درس من ثورة الياسمين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > خيمة الجلفة > الجلفة للمواضيع العامّة

الجلفة للمواضيع العامّة لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

درس من ثورة الياسمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-01-31, 21:30   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
matrixano02
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










M001 درس من ثورة الياسمين

بعد أن وصل الامتهان العربي إلى درجة ظن العالم معها أن العرب بلا كرامة، وبعد أن وصل عجز الشعوب إلى منتهاه حتى ظن العرب أن تاريخهم قد انتهى، وبعد أن وصل القهر إلى مداه، وبعد أن بدأ الاستعمار يعود من جديد مع استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وابتلاع كل فلسطين بالاستيطان وتهويد القدس، وبعد أن وصل الفقر والبطالة إلى حدهما الأقصى، الجوع والتشرد لآلاف الخريجين والعمال، وبعد أن وصل الظلم إلى حد امتلاء السجون، وكبت الحريات، وبعد أن سيطر الحزب الحاكم على كل شيء في البلاد، فهو "الفرقة الناجية" وغيره من التيارات السياسية، "الفرق الهالكة". وبعد أن دب الفساد في الحكم جمعاً بين السلطة والمال، فجأة وعلى غير انتظار اندلعت الشرارة في الحطب الجاف، وسرت النار في الهشيم، مدينة بعد مدينة، ومحافظة بعد محافظة من جنوب البلاد حتى وصلت إلى العاصمة تونس.

كانت الشرارة شجاعة فرد، خريج جامعي، عاطل منذ سنوات، أخذ عربة يد ووضع عليها بعض الخضراوات ليبيعها في سوق المدينة ليكسب قوت يومه. فقبضت عليه الشرطة لأنه بلا ترخيص وصادرت عربته. فأشعل النار في جسده، يأساً من الحياة، فأصبح رمزاً للخلود. فهناك حد لامتهان كرامة الفرد. وهناك حد للتحمل والصبر، "للصبر حدود". وتفجر الغضب المكبوت من الداخل إلى الخارج عند الجموع. وانتقلت حركة الاحتجاج من المطالب الاجتماعية في العمل والعدالة الاجتماعية إلى المطالب السياسية في الحرية والديمقراطية إلى رأس النظام. وتحولت حركات الاحتجاج العفوية التلقائية إلى ثورة منظمة بانضمام النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والحريات العامة. واستمرت أربعة وعشرين يوماً، والنار تكبر يوماً بعد يوم حتى حاصرت القصر الرئاسي. اندلعت الثورة خارج الأطر الحزبية. وبدأت سلمية تعبيراً عن احتجاجات اجتماعية مشروعة. وواجهتها قوات الشرطة والأمن بالعصي ثم بإطلاق الرصاص الحي. فسقط الشهداء. وازداد عددهم يوماً بعد يوم. وتوجهت المظاهرات إلى مقار الحزب الحاكم وإلى أقسام الشرطة ودور الحكومة رمز القهر والطغيان. وتحولت من جماعات متفرقة في مدن ومحافظات متباعدة إلى جماهير حاشدة حتى العاصمة.

ولم تفلح خطب الرئيس في تهدئة الثائرين لما فيها من وعود لم تتحقق منذ أكثر من ثلاثين عاماً عندما أزاح الرئيس السابق وانقلب عليه. بدأ الخطاب الأول بتفهم مطالب المتظاهرين مع اتهامهم بأنهم جماعة من الملثمين المتطرفين الذين يمارسون الإرهاب. يخربون، ويحرقون، ويدمرون. يخرجون على النظام والدستور. وقدم وعوداً بلا ضمان بتشغيل العاطلين، وتخفيض الأسعار. وقد انتظرت الجماهير ما يقرب من ثلاثين عاماً دون أن يتحقق شيء. ولما استمرت المظاهرات جاء الخطاب الثاني محملاً بوعود اجتماعية أكثر، مضافة إليها وعود سياسية بتداول السلطة، وعدم جواز الحكم مدى الحياة، وحرية تكوين الأحزاب السياسية، وإطلاق الحريات في أجهزة الإعلام، والإفراج عن المعتقلين، وتنظيم انتخابات حرة. فلما استمرت المظاهرات لعدم تصديق الجماهير الحاشدة لهذه الوعود وغياب الضمانات لها ألقى خطابه الثالث والأخير بالتونسية الدارجة تقرباً للشعب، مسلماً بكل مطالبه الاجتماعية والسياسية، محرماً إطلاق "الخرطوش" أي الرصاص الحي على المواطنين، وهو الذي أمر به. وأقال وزير داخليته واعترف بأنه كان مخطئاً في حكمه. وعلق هذا الخطأ على مستشاريه الذين ضللوه، وأخفوا عنه الحقيقة التي كان يعلمها حق العلم. والمستشار قد يبلغ الرئيس ما يحب أن يسمع.

وفجأة، كما اندلعت الشرارة الأولى بانتحار مواطن، استقال الرئيس. وفوض سلطة الرئاسة لوزيره الأول طبقاً للمادة 56 من الدستور التي تسمح بذلك عندما يتعذر على الرئيس أداء وظيفته مؤقتاً حتى يعود إلى الرئاسة من جديد. والحقيقة أنه كان في طريقه هو وأسرته إلى المطار هارباً خارج البلاد. وقبض على بعض رموز الفساد الذين أرادوا أيضاً الهرب مع الرئيس جوّاً أو برّاً عبر الحدود. وفوق مالطة رفضت فرنسا، وهو الصديق التقليدي، استقباله وهو يملك شقة في باريس. بل إن فرنسا بعدها بأيام أمرت أقاربه المقيمين فيها بمغادرة البلاد. فمصالح فرنسا أولى من أصدقائها. وظل معلقاً في الهواء حتى قبلت المملكة العربية السعودية استقباله. مستجيراً فيها، دون حق الاتصالات الداخلية أو الخارجية أو ممارسة أي نشاط سياسي. ولما خشي المتظاهرون من حركة التفاف حول الثورة انتقلوا إلى المادة 57 من الدستور التي تبيح أن يتولى رئيس مجلس النواب الحكم والقيام بسلطات الرئيس في حال تعذر عليه نهائيّاً أداء مهمته، وإجراء انتخابات رئاسية في ظرف يحدده الدستور.

ولما قاربت الثورة على الانتصار النهائي قام الأمن الرئاسي بلباس مدني مع الحزب الحاكم وجماعات المصالح بتكوين ميليشيات مسلحة للسطو على المنازل، ونهب المحال العامة وقتل الآمنين لتشويه الثورة، وبيان أن النظام السابق كان أقدر على توفير الأمن والنظام للمواطنين. فكون الثوار ميليشيات شعبية مضادة للدفاع عن النفس. وانضم إليها الجيش الذي قبض فيما بعد على العشرات من رجال الأمن الرئاسي الذين تعودوا على معاملة المواطنين كأعداء يستحقون القتل. وفتحت السجون أو أحرقت. وخرج المسجونون يعيثون في الأرض فساداً بأوامر من سجانيهم من الشرطة لزيادة عدم الأمن بين الناس باسم حركة الجماهير.

وكان الجيش يعمل صامتاً. يدرك أن عصراً قد ولى وأن عصراً آخر قادم. فلم يتدخل لصالح الرئيس بل وقف ضد إطلاق الشرطة النار على المتظاهرين فكان مع الثورة، وفي صف مصالح الناس دون أن تكون لديه رغبة في الحكم. فالجيش جيش الشعب، حفاظاً على مصالحه ضد القهر الداخلي، وجيش الوطن حفاظاً على أمنه ضد العدوان الخارجي. يقبض على فلول النظام السابق ورموز الفساد فيه. ويحافظ على أمن المواطنين. ويقابله المتظاهرون بالأحضان. وبدأت النخب المهاجرة في العودة وكان محظوراً عليها النشاط السياسي في الداخل أو التهديد بالاعتقال والتعذيب أو التصفية الجسدية. فقد قامت الجماهير بالفعل بما كانت تنادي به النخبة بالقول. وبدأ العمل على تكوين حكومة وحدة وطنية أو إنقاذ وطني من كل الأحزاب والجماعات والهيئات والتنظيمات والاتحادات التي قامت بالثورة دون استبعاد أحد استعداداً لانتخابات تشريعية ورئاسية قادمة بعد حل البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم والحكومة الحالية، حكومة الرئيس المخلوع الهارب، تأكيداً على مبادئ التعددية السياسية والديمقراطية.

وسرعان ما امتد أثر الثورة خارج تونس في الوطن العربي والعالم الإسلامي ولدى المواطنين التونسيين المقيمين في الخارج، في الغرب وفي الولايات المتحدة. وأعلنت الحكومات الغربية كلها تأييد الشعب التونسي وإرادته. وسار بعض الفقهاء في الركب نقداً للحاكم الظالم بعد خلعه وليس قبله كالعادة، بعد وقوع الحدث وليس قبله.

إن ثورة تونس يمكن تحليل أسبابها الاقتصادية بالإحصائيات والجداول، ويمكن تحليلها اجتماعيّاً بالتركيب الطبقي للمجتمع والتفاوت الشاسع بين الأغنياء والفقراء. ويمكن تحليلها سياسيّاً بغياب الحريات العامة، وسيطرة الحزب الواحد، والقهر والتسلط، ولكن التحليل الأقوى هو أنها تعبر عن روح التاريخ العربي، عن القيم العربية في العزة والكرامة التي جسدها القرآن الكريم "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ". وفي الحديث "من استذل مؤمناً أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم فضحه"، وأيضاً "لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه". وكذلك يحث على العزة والكرامة الشعر العربي والثقافة العربية. وكما يعتز العالم بالثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الأميركية فإن على العرب أن يعتزوا بثورة التونسية



صاحب المقال : الدكتور حسن حنفي









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الياسمين, ثورة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:06

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc