الإحساس والإدراك
المقدمة ( طرح الإشكالية)
يتعامل ويتفاعل الإنسان مع الأشياء في العالم الخارجي وكذلك مع الأفراد ويتلقي الكثير من المنبهات التي يستجيب لها من خلال الفهم والتفسير والتأويل وهذا هو الإدراك غير أن طبيعة ومصدر الإدراك عرف جدلا واسعا بين مذهبين (العقلي و الحسي) والسؤال الذي يعبر عن ذلك هل أساس الإدراك الحواس أم العقل؟
التحليل"
عرض الأطروحة الأولى :
تري هذه الأطروحة أن الإدراك يتوقف على نشاط الذهن أي كل معرفة ينطوي عليها الإدراك مصدرها العقل وليس الحواس هذا ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي هاجم الإحساس بقوله << إني وجدت الحواس خداعة زمن الحكمة ألا نطمئن لمن خدعونا ولو مرة واحدة >> ومن الأمثلة التوضيحية أن التمثال في أعلى الجبل تراه من الأسفل صغيرا أما إذا صعدت فإنك تراه كبيرا وشيد ديكارت الإدراك على العقل ووظيفته اكتشاف أخطاء الحواس وتصحيحها ومن أنصار هذه الأطروحة الفيلسوف ألان الذي قال << الإدراك معرفة مسبقة فمن يدرك جيدا يعرف مسبقا ما يجب فعله >> إن الصياد يدرك الحل الصحيح وينجح في اصطياد فريسته بفضل التخطيط المسبق والطفل الصغير يفشل لأن عقله لم يصل بعد إلى القدرة التخطيط فالإدراك مصدره العقل
النقد :
هذه الأطروحة أرجعت الإدراك إلى العقل لكن العقل ليس معصوم من الخطأ.
عرض الأطروحة الثانية:
ترى هذه الأطروحة (المذهب الحسي ) أن مصدر الإدراك هو التجربة الحسية أي هو كل معرفة ينطوي عليها الإدراك , مصدره الإحساس وحجتهم في ذلك أنه من فقد حاسة فقد معرفة ومن الأمثلة التوضيحية أن الكفيف لا يدرك حقيقة الألوان وهذا يوضح أن الإدراك يستلزم وجود الحواس التي هي نوافذ المعرفة وبها نتعرف على العالم الخارجي ومن أنصار هذه الأطروحة دافيد هيوم الذي رأى أن مبادئ العقل مكتسبة وليست فطرية وفي هذا المثال << لو كانت مبادئ العقل فطرية لتساوى في العلم بها في كل زمان ومكان لكن مبدأ عدم التناقض أو الهوية لايعرفه إلا قلة من المثقفين ويجهله الأطفال >> وخلاصة ما ذهب إليه المذهب الحسي أن الإدراك هو تأليف وتركيب بين الإحساسات فالإحساس هو مصدر الإدراك
النقد:
هذه الأطروحة أرجعت الإدراك إلى الإحساس لكن الحواس تخطئ ومن الحكمة أن لا نأسس الإدراك على معيار خاطئ.
التركيب ( الفصل في المشكلة )تعتبر مشكلة الإحساس والإدراك من المشكلات الفلسفية المعقدة والتي طرحت علي طاولة الحث الفلسفي في صورته القديمة والحديثة ولاشك أن التحليل المنطقي يؤدي بنا إلى حل توفيقي تجمع فيه بين (الحواس والعقل) وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني كانط في قوله <<حدوس حسية بلا مفاهيم عقلية عمياء ومفاهيم عقلية بلا حدوس حسية جوفاء>>.
الخاتمة (حل الإشكالية)
في الأخير الإحساس والإدراك من القضايا البارزة في الفلسفة وقد تبين لنا أن العلاقة بينهما مشكلة أدت إلى تقارب في الآراء بين مذهبين العقليون الذين أرجعوا الإدراك إلى نشاط الذهني والحسيون الذين قالوا أن الإدراك مصدر الإحساس وكمخرج للمشكلة نستنتج أن الإدراك محصلة لتكامل الحواس والعقل معا.