1-نشاط حركة الترجمة
وبإمكاننا هنا أن نؤرِّخ لقصة العلوم بعد عصر النبوة وعصر الخلافة الراشدة بشخصيات علمية رائدة، والحقيقة أن أغلب هؤلاء العلماء كانوا موسوعيون، لهم في أكثر من علم باعٌ عريض وشهرة فائقة.
وعلى هذا فإنَّ أوَّل ظهور حقيقي لقصَّة العلوم في الإسلام يُعَدُّ مع ظهور حكيم بني أمية الأمير خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85هـ - 704م)، الذي كان على يديه أوَّل نقل في الإسلام من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية.
فما أن استقرَّت الخلافة الأموية وازدهرت سياسيًّا واقتصاديًّا، وورثت علوم الأعاجم من الفرس والروم وغيرهم بعد انهيار دُولهم؛ فتُرجمت كثير من كتب الحضارات السابقة من إغريقية وفارسية وغيرها، ونُقلت ذخائرها في العلوم إلى العربية؛ لِتُعْتَبر حدثًا مُهِمًّا من الناحية الحضارية؛ لأنها فتحت نافذةً أَشْرَفَ منها العلماء العرب والمسلمون لأوَّل مرَّة على ما لدى غيرهم من معارف وعلوم.
2-ازدهار علم الطب
وقد نالت العلوم التجريبية نصيبًا مُهِمًّا من بين هذه العلوم المترجَمة، وكان على رأسها جميعًا الطبُّ؛ فقد كان الطبُّ الإسلامي في أوَّل هذه الفترة معتمِدًا على إرشادات الرسول r، وعلى الأعشاب والنباتات الطبِّيَّة، والكيِّ، والفصد، والحجامة، والختانة، وبعض العمليات الجراحية البسيطة، ولمَّا بدأ الأطباء المسلمون والعرب يتَعَرَّفون على الطبِّ اليوناني عَبْر مدرسة الإسكندرية ومدرسة جُندَيسابور كان اتِّجاههم إلى ترجمة الكتب الطبية إلى اللغة العربية. وفي هذا فقد ترجم ماسرجويه، الطبيب اليهودي الذي يُعدُّ من أبرز المترجِمِين في ذلك العصر، للخليفة مروان بن الحكم (64 - 65هـ) موسوعة طبية يونانية تُسَمَّى "الكُناش"
وقد ازدهر الطبُّ على ذلك، وبُنيت المستشفيات، واعْتَبَر بعضُ المؤرِّخين للعلوم العلمية أن الخليفة الأُموي الوليد بن عبد الملك (ت 96هـ) هو أوَّل من بنى مستشفًى نموذجيًّا في الإسلام، وذلك سنة 88 هجرية، وألحق به صيدلية تحتوي على مختلف أنواع الأدوية .
كما اشْتَهرت أسماء لامعة في الطبِّ في هذه الفترة، وتأتي عائلة أبي الحكم الدمشقي في المقدِّمة، وكان في مقدِّمتهم أبو الحكم الدمشقي (ت 210هـ).
ويمثِّل ظهور خالد بن يزيد أيضًا بَدْء ظهور علم الكيمياء، ثم كان له في صنعة (الكيمياء) ثلاث رسائل هي: (السر البديع في فك الرمز المنيع)، و(فردوس الحكمة في علم الكيمياء)، و(مقالتا مريانوس الراهب)
يُتبع....