بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الأمّة الإسلامية مكلّفة بتحقيق العدالة في الأرض، وهذا التّكليف يوجب على المسلمين أن يكافحوا الظلم والبغي حيث كان ويزيلوا أسبابه، لا ليملكوا الأرض ويستولوا على المرافق، ويستذلوا الأنفس بل لتحقيق كلمة الله في الأرض خالصة من كل غرض. قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة: .244 وقال أيضًا: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حقَّ جِهَادِهِ} الحج: .78
وسبيل الله هو سبيل الحق، فكل قتال لأجل الدِّين والدفاع عنه هو في سبيل الله وكلّ قتال لدفع الظلم ومعاونة المظلومين ضدّ الظالمين ونُصرة الحق هو من القتال في سبيل الله، وكلّ طريق للوصول إلى الحق أو حمايته أو الدفاع عنه في سبيل الله سبحانه وتعالى.
فالإسلام في جهاد دائم لا ينقطع أبدًا لتحقيق كلمة الله في الأرض أي لتحقيق النظام الصالح الّذي يسعد البشرية، والأمّة الإسلامية منتدبة لرفع الظلم عن الأفراد والجماعات في أقطار الأرض كافة بقطع النظر عن ألوانهم وأجناسهم وأديانهم، قال جلّ ذكره مُخاطبًا المسلمين: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولَ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة: .143 أي لتكونوا أيّها المسلمون شهداء على النّاس في تقصيرهم وغلوهم، فتقوموا بإصلاح عوجهم.
وليس في هذا الأمر إظهار فضل أمّة على أخرى أو جرح كبرياء أمّة من الأمم، لأنّ الله الّذي وضع هذا الانتداب لم يجعله ميزة لشعب من الشعوب ولا وقفًا على جنس من الأجناس، ولكنّه جعله للجماعة الّتي تُدِين بأصوله مهمَا كان لون هذه الجماعة أو جنسيتها، ونصوص القرآن الكريم واضحة في أن الإسلام دين عام للنّاس كافة.
قال الله تعالى مُخاطبًا رسوله الكريم سيّدنا محمّدًا صلّى الله عليـه وسلّم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولَ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيت فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيَّ الأُمِّيَ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الأعراف: .158
ولهذا نرَى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أرسل سفراءه إلى ثمانية ملوك وأمراء مجاورين لجزيرة العرب يحملون كُتُبًا منه يدعوهم فيها إلى الإسلام، فرفض هؤلاء الحكام دعوته، فمنهم مَن قتل سفيره ومنهم مَن مزّق تلك الكتب مع تهديد الرّسول الّذي يحملها، فكان لِزامًا على المسلمين أن يحاربوا هؤلاء بعد أن تبيّن أنّهم قتلوا الدعاة وفتنوا أتباعهم وساسوهم بسياسة الظلم.
يقول الدكتور نجيب الأرمتازي في كتابه ''الشرع الدولي في الإسلام'' ''ولمّا أخذ العرب أهبتهم لمقاتلة فارس والروم اللتين كانتَا تقتسمان أكثر بقاع العالم المعروفة يومئذ ولكنّهما مضمحلتان اضمحلالاً سياسيًا واجتماعيًا، فقد أنهكتهما الحروب المتتابعة، ولم يخرجَا منها وفيهما بقية، وكانت سيرة الدولتين سيرة ظلم وجبروت تستأصل الرعية وتفدحها بالمؤن المجحفة، وتميت ما في قلوب أبنائها من حب الوطن ومناصحة الحكام''.
المصدر من كتاب/غزوات وفتوحات