|
قسم البحث العلمي و الدكتوراه كل ما يتعلق بدور البحث العلمي في دفع عجلة التنمية... و كذا بالمجلات و الدوريات العلمية المحكمة... و رصدٍ لفرق و مخابر و مراكز البحث العلمي ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
مقالات في الفلسفة للبروفيسور موسى معيرش
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2011-02-05, 22:08 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
مقالات في الفلسفة للبروفيسور موسى معيرش
السلام عليكم ورحمة الله نفتتح هذه الصفحة لوضع إسهامات البروفيسور موسى معيرش أستاذ بالمركز الجامعي لخنشلة وهو مشكور على موافاتنا بجديد مقالاته العلمية
آخر تعديل تجويد 2011-02-05 في 22:31.
|
||||
2011-02-05, 22:10 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
|
|||
2011-02-05, 22:12 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
الديني والسياسي في الفلسفة الحديثة
موسى معيرش ليس من الصعوبة تحديد المقصود بالفلسفة الغربية الحديثة، فهي الفلسفة التي يكاد نجد حولها الإجماع في مجالات عدة، فهي في البداية فلسفة لا تشكيك في كونها كذلك، نتيجة لتمتعها بكل ما من شأنها أن يجعلها فلسفة، ومن جهة ثانية فإن المعلومات المتوفرة حولها وافرة، أضف إلى ذلك أن لا مجال للتشكيك في وجود فلاسفتها،أو حتى في نسب أعمالهم إليهم، رغم أن هناك من يشكك في مصدرية هذه الأعمال أو الأفكار. من هنا نستطيع القول أن المقصود بالفلسفة الغربية الحديثة، هي تلك الفلسفة التي ظهرت في أوروبا الغربية عقب العصور الوسطى ، و رافقت عصر النهضة الأوروبية أولا، والثورة الصناعية فيما بعد، وتميزت في عموميتها بصراعها الطويل مع الكنيسة المسيحية ، سواء أكانت كاثوليكية كما هو الحال في إيطاليا وفرنـسا وغيرهما، أو بروتستـنتية كما هو الحال بالنسبة لألمانـية و بريـطانيـا و غيرهما. 1ـ 1 ظهور التصور الجديد في أوروبا: وقد مهدت المواقف التقليدية التى كانت قريبة من الموقف الكنسي لمواقف جديدة كانت للفكر الفلسفي اقرب فإذا تتبعنا تاريخ العلمانية في الفلسفة السياسية الغربية نجدها قد مرت بعدة مراحل يمكننا اختصارها في ثلاث. المرحلة الأولى تميزت بمناهضة المسيحية, كما هو الحال بالنسبة لماكيافيلي (1469-1527م) بينما تميزت المرحلة الثانية بالدعوة إلى سيادة الدولة, كما هو الحال بالنسبة لهوبز(1588-1659م) في حين اتسمت المرحلة الأخيرة بالدعوة إلى جعل الدين في خدمة الدولة, كما دعا إلى ذلك روسو (1712-1778 م) وفيما يلي تفصيلا لما ذكرناه مجملا: 1ـ2 مناهضة المسيحية عند ماكيافيلي: اذا عدنا الى نيكولا ماكيافللي نجده يقترح على الامير الراغب في اقامة دولة موحدة قوية ان يتخلى عن الاخلاق المسيحية التي قادت الى سقوط روما على يد قبائل القوط الغربية فضلا عن ابقائها على ايطاليا ممزقة ويؤكد ماكيافللي على ان سقوط روما لا يعد امرا عارضا وانما يعود الى اسباب ذاتية تتصف بها المسيحية تجعل امر سقوط الدولة وزوالها امرا طبيعيا. واما عن هذه الاسباب فيرى ماكيافللي انها تنحصر في كون المسيحية ترجع غاية الانسان الى الآخرة خلافا لهدف الدولة وغايتها التي ترجع غاية الانسان الى تعمير الارض وهذا ما يتماشى والاخلاق الرومانية الوثنية القديمة كما ان المسيحية تتميز بتمجيد التواضع والنزاهة وتفضيل الحياة الباطنية عن الحياة العملية الظاهرة مما يجعلها توهن عزيمة الانسان وبالتلي تسلم قيادة الدنيا لاهل الجراة والعنف خلافا للديانة الوثنية الرومانية التي تخلع على القادة هيبة الهية تجعلهم محل تقديس وخوف من مواطنيهم . ولهذا نجد ما كيافللي ينصح الامير اذا كان لابد أن يختار بين أن يكون محبوبا لدى رعيته او يكون مهابا .ان لا يتردد في ان يكون مهابا بطريقة يتجنب فيها الكراهية لشخصه ويؤكد ماكيافللي هذا بقوله: "فان من الافضل ان يخافوك على ان يحبوك هذا اذا توجب عليك الاختيار بينهما ) واما عن السباب التي جعلت الكنيسة المسيحية تحافظ على تمزيق ايطاليا فيجمعها ماكيافللي في عدم قدرة الكنيسة على توحيد ايطاليا من جهة ومنعها لكل محاولة لتوحيدها من جهة اخرى حفاضا على مصالحها وهذا ما دفع الايطاليين حسب ماكيافللي لعدم احترام السلطة الزمنية التي يتمتع بها البابا . ويؤكد ماكيافللي فضلا على ذلك :"أن ايطاليا قد خسرت بتاثير المثل السيئ الذي يقدمه بلاط روما كل اجلال للدين وقد نجم عن هذا الواقع عدد لا يحصى من المتاعب والفتن ". ونتيجة لذلك اصبح الايطاليون ملحدين وغير مستقيمين ولهذه الاسباب يعتقد ماكيافللي انه لابد من استبعاد الاخلاق عن السياسة وحصر الدين في مجاله الخاص به المتمثل في علاقة الانسان بمعبوده وبهذا تتشكل الاخلاق والدين وفقا للسياسة وليس العكس . وهذا ما كانت روما القديمة تؤكد عليه . وبهذا حاول ماكيافللي ابعاد المسيحية عن الدولة لكن هذا لم يتم فعليا مما دفع هوبز الى مواصلة نهج سلفه. 1- 3 سيادة الدولة عند توماس هوبز: ان الدارس لحياة هوبز وفلسفته يستخلص ان الصراع بينه وبين رجال الدين المسيحي بدا مبكرا وخاصة بعد اصدار توماس هوبز لكتابه (مبادئ القوانين) سنة 1650م والذي دافع فيه عن النزعة المطلقة في الحكم بما يتعارض و روح الدين مما دفع الكنيسة تتخذ منه موقفا معارضا وصل الى حد منع الكتاب من التداول و قد برزت نزعة هوبز الالحادية بالخصوص في كتابه (في الجسم) الذي هاجم فيه رجال الدين المسيحي واصفا اياهم بالدجل . واما في كتابه (التنين او الوحش الكاسر) الذي صدر عام 1652م فقد اعتبر الدين مجرد اكاذيب و تضليل اخترعتها البشرية نتيجة لخوفها من القوى الشريرة و جهلها بالعدل وهذا ما دفعها الى عبادة ما تخشاه وتهابه مما دفع المشرعين القدماء في الامم الوثنية الى استغلال ذلك و جعلوا تعاليمهم صادرة عن الله.رغبة في استغلال الدين لتحقيق رغباتهم الخاصة.وقد اكد ماكيافللي هذه الرغبة عندما اشار الى استخدام الرومان (الدين في اصلاح احوال مدينتهم وفي المضيء في حروبهم)" واما عن مصير الدين فيؤكد هوبز على انه سينتهي الى الزوال، اذ تأكد للناس بأن مؤسسي الاديان وزعمائها لا يتمتعون بالحكمة والاخلاص ، والى قريب من هذا ذهب ماكيافللي من فبل عندماقال: " عندما شرع العرافون من قول ما يسر الاقوياء فحسب ، وعندما اكتشف الشعب هذا التضليل ، أخذ يشك في حقيقتهم" ومما سبق نستخلص هوبز ضرورة عزل الدين ورجاله من التدخل في سلطة الدولة حفاظا على سيادتها ولتوحيد السلطات لابد من خضوع الكنيسة للدولة على اعتبار أنه لا وجود لسلطة دينية التي ليست الا بدعة اختلقها الخيال. 1-4 الدين في خدمة الدولة عند روسو: أما عن روسو فيعتبر أن البشرية في تاريخها الطويل لم تخلو في عصر من من عصورها من اتباع دين معين ، لان اثره لا يقتصر على الافراد بل انه يتعدى الى الجماعات وحتى الى الدولة ، وهذا ما جعل من السلطة في البدايات الاولى للبشرية تحت سيطرة ملوك الهة ، ولهذا كانت الحكومات السائدة دينية وكانت السلطة السياسية مرتبطة بالسلطة الدينية، ولم يكن فصل بين السلطتين روحيو ومدنية، لكن انقسام السلطتين في المسيحية ادى الى النزاع و الاضطراب الدائم، وبالتالي جعل اية سياسة صالحة " مستحيلة في الدول المسيحية، ولم يصل الناس الى معرفة من يحب ان يلتزموا بطاعته، السيد، ام القسيس". لكن هذا كما يرى روسو، يخالف الدين الاسلامي ، الذي يتميز بالجمع بين السلطتين السياسية والروحية ولا سيما زمن الرسول "ص" الذي اقام نظاما سياسيا استمر بعد وفاته على يد خلفائه. ومعنى هذا ان روسو يرغب في اقامة نظام مختلف عن الديانات المعروفة ، وهذا الدين الذي يتحدث عنه يسميه بالدين المدني ،تؤمن به الدولة لكن ما يميز هذا الدين عن غيرو كون الهه قادرا وذكيا ، محسنا بصيرا مديرا فضلا ، عن الايمان باليوم الاخر ،لكن هذا الدين لا يجبر احدا على الاعتقاد به ، بل انه يدعو إلى التسامح وعدم إكراه الغير على الإيمان به ، ومعنى هذا انه يحق لكل فرد اختيار الدين الذي يناسبه ويحبب إليه وجباته لكن هذا لا يهم الدولة إلا بمقدار ارتباط أخلاقه" بالواجبات الاجتماعية المترتبة على معتنقيها تجاه الآخرين". وأما عن عقائد هذا الدين ، فهي بسيطة وقليلة العدد، ومحددة بدقة ، مما جعلها دون حاجة إلى تفسير أو تعليق من احد، ويبدو هنا أن روسو يريد دين غير المسيحية، التي يعتبرها ديانة الأميين التي تخالف الفطرة البشرية، أنها ديانة تجعل تعقيدات مختلفة يفسرها الكهنة حسب رغباتهم دون السماح لأحد بتفسير أو فهم. ونعود لدولة روسو فهي لا تهتم بمصير رعاياها في العالم الآخر ، وإنما عليها فقط الاهتمام بالكيفية