السلام عليكم
تجد في هذا الرد درس العدالة لكن حسب النظام القديم
محور:إشكـــــــــالية العدل.
درس:مفهوم القانون(الحق و الواجب).
التمهيد: تقوم المسؤولية على الإلزام الداخلي و الخارجي, فكلما ألحقنا ضررا بالغير نتحمل نتائج هذا الفعل وفقا للقوانين التي يسير عليها المجتمع, و هذا التلازم (بين الفعل و العقوبة)يعبر عنه بالقانون فما المقصود به؟
مفهوم القانون: ا/المفهوم اللغوي:تلتقي الكلمة العربية مع اللفظة اليونانية"canon"و تدل علي معيار يقاس عليه أو يعمل به.
ب/المفهوم الاصطلاحي:عرفه "لالاند"«هو مجموعة قواعد إلزامية عامة و ثابتة نسبيا هدفها تنظيم النشاط الإنساني من الخارج»أي هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات الاجتماعية و تلزم الأفراد بإتباعها و إلا تعرضوا للعقوبة.كما يعني النظام الذي يمشي عليه المجتمع أو الكون.
ج/أنواع القوانين:يمكن تقسيم القوانين إلى ما يلي:
1/القانون الطبيعي:و هو النظام الذي يخضع له الكون و الذي تبحث عنه العلوم الطبيعية.
2/القانون الديني:و يتمثل في مجموعة الأوامر و النواهي الشرعية التي فرضها"الله"على عباده.
3/القانون الأخلاقي:مجموعة القواعد و القيم ذات الطابع الخلقي التي يشعر الفرد أنه ملزم بها بضغط من سلطة داخلية متمثلة في الضمير.
4/القانون الوضعي:أي القواعد التي يشرعها الإنسان قصد تنظيم حياته الاجتماعية و يلزام الأفراد بها كما تهدف إلى تحديد الحقوق و الواجبات.
1 مفهوم الحق: ا-التعريف اللغوي:يعني الشيء الثابت الذي لا يسوغ إنكاره.
ب المفهوم الاصطلاحي:«هو كل ما خوله القانون للفرد من مكاسب مادية أو معنوية يمكن المطالبة بها أو الدفاع عنها»و تنقسم الحقوق إلى:
1 الحقوق الطبيعية:و هي الصادرة عن الطبيعة البشرية يعتبرها البعض فطرية كحق الاستقرار و الغذاء و الحرية و حفظ الكرامة الإنسانية...
2 الحقوق الاجتماعية:و هي التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع مثل:الحق في السكن و التعلم و الرعاية الصحية...
2 مفهوم الواجب: يطلق علي ما يجب فعله و يمنع تركه, وهو قائم علي فكرة الإلزام, لأنه أوامر مطلقة صادرة عن سلطة عليا(الله الضمير المجتمع).
ب أنواع الواجبات:-ا- الواجب الديني:و يتمثل في كل الأوامر و النواهي الشرعية الصادرة من سلطة "الله".
ب الواجب الأخلاقي:و هو كل ما يطالب به الضمير أي وجوب مطابقة أفعال الفرد للقيم الخلقية كالصدق و الأمانة...
ب الواجب الاجتماعي:و هو ما يطالب به المجتمع و يكون في صيغة أوامر و نواهي و الخروج عنها يؤدي إلى التعرض للعقوبة.
محور:إشكاليـة العـدل.
درس:العدالة الاجتماعية.
التمهيد: احترام الحقوق و القيام بالواجبات يؤدي إلى تنظيم الحياة الاجتماعية و تحقيق العدالة فما معنى العدل؟و على أي أساس نقيم العدالة الاجتماعية؟
1/مفهوم العدل(العدالة):للعدل عدة مفاهيم منها:ا/المعنى اللغوي:العدل ضد الجور و الظلم و يعني الاستقامة و التجرد من العواطف و الأهواء و الميل مع الحق.
ب/المعني الخلقي:صفة خلقية و فضيلة سامية و مثل أعلى يجب على الفرد والمجتمع تحقيقه.
ج/المعني الاجتماعي:*قانوني:إرجاع الحقوق لأصحابها و ردع المعتدين عليها.*اجتماعي:إحداث التناسب بين الحقوق و الواجبات و المساواة بين أفراد المجتمع و محاربة الظلم و الجور.لكن الفلاسفة اختلفوا في الأساس الذي ينبغي أن نقيم عليه العدالة الاجتماعية فهل نساوي بين الناس أم نراعي التفاوت الموجود بينهم؟
1/أصحاب التفاوت: يرى بعض الفلاسفة أن العدالة لا تتحقق إلا باحترام الفوارق الطبيعية و الاجتماعية الموجودة بين الناس و يمثل هذا الموقف قديما"أفلاطون"و حديثا"نيتشه" و الدليل على ذلك:
*فالعدالة فضيلة خلقية تتجلى على المستوى الفردي و الاجتماعي, فالإنسان العادل هو الذي يتحكم عقله في قوته الغضبية و الشهوانية, أما على المستوى الاجتماعي فالعدالة الحقيقية تكمن في وجود نظام سياسي و اجتماعي مقسم إلى طبقات بحيث يحكم الفلاسفة طبقة الجند و عامة الناس, لأنهم يمثلون العقل أما الجند فيمثلون القوة الغضبية أما عامة الناس فيمثلون القوة الشهوانية, من هذا يبدو جليا أن العدالة تقوم على أساس احترام التفاوت لا المساواة.
*و من جهة أخرى يؤكد الواقع علي وجود تباين بين الناس في مواهبهم و قدراتهم و مجهوداتهم لذا فمن الظلم أن نساوي بينهم مثال ذلك:لو منح الأستاذ نفس النقاط لطلبة صف واحد دون أن يراعي التباين بين الطلبة من حيث المجهودات والأعمال...لاستهجنا منه هذا العمل لأن فيه ظلم.
*و لنا في الواقع أمثلة أخرى حيث نلاحظ أن الناس يتفاوتون من حيث القوة و الضعف لذا يجب أن يحكم القوي الضعيف و يسير شؤونه و لعل العودة إلى التاريخ تؤكد ذلك بل الأمر نفسه في عالم الحيوان (الحيوانات التي تعيش في مجموعات يسيرها و يسيطر عليها الأقوى).
*ليس هذا فحسب بل هناك ديانات تقر نظام الطبقات و ترى في ذلك عدلا مثل الديانة البرهمية(بالاعتماد علي النسب)إذ لا يعقل عند هؤلاء أن يحكم الوضيع في الأعلى منه نسبا و شرفا.
نقد: أول ما يلاحظ على هؤلاء أنهم يقيمون التفاوت الاجتماعي على التفاوت الطبيعي بطريقة غير مشروعة حيث يتعارض ذلك مع العدل لأن مثل هذه الدعوة كانت سببا في التوسع الاستعماري و ما لزم عنه من نتائج فضيعة(كالتخلف و القهر و الفقر و الجهل...)زد على ذلك التمييز العنصري و الاستغلال و هذا كله يدل على أن العدالة لا يمكن أن تتأسس على هذا المعيار.
2/أنصار المساواة:
ا/التصور القديم: يرى أنصار هذا الموقف أن العدالة لا تتأسس إلا على المساواة و يمثل هذا الموقف قديما"أرسطو"حيث عمد إلى تقسيم العدل إلي ما يلي:
1 العدل في المبادلة:أي التساوي بين ما يأخذه الإنسان و ما يعطيه.
2 العدل في التوزيع:المساواة في توزيع الثروات وفقا لما يبذله الفرد من مجهودات و حسب كفاءته و ما أنتجه.
3 العدل في القصاص:المساواة بين العقوبة و الجريمة.إذ يقوم هذا التصور على مسلمة عبر عنها الحكيم الروماني"شيشرون"«إن الناس سواسية لا من حيث ملكاتهم العقلية و كفاءاتهم و إنما لأن لهم طبيعة بشرية واحدة».
نقد: ما يحمد لهذا التصور طابعه الإنساني الذي ساوى بين الناس رغم الفوارق الموجودة بينهم لكن المساواة المطلقة فيها إجحاف و ظلم هذا من جهة و من جهة أخرى يبدو أن"أرسطو"لم يتفطن للطابع الاجتماعي السياسي للعدالة حيث لا يمكن تحقيقها إلا في ظل نظام متكامل مثل الذي حلم به"أفلاطون" في كتابه "الجمهورية".
ب/التصور الحديث: يعتبر "كارل ماركس"من أهم الفلاسفة الذين شغلتهم مسألة العدالة حيث قدم مشروعا سياسيا و اقتصاديا يكفل العدالة الاجتماعية و هذا ما يعرف بالنظام الاشتراكي فالعدالة لا تتحقق إلا وفقا للمبادئ التالية:
1/يجب أن يتحول المجتمع إلى النظام الاشتراكي الذي يعني اشتراك أفراد المجتمع في ملكية وسائل الإنتاج و القضاء على الملكية الفردية.
2/مكافحة الاستغلال:فالعدل يحقق التناسب بين الجهد المبذول و ما يناله صاحب الجهد,أما الاستغلال هو أخذ جهد الغير.
3/الاستحقاق و الكفاية:أي توزيع ثروات المجتمع بالعدل و ذلك بمراعاة طبيعة جهوده و حاجاته«لكل حسب جهده و لكل حسب عمله».
4/تكافؤ الفرص:يجب أن تتاح لجميع أفراد المجتمع فرص متساوية لإظهار مواهبهم و استغلال كفاءاتهم و أن لا نفاضل بينهم بالجنس و اللون أو النسب...
نقد:رغم التصور المتكامل الذي قدمه"ماركس"إلا أنه يلاحظ عليه التركيز على الأسس المادية لتحقيق العدالة خاصة من الناحية الاقتصادية إلا أن هذا لم يمنعه من الوقوع في أخطاء فالقضاء علي الملكية الفردية فيه إجحاف و تعدي على حق طبيعي للإنسان"حق التملك"كما أن الواقع يطالعنا بفشل الدول الاشتراكية في تحقيق العدالة التي يزعمون أنها حقة.
3/الإسلام و العدالة الاجتماعية: يقيم الإسلام العدالة الاجتماعية على مبدأ المساواة لكنه لا يسقط في التطرف حيث يراعي الفوارق الموجودة بين الناس كما أنها تأخذ بعدا أخلاقيا لا مادي فحسب,فالناس متساوون أمام الله و أمام شريعته حيث يقول تعالى«يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة...» كما أن هناك أحاديث نبوية تقر هذه المساواة لأن الإسلام يحترم الكرامة الإنسانية و الطبيعة العاقلة التي تميزه و يظهر تميز الإسلام في المعيار الخلقي الذي يفاضل به بين الناس «التقوى» (الأمر الذي يؤكد الطابع الروحي و الخلقي للتصور الإسلامي)لكن من الناحية الواقعية يراعي الإسلام التفاوت الموجود بين الناس من حيث الاستعدادات و المجهودات...كما أنه قاوم بشدة الاستغلال و الطبقية و شدد على العدل في التوزيع و أقر مبدأ تكافؤ الفرص...و دعم ذلك كله بالدعوة إلى الإحسان و الأخوة و الرحمة الأمر الذي يتجاوز العدالة الموضوعية القانونية التي دعت إليها التيارات الفكرية الحديثة حيث يقول تعالى«إن الله يأمر بالعدل و الإحسان...»