في يوم (04 سبتمبر1989) ومنذ 19 سنة، لم تكن الأجواء عادية في مدينة سطيف إثر انتشار خبر وفاة المرحوم مختار عريبي مدرب وفاق سطيف، بعد صراع مع المرض (على مستوى الأذن اليسرى)، منذ شهر ماي من تلك السنة (1989)، وكانت الأجواء محزنة للغاية في “الفوارة”، كيف لا، والوفاق فقد أحد ركائز عزته خاصة في تلك السنوات التي اتسمت بتتويجات وطنية وقارية، وجعلت لمدينة سطيف رموزا ثلاثة (عين الفوارة، سيدي الخير ووفاق سطيف)، لذلك كان رحيل “عمي المختار” مؤثرا للغاية في كل المدينة ونواحيها، خاصة وأنه صنع مجدا حقيقيا للكحلة، التي مكّنها كمدرب من نيل: كأس الجمهورية لسنوات (63، 68 و80)، بطولة الجزائر (68 و87) وكأس إفريقيا 1988، وحتى الكأس الأفرو آسيوية (جانفي 1990)، وكأس الجمهورية (جويلية 1990) يعتبرهما المختصون ببصماته، لأنه ترك تشكيلة قادرة بعد وفاته•
“ما تبكيش يا زرفان، دموعك سالت وديان”
وسارت جنازة المرحوم إلى مثواه الأخير، بمقبرة سيدي الخير في الخامس سبتمبر، ولاعبو الوفاق يحملون نعشه وهم بلباسهم الرياضي، تماما كما أوصى به عريبي قبل وفاته، وسط أجواء حزن وحداد جماعي، كيف لا والوفاق فقد أحد ركائزه، وبعد أيام من وفاته أصدر المطرب السطايفي بشير عبد الغني (صاحب أغنية سيدي الخير وعامر لحرار) شريطا غنائيا يصف فيه مظاهر الحزن التي عمت مدينة سطيف عقب وفاة عريبي، ومن مقاطعها “ما تبكيش يا زرفان دموعك سالت وديان”•
الكرة أنسته حتى الزواج
وإذا كان المرحوم عريبي قد فارق الدنيا في سبتمبر 1989 عن عمر يناهز 65 سنة، فإن مولده كان سنة 1924 في مدينة سطيف، وإنضم إلى إتحاد سطيف كلاعب وعمره 18 سنة، وكان أبرز لاعبي USFMS (الياساماس حاليا) قبل أن يتصل به مسؤولو مولودية العاصمة التي لعب لها موسمين، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية فاز بعقد إحترافي مع نادي “سات” الفرنسي (الذي إلتحق به فيما بعد مخلوفي وكرمالي) الذي حصل معه عمي المختار على كأسين فرنسيتين في سبع سنوات، ليغادره بعد سقوطه إلى القسم الثاني إلى “كان” لمدة سنتين، ثم “لانس” الذي احتل معه المرتبة الثانية في بطولة فرنسا، وفي 1954 لعب في منتخب شمال إفريقيا إلى جانب المغربي العربي بن بركة، السعيد براهيمي ومحجوب، بوبكر، أمام منتخب فرنسا، ليتعاقد في سنة 1955 مع نادي حمام الأنف التونسي كلاعب ومدرب لموسم واحد، عاد بعدها إلى أفينيون الفرنسي كمدرب ولاعب أيضا حتى سنة 1958•
في 1958•• “الهربة تسلك”
وفي 1958 كان المرحوم من اللاعبين الذين اتصلت بهم جبهة التحرير الوطني، لتشكيل منتخب “الأفلان” فلبى النداء واتصل باللاعبين الجزائريين الذين يلعبون في الأندية الفرنسية، وكان من بينهم خمسة لاعبين مدعوين للمنتخب الفرنسي الذي كان سيشارك في نهائيات كأس العالم حينها (السويد 1958)، ليكون الجميع على موعد مع الفرار من فرنسا إلى سويسرا عبر القطار، قبل أن يتنقلوا إلى تونس، وتركت عملية الهروب الجماعي للاعبين الجزائريين ضجة في الصحافة الفرنسية، وساهم منتخب “الأفلان” في جمع الملايير للثورة الجزائرية، إلى درجة أحست معها فرنسا بالخطر، وطلبت من “الفيفا” إيقاف مقابلات “الأفلان”، عقب مشاركة هذا الأخير في دورة ودية جمعته بفريق “بوتافوقو البرازيلي” ومنتخب يوغسلافيا الوطني•
قصته مع الوفاق بدأت في تونس
ومهما كان عدد الفرق التي لعب لها عريبي رحمه الله، ودربها كاتحاد سطيف (منتصف الثمانينيات)، ملعب سطيف (63 / 64) النادي السفاقصي التونسي 1965، المنتخب الوطني الليبي 69 و70 ومنتخب الجزائر للأواسط الذي قاده إلى نهائي كأس فلسطين الثانية (سنة 1985)، إلا أن مختار عريبي ارتبط اسمه بوفاق سطيف ارتباطا كبيرا منذ اللقاء الأول بين عريبي و”الكحلة” الذي تم في العاصمة التونسية على هامش مشاركة الوفاق في دورة نظمها مستقبل المرسى التونسي يومي 15 و16 سبتمبر 1962، وكان الوفاق يومها دون مدرب وتم الإتفاق مع عريبي الذي أعجب بالفريق، وحصل معه بعد سبعة أشهر فقط، على أول كأس للجمهورية، وبذلك كان مشوار “عريبي-الكحلة” قد بدأ في سبتمبر 1962 وانتهى في سبتمبر 1989 (27 سنة بالتمام والكمال)•
كان يدرب الوفاق “دالة بدالة” مع كرمالي
والمعروف عن الوفاق إلى غاية نهاية الثمانينيات، أنه لم يشرف على حظوظه سوى المدربين الهادي بن محمود، بن كنيوار والبلغاري فيكور والروسي بيلوف، لكن لفترات وأشهر قليلة فقط، لأن تدريب الوفاق آنذاك كان يتم بالتناوب بين مختار عريبي وعبد الحميد كرمالي، وإذا لم يكن المدرب كرمالي مع الوفاق فإن عريبي هو المدرب، والعكس، ودام هذا الحال طويلا، وحتى السنوات الأخيرة لوفاة عريبي -رحمه الله- أين درب عريبي الوفاق في 79 / 81 ، ثم كرمالي (81 / 83) ثم عريبي (83 / 84) فكرمالي (84 / 86)، فعريبي من بداية موسم (86 / 87) إلى غاية وفاته في سبتمبر 1989، وأصبح اسم عريبي وكرمالي الأكثر ارتباطا بأسطورة “كحلة وبيضاء”•
الوفاق وأسطورة النفس الثاني
وإذا كانت كرة القدم والوفاق خصوصا قد أنسيا المرحوم حتى في نفسه، حيث أنه عاش 65 سنة دون حتى أن يتزوج، إلا أنه ترك للسطايفية أسطورة حقيقية، تتمثل في النفس الثاني للكحلة التي كانت تفوز في كل مقابلاتها خلال الأشواط الثانية، والأوقات الإضافية للمقابلات الخاصة بالكأس، إلى درجة حيرت المتتبعين، وأدت بالصحفي حميد فرين من يومية آفاق إلى تأليف كتاب بعنوان: “l entente, la l egende du second soufle” وهو ما يراه “السطايفية” قد عاد هذه الأيام مع كرمالي، إذ حققت “الكحلة” انتصارين متتاليين، أمام مولودية الجزائر وشبيبة بجاية في الأشواط الثانية•
“ما يلعبش بالـ footing تاع الخامسة صباحا”
ويرجع المتتبعون لمسيرة الوفاق مع عريبي سر النفس الثاني إلى التدريبات الخاصة التي يجريها الفريق مع المختار، وأهمها حصة الجري الصباحي (الخامسة صباحا) والتي لم يكن يسمح فيها بالغياب لأي لاعب مهما كانت مبرراته، حيث كان -رحمه الله- يقوم بنفسه بتتبع لاعبيه وهم يجرون بجدية، وذلك من خلال سيارته•
كان مدربا حتى على الأنصار
إضافة إلى صرامته مع اللاعبين، كان المرحوم عريبي مدربا حتى على أنصار الوفاق في ملعب 08 ماي، إذ أنه في سنوات مجد وعزة الوفاق، ولما كانت مدرجات 08 ماي تهتز على وقع شتائم الأنصار، كانت تكفي وقفة منه نحو المدرجات لإسكات الجميع، وبعث الهدوء والسكون في كامل أرجاء الملعب (الناس كامل تسكت)، عكس ما يحدث اليوم حيث يخبئ المدربون رؤوسهم في مقعد الاحتياط بمجرد بدء الجمهور بالسب•
لافتة “لن ننساك أبدا ياأبانا الروحي مختار لعريبي”.
في أول لقاء لعبه في 08 ماي 1945 أي بعد وفاته (أمام شباب بلكور موسم 89 / 90) رفع لاعبوا وفاق سطيف ومن بينهم الرئيس الحالي عبد الحكيم سرار راية كبيرة كتب عليها: “لن ننساك أبدا يا أبانا القدير مختار لعريبي”للدلالة على أنك ستبقى في قلوبنا ونبقى نتبع إرشاداتك الصائبة من أجل جعل النادي في مصاف الكبار.