التي تجعلهم رعايا صالحين في هذا العالم ، وهذا حفاظا على جعل هذه العقيدة مدنية خالصة باعتبارها ديانة طبيعية ، وليست سماوية صادرة عن الوحي. وبهذا نصل إلى أن الدين في دولة روسو خادم للسياسة, بالأحرى هو وسيلة تستخدمها الدولة لزيادة قوتها وتحقيق الرفاهية لمواطنيها . -2 فلسفة التاريخ الحديثة: لا يعد القضاء على الدولة التيوقراطية الكنيسية هدفا وحيدا تسعى الفلسفة الحديثة إلى تحقيقه، وإنما تهدف فضلا على ذلك إلى تصفية إرث الماضي العلمي ، والقضاء على النظام اللاهوتي واستبداله بنظام علمي ، وفلسفي جديد ، يقوم على معايير جديدة. ، متمثلة في فلسفة التاريخ عند هيجل (1770-1830م) وماركس (1818-1883م) ، وفي نظرية داروين (1809-1882م) في البيولوجيا فما حقيقة هذه الفلسفات ؟ هذا ماسنتحدث عنه فيما يلي: 1-4 فلسفة التاريخ عند هيجل: إذا أردنا أن نعرف الأسس التي يتألف منها مذهب هيجل الفلسفي فإننا نجدها كما يقول عبد الرحمن بدوي ، لا تخرج عن "ثلاث معان رئيسية : الفكرة ، الطبيعة، الروح ، وهذه المعان الثلاث ترجع إلى معنى واحد هو الفكرة ، فالفكر هو المنطق ". أما هذه الأخير فإن له ثلاث مراحل متتابعة في فترات زمنية مختلفة هي : الوضع (الإثبات) ، الرفع (النفي) ،وأخيرا المركب ، ويؤكد المودودي أن هيجل يرى "أن ما يحصل في الحضارة الإنسانية ، من تطور وارتقاء إنما يحصل بظهور الأضداد وتناطحها وتمازجها وأن كل دور من أدوار التاريخ في حد ذاته وحدة أو كائن جسدي حي ". وبهذا فكل النظريات الإنسانية المختلفة من نظريات اقتصادية و سياسية وعقلية وخلقية ودينية تتلاءم والعصر الذي برزت فيه روح الدور الزمني بكامله . 4 -2 فلسفة التاريخ عند ماركس : أما الفلسفة الماركسية فقد استمدت من الهيجلية منهجها الجدلي لكن بعد أن فصلت عنها: " تصور الروح أو الفكر الذي كان جوهر فلسفة هيجل". وجعلت بدلا من ذلك العامل الاقتصادي المادي المحرك للعملية التاريخية ، واعتبرت الدين والفلسفة والعلوم والفنون وبالجملة سائر الأفكار والتصورات الإنسانية لا تتشكل إلا بتأثير هذا النظام الاقتصادي ". وبلغة الماركسية فإن البنية التحتية الممثلة في الجوانب المادية الاقتصادية التي يعبر عنها الأستاذ مالك بن نبي ((1905-1973م بعالم الأشياء هي التي توجه البنية الفوقية المتمثلة في الإيديولوجيا أو ما يعبر عنه بعالم الأفكار . وطبقا لهذه التصورات فإن القوة الرئيسية التي تقضي على هذا التغيير في الأمور البشرية ليست: " الفكرة الهيجلية ولكن الظروف المادية للحياة ، فليس الوعي عند الإنسان هو الذي يشكل الظروف المادية للحياة ، وإنما الظروف المادية للحياة هي التي تشكل وعيهم ، ولهذا فإن التاريخ البشري يقوم على شيء مادي ". وبهذا ليس هناك دور لمبادئ الدين والأخلاق ، وعلى الإنسان إتباع مصالحه الذاتية ، وما تدعو إليه أهدافه الاقتصادية ، وهذا ما يعرف بالمادية التاريخية ، التي تجعل من تاريخ البشرية عبارة عن صراع بين الشعوب أو بين أصحاب الملكية الفردية وبين المعدمين ، كما يعتبر أن الملكية الفردية هي منبع كل الشرور الموجودة مما يجعل القضاء عليها أمرا ضروريا. ونتيجة لهذا التصور فقد اعتبر ماركس أن البشرية مرت بخمسة أشكال اقتصادية هي : 1. المرحلة المشاعية البدائية . .2 مرحلة الرقيق . 3. المرحلة الإقطاعية . 4. مرحلة المجتمع الرأسمالي . 5. مرحلة المجتمع الاشتراكي . وترى هذه الفلسفة أن كل مرحلة تحمل في طياتها بذور فنائها ، وأن البشرية ما دامت قد بدأت تاريخيا بالمجتمع الشيوعي فإنها وفقا لقانون الجدل ستعود إلى المرحلة التي انطلقت منها ، لأن التاريخ يكرر نفسه . 3-4 نظرية النشوء والارتقاء عند تشارلز داروين: هذا في مجال الفلسفة أما في مجال العلوم الطبيعية ،فقد وقعت تحت سيطرة الدارونية التي ترى بأن :"الكائنات الحية في تطور دائم على أساس من الانتخاب الطبيعي بقاء الأصلح فتنشأ الأنواع من بعضها البعض ولا سيما النوع الإنساني الذي انحدر من أنواع حيوانية". بمعنى أن أصل الأنواع الحالية يمكن أن يفسر بأصل واحد أو ببضعة أصول نمت وتكاثرت وتنوعت في زمن مديد بمقتضاه قانون الانتخاب الطبيعي أو بقاء الأصلح . وهذه النظرية في الواقع تنسب إلى تشارلز داروين الذي استخلصها من خلال مشاهدته المختلفة والتي دامت أكثر من خمس سنوات والاستعانة بكتاب مالتوس (1766-1834م) عن السكان الذي يتحدث فيه عن الزيادة الهندسية للبشر في حين أن الغذاء لا يتزايد إلا وفق زيادة عددية مما نجم عنه قلة الغذاء وتزايد في الأفواه التي تتغذى. مما يدفع إلى التناحر والتقاتل للحصول على الغذاء لمواصلة الحياة ، رغم أن هذه النظرية مجرد فرضية علمية لم تقدم لحد الساعة الأدلة التي تجعل منها حقيقة علمية ثابة، وبالتالي فانها وفقا لهذا التصور لا ترتقي الى مستوى العلم اليقيني لكونها قائمة على مجرد القياس والتخمين اللذان لا يفيدان في العلم شيئا. وفضلا على ذلك فإنها تقود إلى الحروب والفتن والقضاء على الإنسان و إنسانيته ، وتجعل منه مجرد حيوان لا يختلف عن غيره من الحيوانات . وبهذا فأن البشر وفقا لهذه النظرية لا يتعاملون إلا كما تتعامل الوحوش في الغابة. ولا بد من أن يقوم الإنسان باستخلاص القوانين والمبادئ لحياته لا من مصدر من المصادر السامية ، وإنما نجده يبحث عنها في حياة الوحش والبهائم. كما أن هذه الفرضية تبرز الظلم وتجعله حقا مشروعا ، حتى أن :" هذه الفلسفة هي التي جعلت في أيدي رجال أوروبا حجة قوية سوغت لهم كل ما أذاقوا أمم الأرض المستضعفة من ضرورة الظلم والعدوان ". وهكذا استأصلوا سكان أمريكا الأصليين ، وسكان أستراليا وإفريقيا . باختصار فإن هذه النظرية التي نشأت في أحضان المادية- حولت الإنسان إلى مجرد ذئب مفترس لأخيه الإنسان في جميع مجالات الحياة من سياسية واجتماعية واقتصادية وحتى عسكرية وأخلاقية . وهكذا نستخلص أن العلمانية في جوهرها تقوم على الفصل بين الدين والدولة ، وهذا الفصل تنظر إليه على أنه شرط أساسي للقضاء على الاستبداد ، فضلا على تحرير العقل من كل خرافة وإطلاق الروح العلمية والإبداعية. وهي بهذا تحاول إقامة الحياة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية على أساس عقلي مجرد من رواسب الدين وقائم على أسس ووقائع مادية بحتة. وبهذا فالعقل عليه أن يتحرر من الرواسب العاطفية والأفكار المسبقة التي تغذي فيه: " اتجاهات الاستعلاء والانغلاق والطبعة والعنصرية ". وبالتالي فإن العقيدة وجميع نشاطات الحياة الروحية يقتصر على نطاق الفرد دون أن تكون لها علاقة بالمجتمع والدولة . فالعلمانية التي هي نتاج صراع بين رجال الكنيسة وفلاسفة وعلماء عصر النهضة أصبحت لها الغلبة في أوروبا ، مما جعلها تنزع القدسية عن نشاط وممارسة الدولة والحكام وإخضاعها للمناقشة في مجال الفلسفة السياسية ، وأما في مجال عالم الأفكار فقد قضت على الفلسفة اللاهوتية المدرسية التي كانت قائمة عليها الكنيسة الكاثولوكية . 5- أثر التصور الجديد في الفكر العربي: يذهب أغلب الباحثين في فلسفة الإسلام السياسية إلى القول بأن فكرة التمييز بين الدين والدولة لم تظهر في الإسلام الا مع سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك في مارس 1924م بعد أن مهد لذلك بفصل الدين عن السياسة في غرة نوفمبر 1922م بقوله: "مقام الخلافة محفوظ وبجانبه مقام السيادة الوطنية ، أي الجمعية الوطنية التركية الكبرى ، ولاشك أن هذين المقامين يقفان جنبا إلى جنب وقفة أسمى من وقفة الخلافة العاجزة الضعيفة" . وطبقا لهذا أصدرت الجمعية الوطنية التركية قرار يفوضها حق تمثيل الشعب التركي و حاكميته . وبهذا فرقت تركيا سياسيا بين نظام الحكم والاجتماع من جانب وبين الدين من جانب آخر ، واعتبرت أنه لا علاقة للدين بنظام الحياة والعمران والمملكة إطلاقا. 5 ـ1 علي عبد الرازق: وقد واكب علي عبد الرزاق هذه النزعة الجديدة بإصداره كتابا بعنوان " الإسلام وأصول الحكم " يدعو فيه صراحة إلى فصل الدين عن الدولة . غير أن المتتبع لهذه الأفكار يلاحظ أنها كانت نتيجة لتأثير الفلسفة العلمانية الحديثة الوافدة من أوروبا والتي أصبحت لها الغلبة الفعلية في العالم الإسلامي ، وهذا باعتراف أنصار هذا الموقف الجديد ، فنجد عبد الرزاق يشير صراحة إلى تأثير الفلسفة العلمانية الإستشراقية في كتاباته عندما ينصح كل من يطالع كتابه بضرورة الرجوع إلى أفكار توماس إرنولد الواردة في كتابه "الخلافة" الصادر عام 1924 م . أي قبل سنة واحدة من صدور كتاب علي عبد الرزاق ، وهذا بقوله: " وإذا أردت مزيدا في هذا البحث فارجع إلى كتاب (الخلافة) للعلامة السير توماس إرنولد ، ففي الباب الثاني والثالث بيان ممتع ومقنع". 5 -2 طه حسين : أما الدكتور طه حسين فيرى أنه لابد :" من أن نسير سيرة الأوروبيين ونسك مسالكهم لنكون لهم أنداد وشركاء في الحضارة خيرها شرها ، حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب " . ويؤكد هذا في موضع آخر من كتابه "مستقبل الثقافة في مصر "بقوله:" وأن نشعر الأوروبي بأننا نرى الأشياء كما يراها ، ونقوم الأشياء كما يقومها ، ونحكم على الأشياء كما يحكم عليها ". وبعد أن أصبحت أوروبا المعاصرة تقول بضرورة الفصل بين الدين والدولة ، كان لا بد على هؤلاء أن يقولوا بذلك لأن أوروبا بالنسبة لهم هي القدرة وليس الإسلام وفلسفته. |
|||
2011-02-05, 22:14 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
جدل الديني والسياسي في الفلسفة المدرسية
ليس هناك شك فإن المقصود بالفلسفة المدرسية هي تلك الفلسفة التي كانت تدرس في المدارس الغربية في فترة العصور الوسطى في أوربا، إلا أن المثير للجدل أن هذه الفلسفة كانت ولا تزل مثار جدل حول طبيعتها وقيمتها،وإذا ما كانت فلسفة حقة أم مجرد دراسات لاهوتية. يجد الدارس لما يعرف بالفلسفة المسيحية أن هناك مجموعة من المـميزات التي تمتاز بها هذه الفلسفة، رغم الاختلاف الكبير بين خصومها وأنصارها حولها وحول الموقف من الفترة التي ظهرت فيها ، ومع هذا يـمكننا أن نحدد هذه الميزات على النحو التالي: ـ أنها فلسفة تكونت وتطورت وازدهرت وشغلت فترة طويلة من الزمان تجاوزت في أسوء التقديرات الثمانية قرون. ـ أنها فلسفة توفيقية ، لكونها كانت تهتم دوما بالتوفيق بين الفلسفة اليونـانية في قراءتها الإسلامية وبين الديانة المسيحية، التي كانت تتعرض لانتقادات وهجمات مختلفة. ـ هناك اختلاف بين المهتمين من الفلاسفة والباحثين بهذا النوع من الفلسفة في مسألة تصنيفها، فإذا كان البعض منهم يعتبرها لاهوتا فإن البعض الأخر يجعل منها فلسفة. ـ يطلق عليها أحيانا اسم الفلسفة المسيحية نسبت إلى الديانة التي كانت تخدمها، وفي هذا يري هيجل أنها كانت في خدمة الكنيسة ولم تتحرر من سلطتها، وهو ما أشرنا إليه في المبحث الرابع من الفصل الأول.كما يطلق عليها في أحيان أخرى اسم الفلسفة المدرسية لكونها كانت تدرس في المدارس التي تشرف عليها الكنيسة ، بكونها المشرف الوحيد على شؤون التعليم والمعارف بمختلف مجالاتها في ذلك الزمان. ـ وتبعا لما سبق فإن أغلب ممثليها كانوا من رجال الدين المسيحي، ولا نكاد نجد منهم من لم يكن مرتبطا بكنيسة من الكنائس، أو بمذهب من المذاهب الكنسية، بل أننا نجدهم يعتبرون أنفسهم من أبناء الكنيسة الذين لم يكن لهم من هدف إلا خدمة هذه الأخيرة ، والدفاع عن مواقفه، حتى وإن تعارضت هذه المواقف ليس مع قناعات غيرهم فحسب ، وإنما حتى وإن تعارضت مع قناعاتهم هم أنفسهم. ـ رغم الطابع المسيحي الذي حاولت به هـذه الفلسفة أن تظهر به نـفسها إلا أن الحقيقة غير ذلك ، فقد ظلت أسيرة أفـلاطون فترة زمنية طويلة، كما هو الحال مع أوغسطين ومن تبعه، وعندما تحررت من أفلاطون ، وقعت تحت سطوة أفكار أرسطو كما هو الأمر مع توما الأكويني، كما تنقلت إليها أراء الفلاسفة المسلمين مثل الفارابي ، ابن سينا، الغزالي وبطبيعة الحال ابن رشد. ـ رغم الطوق الذي فرضته الكنيسة على أتباعها ، إلا أن العديد من أصحاب الفكر عملوا على مقارعة هذا التسلط، والتحرر منه، متخذين من الرشدية اللاتينية سلاحا، ومن تأويلات الهلينية منهجا، محاولين الخروج عن الوجهة التي كانت الكنيسة ترسمها، بطرق مباشرة في بعض الأحيان، وبطرق غير مباشرة في أحيان أخرى. 1ـ الإنسان والدين: إن الدارس لتاريخ الأمم يلاحظ عدم خلوا أي منها في القديم والحديث من ديانة تؤمن بها، كما أن هذه الأمم سواء منها تلك التي أقامت دولا قوية أو لم تقم- لم تختلف كثيرا في نظرتها للدين وعلاقتها بالدنيا ، رغم اختلاف الديانات التي تؤمن بها والآلهة التي تعتقد بها. 1ـ 1 الملك الكاهن: فالملك أو الحاكم في مصر القديمة وبلاد فارس مثلا هو الإله والكاهن الأكبر على الجميع طاعته والخضوع له و عبادته،ومن هنا لم تخطر لرجال الدين كما يرى برهان غليون فكرة الثورة على الحاكم أو مجرد الاختلاف معه لان مهمتم تكمن في خدمة سيدهم وتبجيله و إضفاء القداسة على سلطته حتى انتهى الأمر إلى عبادته أو الخضوع الكامل له . وكان الملوك هم الذين يغيرون طقوس العبادات و يشكلون مركزها ، كما يحددون الآلهة المعبودة و التي يعتبرون أنفسهم يمثلونها كما يقترحون آلهة جديدة أو يشجعون الإيمان بها لسبب أو لآخر. لكن رغم هذا فان الدين في حد ذاته لم يتعد كونه بوجه عام - علاقة البشر بما يعتبرونه مقدسا و بالقوى فوق البشرية التي يعتقدون أنهم يخضعون لها ، ونشير هنا إلى أن الملوك كانوا يعتبرون من طينة غير طينة بشرية فهم إما أن يكونوا آلهة أو أنصاف آلهة اوابناء آلهة. 1ـ2 مكانة الانسان : أما عن مكانة الإنسان ضمن هذا المفهوم فقد اختلفت وجهات نظر الوثنيين، إذ ذهب البعض منهم إلى اعتباره كائنا ضعيفا ، يتميز بالقذارة و الضعف أمام غيره من الكائنات ، وهذا ما جعله يعوض ذلك باللجوء إلى الوحشية التي سيطرت عليه فترة طويلة ، يصفهاالفيلسوف الانكليزي توماس هوبز بكونها حياة :" صراع وتدافع و عنف لا يؤمن فيها احد على نفسه ولا على ماله ولا هم له إلا أن يحافظ على ذاته ضد غارات الآخرين " بسب أنانية الإنسان ورغبته في السيطرة والتغلب و يؤكد المودودي انه نتيجة لسيطرة هذه الفكرة على الإنسان فان هذا الأخير لجاء إلى عبادة الأصنام و الأوثان والأنهار و الأشجار و النجوم وغيرها من مظاهر الطبيعة بدلا من أن يقوم بتسخيرها لخدمته. وبهذا فان هذا المفهوم يحصر الدين في مجموعة من الطقوس تقدم لآلهة المتعددة الممثلة في الأصنام المصنوعة من الأحجار أو أخشاب وقد عرف هذا التصور أمم كثيرة كاليونان والفرس والعرب قبل الإسلام. في حين ذهب فريق آخر من الوثنين إلى اعتبار وجود الإنسان في هذا العالم إنما هو لتلقي المصائب و الألم. وهذا ما دفع بالجانستية المنسوبة إلى معلمها مهافيرا ( 527-699ق،م) الى الدعوى إلى الزهد والتقشف والممارسة الرياضية الصعبة القاسية و المصاحبة للتأملات العميقة لان الحياة الدنيا لا تزيد عن كونها تعاسة مستمرة و شقاء متصل نعيمها زائد والعيش فيها باطل ، ومن الغريب أن هذه الديانة أو بالأحرى الفلسفة تدعو إلى عدم الاعتراف بالآلهة و هذا ما دفع إلى تسميتها بديانة الإلحاد والتعري لكونها تدعو إلى أن يعيش الإنسان متجردا من ثيابه أو مغادرة هذه الدنيا عن طريق الانتحار . والى قريب من هذا ذهبت البوذية المنسوبة إلى الحكيم بوذا الهندي الكبير ( 563-483 ق،م) معتبرة أن :"حياة الإنسان في الدنيا شر و ألم و أن التخلص منها يتم بالإندماج في الوحدة الشاملة و هي النارفانا و سبيل ذلك الزهد و محاربة الرغبات و الشهوات" زيادة على قولها بتناسخ الأرواح و إنكار البعث و الحساب. 2 الانسان : المؤمن والمواطن إذا نظرنا في تاريخ المسيحية فإننا نجد تميز الفترة التي شهدت ظهور هذه الديانة باضطهاد أنصار الدين الجديد ، بل أن المسيح عليه السلام شخصيا تعرض إلى اضطهاد كبير كمحاولة صلبه التي انتهت برفعه إلى السماء كما يذكر القرآن الكريم في قوله تعالى:"وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه". وأما عن إتباعه فقد تعرضوا كما يقول محمود أبو زهرة: "إلى بلايا وكوارث جعلتهم يختفون بديانتهم ويفرون بها أحيانا ويصمدون للمضطهدين، مستشهدين أحيانا أخرى".غير أن هذه الوضعية لم تستمر طويلا وانقلبت الأوضاع بتولي قسطنطين عام 306م عرش الإمبراطورية الرومانية ، ثم اعتناقه المسيحية و اعترافه بها كديانة رسمية بعد أن ترك الوثنية ، بل انه أعلن فيما بعد أن المسيحية تمثل الديانة الرسمية الوحيدة للإمبراطورية الرومانية. وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الإمبراطور إلى تبني الدين الجديد ، والتخلي عن ديانة الآباء فان هذا الموقف الجديد في حد ذاته أثار مشكلات سياسية وعقائدية مختلفة جديدة لم تكن مطروحة من قبل كقضية الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية. فإذا كانت المواقف الوثنية التقليدية كما رأينا- تذهب إلى تأليه الحاكم أو على الأقل جعله ممثلا للإرادة الإلهية ، وبالتالي فهو يمارس علاوة على السلطة السياسية ، السلطة الروحية،بصفته الرئيس الديني و الكاهن الأعلى في نفس الوقت، فان الدين الجديد يؤكد أن هناك إلا الها واحدا، وأن له ابنا وحيدا هو المسيح عيسى عليه السلام، وبالتالي فالحكام ليسوا أبناء آلهة فضلا على أن يكونوا آلهة ، و بهذا فهناك تعارض شكلي و جوهري في الظاهر بين المواقف الوثنية و المواقف المسيحية المختلفة. و قبل أن يتمكن أباء الكنيسة من إزالة هذا التعارض و التناقض ، إذ بقبائل القوط الغربية تهاجم روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة وتسقطها عام 410م. مما دفع بأنصار الوثنية إلى اتهام المسيحية بكونها مسؤولة عن هذا السقوط ، بل أن هذا الاتهام جاء حتى من قبل بعض المسيحيين أنفسهم، نتيجة لتهاون أتباع الدين الجديد في الدفاع عن روما، باعتبار هذه الاخيرة لاتمثل ملكوت الله الخالدة، وانما تمثل ملكوت الشيطان الزائلة والزائفة. و نتيجة لكل ما سبق فقد حاول رجال الكنيسة الكاثوليكية إزالة هذا التعارض و التصدي للاتهامات الجديدة غير أن غياب مصادر مسيحية متفق عليها، من جهة وتناقض وتعارض ما هو موجود منها ، جعل علاقة الانسان باعتباره مواطنا في دولته وبين كونه مؤمنا منتميا الى كنيسته تمر بثلاث مراحل أساسية: 2ـ 1 نظرية السيفان: تميزت هذه المرحلة بظهور نظرية السيفان التي تدافع عن الفصل بين السلطتين الزمنية و الروحية ، و تدعو إلى سيطرة الكنيسة على المسائل الروحية مما يجعل جميع المسيحيين ملزمين بطاعتها بما فيهم الإمبراطور باعتباره مؤمنا مسيحيا، وفي مقابل ذلك تخضع الكنيسة لسلطة الدولة فيما يتعلق بشؤون الأمن و الحياة الدنيوية ،لان ذلك من شأنه أن يساعد في الحصول على السلم الإلهي، كما يرى القديس أوغسطين(354-430م). وبهذا أصبحت مجريات الأمور الدنيوية من اختصاص السلطة المدنية التي تقوم بالمحافظة على السلام و العدالة و النظام بواسطة ممثليها في حين تقوم الكنيسة برعاية شؤون الروح عن طريق رجالها، و التبشير بتعاليم المسيحية . وبهذا فالعلاقة بين السلطتين تقوم على أساس أخلاقي قائم على روح التعاون و المساندة ، وإذا كان لابد من تدخل إحدى السلطتين في مجال الأخرى فيجب أن لا يكون بغرض القضاء على سيادة كل طرف و استقلاله بشؤونه و احترام حقوق الطرف الآخر التي أمر بها الله ، إذ أن المسيح آخر من جمع بين السلطتين ليأمر بعد ذلك بعدم الجمع بينهما وأن كل جمع عبارة عن تقليد وثني لا بد من القضاء عليه، انطلاقا من المقولة التي تنسب إلى السيد المسيح أحيانا و إلى القديس بولس أحيانا أخرى و القائلة :"أعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله". وبهذا أصبح الأباطرة يحتاجون إلى الأساقفة من اجل الحياة الخالدة و الأساقفة يحتاجون إلى الانتفاع باللوائح الإمبراطورية لممارسة الأمور الدينية". وما يمكن استخلاصه أن هذه الفترة تفصل فصلا تاما شؤون الدنيا و شؤون الدين. 2- 2 سيادة الكنيسة و رفعتها: غير أن ضعف الأباطرة من جهة ونمو الكنيسة من جانب آخر ونتيجة لانتشار المسيحية جعل التوازن الذي وضعه القديس اوغسطين من قبل يختل لصالح الكنيسة، مما دفع بالبابا غريغوري السابع ( 1073-1085) الى رفض سلطة الامبراطور عندما اعلن أن: "البابا هو صاحب السلطات الاكبر في الكنيسة كلها وهو وحده الذي يعين ويخلع الاساقفة ولا يملك أحد سلطة الغاء القرارات البابوية". لكون البابا يحكم بعون الارادة الالهية وقوة القانون السماوي. وجاء الفيلسوف الانكليزي الكاثوليكي الوحيد يوحنا السالسبوري (1120-1180م) ليؤكد في كتابه" كتاب رجل الدولة" على رفعة سلطة الكنيسة وسيادتها باعتبارها صاحبة السيفين الروحي و المادي، واذا كانت الكنيسة تحتفظ بالسيف الروحي ، فانها تسلم السيف المادي الذي يمثل السلطة الزمنية- الى أمير ،أو ملك وهي نفس الوقت قادرة على سحب و استعادة هذا السيف اذا خرج الحاكم الذي عينته عن القانون الالهي، طبقا للقاعدة القائلة :"بأن من له الحق في المنح له الحق في النزع " وبالتالي فان للكنيسة الحق الكامل في السيطرة على الامبراطور الذي لا مفر له من الخضوع للكنيسة و رجالها. واذا رفض ذلك يعرض نفسه للحرمان الكنيسي و العزل من السلطة ، ويصبح اتباعه في حل من بيعته بل وعليهم واجب قتاله لان من يستبد بالسيف لابد وأن يقتل به. و هكذا فان هذه النظرية تجعل الحاكم تحت رعاية القوة الروحية المتمثلة في الكنيسة ، وهذا ما عرف بنظرية رفعة الكنيسة او بالاحرى وجهة نظر البابوية. وقد حاول الامبراطور هنري الرابع (1056-1105م) الوقوف في وجه سلطة الكنيسة هذه، غير أن البابا غريغوري السابع اسرع الى اصدار قرار حرمان الامبراطور بوصفه مسيحيا وعزله بوصفه ملكا، مما جعل رعاياه غير ملزمين بطاعته و الاخلاص له ، الشيئ الذي جعل هنري الرابع عاجزا عن الوقوف في وجه سلطة الكنيسة مما دفعه الى طلب عطف البابا ،حيث جاء حافيا وقاطعا الاف الكليومترات ودخل على هذا الاخير ذليلا و في ثوب الرهبان المصنوعة من الصوف وهو يصيح: " اغفر لي ايها الاب المقدس ، فغفر له البابا بعد ان فرض عليه شروطا قاسية وزوده بالنصح والارشاد". وهكذا فشلت كل محاولة للتحرر من سلطة الكنيسة في تلك الفترة. 2- 3 سيادة و استقلال السلطة الزمنية: غير أن انتشار الروح القومية من جانب ، واتصال الغرب بالحضارة الإسلامية في صقلية و الاندلس وعن طريق الحروب الصليبية وفساد البابوات و التعسف في استخدام السلطات من جانب ثان،اظهر نزعة جديدة وتحررية لدى رجال السياسة في اوروبا ولدى مفكريها ،تحاول ابعاد الدين عن توجيه السياسة. فعاد رجال الفكر الى القانون الروماني الذي يدعو إلى تركيز السلطة القانونية في الإمبراطور لكون القوانين صادرة من الإمبراطور الذي يمثل ارادة الشعب ولا ينبع من إرادة الكنيسة ، وقد حمل هذه الفكرة ودافع عنها ملك فرنسا فيليب الجميل (1314م) في صراعه مع البابا بونيفاس الثامن (1303م) كما دافع عن سلطة الدولة و استقلالها و سيادتها كثير من المفكرين اشهرهم مارسيلوا البادوي ( 1275-1343).ويليام الاوكامي ( 1295-1350). فاذا أخذنا كتاب مارسيليو " المدافع عن السلام" الذي صدر عام 1324م فاننا نجده يتحدث عن وظيفة الدولة التي تتمثل في الاشراف على الدين و رجاله، كما تشرف على الزراعة و التجارة ،بل ان الدولة عليها معاملة الكنيسة معاملة لا تختلف عما تعامل به بقية الاديان الاخرى ، لانه لا يمكن اقامة: "الدليل العقلي على الحق الذي تدعو اليه المسيحية". وجعل دور رجال الدين لا تخرج عن ثلاثة امور و هي : 1- ادارة شؤون الكنيسة وذلك بصرف اموال الكنيسة في اعمال الخير و باشراف الدولة. 2- تثقيف الناس ولكن هذا لا يتم الا باذن من السلطة السياسية وليس للكنيسة حق الارغام الديني او الزمني على رجال الدين او على العلمانيين بل:" ليس للكنيسة سلطان على الهراقطة لان الله وحده هوالذي له حق الحكم على الخطيئة و الخطائين ، لكن السلطة الزمنية حق محاسبتهم على ما جنته ايديهم ان اصابت المصالح العامة كما انها تختص دون غيرها بتنظيم الاديرة و الرهبان و القساوسة". 3- الإشراف على تأدية طقوس العبادة المختلفة. اما عن سلطة البابا فتعود اما للتعيين او الانتخاب، ولا توجد اشارة للبابوية في الكتاب المقدس وبالتالي فلا فضل لهؤلاء على غيرهم الا بالتقوى و العمل الصالح ، ويبدو أن هذه من اثار الفكر الاسلامي الذي كان منتشرا في جامعة بادوقا الايطالية، التي اشتهرت بطابعها التحرري و انتشار النزعة الرشدية بين طلابها وأساتذتها . فقد جاء في الحديث الشريف:" لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى و العمل الصالح". اما ويليام الاوكامي فقد أورد أفكاره في كتابه "سلطة الأباطرة و سلطة الباباوات" حيث يرى أن البابا لا يحق له حرمان احد من حقوقه الطبيعية ، كما أن الشؤون الدنيوية من اختصاص الناس ، وأن سلطة الإمبراطور ليست مستمدة من الله مباشرة ، كما ليست مستمدة من البابا وانما مستمدة بواسطة الشعب الذي يقوم باختيار إمبراطوره،كما يعتبر ان سلطة البابا المطلقة عبارة عن بدعة و الحاد، ولا يمكن ان يكون معصوما من الأخطاء علاوة على عدم احقيته في تنصيب الإمبراطور و المصادقة على الانتخابات. وبهذا ظهرت بوادر التحرر من الدين وسلطة الكنيسة التي فقدت السيطرة على الدولة كما سنرى ذلك عند حديثنا عن اللائكية |
|||
2011-02-05, 22:15 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
|
|||
2012-09-06, 02:31 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
ولكن دون تحامل أو مجاملة |
|||
2012-09-07, 14:07 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
السلام عليكم |
|||
2012-10-11, 15:01 | رقم المشاركة : 8 | |||
|
تحية طيبة وبعد ، |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
للبروفيسور, معيرش, موسى, مقالات, الفلسفة |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc