بالإضافة إلى كل دلك قام أغنياء الفلاحين المستقلين بتوسيع ملكياتهم عن سواء عن طريق الشراء أو عن طريق التسييج و قاموا بإدارة مزارعهم بطريقة رأسمالية معتمدين على العمل الأجير الذي يتشكل أساسا من ضحايا التسييج أو من الفلاحين الفقراء .
من هدا كله يمكن الكلام عن ظهور طريقة إنتاج جديدة – طريقة إنتاج رأسمالية – و علاقات إنتاج جديدة سواء في المشروع الصناعي أو الزراعي حيث اصيحت كل من الزراعة و الصناعة تداران بطريقة رأسمالية , حيث حدث دلك التمايز الطبقي الذي نتج عنه ظهور طبقة الرأسماليين المالكين لوسائل الإنتاج و رأس المال و المحملين لنتائج و لمخاطر الإنتاج و طبقة العمال الأجراء الدين يبيعون قوة عملهم مقابل الحصول على أجور.
بالرغم من كل تلك التغيرات التي شهدتها الزراعة و الصناعة و التي أدت إلى ظهور طريقة إنتاج تختلف كيفيا عن السابق إلا أن الإنتاج الزراعي و الصناعي كانا تحت سيطرت رأس المال التجاري في خدمة التجارة و خاصة التجارة الخارجية و التي كانت تمارس في هده المرحلة من طرف الشركات الكبيرة التي تحتكر كل منها الاتجار مع منطقة من العالم .
ثانيا : سياسة الطبيعيين ( الحرية الاقتصادية ):
ظهرت في فرنسا اعتبارا من منتصف القرن الثامن عشر آراء و أفكار الفيزيوقراطيين المبنية على خضوع الظواهر الاجتماعية لنظام طبيعي غير قابل للتغيير و يمكن تطبيقه في كل زمان و مكان ,مع إيمانهم العميق بان مصالح الأفراد لا تتعارض مع بعضها البعض كما أنها لا تتعارض مع مصالح الجماعة, لدلك كله يجب حسب رأيهم أن لا تتدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية - لان تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي يسبب المشاكل-,و يمكن القول أن سياستهم كانت قائمة على أساس حرية العمل و التجارة ( الحرية الاقتصادية ) وفق مبدأ
- دعه يعمل دعه يمرlaisser faire laisser passer - لدلك يمانع الطبيعيون في تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية ,إلا فيما يختص بحماية الأفراد و صيانة حقوق الملكية بالإضافة إلى الدفاع الخارجي و توفير الأمن و العدالة , و القيام بالمشروعات العامة التي لا يستطيع الأفراد القيام بها, كما أنهم كانوا يرون بان المنافسة الحرة كفيلة بتحقيق الثمن العادل – الثمن الذي يحقق للبائعين ربحا من وجهة نظر المستهلك - .
ففي فرنسا: نجد أن ثورة 1789جعلت من مبدأ الحرية احد أهم المبادئ الهامة في دستورها و اتخذت بعد دلك الخطوات اللازمة لتطبيقها في المجال الاقتصادي, ففي سنة 1790اصدر المجلس الوطني الفرنسي قانون تحققت على إثره حرية التجارة الداخلية , كما قامت فرنسا بمحاولة إلغاء القيود الكمية و الرسوم الجمركية على تجارتها الخارجية .
أما في بريطانيا فقد تم الانتقال تدريجا من التدخل الحكومي إلى الحرية الاقتصادية على مراحل, فقيام بريطانيا بإلغاء نظام السخرة و تقرير الحق في إقامة الاسيجة حول المزارع و إلغاء نظام النقابات الطائفية و إلغاء الامتيازات الممنوحة لبعض الطبقات, جاءت محققة لتقرير الحريات الاقتصادية .
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد تقررت الحرية الاقتصادية نتيجة لثورة 1776 , و سادت الحرية و مورست سواء بطريق سليم أو غير سليم حتى تغيرت سياسة الولايات المتحدة في عام 1933 أين تقرر تقييد الحرية الاقتصادية و ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في إطار ما كان يسمى بسياسة العهد الجديد.
و يمكن أن نعدد الحريات الاقتصادية التي تحققت في مايلي :
1- وقف التدخل الحكومي: بمعنى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي و ترك الحرية للإفراد
2- تقرير حرية التجارة: و دلك عن طريق إلغاء القوانين و التعليمات التي تحول دون قيام الأفراد بممارسة التجارة, باللاضافة إلى إلغاء جميع الاحتكارات سواء كانت حكومية أو أهلية .
3- حرية التصرف في الممتلكات:و يشمل حق رهن و بيع و تمليك الثروات و عدم مصادرتها من طرف الدولة إلا في حالات المصلحة العامة.
4- حرية التعاقد: بمعنى حرية الفرد في التعاقد مع الغير و بالتالي تقريرا لبنود التي يشملها العقد: و هو ما أفاد رجال الأعمال و الصناعيين في مطلع الثورة الصناعية في تعاقدهم مع العمال.
5- حرية البقاء أو مغادرة مكان معين :ففي الأزمنة السابقة كانت تفرض قيود على الانتقال, فالعمال مثلا و خاصة منهم المهرة لا يسمح لهم بالانتقال من عمل إلى آخر و دلك خشية أن تتأثر الصناعة,أما في هده المرحلة فقد تحققت حرية العمل و الانتقال من عما أو من مكان إلى آخر .
وهنا يمكن القول أن الحرية الاقتصادية وما تضمنته كانت أمرا لازما لتحقيق التقدم الاقتصادي في اروبا و عاملا مهما لازدهار النظام الرأسمالي .
ثالثا. الثورة الصناعية
تعريف الثورة الصناعية
يقصد بالثورة الصناعية التطورات الكبيرة التي عرفتها الصناعة في اروبا عامة و انجلترا خاصة ابتداءا من منتصف القرن الثامن عشر و التي أدت إلى حدوث تحول كيفي في فنون الإنتاج الصناعي . حيث تم الانتقال من الصناعة اليدوية التي تعتمد على عمل الإنسان – أدوات عمل بسيطة – إلى الصناعة الآلية التي تعتمد على الآلة التي تدفعها قوة محركة. حيث عرفت اروبا في هده المرحلة موجة عارمة من الاختراعات و الاكتشافات ساهم إدخالها في مختلف فروع الصناعة إلى تطويرها – صناعة الحديد و تعدين الفحم . و صناعة المنسوجات . و توليد الطاقة المحركة – الشئ الذي ساهم في حدوث زيادة هائلة في كل من الإنتاج و التكوين الرأسمالي و أصبحت الصناعة على إثرها النشاط الرئيسي في الاقتصاد الوطني .
1- أسباب قيام الثورة الصناعية في اروبا:
يمكن أن نجمل الأسباب الأساسية لقيام الثورة الصناعية في اروبا فيما يلي:
ا - العامل السكاني:
عرف سكان اروبا مند أواخر القرن الثامن عشر زيادة كبيرة و مستمرة و دلك لانخفاض معدلات الوفيات ( توفر الرعاية الصحية خاصة في المدن) . فزيادة عدد السكان تؤدي إلى توفر الأيدي العاملة . و خاصة في ظل تمتع العمال بحرية اختيار الأعمال و الانتقال من عمل إلى آخر .فلا شك أن دلك يساعد على نهضة و تقدم الصناعة .
و عموما يمكن القول أن زيادة عدد السكان يؤدي إلى زيادة عرض العمل و بدلك تجد المشروعات الجديدة و القديمة حاجتها من الأيدي العاملة بأجور معقولة . كذلك فان زيادة عدد السكان تمثل زيادة في الطلب على السلع و الخدمات و هو ما يعمل على اتساع نطاق السوق و بدلك تنمو الصناعة و لا يعوقها التخلص من فائض الإنتاج.
ب - اتساع تجارة اروبا الداخلية و الخارجية ( اتساع الأسواق الداخلية و الخارجية ):
عند التطرق إلى الدور الذي لعبته تجارة اروبا الداخلية و الخارجية في التطور الصناعي في اروبا , يجب الوقوف على اهميةالدور الذي تلعبه وسائل النقل و المواصلات و دلك على اعتبار أن تطورها يساهم في ازدهار التجارة الداخلية و الخارجية , و تجدر الإشارة هنا إلى الطفرة النوعية و التقدم الحاصل على مستوى وسائل النقل و المواصلات سواء كانت مائية أو برية, حيث تمكنت الدول الاروبية من ربط أجزائها المختلفة بوسائل نقل اقتصادية – قطارات و سفن و كان النقل النهري يلعب دور كبير في ربط مختلف أجزاء اروبا - , و كدا الوصول إلى الأسواق الخارجية بعد ظهور الناقلات الحديثة و خاصة السفن التجارية الضخمة و هو ما ساهم في اتساع الأسواق الداخلية و الخارجية.
فقد تطورت تجارة اروبا الداخلية و الخارجية حتى شملت العالم القديم و الجديد – و دلك بعد اكتشاف العالم الجديد و الطريق المؤدي إلى الشرق عبر رأس الرجاء الصالح – و هو ما ساهم في نمو الصناعة في القرنين 18 و 19 , اد تمكنت اروبا من الوصول بمنتجاتها إلى أسواق الدول المختلفة , فكلما كانت السوق قادرة على امتصاص قدر كبير من المنتجات كلما مال حجم المشروعات إلى الكبر, حيث ساهم اتساع نطاق السوق نتيجة للطلب الكبير على السلع في جعل الإنتاج نمطي و أمكن بالتالي إدخال الآلات تدريجيا في العمليات الإنتاجية لمواجهة الطلب المتزايد- خاصة ادا علمنا أن انخفاض أثمان السلع الصناعية نتيجة للإنتاج الكبير و انخفاض تكاليف الشحن أدى إلى توسع كبير في الطلب على السلع الصناعية و ربما بنسبة تفوق بسبة الانخفاض في الأثمان حيث أن الطلب على تلك السلع كان كبير المرونة . كما أن الزيادة في الدخول التي نجمت عن التوسع في الإنتاج في كافة دول العالم الصناعية أو الزراعية أدت إلى التوسع في الطلب على المنتجات الصناعية حيث أن الطلب على هده الأخيرة كان يتمتع بمرونة دخلبة كبيرة -. و بدلك يكون اتساع السوق قد ساعد على التصنيع و التوسع الإنتاج.
ج -وفرة رؤوس الأموال و إمكانيات التراكم الرأسمالي:
كان من أهم النتائج التي ترتبت على اتساع تجارة اروبا الداخلية و الخارجية أن ازدادت أرباح و ثروات أصحاب المصانع و شركات النقل و التجار و الوسطاء, و بدلك تجمع لدى اروبا مبالغ طائلة و أموال كبيرة لمقابلة ما تحتاج إليه الصناعة من أموال, حيث توفرت رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار في إنتاج سلع استهلاكية ,وكدا إنتاج العدد و الآلات ( السلع الإنتاجية أو الرأسمالية ), بالإضافة إلى رؤوس الأموال اللازمة
لتمويل عمليات البحث و التطوير ,هدا و قدكانت ندرة رأس المال لدى معظم الدول الاروبية العائق الأساسي أمام قيام الصناعة , و تجدر الإشارة إلى أن الصناعة في اروبا نمت نموا كبيرا عندما تمكنت الصناعة القائمة من تحقيق أرباح وفيرة أعيد استثمارها في إقامة صناعات جديدة, حيث كانت أرباح المنشات تمثل المصدر الرئيسي لمواجهة حاجات الصناعة الناشئة .
و من الأمور الأخرى التي ساهمت في تمويل الصناعة قيام و ظهور شركات المساهمة التي استطاعت أن تجمع المدخرات من صغار و كبار المدخرين على حد سواء, كما أن نشأت البنوك و قيامها بوظيفتها التقليدية المتمثلة في الحصول على الودائع من الأفراد و الهيات و إعادة إقراضها لتمويل الاقتصاد ساهم مساهمة فعالة في ازدهار الصناعة في اروبا .
- الحرية الاقتصادية و عدم التدخل الحكومي .
ه - تطور علمي و كشافات علمية- اكتشاف آلات إنتاج متطورة - وضعت موضع التطبيق في الصناعة فادت إلى ازدهارها.
2 - أهم مظاهر الثورة الصناعية:
كان من أهم مظاهر الثورة الصناعية مايلي:
ا -ظهور نظام المصانع الآلية و كبر حجم المشروعات:
بقيام المخترعات العلمية العظيمة في القرن 18 و استخدام الآلة – التي تحركها طاقة - التي كانت على درجة عالية من القوة الإنتاجية, ظهر و ازدهر نظام المصانع الآلية. فقد تمكن أصحاب المصانع و كبار الحرفيين من إقامة الصناعة الجديدة و أصبحوا يمثلون طبقة الرأسماليين, أما صغار أصحاب الحرف فاضطروا إلى العمل في المصانع كعمال مأجورين, و تحولت وحدات الإنتاج في اروبا إلى المصنع الكبير , حيث كان كبر حجم الوحدات الإنتاجية - المصانع – من أهم مظاهر الثورة الصناعية. فبعد أن كان المشروع يستخدم عددا محدودا من العمال. أصبح يوظف المئات , و بمرور الوقت أصبح ألاف العمال يعملون في المصنع الواحد, حيث تشير تقديرات عام 1830 أن عدد العمال في مصانع القطن كان يقدر بحوالي 175 عاملا,و 93 عاملا في مصانع الحرير و 45 عاملا في مصانع الصوف, أما مصانع الحديد فكان يتراوح عدد العمال بها في حدود 1500- 2000 عاملا.
و على المستوى القطري فان السمة الغالبة على الصناعة الألمانية مثلا هي كبر حجم المشروعات فقد قام التوسع الصناعي فيها نتيجة لامتصاص المصانع الكبيرة فيها للمصانع الصغيرة – الاندماج و التكامل و من الأمثلة على دلك شركة krupp في حوض الروهر - ,أما الصناعة في فرنسا فكانت وحداتها تميل نسبيا إلى الصغر. لدلك كان عدد العمال فيها محدودا, و لعل أهم الأسباب الواقفة وراء دلك هو الندرة النسبية للفحم الحجري و تفضيل الفرنسيين التخصص في إنتاج السلع الكمالية التي تحتاج إلى مهارات و فنون إنتاج عالية.
أن تحول الصناعة إلى الصورة الجديدة أدى إلى وجود طبقة اجتماعية جديدة هي طبقة المديرين و دلك بعد أن تعقدت مشكلة إدارة المصانع الكبيرة مما دفع بالمالكين و المساهمين بان يعهدوا إلى أصحاب الخبرة بإدارة مشروعاتهم .
ب - ظهور النزعات الاحتكارية في الصناعة:
لقد أدى تطور وسائل النقل و المواصلات إلى جعل العالم سوقا واحدة يتنافس فيها الكثير من المنتجين من مختلف دول العالم , وقد أدى التنافس بينهم إلى تسابقهم نحو تخفيض الأسعار و هو ما أدى بدوره إلى تخفيض الأرباح بل و تحقيق خسائر في الكثير من الحالات , و هو ما دفعهم إلى التكتل و الاتحاد و عقد الاتفاقيات المختلفة و الدخول في أشكال الترست و الكارتل بقصد القضاء على المنافسة و التحكم في الأسعار و دلك لضمان تحقيق المستوى المنشود من الأرباح, و الواقع أن التكتلات الاحتكارية انتشرت بشكل كبيرخاصة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية و بصورة كبيرة خاصة في كل من ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية .
ففي ألمانيا قامت و ازدهرت نقابات إنتاجية تعرف باسم الكارتل , كان غرضها منع المنافسة بين المنتجين عن طريق عقد اتفاقات خاصة بتوزيع الأسواق و الأسعار و تنظيم الإنتاج – تحافظ الشركات الداخلة في الكارتل على شخصيتها القانونية و استقلالها المالي و الإداري – حيث تقيد حرية و سلطات الشركات بعد انضوائها تحث راية هدا التنظيم الاحتكاري وتوقيعها اتفاقيات , و قد انتشر ت هده الاحتكارات بشكل كبير في صناعة التعدين و الحديد والصناعات الكهربائية و البنوك و أدت هده السياسة إلى كبر بعض المشروعات لدرجة تقترب من الاحتكار الكامل .
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظهرت الاحتكارات في شكل تراست و هو تنظيم عكسي لنظام الكارتل , حيث تفقد المشروعات الداخلة فيه شخصيتها الاعتبارية و استقلالها المالي و الإداري بحيث تندمج الشركات المتعاقدة و تصبح مشروعا واحدا و تحت إدارة موحدة تقوم برسم سياسات الإنتاج و التسعير....... ,و قد سارعت الولايات المتحدة انطلاقا من مبدأ رفض الاحتكار إلى إصدار قوانين لمحاربة التراست - قانون شومان 1890 و قانون كلايتون 1914 - .
3- نتائج الثورة الصناعية:
كان للثورة الصناعية العديد من الآثار و الانعكاسات المباشرة و الغير المباشرة على النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية تقوم بحصرها فيما يلي :
ا :زيادة الثروة القومية لدول اروبا و زيادة قوتها الحربية:
زادت ثروات بلدان اروبا نتيجة للثورة الصناعية و أصبحت الدولة غنية بمصانعها و مناجمها متمتعة بمقدرة إنتاجية عالية , حيث لم يقتصر الإثراء على أصحاب رؤوس الأموال فقط . بل حققت الدولة زيادة كبيرة في إيراداتها من الضرائب المباشرة و غير المباشرة .
و نظرا لما حققته هده الدول من أرباح وفيرة و خاصة انجلترا و فرنسا فإنها وظفت قدرا كبيرا من هده الأموال في زيادة قوتها العسكرية و الحصول على مستعمرات واسعة عادت على اقتصادياتها بمكاسب عديدة .
ب- ارتفاع مستويات المعيشة:
بالرغم من أن الثورة الصناعية زادت من أهمية الآلات و نفود أرباب العمل و كان العامل في الغالب تحت رحمة أصحاب المصانع ,إلا أنها مهدت لتجمع العمال و توحدهم , حيث أصبحوا قادرين على الحصول على أجور و شروط عمل أحسن ما كانوا ليحصلوا عليها لو كانوا متفرقين , و على العموم يمكن القول أن الثورة الصناعية حققت زيادة ملموسة في مستويات المعيشة الحقيقية و دلك عن طريق زيادة الإنتاج الزراعي و الصناعي الذي اغرق الأسواق و نجم عنه انخفاض في الأسعار و بالتالي زيادة المقدرة الشرائية الحقيقية للنقود.
ج- شدة الخلاف بين العمال و أصحاب الأعمال:
في الغالب ينشا الخلاف بين العمال و أصحاب الإعمال من كون العمال الدين تجمعوا حول المصنع و بداو يناقشون أوضاعهم يطالبون بزيادة الأجور و تحسين شروط العمل و من الناحية الأخرى يحاول أصحاب الأعمال الضغط على العمال حتى تزيد أرباحهم و تنمو استثماراتهم , لدلك رأى العمال ضرورة التكتل في النقابات و الاتحادات العمالية التي تدافع عن مصالحهم .
حيث تتعدى مطالبة النقابة أرباب العمل برفع الأجور و تحسين أوضاعهم إلى مطالبة الدولة و إقناعها بسن التشريعات التي تنظم علاقاتهم بأرباب العمل كما تسعى في الغالب النقابات العمالية لدى السلطات من اجل حماية الصناعة أو إعانتها أو رعايتها بأي صورة , لكي تنشط الصناعة و تصبح قادرة على مقابلة مطالب العمال و هده الفكرة الحديثة أمنت بها بعض النقابات و مؤداها أن تحسن مستواهم المعيشي لا يتأتى إلا ادا تقدمت الصناعة .
د- تركز السكان في المدن :
زاد عدد سكان دول اروبا الصناعية بصورة واضحة خلال القرن 19 , كما أن نسبة كبيرة من السكان تركزت في المدن فلقد زاد سكان انجلترا و ألمانيا و بلجيكا ) 1801- 1901( على التوالي من 10.5 إلى 27 مليون و من 20 إلى 56 مليون و من 3.5 إلى 6.5 مليون , كذلك فان سكان المدن في نهاية القرن التاسع عشر كانوا يشكلون ثلثي سكان ألمانيا و ثلاثة أرباع سكان انجلترا و نصف سكان فرنسا .
ه- نمو التجارة الخارجية:
و تعتبر سبب و مظهرو نتيجة للثورة الصناعية , فقد ازدهرت تجارة اروبا الخارجية نتيجة لازدهار صناعتها , و حدث أن أصبحت السمة الغالبة عليها أنها تصدر مواد و منتجات صناعية و تستورد مواد أولية لازمة لصناعتها .
و- زيادة نفود طبقة رجال الإعمال و عظم الدور الذي يلعبه رأس المال.
4 - تطور الزراعة الاروبية:
أن قيام ثورة صناعية في اروبا أدى إلى حدوث تطور كبير على مستوى وسائل و نظم الزراعة الاروبية استحق أن يطلق عليه بالثورة الزراعية, حيث حدث تطور كبير في الزراعة الاروبية في القرن التاسع عشر, و دلك نتيجة لإتباع الوسائل العلمية و تطبيق النظم الجديدة التي تجمعت عن الثورة الصناعية ,حيث أدى اكتشاف الأسمدة الكيمائية و تطوير نظم صرف حديثة و إدخال الآلة إلى العمل الزراعي إلى تقدم و ازدهار الزراعة .
ففي انجلترا و اعتبارا من القرن 18 تحقق الانتقال إلى نظام الزراعة الفردية أو الرأسمالية و تم القضاء نهائيا على نظام الزراعة الإقطاعية و انتشرت المزارع التي تدار بطريقة رأسمالية .و قد مالت الملكيات الزراعية في بريطانيا إلى الكبر و انتشرت المزارع الكبيرة ( و دلك راجع لعدة أسباب أهمها يتعلق بنظام الإرث السائد في بريطانيا و التوسع في حركة التسييج بالإضافة إلى اعتبارات أخرى ) على عكس الزراعة في باقي البلدان الاروبية التي مالت فيها الملكيات الزراعية إلى الصغر – فرنسا مثلا فقد تم الانتقال فيها الى نظام الزراعة الرأسمالية بعد الثورة الفرنسية .
5- الاستعمار و أثاره الاقتصادية:
لقد عرفت الفترة التاريخية اللاحقة للثورة الصناعية قيام موجة استعمارية كبيرة, و يمكن القول أن الثورة الصناعية دفعت إلى انتشار الاستعمار في القرن 19 (يطلق على الموجة الاستعمارية في هده المرحلة بالامبريالية الجديدة ,و دلك بالرغم من أن فكرة التوسع الاستعماري كانت قائمة من قبل, فقد سادت حتى في العهد المركنتيلي و سميت هده الموجة الاستعمارية بالامبريالية القديمة ) , حيث تمكنت الدول الاروبية الصناعية و خاصة فرنسا و بريطانيا من السيطرة على مناطق عديدة من العالم و التحكم فيها بمرونة كبيرة و دلك لان :
1- دول اروبا الصناعية كانت في حاجة ماسة إلى أسواق واسعة لتصريف منتجاتها الصناعية و دلك لتسلط فكرة حدوث إفراط في الإنتاج و عدم قدرة الاستهلاك المحلي على استيعاب كميات الإنتاج الكبيرة ( و قد لخص ج . فييري الوضع في سنة 1885 بقوله بان المستعمرة مركز تصريف) .
2- المستعمرات كانت بمثابة مصدر مهم للحصول على المواد الغذائية و المواد الأولية اللازمة للصناعة .
3- كانت المستعمرات بمثابة فضاء واسع لاستثمار رؤوس الأموال الاروبية, بالإضافة إلى كونها مجالا مهما لتصريف جزء من الفائض السكاني الاروبي .
و كان من نتائج فتح أبواب المستعمرات على مصراعيها أن تهدمت أوضاع الصناعة الحرفية القديمة بداخلها و دلك تحت وطأة منافسة المنتجات الصناعية الاروبية -و الهند المثال الواضح على دلك – و لم تقم في هده الدول صناعات حديثة بدل الصناعات القديمة في مقابل ازدهار و تطور النشاط الأولي سواء في الزراعة أو استخراج الخامات و المواد الأولية ,فقد تدفقت رؤوس الأموال من البلدان الاروبية الاستعمارية – خاصة فرنسا و بريطانيا – لكي تستثمر في إنتاج و تصدير مواد أولية في المستعمرات , و كانت هده التدفقات تتم بدافع الربحية , و حققت بالفعل مكاسب وفيرة لكافة المشروعات الاستثمارية التي عملت بالمجالات المذكورة مما جعل الدول الاستعمارية تحاول تكريس تقسيم دولي للعمل تتخصص على إثره الدول المستعمرة في إنتاج و تصدير مواد أولية,في حين تتخصص الدول الاستعمارية في إنتاج و تصدير مواد صناعية .
و قد كشفت الدراسات الاقتصادية عن الحقائق التالية بشان التخصص في إنتاج السلع الأولية الذي قام في المستعمرات اعتبارا من النصف الأخير من القرن التاسع عشر و ظل قائما حتى حصلت هده الدول على استقلالها بل و إلى الآن في غالبية الدول :
1- معظم المكاسب التي تحققت نتيجة للاستثمار في القطاع الأولي داخل المستعمراتكانت تتركز في أيدي أصحاب المشروعات الغربية بينما دهب الجزء الأصغر منها إلى سكان المستعمرات .
2- أن أصحاب المشروعات الغربية قاموا سواء بإعادة استثمار إرباحهم في نفس النشاطات الأولية أو قاموا بتحويل إرباحهم إلى أوطانهم الأصلية.
الوقائع الاقتصادية خلال القرن العشرين
أزمة الكساد الكبرى 1929
تمهيد:
لقد بدا العالم الاقتصادي الناشئ عن الثورة الصناعية واثقا من قوته حيث لم يعرف في دلك الوقت طوارئ أزمات كبيرة و ساد في القرن التاسع عشر جو من التفاؤل و الرفاه و دلك باستثناء بعض الأزمات التي ضربت بعض البلاد الاروبية و نذكر منها ,أزمة1816التي انطلقت في بريطانيا و سماها دافيد ريكاردو أزمة إعادة التحويل . وأزمة 1825التي نشأت في لندن , و أزمة 1873التي نشأت في كل من في ألمانيا و الولايات المتحدة و انتقلت إلى باقي دول العالم الرأسمالي .
1-الوقائع الاقتصادية السابقة لازمة الكساد الكبرى:
امتازت الفترة التي سبقت الكساد العالمي بمظاهر رئيسية يمكن إجمالها في ما يلي :
توسع في الإنتاج و التجارة بوجه عام حيث شهدت الفترة التي سبقت الكساد الكبير (1925-1929)توسعا في الإنتاج و التجارة, ليس فقط في اروبا بل في العالم كله ففي هده الفترة ارتفع الإنتاج العالمي من المواد الغذائية و المواد الأولية بمقدار 11بالمائة و السلع الصناعية بمقدار 26 بالمائة بالإضافة إلى التوسع في حجم التجارة الخارجية الذي وصل إلى 19 بالمائة-( فألمانيا مثلا عرفت ابتداءا من سنة 1926توسع و رخاء اقتصادي كبير و دلك بعد تمكنها من معالجة الاختلالات النقدية التي كانت تعاني منها, فيحين لم تعش بريطانيا نفس الحالة من الرخاء الاقتصادي و دلك لأنها كانت تعاني من ركود اقتصادي نسبي حتى قبل الأزمة ) - و يرجع هدا الاتجاه العام –( الانتعاش )- الذي عرفه الاقتصاد العالمي إلى الانتعاش الاقتصادي النسبي الذي عرفه الاقتصاد الأمريكي في هده الفترة – بل و قبلها – ( نظرا لضخامة الاقتصادالأمريكي سواء من حيث الإنتاج أو التجارة فان حركات النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية لها أهمية بالغة و تأثير كبير على النشاط الاقتصاديفي الدول الأخرى ),بالإضافة إلى القروض الأمريكية الضخمة المقدمة للدول الأجنبية المختلفة و خاصة ألمانيا و النمسا بالإضافة إلى عوامل أخرى أهمها :
خفت حدة التوتر السياسي الذي نتج عن الحرب العالمية الأولى,أضف إلى دلك قيام محاولات في مختلف الدول لخلق استقرار نقدي داخلي مع محاولة تحرير التجارة الخارجية من القيود المفروضة عليها.
أما فيما يخص الاقتصاد الأمريكي فقد بدأت حركة الرخاء الاقتصادي مبكرة و ترجع إلى سنة 1922 و استمرت هده الأخيرة إلى سنة 1929 و كان من أهم العوامل التي ساهمت في خلق رخاء اقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية دلك النشاط الكبير في صناعة البناء فحركة الانتعاش التي سادت صناعة البناء تسربت إلى قطاعات الصناعة الأخرى.
و كانت موجة الاختراعات و التجديدات التي وضعت موضع النتفيد بعد الحرب العالمية الأولى من العوامل الأساسية الدافعة للنمو – ( الرخاء – التوسع ) – في الفترة السابقة للكساد الكبير, حيث ساهمت هده التجديدات و الاختراعات في التوسع الصناعي من ناحيتين :
1- التوسع في إنتاج سلع قائمة بتكاليف منخفضة .
2- خلق سلع جديدة كان أهمها : التوسع في إنتاج السيارات و هو ماشجع التوسع في إنتاج السلع و الخدمات المكملة كالتوسع في إنتاج زيوت البترول و المطاط و الصلب و بناء الطرق ,و من السلع التي ظهرت بكثرة السلع الكهربائية المنزلية و غيرها من السلع الكهربائية الحديثة .
مع العلم أن الرخاء الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة الأمريكية لم يشمل جميع أوجه النشاط الاقتصادي و دلك للتراجع الملحوظ الذي كان يحققه القطاع الزراعي في تلك الفترة.
هدا وقد عرفت البورصات و خاصة في الولايات المتحدة موجات كبيرة من المضاربات في الأوراق المالية و دلك كنتيجة لسيادة حالة من التفاؤل في ظل الرخاء و التوسع الاقتصادي الذي كان يعرفه الاقتصاد الأمريكي.
فأسعار الأوراق المالية كانت في ارتفاع مستمر . ففي بداية الأمر كان الارتفاع في أسعار الأوراق المالية قائما على أساس اقتصادي سليم و يعكس الارتفاع الحقيقي في معدلات الإرباح التي تحققها الشركات التي أصدرت تلك الأوراق المالية المتداولة في البورصة,و لكن بعد دلك تمادى المتعاملون في تفاؤلهم و أخد التعامل في البورصة ياخد صورة مضاربة حامية , حيث اخدت الزيادة في الطلب على الأوراق المالية تعقبها مباشرة زيادة في أسعارها إلى أن وصلت أسعار الأوراق المالية إلى مستويات خيالية ( و هنا حاولت السلطات وضع حدلموجة المضاربات و دلك عن طريق وضع قيود على حجم القروض التي يحصل عليها المضاربون و لكنها باءت بالفشل ).
2-الأزمة:
تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوربية ما عدا الاتحاد السوفيتي إلى كساد اقتصادي كبير استمر من عام 1929 إلى غاية1933 و تشير الحقائق أن الولايات المتحدة الأمريكية هي مركز انطلاق الأزمة لتنتقل فيما بعد إلى بقية دول العالم.
فبعد أن عرفت أسعار الأوراق المالية في بورصات الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعا كبيرا و مضطردا بدأت أسعارها تاخد اتجاها عكسيا ( اتجاها نزوليا) و بدلك تحول اتجاه أسعار الأوراق المالية إلى الانخفاض المستمر اعتبارا من شهر سبتمبر سنة 1929, و قد رحبت السلطات النقدية في البداية بانهيار أسعار الأوراق المالية اعتقادا منها بان هدا الانخفاض سوف يؤدي إلى عودة أسعار الأوراق المالية إلى مستوياتها الطبيعية , و لكن الانهيار تواصل ليدخل بعدها الاقتصاد الأمريكي في مرحلة من الكساد الاقتصادي لم يشهد لها الاقتصاد الرأسمالي مثيلا في الأزمنة الحديثة , حيث اخدت مستويات الإنتاج و العمالة في الهبوط المستمر حتى بلغت أدنى مستوياتها في عام 1932 .
اختلفت أراء الاقتصاديين حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور الانتاج و العمالة في الولايات المتحدة , دلك التدهور الذي كشف عنه انهيار سوق الأوراق المالية و ساعد على حدته , و لكن ما من شك أن هناك عوامل حقيقية يتفق عليها معظم الاقتصاديين و هو انه في الفترة السابقة للكساد الكبير حقق النشاط الاقتصادي مستويات قياسية و وصل الإنتاج و الاستثمار إلى درجة التشبع بمعنى أن ضاقت منافذ الاستثمار و بلغت الطاقة الإنتاجية في الصناعة حدا اكبر مما يستوعبه السوق , فصناعة السيارات مثلا كانت طاقتها الإنتاجية في عام 1929 اكبر بكثير من مقدرة السوق على استيعاب منتجاتها و بالمثل في صناعات أخرى كصناعة الأدوات الكهربائية المنزلية و صناعة المباني , و بلغة بسيطة كان هناك فائض في الإنتاج الصناعي أي أن العرض اكبر من الطلب و هدا ما يعني انخفاضا كبيرا في الاسعار و انخفاضا في الأرباح......
-3تسرب الكساد من الولايات المتحدة الأمريكية إلى اروبا و الدول الأخرى:
لقد تسرب الكساد من الولايات المتحدة إلى دول اروبا و دول العالم الأخرى و اثر في اقتصادياتها تأثيرا بليغا . و هدا يرجع إلى الأهمية الكبيرة التي يحتلها الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي نظرا لضخامة إنتاجه بالإضافة إلى الحجم الكبير الذي تحتله تجارته الخارجية في التجارة العالمية . فتراجع النشاط الاقتصادي الأمريكي أدى بالضرورة إلى هبوط حجم المشتريات الأمريكية من منتوجات الدول الأجنبية بالإضافة إلى تقلص حجم القروض و الإعانات التي كانت الدول الأجنبية و خاصة الاروبية تحصل عليها من الاقتصاد الأمريكي حالة.حيث ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية إلى سحب جزء كبير من رؤوس أموالها الموجودة باروبا فخلق هدا حالة من الذعر المالي الملي كان له اثر بالغ الأهمية خاصة في ألمانيا و النمسا . أما الدول الأخرى خارج القارة الاروبية فقد تأثرت كثيرا و خاصة أن معظمها دولا تنتج و تصدر مواد و دلك لانخفاض أسعارها نتيجة انخفاض الطلب عليها .
و نعطي فيما يلي صورة عن مدى التدهور الحاصل في النشاط الاقتصادي اثر الكساد الكبير :
1- ففي الولايات المتحدة الأمريكية تراجع الإنتاج الصناعي في سنة 1932 ليقارب نصف مستواه في عام 1929 و بلغ عدد المتعطلين فيها أكثر من ثلث القوة العاملة.
2- في ألمانيا و هي دولة صناعية رئيسية انخفض إنتاجها الصناعي في عام 1932 إلى ما يعادل 40 بالمائة من مستواه عام 1929 و بلغ عدد المتعطلين فيها حوالي 30 بالمائة من القوة العاملة.
3- في انجلترا كان وقع الكساد على اقتصادها اخف نسبيا مقارنة مع كل من الولايات المتحدة و ألمانيا و دلك على اعتبار أن هده الأخيرة كان اقتصادها يعاني من ركود نسبي حتى قبل الأزمة .
4- في فرنسا كان وقع الكساد كبيرا على اقتصادها . حيث انخفض إنتاجها الصناعي بمقدار 30 بالمائة سنة 1932 مقارنة بمستواه سنة 1929 و كان انتشار البطالة فيها بطيئا نوعا ما و مع دلك كان في عام 1932حوالي 20 بالمائة من عمالها متعطلين.
5- و كان وقع الكساد على الدول التي تنتج و تصدر مواد أولية و زراعية حاد جدا و هدا لانخفاض أسعارها ففي مصر مثلا حدث انخفاض كبير في حجم صادراتها نتيجة لانخفاض أسعار القطن بصفته سلعة التصدير الرئيسية لديها في دلك الوقت .
4-الأوضاع الاقتصادية بعد عام 1933
كانت الأوضاع الاقتصادية في اروبا و أمريكا و الدول الأخرى في تحسن مستمر بعذ 1933. بعد أن وصلت مستويات الإنتاج و العمالة إلى أدنى حد ممكن سنة 1932.و انعكس هدا التحسن في الارتفاع التدريجي في حجم التجارة و الإنتاج و انخفاض في عدد العاطلين عن العمل و قد اختلفت درجة التحسن من دولة إلى أخرى كما اختلفت درجة تعرض هده الدول للازمة.حيث كان التحسن الاقتصادي سريعا في السويد و انجلترا و ألمانيا و كان بطيئا نوعا ما في فرنسا و الولايات المتحدة .
و هدا الانتعاش الاقتصادي ( التحسن ) يمكن إرجاعه إلى مجموعة من العوامل.
المجموعة الأولى. تتلخص في المجهودات الحكومية التي بدلت عن طرق تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية .
أ- فالولايات المتحدة باختصار انتهجت حكومتها لتفادي الأزمة ما أطلق على تسميته في تلك الفترة سياسة العهد الجديد ( العجز اليوم يخلق الفائض غدا) أنفقت حكومتها مبالغ ضخمة في إقامة مشاريع عامة تستوعب العمال المتعطلين نتيجة الكساد و بالتالي ضخ دخول جديدة تساهم في خلق طلب جديد . بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار عن طريق تخفيض معدلات الفائدة. كما قامت بإدخال بعض برامج المساعدات الاجتماعية . كما دعمت المزارعين من اجل المحافظة على دخولهم بالإضافة إلى إجراءات أخرى .
ب- أما انجلترا فقد قامت بعقد معاهدات تجارية بغرض توسيع الأسواق الخارجية أمام المنتجات الانجليزية . تعمل على إثرها المنتجات البريطانية معاملة تفضيلية في هده الأسواق بالإضافة إلى تخفيض قيمة الجنيه الإسترليني. كما قامت الحكومة بتشجيع الاستثمار عن طريق تطبيق سياسات مالية و نقدية .
ت- أما في ألمانيا فقد حدث تحسن و دلك راجع أساسا إلى توجيه النشاط الاقتصادي الذي اتبعته الحكومة الألمانية و للتوسع في الإنتاج الحربي الذي استوعب الكثير من العمال العاطلين عن العمل.
المجموعة الثانية: من العوامل التي دفعت إلى التحسن هي ما يمكن أن نطلق عليها عوامل التحسن التلقائي, أي أن الكساد الذي يصيب الدول الرأسمالية و التي تتبع أنظمة اقتصادية حرة لابد و أن يتبعه تحسن تلقائي في أوجه النشاط الاقتصادي,فمن مظاهر النظام الرأسمالي تعاقب فترات الكساد و الانتعاش فعندما يحدث كساد تنخفض الأرباح و ترتفع معدلات البطالة و تنخفض الأسعار و تفلس اغلب المؤسسات و تتزعزع ثقة رجال الأعمال بالمستقبل و يخشون المخاطرة الاقتصادية و لا يقدمون على انشاء مشاريع جديدة و هكذا تستمر حلقة الانكماش حتى تصل إلى مستويات دنيا . و لكن بعد أن يبلغ الحال أشده يبدأ رجال الأعمال في الاقتناع بان الأسعار سوف لن تهبط إلى أدنى ما وصلت إليه و أن الوقت قد حان لان تبدأ فترة النهوض الاقتصادي و هنا تبدأ نظرة رجال الأعمال إلى المستقبل بالتحسن ( التفاؤل ) و يبدءون بالتالي في معاودة نشاطهم المعتاد و أن كانوا يعودون بحذر و بطئ , عير أن الاتجاه العام النشاط الاقتصادي يكون صعوديا خاصة ادا كانت سياسة الحكومة رشيدة تحفزهم و تبعث عوامل الثقة فيهم .
تدهور مذهب الحرية الاقتصادية و زيادة التدخل الحكومي:
لقد وجدت الدول الصناعية سواء الولايات المتحدة أو ارويا أن مصلحتها القومية تقتضي تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي. فنتيجة للكساد الكبير زاد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ( تقييد الحرية الفردية ). و لم يقتصر التدخل الحكومي بدرجاته المختلفة على الحقل الصناعي بل تعداه إلى حقول التجارة و المال و علاقات العمال برجال الأعمال .
حيث أن انتشار مبادئ التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية جاءت كنتيجة لفقدان الثقة تماما في كفاءة النظام الحر على تحقيق اكبر قدر من الإنتاج و العمالة. لدا أصبح على عاتق الحكومة أن تقوم بمجموعة من الوظائف التي لم تمار سها من قبل . فلم تعد وظائف الحكومة تقتصر على حماية الملكية و تحقيق العدالة و صد العدوان الخارجي بل أصبحت تتعداها إلى مجموعة من الوظائف الاقتصادية و الاجتماعية