبد الرحمان بدوي في فترة هامة من حياته، أما زكي نجيب محمود فاعتمد على الوضعية المنطقية وباختصار فالعديد من الفلاسفة والمفكرين العرب المحدثين منهم والمعاصرين اقتبسوا مناهج غربية و حاولوا تطبيقها على الفكر العربي الإسلامي قديما وحديثا ليعود بعضهم عنها فيما بعد.
فكيف تعامل قسوم في كتابه مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصرة مع إشكالية المنهج؟ ويبدو هذا السؤال مبررا عندما نعرف أنه يتعرض لمدارس متناقضة في منطلقاتها ومصابها ومختلفة في أهدافها من جهة ، كما أنه من جهة أخرى مفكر ينتمي إلى مدرسة لها منطلق ومصب، ومن هنا تكمن صعوبة التعامل مع المناهج والمواقف ويأتي السؤال الذي طرحناه . للإجابة عن ذلك نجد التزام قسوم بالموضوعية والحياد في مناقشة خصومه بصورة تجعلنا نتذكر الباحث الأكاديمي العقلاني الجاد في شخصية قسوم التي تمارس النقد والتحليل لا من أجل التسلية والتلاعب بالألفاظ وإبراز القدرة على التحكم في آليات المعرفة ، وإنما بحثا للوصول إلى الموقف الذي يتطلبه الأمر. وهذا ما نستشفه بوضوح من خلال حديثه عن الكيفية التي سيتعرض بها للحديث ومناقشة ممثلي مدرسة المنطلق العقلي والمصب اللاديني حيث يقول:" أما ما نلتزم به فهو أننا سنعمل على محاورة كل مفكر من منطقه العقلي ، ولكن حسب تحديدنا الخاص لمدلول المنهج العقلي، والذي لا نعتقد أن يختلف معنا فيه كل ذي عقل سليم.فإن فهمنا للعقل يتخذ مدلولا شموليا بحيث لا يقصي النص الديني من دائرته ، بالأصح أن يكون العقل هو دعامة النص الديني، وبالتالي يكون التمازج والتكامل بين النص الديني والمنهج العقلي"(11). وهذا دون أن ينسى أن الهدف الأساسي من كل ذلك يكمن في خدمة الفكر توجيها للباحثين.
كما لا يختلف في محاوراته لبقية المدارس عند تعامله مع ما وضعه هنا منتقدا القوالب الجاهزة التي اعتمد عليها أنصار المنطلق الديني والمصب العقلي والمقولات التي ألزموا بها أنفسهم والمستمدة من الاتجاهات الفكرية الأوروبية بشكل عام والفرنسية بوجه خاص.
أما موقفه من الاتجاه الأول فيبدو أنه لا يخفي على أحد تعاطفه معه دون أن ينسيه هذا التعاطف مكانته كباحث ينشد الوصول إلى:" الحقيقة ما أمكننا ذلك ، والعمل على بلوغ أوفر قسط منها في حدود ما يسمح به ضعف وسائلنا المتاحة. و ما تمكننا به ذاتيتنا البشرية بميولها ، وانفعالاتها وقناعاتها الخاصة"(13). هنا نصل إلى مرحلة هامة في دراستنا لقسوم فأين نصنفه؟ أنصنفه ضمن المدرسة الأولى ، الثانية أم الثالثة؟ بحسب الملامح العامة التي وضعها نستبعد تصنيفه ضمن المدرستين الأخيرتين ، فهو لا يعادي الدين ولا رجاله كما فعل أنصار الاتجاه الثالث، في الوقت الذي يعمل على التحرر من القوالب الغربية التي وضع فيها أنفسهم أنصار الاتجاه الثاني. فهل معنى هذا أنه يمكننا تصنيفه ضمن الاتجاه الأول؟ .
مرة أخرى نصطدم بصعوبة ابستمولوجية أخرى فرغم أنه مدافع عن الدين مستخدما العقل للدفاع عنه إلا أنه مثل أبي حامد الغزالي ذا تكوين ديني ولم يعرف عنه مهاجمته للدين في مرحلة من مراحل حياته ، وهذا ما يقودنا إلى القول أن قسوم لا يجد نفسه ضمن التصانيف التي وضعها وإنما خارجها و هو ما يجعلنا نكاد نجزم أن قسوم سيعمل على إثراء تصنيفه هذا بإضافة منطلق و مصب جديدين من شأنهما أن يستوعبا الكم الهائل من المفكرين الذين لم يجدوا أنفسهم في هذا التصنيف.
ومع هذا فقد ظل قسوم وفيا للمنهج الذي وضعه مع خصومه الذين يختلف معهم شكلا ومضمونا حيث لم يكتف بالعودة إلى بعض مصادرهم بل أنه عاد إلى أغلب تلك المصادر التي أنتجوها كما لم يتوقف عن نعتهم بالفرسان الذين يجب احترامهم وتقديرهم بغض النظر عن اختلافنا معهم، وهو ما فعله مع أنصاره أو قل الذين يتعاطف معهم ، إذ رغم التعاطف الذي يفهم ضمنا فإن ذلك لم يمنعه من أن يحاورهم محاورة الأكاديمي الناقد الباحث عن الحق والحقيقة وهو ما عملنا على الالتزام به في هذه الدراسة .
ولنا أن نقول أننا نقف هنا أمام شخصية متكاملة ومفكر متزن وملتزم إذا ما قال فله ما يقول، و إذا انتقد فسيكون منصفا، فيلسوف صاحب موقف ولسنا أمام مقلد متبع باختصار نحن أمام شخصية علمية وفكرية متميزة. قلما نجد نظيرا لها.


*****











المصادر والمراجع:

1-عبد الرزاق قسوم: مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصرة، تأملات في المنطلق..والمصب، دار عالم الكتب الرياض ، الطبعة الاولى1997م ،ص 33؛43.
2-انظر رينان: ابن رشد و الرشدية، ترجمة عادل زعيتر، دار إحياء الكتاب العربي القاهرة1957م ،ص 15.
3- في هذا السياق نلاحظ الكتابات التي أصدرها هؤلاء في الموضوع تعبر عن هذه الفكرة فقد أصدر صليبا كتاب أسماه تاريخ الفلسفة العربية وكذلك فعل حنا الفاخوري وخليل الجر.
4-لكل منهما كتاب بعنوان تاريخ الفلسفة الإسلامية.
5--عبد الرزاق قسوم: مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصرة، ص21.
6- نفسه ،ص 92.
7-نفسه،ص 154.
8- نفسه،ص154.
9-نفسه، ص15.
10 - نفسه،ص156،157.
11- نفسه ،ص 43.


*****










رد مع اقتباس
قديم 2011-02-05, 22:12   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
تجويد
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية تجويد
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

الديني والسياسي في الفلسفة الحديثة
موسى معيرش

ليس من الصعوبة تحديد المقصود بالفلسفة الغربية الحديثة، فهي الفلسفة التي يكاد نجد حولها الإجماع في مجالات عدة، فهي في البداية فلسفة لا تشكيك في كونها كذلك، نتيجة لتمتعها بكل ما من شأنها أن يجعلها فلسفة، ومن جهة ثانية فإن المعلومات المتوفرة حولها وافرة، أضف إلى ذلك أن لا مجال للتشكيك في وجود فلاسفتها،أو حتى في نسب أعمالهم إليهم، رغم أن هناك من يشكك في مصدرية هذه الأعمال أو الأفكار. من هنا نستطيع القول أن المقصود بالفلسفة الغربية الحديثة، هي تلك الفلسفة التي ظهرت في أوروبا الغربية عقب العصور الوسطى ، و رافقت عصر النهضة الأوروبية أولا، والثورة الصناعية فيما بعد، وتميزت في عموميتها بصراعها الطويل مع الكنيسة المسيحية ، سواء أكانت كاثوليكية كما هو الحال في إيطاليا وفرنـسا وغيرهما، أو بروتستـنتية كما هو الحال بالنسبة لألمانـية و بريـطانيـا و غيرهما.

1ـ 1 ظهور التصور الجديد في أوروبا:
وقد مهدت المواقف التقليدية التى كانت قريبة من الموقف الكنسي لمواقف جديدة كانت للفكر الفلسفي اقرب فإذا تتبعنا تاريخ العلمانية في الفلسفة السياسية الغربية نجدها قد مرت بعدة مراحل يمكننا اختصارها في ثلاث.
المرحلة الأولى تميزت بمناهضة المسيحية, كما هو الحال بالنسبة لماكيافيلي (1469-1527م) بينما تميزت المرحلة الثانية بالدعوة إلى سيادة الدولة, كما هو الحال بالنسبة لهوبز(1588-1659م) في حين اتسمت المرحلة الأخيرة بالدعوة إلى جعل الدين في خدمة الدولة, كما دعا إلى ذلك روسو (1712-1778 م) وفيما يلي تفصيلا لما ذكرناه مجملا:
1ـ2 مناهضة المسيحية عند ماكيافيلي:
اذا عدنا الى نيكولا ماكيافللي نجده يقترح على الامير الراغب في اقامة دولة موحدة قوية ان يتخلى عن الاخلاق المسيحية التي قادت الى سقوط روما على يد قبائل القوط الغربية فضلا عن ابقائها على ايطاليا ممزقة ويؤكد ماكيافللي على ان سقوط روما لا يعد امرا عارضا وانما يعود الى اسباب ذاتية تتصف بها المسيحية تجعل امر سقوط الدولة وزوالها امرا طبيعيا.
واما عن هذه الاسباب فيرى ماكيافللي انها تنحصر في كون المسيحية ترجع غاية الانسان الى الآخرة خلافا لهدف الدولة وغايتها التي ترجع غاية الانسان الى تعمير الارض وهذا ما يتماشى والاخلاق الرومانية الوثنية القديمة كما ان المسيحية تتميز بتمجيد التواضع والنزاهة وتفضيل الحياة الباطنية عن الحياة العملية الظاهرة مما يجعلها توهن عزيمة الانسان وبالتلي تسلم قيادة الدنيا لاهل الجراة والعنف خلافا للديانة الوثنية الرومانية التي تخلع على القادة هيبة الهية تجعلهم محل تقديس وخوف من مواطنيهم .
ولهذا نجد ما كيافللي ينصح الامير اذا كان لابد أن يختار بين أن يكون محبوبا لدى رعيته او يكون مهابا .ان لا يتردد في ان يكون مهابا بطريقة يتجنب فيها الكراهية لشخصه ويؤكد ماكيافللي هذا بقوله: "فان من الافضل ان يخافوك على ان يحبوك هذا اذا توجب عليك الاختيار بينهما ) واما عن السباب التي جعلت الكنيسة المسيحية تحافظ على تمزيق ايطاليا فيجمعها ماكيافللي في عدم قدرة الكنيسة على توحيد ايطاليا من جهة ومنعها لكل محاولة لتوحيدها من جهة اخرى حفاضا على مصالحها وهذا ما دفع الايطاليين حسب ماكيافللي لعدم احترام السلطة الزمنية التي يتمتع بها البابا .
ويؤكد ماكيافللي فضلا على ذلك :"أن ايطاليا قد خسرت بتاثير المثل السيئ الذي يقدمه بلاط روما كل اجلال للدين وقد نجم عن هذا الواقع عدد لا يحصى من المتاعب والفتن ".
ونتيجة لذلك اصبح الايطاليون ملحدين وغير مستقيمين ولهذه الاسباب يعتقد ماكيافللي انه لابد من استبعاد الاخلاق عن السياسة وحصر الدين في مجاله الخاص به المتمثل في علاقة الانسان بمعبوده وبهذا تتشكل الاخلاق والدين وفقا للسياسة وليس العكس . وهذا ما كانت روما القديمة تؤكد عليه .
وبهذا حاول ماكيافللي ابعاد المسيحية عن الدولة لكن هذا لم يتم فعليا مما دفع هوبز الى مواصلة نهج سلفه.
1- 3 سيادة الدولة عند توماس هوبز:
ان الدارس لحياة هوبز وفلسفته يستخلص ان الصراع بينه وبين رجال الدين المسيحي بدا مبكرا وخاصة بعد اصدار توماس هوبز لكتابه (مبادئ القوانين) سنة 1650م والذي دافع فيه عن النزعة المطلقة في الحكم بما يتعارض و روح الدين مما دفع الكنيسة تتخذ منه موقفا معارضا وصل الى حد منع الكتاب من التداول و قد برزت نزعة هوبز الالحادية بالخصوص في كتابه (في الجسم) الذي هاجم فيه رجال الدين المسيحي واصفا اياهم بالدجل .
واما في كتابه (التنين او الوحش الكاسر) الذي صدر عام 1652م فقد اعتبر الدين مجرد اكاذيب و تضليل اخترعتها البشرية نتيجة لخوفها من القوى الشريرة و جهلها بالعدل وهذا ما دفعها الى عبادة ما تخشاه وتهابه مما دفع المشرعين القدماء في الامم الوثنية الى استغلال ذلك و جعلوا تعاليمهم صادرة عن الله.رغبة في استغلال الدين لتحقيق رغباتهم الخاصة.وقد اكد ماكيافللي هذه الرغبة عندما اشار الى استخدام الرومان (الدين في اصلاح احوال مدينتهم وفي المضيء في حروبهم)"
واما عن مصير الدين فيؤكد هوبز على انه سينتهي الى الزوال، اذ تأكد للناس بأن مؤسسي الاديان وزعمائها لا يتمتعون بالحكمة والاخلاص ، والى قريب من هذا ذهب ماكيافللي من فبل عندماقال: " عندما شرع العرافون من قول ما يسر الاقوياء فحسب ، وعندما اكتشف الشعب هذا التضليل ، أخذ يشك في حقيقتهم"
ومما سبق نستخلص هوبز ضرورة عزل الدين ورجاله من التدخل في سلطة الدولة حفاظا على سيادتها ولتوحيد السلطات لابد من خضوع الكنيسة للدولة على اعتبار أنه لا وجود لسلطة دينية التي ليست الا بدعة اختلقها الخيال.
1-4 الدين في خدمة الدولة عند روسو:
أما عن روسو فيعتبر أن البشرية في تاريخها الطويل لم تخلو في عصر من من عصورها من اتباع دين معين ، لان اثره لا يقتصر على الافراد بل انه يتعدى الى الجماعات وحتى الى الدولة ، وهذا ما جعل من السلطة في البدايات الاولى للبشرية تحت سيطرة ملوك الهة ، ولهذا كانت الحكومات السائدة دينية وكانت السلطة السياسية مرتبطة بالسلطة الدينية، ولم يكن فصل بين السلطتين روحيو ومدنية، لكن انقسام السلطتين في المسيحية ادى الى النزاع و الاضطراب الدائم، وبالتالي جعل اية سياسة صالحة " مستحيلة في الدول المسيحية، ولم يصل الناس الى معرفة من يحب ان يلتزموا بطاعته، السيد، ام القسيس".
لكن هذا كما يرى روسو، يخالف الدين الاسلامي ، الذي يتميز بالجمع بين السلطتين السياسية والروحية ولا سيما زمن الرسول "ص" الذي اقام نظاما سياسيا استمر بعد وفاته على يد خلفائه.
ومعنى هذا ان روسو يرغب في اقامة نظام مختلف عن الديانات المعروفة ، وهذا الدين الذي يتحدث عنه يسميه بالدين المدني ،تؤمن به الدولة لكن ما يميز هذا الدين عن غيرو كون الهه قادرا وذكيا ، محسنا بصيرا مديرا فضلا ، عن الايمان باليوم الاخر ،لكن هذا الدين لا يجبر احدا على الاعتقاد به ، بل انه يدعو إلى التسامح وعدم إكراه الغير على الإيمان به ، ومعنى هذا انه يحق لكل فرد اختيار الدين الذي يناسبه ويحبب إليه وجباته لكن هذا لا يهم الدولة إلا بمقدار ارتباط أخلاقه" بالواجبات الاجتماعية المترتبة على معتنقيها تجاه الآخرين".
وأما عن عقائد هذا الدين ، فهي بسيطة وقليلة العدد، ومحددة بدقة ، مما جعلها دون حاجة إلى تفسير أو تعليق من احد، ويبدو هنا أن روسو يريد دين غير المسيحية، التي يعتبرها ديانة الأميين التي تخالف الفطرة البشرية، أنها ديانة تجعل تعقيدات مختلفة يفسرها الكهنة حسب رغباتهم دون السماح لأحد بتفسير أو فهم.
ونعود لدولة روسو فهي لا تهتم بمصير رعاياها في العالم الآخر ، وإنما عليها فقط الاهتمام بالكيفية التي تجعلهم رعايا صالحين في هذا العالم ، وهذا حفاظا على جعل هذه العقيدة مدنية خالصة باعتبارها ديانة طبيعية ، وليست سماوية صادرة عن الوحي.
وبهذا نصل إلى أن الدين في دولة روسو خادم للسياسة, بالأحرى هو وسيلة تستخدمها الدولة لزيادة قوتها وتحقيق الرفاهية لمواطنيها .
-2 فلسفة التاريخ الحديثة:
لا يعد القضاء على الدولة التيوقراطية الكنيسية هدفا وحيدا تسعى الفلسفة الحديثة إلى تحقيقه، وإنما تهدف فضلا على ذلك إلى تصفية إرث الماضي العلمي ، والقضاء على النظام اللاهوتي واستبداله بنظام علمي ، وفلسفي جديد ، يقوم على معايير جديدة. ، متمثلة في فلسفة التاريخ عند هيجل (1770-1830م) وماركس (1818-1883م) ، وفي نظرية داروين (1809-1882م) في البيولوجيا فما حقيقة هذه الفلسفات ؟ هذا ماسنتحدث عنه فيما يلي:
1-4 فلسفة التاريخ عند هيجل:
إذا أردنا أن نعرف الأسس التي يتألف منها مذهب هيجل الفلسفي فإننا نجدها كما يقول عبد الرحمن بدوي ، لا تخرج عن "ثلاث معان رئيسية : الفكرة ، الطبيعة، الروح ، وهذه المعان الثلاث ترجع إلى معنى واحد هو الفكرة ، فالفكر هو المنطق ".
أما هذه الأخير فإن له ثلاث مراحل متتابعة في فترات زمنية مختلفة هي : الوضع (الإثبات) ، الرفع (النفي) ،وأخيرا المركب ، ويؤكد المودودي أن هيجل يرى "أن ما يحصل في الحضارة الإنسانية ، من تطور وارتقاء إنما يحصل بظهور الأضداد وتناطحها وتمازجها وأن كل دور من أدوار التاريخ في حد ذاته وحدة أو كائن جسدي حي ".
وبهذا فكل النظريات الإنسانية المختلفة من نظريات اقتصادية و سياسية وعقلية وخلقية ودينية تتلاءم والعصر الذي برزت فيه روح الدور الزمني بكامله .
4 -2 فلسفة التاريخ عند ماركس :
أما الفلسفة الماركسية فقد استمدت من الهيجلية منهجها الجدلي لكن بعد أن فصلت عنها: " تصور الروح أو الفكر الذي كان جوهر فلسفة هيجل". وجعلت بدلا من ذلك العامل الاقتصادي المادي المحرك للعملية التاريخية ، واعتبرت الدين والفلسفة والعلوم والفنون وبالجملة سائر الأفكار والتصورات الإنسانية لا تتشكل إلا بتأثير هذا النظام الاقتصادي ".
وبلغة الماركسية فإن البنية التحتية الممثلة في الجوانب المادية الاقتصادية التي يعبر عنها الأستاذ مالك بن نبي ((1905-1973م بعالم الأشياء هي التي توجه البنية الفوقية المتمثلة في الإيديولوجيا أو ما يعبر عنه بعالم الأفكار .
وطبقا لهذه التصورات فإن القوة الرئيسية التي تقضي على هذا التغيير في الأمور البشرية ليست: " الفكرة الهيجلية ولكن الظروف المادية للحياة ، فليس الوعي عند الإنسان هو الذي يشكل الظروف المادية للحياة ، وإنما الظروف المادية للحياة هي التي تشكل وعيهم ، ولهذا فإن التاريخ البشري يقوم على شيء مادي ".
وبهذا ليس هناك دور لمبادئ الدين والأخلاق ، وعلى الإنسان إتباع مصالحه الذاتية ، وما تدعو إليه أهدافه الاقتصادية ، وهذا ما يعرف بالمادية التاريخية ، التي تجعل من تاريخ البشرية عبارة عن صراع بين الشعوب أو بين أصحاب الملكية الفردية وبين المعدمين ، كما يعتبر أن الملكية الفردية هي منبع كل الشرور الموجودة مما يجعل القضاء عليها أمرا ضروريا. ونتيجة لهذا التصور فقد اعتبر ماركس أن البشرية مرت بخمسة أشكال اقتصادية هي :
1. المرحلة المشاعية البدائية .
.2 مرحلة الرقيق .
3. المرحلة الإقطاعية .
4. مرحلة المجتمع الرأسمالي .
5. مرحلة المجتمع الاشتراكي .
وترى هذه الفلسفة أن كل مرحلة تحمل في طياتها بذور فنائها ، وأن البشرية ما دامت قد بدأت تاريخيا بالمجتمع الشيوعي فإنها وفقا لقانون الجدل ستعود إلى المرحلة التي انطلقت منها ، لأن التاريخ يكرر نفسه .
3-4 نظرية النشوء والارتقاء عند تشارلز داروين:
هذا في مجال الفلسفة أما في مجال العلوم الطبيعية ،فقد وقعت تحت سيطرة الدارونية التي ترى بأن :"الكائنات الحية في تطور دائم على أساس من الانتخاب الطبيعي بقاء الأصلح فتنشأ الأنواع من بعضها البعض ولا سيما النوع الإنساني الذي انحدر من أنواع حيوانية". بمعنى أن أصل الأنواع الحالية يمكن أن يفسر بأصل واحد أو ببضعة أصول نمت وتكاثرت وتنوعت في زمن مديد بمقتضاه قانون الانتخاب الطبيعي أو بقاء الأصلح .
وهذه النظرية في الواقع تنسب إلى تشارلز داروين الذي استخلصها من خلال مشاهدته المختلفة والتي دامت أكثر من خمس سنوات والاستعانة بكتاب مالتوس (1766-1834م) عن السكان الذي يتحدث فيه عن الزيادة الهندسية للبشر في حين أن الغذاء لا يتزايد إلا وفق زيادة عددية مما نجم عنه قلة الغذاء وتزايد في الأفواه التي تتغذى.
مما يدفع إلى التناحر والتقاتل للحصول على الغذاء لمواصلة الحياة ، رغم أن هذه النظرية مجرد فرضية علمية لم تقدم لحد الساعة الأدلة التي تجعل منها حقيقة علمية ثابة، وبالتالي فانها وفقا لهذا التصور لا ترتقي الى مستوى العلم اليقيني لكونها قائمة على مجرد القياس والتخمين اللذان لا يفيدان في العلم شيئا.
وفضلا على ذلك فإنها تقود إلى الحروب والفتن والقضاء على الإنسان و إنسانيته ، وتجعل منه مجرد حيوان لا يختلف عن غيره من الحيوانات .
وبهذا فأن البشر وفقا لهذه النظرية لا يتعاملون إلا كما تتعامل الوحوش في الغابة. ولا بد من أن يقوم الإنسان باستخلاص القوانين والمبادئ لحياته لا من مصدر من المصادر السامية ، وإنما نجده يبحث عنها في حياة الوحش والبهائم.
كما أن هذه الفرضية تبرز الظلم وتجعله حقا مشروعا ، حتى أن :" هذه الفلسفة هي التي جعلت في أيدي رجال أوروبا حجة قوية سوغت لهم كل ما أذاقوا أمم الأرض المستضعفة من ضرورة الظلم والعدوان ". وهكذا استأصلوا سكان أمريكا الأصليين ، وسكان أستراليا وإفريقيا . باختصار فإن هذه النظرية التي نشأت في أحضان المادية- حولت الإنسان إلى مجرد ذئب مفترس لأخيه الإنسان في جميع مجالات الحياة من سياسية واجتماعية واقتصادية وحتى عسكرية وأخلاقية .
وهكذا نستخلص أن العلمانية في جوهرها تقوم على الفصل بين الدين والدولة ، وهذا الفصل تنظر إليه على أنه شرط أساسي للقضاء على الاستبداد ، فضلا على تحرير العقل من كل خرافة وإطلاق الروح العلمية والإبداعية. وهي بهذا تحاول إقامة الحياة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية على أساس عقلي مجرد من رواسب الدين وقائم على أسس ووقائع مادية بحتة. وبهذا فالعقل عليه أن يتحرر من الرواسب العاطفية والأفكار المسبقة التي تغذي فيه: " اتجاهات الاستعلاء والانغلاق والطبعة والعنصرية ". وبالتالي فإن العقيدة وجميع نشاطات الحياة الروحية يقتصر على نطاق الفرد دون أن تكون لها علاقة بالمجتمع والدولة .
فالعلمانية التي هي نتاج صراع بين رجال الكنيسة وفلاسفة وعلماء عصر النهضة أصبحت لها الغلبة في أوروبا ، مما جعلها تنزع القدسية عن نشاط وممارسة الدولة والحكام وإخضاعها للمناقشة في مجال الفلسفة السياسية ، وأما في مجال عالم الأفكار فقد قضت على الفلسفة اللاهوتية المدرسية التي كانت قائمة عليها الكنيسة الكاثولوكية .
5- أثر التصور الجديد في الفكر العربي:
يذهب أغلب الباحثين في فلسفة الإسلام السياسية إلى القول بأن فكرة التمييز بين الدين والدولة لم تظهر في الإسلام الا مع سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك في مارس 1924م بعد أن مهد لذلك بفصل الدين عن السياسة في غرة نوفمبر 1922م بقوله: "مقام الخلافة محفوظ وبجانبه مقام السيادة الوطنية ، أي الجمعية الوطنية التركية الكبرى ، ولاشك أن هذين المقامين يقفان جنبا إلى جنب وقفة أسمى من وقفة الخلافة العاجزة الضعيفة" .
وطبقا لهذا أصدرت الجمعية الوطنية التركية قرار يفوضها حق تمثيل الشعب التركي و حاكميته . وبهذا فرقت تركيا سياسيا بين نظام الحكم والاجتماع من جانب وبين الدين من جانب آخر ، واعتبرت أنه لا علاقة للدين بنظام الحياة والعمران والمملكة إطلاقا.
5 ـ1 علي عبد الرازق:
وقد واكب علي عبد الرزاق هذه النزعة الجديدة بإصداره كتابا بعنوان " الإسلام وأصول الحكم " يدعو فيه صراحة إلى فصل الدين عن الدولة .
غير أن المتتبع لهذه الأفكار يلاحظ أنها كانت نتيجة لتأثير الفلسفة العلمانية الحديثة الوافدة من أوروبا والتي أصبحت لها الغلبة الفعلية في العالم الإسلامي ، وهذا باعتراف أنصار هذا الموقف الجديد ، فنجد عبد الرزاق يشير صراحة إلى تأثير الفلسفة العلمانية الإستشراقية في كتاباته عندما ينصح كل من يطالع كتابه بضرورة الرجوع إلى أفكار توماس إرنولد الواردة في كتابه "الخلافة" الصادر عام 1924 م .
أي قبل سنة واحدة من صدور كتاب علي عبد الرزاق ، وهذا بقوله: " وإذا أردت مزيدا في هذا البحث فارجع إلى كتاب (الخلافة) للعلامة السير توماس إرنولد ، ففي الباب الثاني والثالث بيان ممتع ومقنع".
5 -2 طه حسين :
أما الدكتور طه حسين فيرى أنه لابد :" من أن نسير سيرة الأوروبيين ونسك مسالكهم لنكون لهم أنداد وشركاء في الحضارة خيرها شرها ، حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب " .
ويؤكد هذا في موضع آخر من كتابه "مستقبل الثقافة في مصر "بقوله:" وأن نشعر الأوروبي بأننا نرى الأشياء كما يراها ، ونقوم الأشياء كما يقومها ، ونحكم على الأشياء كما يحكم عليها ".
وبعد أن أصبحت أوروبا المعاصرة تقول بضرورة الفصل بين الدين والدولة ، كان لا بد على هؤلاء أن يقولوا بذلك لأن أوروبا بالنسبة لهم هي القدرة وليس الإسلام وفلسفته.









رد مع اقتباس
قديم 2011-02-05, 22:14   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
تجويد
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية تجويد
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

جدل الديني والسياسي في الفلسفة المدرسية

ليس هناك شك فإن المقصود بالفلسفة المدرسية هي تلك الفلسفة التي كانت تدرس في المدارس الغربية في فترة العصور الوسطى في أوربا، إلا أن المثير للجدل أن هذه الفلسفة كانت ولا تزل مثار جدل حول طبيعتها وقيمتها،وإذا ما كانت فلسفة حقة أم مجرد دراسات لاهوتية.

يجد الدارس لما يعرف بالفلسفة المسيحية أن هناك مجموعة من المـميزات التي تمتاز بها هذه الفلسفة، رغم الاختلاف الكبير بين خصومها وأنصارها حولها وحول الموقف من الفترة التي ظهرت فيها ، ومع هذا يـمكننا أن نحدد هذه الميزات على النحو التالي:
ـ أنها فلسفة تكونت وتطورت وازدهرت وشغلت فترة طويلة من الزمان تجاوزت في أسوء التقديرات الثمانية قرون.
ـ أنها فلسفة توفيقية ، لكونها كانت تهتم دوما بالتوفيق بين الفلسفة اليونـانية في قراءتها الإسلامية وبين الديانة المسيحية، التي كانت تتعرض لانتقادات وهجمات مختلفة.
ـ هناك اختلاف بين المهتمين من الفلاسفة والباحثين بهذا النوع من الفلسفة في مسألة تصنيفها، فإذا كان البعض منهم يعتبرها لاهوتا فإن البعض الأخر يجعل منها فلسفة.
ـ يطلق عليها أحيانا اسم الفلسفة المسيحية نسبت إلى الديانة التي كانت تخدمها، وفي هذا يري هيجل أنها كانت في خدمة الكنيسة ولم تتحرر من سلطتها، وهو ما أشرنا إليه في المبحث الرابع من الفصل الأول.كما يطلق عليها في أحيان أخرى اسم الفلسفة المدرسية لكونها كانت تدرس في المدارس التي تشرف عليها الكنيسة ، بكونها المشرف الوحيد على شؤون التعليم والمعارف بمختلف مجالاتها في ذلك الزمان.
ـ وتبعا لما سبق فإن أغلب ممثليها كانوا من رجال الدين المسيحي، ولا نكاد نجد منهم من لم يكن مرتبطا بكنيسة من الكنائس، أو بمذهب من المذاهب الكنسية، بل أننا نجدهم يعتبرون أنفسهم من أبناء الكنيسة الذين لم يكن لهم من هدف إلا خدمة هذه الأخيرة ، والدفاع عن مواقفه، حتى وإن تعارضت هذه المواقف ليس مع قناعات غيرهم فحسب ، وإنما حتى وإن تعارضت مع قناعاتهم هم أنفسهم.
ـ رغم الطابع المسيحي الذي حاولت به هـذه الفلسفة أن تظهر به نـفسها إلا أن الحقيقة غير ذلك ، فقد ظلت أسيرة أفـلاطون فترة زمنية طويلة، كما هو الحال مع أوغسطين ومن تبعه، وعندما تحررت من أفلاطون ، وقعت تحت سطوة أفكار أرسطو كما هو الأمر مع توما الأكويني، كما تنقلت إليها أراء الفلاسفة المسلمين مثل الفارابي ، ابن سينا، الغزالي وبطبيعة الحال ابن رشد.
ـ رغم الطوق الذي فرضته الكنيسة على أتباعها ، إلا أن العديد من أصحاب الفكر عملوا على مقارعة هذا التسلط، والتحرر منه، متخذين من الرشدية اللاتينية سلاحا، ومن تأويلات الهلينية منهجا، محاولين الخروج عن الوجهة التي كانت الكنيسة ترسمها، بطرق مباشرة في بعض الأحيان، وبطرق غير مباشرة في أحيان أخرى.
1ـ الإنسان والدين:
إن الدارس لتاريخ الأمم يلاحظ عدم خلوا أي منها في القديم والحديث من ديانة تؤمن بها، كما أن هذه الأمم سواء منها تلك التي أقامت دولا قوية أو لم تقم- لم تختلف كثيرا في نظرتها للدين وعلاقتها بالدنيا ، رغم اختلاف الديانات التي تؤمن بها والآلهة التي تعتقد بها.
1ـ 1 الملك الكاهن:
فالملك أو الحاكم في مصر القديمة وبلاد فارس مثلا هو الإله والكاهن الأكبر على الجميع طاعته والخضوع له و عبادته،ومن هنا لم تخطر لرجال الدين كما يرى برهان غليون فكرة الثورة على الحاكم أو مجرد الاختلاف معه لان مهمتم تكمن في خدمة سيدهم وتبجيله و إضفاء القداسة على سلطته حتى انتهى الأمر إلى عبادته أو الخضوع الكامل له .
وكان الملوك هم الذين يغيرون طقوس العبادات و يشكلون مركزها ، كما يحددون الآلهة المعبودة و التي يعتبرون أنفسهم يمثلونها كما يقترحون آلهة جديدة أو يشجعون الإيمان بها لسبب أو لآخر.
لكن رغم هذا فان الدين في حد ذاته لم يتعد كونه بوجه عام - علاقة البشر بما يعتبرونه مقدسا و بالقوى فوق البشرية التي يعتقدون أنهم يخضعون لها ، ونشير هنا إلى أن الملوك كانوا يعتبرون من طينة غير طينة بشرية فهم إما أن يكونوا آلهة أو أنصاف آلهة اوابناء آلهة.
1ـ2 مكانة الانسان :
أما عن مكانة الإنسان ضمن هذا المفهوم فقد اختلفت وجهات نظر الوثنيين، إذ ذهب البعض منهم إلى اعتباره كائنا ضعيفا ، يتميز بالقذارة و الضعف أمام غيره من الكائنات ، وهذا ما جعله يعوض ذلك باللجوء إلى الوحشية التي سيطرت عليه فترة طويلة ، يصفهاالفيلسوف الانكليزي توماس هوبز بكونها حياة :" صراع وتدافع و عنف لا يؤمن فيها احد على نفسه ولا على ماله ولا هم له إلا أن يحافظ على ذاته ضد غارات الآخرين " بسب أنانية الإنسان ورغبته في السيطرة والتغلب و يؤكد المودودي انه نتيجة لسيطرة هذه الفكرة على الإنسان فان هذا الأخير لجاء إلى عبادة الأصنام و الأوثان والأنهار و الأشجار و النجوم وغيرها من مظاهر الطبيعة بدلا من أن يقوم بتسخيرها لخدمته.
وبهذا فان هذا المفهوم يحصر الدين في مجموعة من الطقوس تقدم لآلهة المتعددة الممثلة في الأصنام المصنوعة من الأحجار أو أخشاب وقد عرف هذا التصور أمم كثيرة كاليونان والفرس والعرب قبل الإسلام.
في حين ذهب فريق آخر من الوثنين إلى اعتبار وجود الإنسان في هذا العالم إنما هو لتلقي المصائب و الألم. وهذا ما دفع بالجانستية المنسوبة إلى معلمها مهافيرا ( 527-699ق،م) الى الدعوى إلى الزهد والتقشف والممارسة الرياضية الصعبة القاسية و المصاحبة للتأملات العميقة لان الحياة الدنيا لا تزيد عن كونها تعاسة مستمرة و شقاء متصل نعيمها زائد والعيش فيها باطل ، ومن الغريب أن هذه الديانة أو بالأحرى الفلسفة تدعو إلى عدم الاعتراف بالآلهة و هذا ما دفع إلى تسميتها بديانة الإلحاد والتعري لكونها تدعو إلى أن يعيش الإنسان متجردا من ثيابه أو مغادرة هذه الدنيا عن طريق الانتحار .
والى قريب من هذا ذهبت البوذية المنسوبة إلى الحكيم بوذا الهندي الكبير ( 563-483 ق،م) معتبرة أن :"حياة الإنسان في الدنيا شر و ألم و أن التخلص منها يتم بالإندماج في الوحدة الشاملة و هي النارفانا و سبيل ذلك الزهد و محاربة الرغبات و الشهوات" زيادة على قولها بتناسخ الأرواح و إنكار البعث و الحساب.
2 الانسان : المؤمن والمواطن
إذا نظرنا في تاريخ المسيحية فإننا نجد تميز الفترة التي شهدت ظهور هذه الديانة باضطهاد أنصار الدين الجديد ، بل أن المسيح عليه السلام شخصيا تعرض إلى اضطهاد كبير كمحاولة صلبه التي انتهت برفعه إلى السماء كما يذكر القرآن الكريم في قوله تعالى:"وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه".
وأما عن إتباعه فقد تعرضوا كما يقول محمود أبو زهرة: "إلى بلايا وكوارث جعلتهم يختفون بديانتهم ويفرون بها أحيانا ويصمدون للمضطهدين، مستشهدين أحيانا أخرى".غير أن هذه الوضعية لم تستمر طويلا وانقلبت الأوضاع بتولي قسطنطين عام 306م عرش الإمبراطورية الرومانية ، ثم اعتناقه المسيحية و اعترافه بها كديانة رسمية بعد أن ترك الوثنية ، بل انه أعلن فيما بعد أن المسيحية تمثل الديانة الرسمية الوحيدة للإمبراطورية الرومانية.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الإمبراطور إلى تبني الدين الجديد ، والتخلي عن ديانة الآباء فان هذا الموقف الجديد في حد ذاته أثار مشكلات سياسية وعقائدية مختلفة جديدة لم تكن مطروحة من قبل كقضية الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية.
فإذا كانت المواقف الوثنية التقليدية كما رأينا- تذهب إلى تأليه الحاكم أو على الأقل جعله ممثلا للإرادة الإلهية ، وبالتالي فهو يمارس علاوة على السلطة السياسية ، السلطة الروحية،بصفته الرئيس الديني و الكاهن الأعلى في نفس الوقت، فان الدين الجديد يؤكد أن هناك إلا الها واحدا، وأن له ابنا وحيدا هو المسيح عيسى عليه السلام، وبالتالي فالحكام ليسوا أبناء آلهة فضلا على أن يكونوا آلهة ، و بهذا فهناك تعارض شكلي و جوهري في الظاهر بين المواقف الوثنية و المواقف المسيحية المختلفة.
و قبل أن يتمكن أباء الكنيسة من إزالة هذا التعارض و التناقض ، إذ بقبائل القوط الغربية تهاجم روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة وتسقطها عام 410م.
مما دفع بأنصار الوثنية إلى اتهام المسيحية بكونها مسؤولة عن هذا السقوط ، بل أن هذا الاتهام جاء حتى من قبل بعض المسيحيين أنفسهم، نتيجة لتهاون أتباع الدين الجديد في الدفاع عن روما، باعتبار هذه الاخيرة لاتمثل ملكوت الله الخالدة، وانما تمثل ملكوت الشيطان الزائلة والزائفة.
و نتيجة لكل ما سبق فقد حاول رجال الكنيسة الكاثوليكية إزالة هذا التعارض و التصدي للاتهامات الجديدة غير أن غياب مصادر مسيحية متفق عليها، من جهة وتناقض وتعارض ما هو موجود منها ، جعل علاقة الانسان باعتباره مواطنا في دولته وبين كونه مؤمنا منتميا الى كنيسته تمر بثلاث مراحل أساسية:
2ـ 1 نظرية السيفان:
تميزت هذه المرحلة بظهور نظرية السيفان التي تدافع عن الفصل بين السلطتين الزمنية و الروحية ، و تدعو إلى سيطرة الكنيسة على المسائل الروحية مما يجعل جميع المسيحيين ملزمين بطاعتها بما فيهم الإمبراطور باعتباره مؤمنا مسيحيا، وفي مقابل ذلك تخضع الكنيسة لسلطة الدولة فيما يتعلق بشؤون الأمن و الحياة الدنيوية ،لان ذلك من شأنه أن يساعد في الحصول على السلم الإلهي، كما يرى القديس أوغسطين(354-430م).
وبهذا أصبحت مجريات الأمور الدنيوية من اختصاص السلطة المدنية التي تقوم بالمحافظة على السلام و العدالة و النظام بواسطة ممثليها في حين تقوم الكنيسة برعاية شؤون الروح عن طريق رجالها، و التبشير بتعاليم المسيحية .
وبهذا فالعلاقة بين السلطتين تقوم على أساس أخلاقي قائم على روح التعاون و المساندة ، وإذا كان لابد من تدخل إحدى السلطتين في مجال الأخرى فيجب أن لا يكون بغرض القضاء على سيادة كل طرف و استقلاله بشؤونه و احترام حقوق الطرف الآخر التي أمر بها الله ، إذ أن المسيح آخر من جمع بين السلطتين ليأمر بعد ذلك بعدم الجمع بينهما وأن كل جمع عبارة عن تقليد وثني لا بد من القضاء عليه، انطلاقا من المقولة التي تنسب إلى السيد المسيح أحيانا و إلى القديس بولس أحيانا أخرى و القائلة :"أعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
وبهذا أصبح الأباطرة يحتاجون إلى الأساقفة من اجل الحياة الخالدة و الأساقفة يحتاجون إلى الانتفاع باللوائح الإمبراطورية لممارسة الأمور الدينية". وما يمكن استخلاصه أن هذه الفترة تفصل فصلا تاما شؤون الدنيا و شؤون الدين.
2- 2 سيادة الكنيسة و رفعتها:
غير أن ضعف الأباطرة من جهة ونمو الكنيسة من جانب آخر ونتيجة لانتشار المسيحية جعل التوازن الذي وضعه القديس اوغسطين من قبل يختل لصالح الكنيسة، مما دفع بالبابا غريغوري السابع ( 1073-1085) الى رفض سلطة الامبراطور عندما اعلن أن: "البابا هو صاحب السلطات الاكبر في الكنيسة كلها وهو وحده الذي يعين ويخلع الاساقفة ولا يملك أحد سلطة الغاء القرارات البابوية". لكون البابا يحكم بعون الارادة الالهية وقوة القانون السماوي.
وجاء الفيلسوف الانكليزي الكاثوليكي الوحيد يوحنا السالسبوري (1120-1180م) ليؤكد في كتابه" كتاب رجل الدولة" على رفعة سلطة الكنيسة وسيادتها باعتبارها صاحبة السيفين الروحي و المادي، واذا كانت الكنيسة تحتفظ بالسيف الروحي ، فانها تسلم السيف المادي الذي يمثل السلطة الزمنية- الى أمير ،أو ملك وهي نفس الوقت قادرة على سحب و استعادة هذا السيف اذا خرج الحاكم الذي عينته عن القانون الالهي، طبقا للقاعدة القائلة :"بأن من له الحق في المنح له الحق في النزع " وبالتالي فان للكنيسة الحق الكامل في السيطرة على الامبراطور الذي لا مفر له من الخضوع للكنيسة و رجالها.
واذا رفض ذلك يعرض نفسه للحرمان الكنيسي و العزل من السلطة ، ويصبح اتباعه في حل من بيعته بل وعليهم واجب قتاله لان من يستبد بالسيف لابد وأن يقتل به.
و هكذا فان هذه النظرية تجعل الحاكم تحت رعاية القوة الروحية المتمثلة في الكنيسة ، وهذا ما عرف بنظرية رفعة الكنيسة او بالاحرى وجهة نظر البابوية.
وقد حاول الامبراطور هنري الرابع (1056-1105م) الوقوف في وجه سلطة الكنيسة هذه، غير أن البابا غريغوري السابع اسرع الى اصدار قرار حرمان الامبراطور بوصفه مسيحيا وعزله بوصفه ملكا، مما جعل رعاياه غير ملزمين بطاعته و الاخلاص له ، الشيئ الذي جعل هنري الرابع عاجزا عن الوقوف في وجه سلطة الكنيسة مما دفعه الى طلب عطف البابا ،حيث جاء حافيا وقاطعا الاف الكليومترات ودخل على هذا الاخير ذليلا و في ثوب الرهبان المصنوعة من الصوف وهو يصيح: " اغفر لي ايها الاب المقدس ، فغفر له البابا بعد ان فرض عليه شروطا قاسية وزوده بالنصح والارشاد". وهكذا فشلت كل محاولة للتحرر من سلطة الكنيسة في تلك الفترة.
2- 3 سيادة و استقلال السلطة الزمنية:
غير أن انتشار الروح القومية من جانب ، واتصال الغرب بالحضارة الإسلامية في صقلية و الاندلس وعن طريق الحروب الصليبية وفساد البابوات و التعسف في استخدام السلطات من جانب ثان،اظهر نزعة جديدة وتحررية لدى رجال السياسة في اوروبا ولدى مفكريها ،تحاول ابعاد الدين عن توجيه السياسة.
فعاد رجال الفكر الى القانون الروماني الذي يدعو إلى تركيز السلطة القانونية في الإمبراطور لكون القوانين صادرة من الإمبراطور الذي يمثل ارادة الشعب ولا ينبع من إرادة الكنيسة ، وقد حمل هذه الفكرة ودافع عنها ملك فرنسا فيليب الجميل (1314م) في صراعه مع البابا بونيفاس الثامن (1303م) كما دافع عن سلطة الدولة و استقلالها و سيادتها كثير من المفكرين اشهرهم مارسيلوا البادوي ( 1275-1343).ويليام الاوكامي ( 1295-1350).
فاذا أخذنا كتاب مارسيليو " المدافع عن السلام" الذي صدر عام 1324م فاننا نجده يتحدث عن وظيفة الدولة التي تتمثل في الاشراف على الدين و رجاله، كما تشرف على الزراعة و التجارة ،بل ان الدولة عليها معاملة الكنيسة معاملة لا تختلف عما تعامل به بقية الاديان الاخرى ، لانه لا يمكن اقامة: "الدليل العقلي على الحق الذي تدعو اليه المسيحية".
وجعل دور رجال الدين لا تخرج عن ثلاثة امور و هي :
1- ادارة شؤون الكنيسة وذلك بصرف اموال الكنيسة في اعمال الخير و باشراف الدولة.
2- تثقيف الناس ولكن هذا لا يتم الا باذن من السلطة السياسية وليس للكنيسة حق الارغام الديني او الزمني على رجال الدين او على العلمانيين بل:" ليس للكنيسة سلطان على الهراقطة لان الله وحده هوالذي له حق الحكم على الخطيئة و الخطائين ، لكن السلطة الزمنية حق محاسبتهم على ما جنته ايديهم ان اصابت المصالح العامة كما انها تختص دون غيرها بتنظيم الاديرة و الرهبان و القساوسة".
3- الإشراف على تأدية طقوس العبادة المختلفة.
اما عن سلطة البابا فتعود اما للتعيين او الانتخاب، ولا توجد اشارة للبابوية في الكتاب المقدس وبالتالي فلا فضل لهؤلاء على غيرهم الا بالتقوى و العمل الصالح ، ويبدو أن هذه من اثار الفكر الاسلامي الذي كان منتشرا في جامعة بادوقا الايطالية، التي اشتهرت بطابعها التحرري و انتشار النزعة الرشدية بين طلابها وأساتذتها . فقد جاء في الحديث الشريف:" لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى و العمل الصالح".
اما ويليام الاوكامي فقد أورد أفكاره في كتابه "سلطة الأباطرة و سلطة الباباوات" حيث يرى أن البابا لا يحق له حرمان احد من حقوقه الطبيعية ، كما أن الشؤون الدنيوية من اختصاص الناس ، وأن سلطة الإمبراطور ليست مستمدة من الله مباشرة ، كما ليست مستمدة من البابا وانما مستمدة بواسطة الشعب الذي يقوم باختيار إمبراطوره،كما يعتبر ان سلطة البابا المطلقة عبارة عن بدعة و الحاد، ولا يمكن ان يكون معصوما من الأخطاء علاوة على عدم احقيته في تنصيب الإمبراطور و المصادقة على الانتخابات.
وبهذا ظهرت بوادر التحرر من الدين وسلطة الكنيسة التي فقدت السيطرة على الدولة كما سنرى ذلك عند حديثنا عن اللائكية









رد مع اقتباس
قديم 2011-02-05, 22:15   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
تجويد
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية تجويد
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

الأنثربولوجيا الفلسفية عند عبد الحليم عطية

البروفيسور موسى معيرش


الأنثربولوجيا من حيث الاصطلاح اللغوي كلمة يونانية مركبة من كلمتين هما : أنثربوسAnthropo بمعنى الإنسان ، ولوجيlogy بمعنى علم، ويعزو العافون نشأة هذا المصطلح إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس الذي كان يقصد به حديث الإنسان عن نفسه، وليس ما نفهمه حاليا من هذا المصطلح، الذي اختلف حوله الداعين إليه قبل معارضيه، أو أن صح القول خصومه إلا أن ما يكاد يتفق عليه بين هؤلاء وأولئك هو انه العلم الذي يدرس الإنسان، وهذا الفهم هو ما دفع علماء الأنثربولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية ،الذين يرون أن للإنسان جانبين : أحدهما عضوي والأخر ثقافي وهذا العلم يجمع بين الجانبين،لذا فان أفضل ما يطلق على هذا الوليد الجديد هو مصطلح أرسطو ونقصد به الأنثربولوجيا، نجد الفرنسيين يرون غير ذلك.فالأنثربولوجيا يجب أن يقتصر استخدامها في الأنثربولوجيا الطبيعية فحسب .
ويبرر الأمريكيون موقفهم هذا بمفهومهم القائل بأن الأنثربولوجيا هي العلم الذي لا يهتم بدراسة الإنسان من الناحية العضوية فحسب،وإنما يهتم بدراسته من الناحية الثقافية أيضا ،مما جعلهم يميزون بين فرعين رئيسيين من الأنثربولوجيا،يهتم الأول بالدراسة العضوية للإنسان، وهذا ما يعرف بالانثربولوجيا الجسمية أو العضوية physical Anthropology ويهتم الفرع الثاني منها بدراسة الإنسان من النواحي الثقافية والاجتماعيةcultural Anthropology. أما الأنثربولوجيين الإنكليز فيطلقون على هذه الأخيرة لفظ الأنثربولوجيا الاجتماعية،باعتبارها قائمة على دراسة السلوك الاجتماعي، والذي يتخذ شكل النظم الاجتماعية .

عطية و فيورباخ

ومع تزايد الأبحاث في هذا الجانب تعددت ميادين هذا العلم، فصرنا نتحدث عم أنثربولوجيا اجتماعية،أنثربولوجيا ثقافية ، أنثربولوجيا الصحة والمرض، أنثربولوجيا اقتصادية. إلا أن هناك فرعا قديما جديدا لا يكاد ينتبه إليه الكثيرين، رغم أنه من أقدم فروع هذا العلم ، إن لم يكن أقدمها على الإطلاق، ونقصده الأنثربولوجيا الفلسفية، فماذا يقصد بها؟. يعرف دينكن ميتشل الأنثربولوجيا الفلسفية بقوله:" فلسفة الأنثربولوجيا وهي الموضوع الذي يعتبر فرعا من فروع نظرية المعرفة والذي يهتم بدراسة الطريقة التي يستعملها العالم الانثربولوجي في الحصول على حقائقه ومعلوماته ويهتم أيضا بدراسة الطريقة المنطقية التي يمكن من خلالها بناء النظريات مع برهان شرعيتها وصحتها". ولعل احد أهم فلاسفة الأنثربولوجيا في العصر الحديث هو الفيلسوف الألماني المادي فيورباخ، إلا أن الاهتمام بهذا الجانب من فلسفة هذا الفيلسوف لم ينتبه لها في العالم العربي بصورة خاصة ،إلا بعد المجهودات الكبيرة التي قام بها المفكر المصري أحمد عبد الحليم عطية ، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، وصاحب مجلة أوراق فلسفية. بعد ما نبه إلى ضرورة دراسة فيورباخ. ولم تكن دعوة عطية دعوة كلامية، وإنما جسدها أولا بعدد خاص من أوراق فلسفية، شارك في إنجازه العديد من الباحثين من بعض الدول العربية، وفي هذا الإطار أشير إلى أن عطية يمثل جامع للباحثين والمفكرين العرب، فهو يشاركهم اهتماماتهم. ويدفع البعض منهم إلى مشاركاته اهتماماته ودراساته، وهي ميزة لا نجدها إلا في القليل من مفكرينا.واذكر مرة وانأ اجلس في مكتب السيدة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة القاهرة الأستاذة الدكتورة يمنى طريف الخولى، حيث كنت رفقة الأستاذ عطية أن انظم إلى الجلسة أستاذين باحثين من بيت الحكمة ببغداد، لتنظم بعد قليل باحثة من ليبيا،ولما دخلت الدكتورة زينب الخضيرى أستاذة الفلسفة الوسيطية بجامعة القاهرة والباحثة المعروفة ، قدمنا لها الدكتور عطية مازحا أن هناك اجتماعا الجامعة الدول العربية، وبالفعل كان نعم الاجتماع. وأعود للحديث عن فيورباخ في العالم العربي،حيث نجد أن عطية لم يكتفي بالعدد الخاص من أوراق فلسفية، وإنما أعقبها بالعديد من الدراسات في هذا المجال ، وهذا ما يبينه بقوله:" وقدمنا نحن عدة دراسات في بعض الدوريات العربية حوله حيث نشرنا في أفاق عربية (بغداد) دراسة حول مفهوم الزمان عند فيورباخ وفي مجلة الفكر العربي المعاصر(بيروت) جوهر الدين عند فيورباخ، ودراسات فلسفية، ودراسات فلسفية(الأردن) جماليات فيورباخ وأوراق فلسفية (الق عند فيورباخ التي شاركنا بـها في ندوة النقد بين الفلسفة والعلوم الاجتماعية(القاهرة) ". إلا أن أهم قدمه صاحبنا في هذا المجال حسب وجهة نظرنا، يتمثل في ما ترجمه من نصوص هامة لفيورباخ حول ماهية الدين ، قضايا أولية لإصلاح الفلسفة، زيادة على الدراسة الرائدة والجادة حول فلسفة فيورباخ، وجمع كل ذلك في كتاب صدر عن منشورات أوراق فلسفية سنة 2007م

فيورباخ وعطية

لماذا دراسة فيورباخ؟ سؤال له أكثر من جواب، ولعلى أفضل من يتصدى للإجابة عنه هو الداعي لدراسته والبحث فيه ونقصد به هنا عطية، الذي يري ، أن البحث في فلسفة فيورباخ ، لا يعود إلى سبب ذاتي ، وإنما تتطلبه المرحلة التي تمر بها الفلسفة في الوطن العربي، وهذا بسبب دعوته إلى فلسفة تعمل على إيقاظ الفكر وليس إلى تقيده، وتدفع الإنسان إلى التأمل في الحياة والطبيعة والمجتمع دون تقيد الإنسان بأعمال تقليدية جامدة، وهذا التصور بالنسبة لعطية أكثر من جديد، فهو مخالف لما اعتاد عليه البعض أن لم نقل الكثيرين، فأن فيورباخ حسب هذه الرؤية:" يقف على عتبة ثقافة جديدة إنسانية علمية، ديمقراطية وكان يحث الآخرين على نبذ الأوهام وترك الكتب المدرسية، على أن يتبعه في الطريق الذي سلكه، وذلك لأنه كان محررا وموقظا للفكر من كونه صانع انساق، ودعا الناس إلى استخدام إبصارهم ، ونصحهم بان يعتمدوا على رؤيتهم الشخصية للأشياء ولكنه لم يعين لهم ما ينبغي لهم أن يروه ، أما تأثيرهم على الأجيال التالية فكان قويان فقد كان يدفعهم إلى التفكير والنظر في أنفسهم، ولم يكن اتجاهه اتجاه أستاذ يسعى إلى إنشاء مدرسة لنفسه في تاريخ الفكر، ومن هنا فان الذين حاولوا أن ينشئوا مدرسة لفيورباخ ، أو مذهبا فلسفيا له اضروا بفكر أستاذهم أكثر مما أفادوه إذ لم يكن من أهدافه أو أفكاره مثل الهدف"3.

الإنسان الفيورباخي وعطية

إذا جاز لنا القول إن فيورباخ يبشر بإنسان مختلف، يؤمن بفلسفة جديدة، تقوم على إصلاح الفلسفة التقليدية وتلغيها أحيانا وتستبدلها بغيرها في غايتها، فهل يجوز لنا القول أن عطية بكل ما يقوم به في وقتنا الحالي من مجهودات في ميدانه، وخاصة من خلال الاهتمام الكبير الذي يبديه في أوراق فلسفية ، والذي تجسد في أعداد خاصة، عن فلاسفة وفلسفات ـ أخرها عزمه على إصدار عدد خاص بالفلسفة في الجزائرـ تجعلنا نطرح أكثر من سؤال أوليس ما يقوم به عطية في الوطن العربي مشابه لما قام به فيورباخ في زمانه في أوربا ؟ . إن ما نسعى إلى تأكيده أو نفيه هنا يمر حتما بعودتنا إلى فيورباخ كما يراه عطية. حيث يذهب هذا الأخير إلى أن اهتمام صاحبه بالإنسان ينطلق من جمعه بين جانبين أو بالأحرى الانثربولوجيا الفلسفية عند فيورباخ تتأسس من الجمع بين نزعة هذا الأخير الحسية ومذهبه الطبيعي، مخالفا بهذا المنطلق ما كان قد ذهب إليه من قبل الفيلسوف المثالي هيجل. فالفلسفة حسب وجهة النظر الفيورباخية ترتبط ساسا بالإنسان بعامة، وهذا ما يتطلب التحول من الجانب أو المعطى اللاهوتي الثيولوجي إلى الجانب أو المعطى الانثربولوجي ، بغية إيصال الإنسان إلى الكمال الذي ينشده أو بالأحرى الذي يستحقه:" تلك الكمالات التي زعمت الفلسفات المثالية واللاهوت انه لن يجدها إلا في السماء، ولكن ها نحن ذا وفي فلسفة فيورباخ نلتقي بها في هذا العالم".ويبدوا أن الهجوم الذي يشن هنا على هذه الفلسفات ليس هجوم فيورباخ وإنما هجوم عطية الذي يعتقد أن القضية أصبحت تعنيه هو الأخر بدرجة لا تقل عما عنته بالنسبة لفيورباخ من قبل.فما ذهبت إليه هذه الفلسفات من قبل، عندما جزمت بأن تحقيق السعادة للإنسان يمر حتما عبر الإيمان، كما فعل القديس أوغسطين من قبل ، عندما لم يمنعه إعجابه بشيشرون من مخالفته، وجعل تحقيق سعادة الإنسان محصورة في الإيمان بالمسيح وليس في الفلسفة.ويظهر لي وأنا أقرأ فيورباخ من خلال عطية، أنني أقرأ عطية من خلال فيورباخ، وهذا ما يدفعنا إلى القول أن عطية عندما يتحدث عن فيورباخ في بعض الأحيان، فإنني أجده يتحدث عن نفسه ، وهذا ما يجعلنا نجزم ـ رغم إقرارنا بأن الجزم في بعض المواقف غير محبذ ـ بأن مابين عطية و فيورباخ أكثر من ميل إلى تجديد وظيفة الفلسفة، إنه دعوة إلى إنشاء إنسان جديد، يؤمن و لا يؤمن، يتفلسف، ولا يتفلسف.إنه إنسان يؤمن بأن طريق كماله يكمن، في الاهتمام بذاته، و لا يؤمن بأن كماله يمر من خلال إيمانه بالثيولوجيا، ويدعوا إلى إيجاد فلسفة للمستقبل، ويرفض أن يعيش في فلسفة الزمن الغابر، التي تجاوزها الزمن، وهذا هدف عطية الذي يبشر به من خلال الاهتمام بفلسفة فيورباخ.وإذا كان فيورباخ يعمل على إصلاح الفلسفة مقررا فشل المحاولات السابقة ، فإن عطية بتقديمه لفيورباخ إلى اللغة العربية، يرى أن في تقديم هذه الفلسفة فانه يعمل هو الأخر على تقديم فلسفة للإنسان،تسعى لسعيه، وترتبط به وهو ما يستشف من قوله:" وإذا كانت الفلسفة ترتبط أساسا بالإنسان، بتاريخ الجنس البشري، فإن فلسفة فيورباخ بناء على ذلك تعد علامة بارزة في تاريخ الفلسفة، فهي نقطة تحول بين فلسفة هيجل والمثالية الألمانية والفلسفات المعاصرة التي تجعل الإنسان محورا لها، وتظهر هذه النزعة الأنثربولوجيا في مقالته ضرورة إصلاح الفلسفة، حيث يفرق بين فلسفة جديدة تدخل نطاق الزمان المشترك مع الفلسفات السابقة، فلسفة تتخذ مادتها من تاريخ الفكر البشري، الذي قدمه الفلاسفة طوال تاريخ الفلسفة، وفلسفة أخرى لا تلقى بالا إلى تاريخ الفلسفة بل تتجه مباشرة إلى حياة الناس".وهكذا تتجه هذه الفلسفة إلى استعادة الفلسفة من مملكة النفوس الميتة وتمنحها إلى مملكة النفوس الحية، بتغير اهتماماتها من قضايا الفردوس السماوي إلى قضايا الإنسان الحقيقية ، وكأننا هنا أمام الوظيفة التي قامت بها السفسطائية وجسدها سقراط ، من تحويل غاية الفلسفة من الاهتمام الطبيعة إلى الاهتمام الإنسان، ولكن هذه المرة من قضايا الإيمان إلى ما يكابده الإنسان. ولتحقيق هذه الغاية يرى فيورباخ انه لابد من الاكتفاء بالفهم الإنساني بالاستعانة بلغته، إذا ما سعينا سعيا جادا إلى انتشال الإنسان من الحالة السيئة إلى يعيشها.ولم يمنع إعجاب عطية بفويرباخ من أن يقر بأن هذا الأخير لم يكن هو المنشئ الفعلي للآنثربولوجيا التي تجعل من الإنسان موضوعا لها، فقد كان الاهتمام بهذا الأخير قديما كما هو الأمر بالنسبة لليونانيين ، وكذلك فعل هيجل فيما بعد اليونان وقبل فيورباخ، إلا أن مابين أنثربولوجيا هؤلاء وانثربولوجيا هذا الأخير فروقات واختلافات كثيرة، فالأولى ميتافيزيقيا :" تنطلق وتدور حول العقل ، وحول كون الإنسان حيوانا عاقلا تتحدد ماهيته بالعقل ، الذي يعد المبدأ الذي ينطلق منه ويهتدي به في حياته والذي كان يمثل في نفس الوقت الجانب الذي يمثل إنسانية الإنسان، ولكن هذا المنطلق التقليدي تغير بعد موت هيجل وبدا العقل والمعقول يفقدان دورهما وتأثيرهما الفعلي،وسار هذا المنحى في خطوات متعرجة وتأرجح بين الغموض والوضوح، بين التردد والحسم.ولكن توجهه من العقل إلى الإرادة ومن الإرادة إلى الجسد والدوافع كان هو الاتجاه الغالب عليه، ولا نكاد نصل إلى أواخر القرن التاسع عشر حتى كان الجسد قد ثار على العقل وخلعه عن عرشه، وأصبحت معركة إنزاله عن العرش هي العامل المؤثر في التطور الفلسفي، وقد تحقق هذا التطور بوجود فيورباخ الذي أراد أن يجعل من الفلسفة دراسة للإنسان والذي جاء ليحول اللاهوت إلى أنثربولوجيا وينكر ما فوق الحس وليعلن أن الجسد وحده هو البداية الحقيقية"6.وهكذا نستطيع القول أن الأنثربولوجيا الجديدة الفلسفية التي كان فيورباخ يدعوا لها ، يعمل عطية على تجسيدها في الوطن العربي، مع الوعي بخصوصية مجتمعه، وإذا كان فيورباخ تجنب تكوين مذهبا فلسفيا خاصا به فإن عطية بعمله هذا جعل من حوله من يسعى إلى تحقيق هذا المذهب









رد مع اقتباس
قديم 2012-09-06, 02:31   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
sana16
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ولكن دون تحامل أو مجاملة










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-07, 14:07   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
philo_souf
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
أشكرك تجويد على نقل كل الاسهامات التي جاءنا بها الدكتور موسى معيرش الذي درسني في معهد كوحيل لخضر بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة الأخوة محمود منتوري بقسنطينة عام 1998/1999

الفيلسوف السوفي










رد مع اقتباس
قديم 2012-10-11, 15:01   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فيلسوف
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

تحية طيبة وبعد ،

درجة الأستاذية التي يتبجح بها ( التي وصلوا إليها بطرق غير نزيهة ؟؟؟ ) الكثيرون في جامعات الجهوية ةالرداءة ، أتحادهم وفي جميع التخصصات أن يكتبوا مقالا واحدا طيلة حياتهم في دوريات متخصصة في الجامعات ذات الجودة والنزاهة التي لا تجرؤ على توظيفهم مجرد حراس أبواب ؟؟؟ ،لكن أنا أعرف أن البرفيسور منهم لا يعرف تلك المجلات لا من قريب ولا من بعيد ، فمن أراد أن يتملق لبرفيسور ما من هذا الطراز فليعلم أننا لاننبهر بألقاب توزع بمعايير بعيدة كل البعد عن العلم ؟؟؟؟ فالجميع يعرف موسى معيرش وولي نعمته الذي أوصله أقصد زروخي اسماعيل ( السبب أنه ولد انفس لدوار ) وبنفس المنطق كان هذا الأخير موعود بمنصب عميد أو مدير جامعة من مسؤول في الوزارة لكن يبدو أن الذي فاز بالمنصب عميد كلية الجزائر2 بالتقرب من ذات المسؤول ؟؟؟










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للبروفيسور, معيرش, موسى, مقالات, الفلسفة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:49

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc