شيــوخ وعلماء زاوية زاوية بن حمادوش - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجزائر > تاريخ الجزائر > قسم شخصيات و أعلام جزائرية

قسم شخصيات و أعلام جزائرية يهتم بالشخصيات و الأعلام الجزائرية التاريخية التي تركت بصماتها على مرّ العصور

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شيــوخ وعلماء زاوية زاوية بن حمادوش

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-04-28, 16:27   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمدالصغير19
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية محمدالصغير19
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي شيــوخ وعلماء زاوية زاوية بن حمادوش

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليه نتوكل و به نستعين انه خير ناصر ومعين


ولا وحول و لا قوة إلا بالله العلي العطيم

الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين والصلاة و السلام على أشرف الخلق و المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين و على أهل بيته الطيبين الطاهرين وبعد :



شيــوخ وعلماء زاوية زاوية بن حمادوش
(زاويةعبد الحميد حمادوش قجال)

مقدمـــة:
في هذا الفصل نقدم ترجمات مختصرة لعدد من الشيوخ والعلماء والأساتذة والطلبة الذين كانت لهم فرص التمدرس ثم التدريس بزاوية قجال في ظروف أقل ما يقال عنها أنها كانت قاسية وصعبة ومضنية واجهوا فيها الحاجة الماسة إلى الكتاب المطبوع والمرجع في الفقه وعلوم اللغة والتاريخ والفلك والحساب وغيرها من العلوم فلجأوا إلى النسخ باليد والقلم وسهر الليالي على ضوء الفانوس ، كما واجهوا مشاق السفر وعذاباته على الدابة أو مشيا المسافات الطويلة إلى حواضر العلم والزوايا في مختلف بلاد الإسلام للحصول على العلم ومجالسة العلماء ، والأخذ عنهم، ولاقتناء الكتاب المفيد .
ولم تكن ظروف العيش والإقامة بأقل صعوبة وقساوة من ظروف طلب العلم والكتاب ،فكانت الزوايا تفتقر إلى الإقامة اللائقة والفراش الدافئ والأكل الهني ،ولكن ذلك لم يثنهم عن طلب العلم والمعرفة ، وبذل أوسع الجهد للتعليم الديني والشرعي.وفي بلادنا أضافت ظروف الاحتلال الاستعماري على كل المشتغلين بالعلم والثقافة أعباء الخروج للجهاد وتحرير البلاد ، فتعددت جبهات المواجهة، فكان عليهم مواجهة العدو بالسلاح ،ومقارعة الجهل بالعلم، وتحولت الجبال والقلاع والغابات إلى كتاتيب وزوايا للتعليم وتلاوة القرآن بالليل وميادين للوغى بالنهار. كان الأمير عبد القادر- طيب الله تعالى ثراه - طيلة جهاده الذي دام سبع عشرة سنة لا يفارق مكتبته التي كانت تتنقل معه في الوادي والجبل وفي الغابة وحيثما حل وارتحل،وكذلك كان الشيخ بوعمامة، وكان الشهيد عبد الحميد حمادوش يقدم دروسه في الجهاد والإيمان في غابات الجبال أثناء الثورة المباركة. ويذكر أن أحد رجال العلم بمنطقة بني يعلى- لم يبق في ذاكرتي من اسمه إلا الشيخ السعيد – منعته الإدارة الاستعمارية من التدريس في المسجد ،فتحول مع طلبته إلى مقهى يدرس بها،فأغلقت المقهي دونه ، فتحول إلى ساحة في البلدة يقيم فيها الصلاة والدرس ، فلم يجد الاستعمار بدا من سجنه . ولم تقف سجون الاستعمار الفرنسي برغم كل وسائلها القمعية التي كانت تسلطها على السجناء من الثوار والمجاهدين والمناضلين حائلا دون تحويلها إلى مدارس للتعليم والإرشاد والتوعية؛ فكم من سجين أمي خرج متعلما وكم من مبتدئ خرج أستاذا في اللغة العربية والأدب !.
هذا الإصرار على بذل العلم ونشر نوره في الأوساط الشعبية من طرف شيوخنا الأجلاء رضي الله تعالى عنهم الذي يقابله تفاني وإقبال عارم في طلب العلم من طرف الأهالي، هو الذي حفظ للأمة الجزائرية مقوماتها الثقافية وشخصيتها الحضارية المستمدة من القرآن والهدي النبوي ومبادئ وقيم الإسلام ،فأين تلك الروح وذلك الإصرار على طلب العلم والمعرفة في أحلك ظروف الحاجة والفاقة والاستعمار منا اليوم وقد أصبحت بين أيدينا كل الوسائل التي تمكننا من كسب معركة العلم والتفوق فيها ؟ ولماذا كل هذا الإصرار على طلب العلم والمعرفة من طرف شيوخنا أليس في ذلك رسالة لنا على أنه لا حياة للأمم والشعوب إلا من خلال بذل أقصى الجهد في العلم والمعرفة ( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها .كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ) الأنعام 122
==========================================
الشيخ أبو عبد الله محمد بن صالح :
التعريف بنسبه :
الشيخ محمد بن الشيخ صالح بن أحمد بن ثابت بن الحاج حسن بن مسعود بن عبد الحميد بن عمر بن محمد بن إدريس بن داود بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله بن حسن المثني بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام .ألقابه: يلقب بأبي عبد الله ، وسيدي عبد الله ، .
عصره :
كان الشيخ أبو عبد الله من شيوخ وعلماء القرن العاشر الهجري ،السادس عشر الميلادي الذي شهد آخر عهود دولتي نبي حفص وبني مرين وبداية العهد العثماني في المغرب العربي، ورغم ما اتسمت به تلك الفترة من غزو صليبي إسباني على المدن الساحلية الجزائرية،امتد إلى طرابلس بليبيا شرقا إلى سبته ومليلة بالمغرب اللتين مازالتا محتلتين إلى الآن. مما جعل الجزائر خاصة وبلاد المغرب عموما تعيش حالة عدم استقرار وأوضاع سياسية واقتصادية متأزمة ومتدهورة إلى درجة كبيرة ، ولكن رغم ذلك فقد ظهرت فيها نهضة دينية وعلمية وثقافية في غرب البلاد وشرقها، حمل لواءها رجال من أمثال الشيخ الأخضري، والشيخ الخروبي، والشيخ الوزان، والشيخ بن موسى الوجد وغيرهم ، ولم تكن زاوية قجال بمعزل عن هذه النهضة الدينية العلمية ورجالها،فقد كان يتردد عليها العلماء والشيوخ والطلبة وكانت إحدى محطات الشيخ عبد الرحمن الأخضري في ترحاله للتعبد والتبرك والتأليف والتعليم أيضا. وكان على رأس زاويتها حينئذ الشيخ أبو عبد الله محمد الذي تم تنصيبه مشرفا على الزاوية وأوقافها وأحبا سها في أواسط شهر شوال من سنة 931 هـجرية الموافق لسنة 1525 ميلادية بعقد موقع من قبل الإمام المجاهد القاضي أبي العباس أحمد بن محمد حسب ما جاء العقد.
أخلاقه :
كان الشيخ أبو عبد الله محمد بن الشيخ صالح شابا ورث عن آبائه وأجداده من الأخلاق أسماها وأكرمها ومن البصيرة والعقل ما جعله سيد أهل زمانه، ومن الخير والكرم ما جعله مضرب المثل، وكان العابد العارف بالله تعالى المتبرك به، وكان العالم العامل الذي جعل من زاوية قجال مقصدا لطلبة العلم ومرجعا دينيا ، واجتماعيا ، يسعى إليها العلماء والمتعلمون ، والمصلحون وطالبو الصلح،و يلجأ إليها اليتيم وذو الحاجة وعابر والسبيل .
أعماله :
جدد بناء مسجد الزاوية وبيت الطلبة ،وبيت الزوار والضيوف .وكان منها يشرف على أوقاف الزاوية التي توسعت في زمنه كثيرا .
----------------------------------------------------
المراجع : عقد التنصيب – كتاب لب التاريخ – تاريخ الجزائر الثقافي لأبي القاسم سعد الله

===========================================

الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري
من هو الأخضري؟ :
الشيخ العلامة عبد الرحمن الأخضري من أبرز علماء الجزائر في القرن العاشر الهجري، لقد أطبقت شهرته الآفاق وغدت تأليفه تدرس في شتى حواضر العلم والمعرفة ،من بغداد إلى الأزهر بالقاهرة إلى الزيتونة بتونس .
المولد والنشأة والتعلم:
- ولد الشيخ عبد الرحمن الأخضري سنة (920 هـ/ 1514 م) ببلدة بنطيوس التي تبعد عن بسكرة بحوالي ( 30 كم) من عائلة شريفة عرفت بالعلم والتقوى. والده العالم المدرس محمد الصغير وأخو ه الأكبر أحمد الأخضري كان عالما ومدرسا أيضا أخذ عن كليهما الفقه وعلوم اللغة وعلم المواريث بعد أن حفظ القرآن وأتقن رسمه وتلاوته ثم واصل تعلمه بقسنطينة ثم جامع الزيتونة.
مؤلفاته :
ألف الشيخ الأخضري في شتى المعارف العقلية و الشرعية والفقهية واللغوية والرياضية والفلكية ومن أشهر مؤلفاته:
- السلم في المنطق الذي ترجمه المستشرق الفرنسي لوسيان سنة 1921 وقد عده من أعظم الكتب العالمية حيث قارنه بكتاب " حديقة الزهور الإغريقية" لمؤلفه كلود لانسلوا .
- ومن كتبه أيضا منظومة الدرة البيضاء في الفرائض والحساب.
- والجوهر المكنون في علوم البلاغة.
- وكتاب في فقه العبادات .
- ومنظومتان في التصوف تدعى إحداهما اللامية والأخرى القدسية .
عبادته :
نُقِل عن أجدادنا وشيوخنا ومنهم الشيخ القريشي مدني رحمه الله مشافهة :أن الشيخ عبد الرحمن الأخضري كان عالما عاملا وتقيا ورعا وعابدا صوفيا، يقضي نهاره في التدريس فإذا ما أقبل الليل أوى إلى " خلوته " التي تقع بالقرب من مقام سيدي مسعود يتعبد ويتحنث ويصلي أغلب الليل وقبل الفجر يعود إلى المسجد ليستأنف نشاطه اليومي في التدريس أو التأليف .
وقد تناقل طلبة قجال خلفهم عن سالفهم أبياتا شعرية قيل أنها وجدت مكتوبة في كفن الشيخ عبد الرحمن الأخضري. وهي كما يلي منقولة عن الأستاذ عبد المجيد حمادوش كان قد سجلها له الشيخ القريشي مدني بخطه في كناشة خاصة :

و يا رب فأكرمه بعفوك ليلــــــــة
ويروح بها ضيفا لقبره منزلا
فأنت الذي أوجبت للضيف حرمــــة
وأكدت عليه بالمواساة عاجلا
فهذا بضيف الخلق ،كيف بضيفــــك
فأكرمه نزلا عند وقف الرواحل
وحين انقضاض الناس للحي راجعا
وبسط راح الكف للّحد عاجــلا
بجاه النبي الهاشمي محمـــــد
عليه صلاة الله مني موصــلا

وفاته ومدفنه :`
توفي الشيخ عبد الرحمن الأخضري بقرية قجال وقد اختُلِف في تاريخ وفاته فمن قائل أنه توفي في(953هـ/1546 م ) ومن قائل أنه توفي في ( 983هـ/1575م) فعلى الرأي الأول يكون قد عاش ثلاثا وثلاثين سنة وهو المرجح عند أغلب المراجع التي ترجمت للشيخ الأخضري .
وما زال أهل قجال إلى اليوم يتناقلون كرامة من كرمات الشيخ عبد الرحمن الأخضري ظهرت عند تشييع جثمانه من قبل طلبته الذين حملوا جثمان شيخهم على أكتافهم وتوجهوا به إلى موطنه ومسقط رأسه بالقرب من بسكرة لدفنه هناك تنفيذا لوصيته , فعند وصولهم إلى الحامة بوطالب أصابهم إعياء شديد فطلب بعضهم بدفنه حيث وصل بهم المسير والرجوع إلى قجال فرفض الطلبة الذين كانوا يتميزون بتعلقهم الشديد بشيخهم وإصرارهم على تنفيذ وصيته فقرروا مواصلة الرحلة إلى نهايتها .فما الذي حدث بعد ذلك ؟ تقول الرواية:أما الفريق الأول من الطلبة فقفلوا راجعين إلى قجال، وأما الفريق الثاني فحملوا الجثمان الطاهر وساروا به فطوى الله تعالى لهم الأرض طيا حيث تمكنوا من تنفيذ وصية شيخهم ودفنه في بنطيوس والرجوع إلىقجال ؛فكان وصولهم قبل وصول الفريق الأول .
زاوية قجال والشيخ الأخضري:
إن تردد الشيخ عبد الرحمن الأخضري علي زاوية قجال ،لم يكن لولا هذه العلاقة الروحية والعلمية التي كانت تربطه بالمكان وأهله مما يؤكد على المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها هذه القرية الصغيرة بحجمها، الكبيرة بقداستها الروحية والعلمية عند العلماء وسائر من تعلم فيها أو زارها أو عرف أهلها. وفي الأمثال العامية التي كثيرا ما تتردد على ألسنة أهل قجال ما يؤكد ذلك. يقول المثل:
"قجال ما يخلى والعلم ما يخطيه" ويعكس بعض جهلة زماننا المثل فيقولون : "قجال ما يخلى والذل ما يخطيه "
-----------------------------------------------------------
المراجع: التاريخ الثقافي لأبي القاسم سعد الله – روايات شيوخ الزاوية .
==========================================
الشيخ محمد الصغير بن يوسف الحملاوي :
سيدي محمد بن يوسف الصغير الحملاوي ،قيل أنه كان أمير المنطقة ورجل علم وتقوى عاش بين نهاية القرن الثاني عشر والنصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجريين . كان معاصرا للشيخ سيدي محمد بن أحمد بن حمدوش . تم تعيينه للإشراف علي الزاوية وإدارة أموالها وعائداتها من الأوقاف ، والتعليم بها .اشتهر بالورع والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وكان من الرجال الواقفين على حدود الله بقجال وضواحيها .
روي أنه شاهد رجلا يسوق دابته وقد حملَّها فوق طاقتها ، فنهاه عن ذلك ونصحه بالرأفة بها والتخفيف عنها عدة مرات فلم ينته واستمر في إرهاق دابته بالأحمال الثقيلة والضرب .فأمر الشيخ محمد بن يوسف الصغير طلبته بانتزاع الدابة منه حتى يكف عن فعلته .
يمكن التأكيد على وجود شخصية الشيخ محمد الصغير بن يوسف الحملاوي من خلال أمرين :
الأول : وثيقة تحدد الأملاك الوقفية من الأراضي الفلاحية لزاوية قجال محررة بخط يد سيدي محمد بن يوسف الصغير الحملاوي مؤرخة بأوائل جمادى الثانية عام 1211هـ .
الثاني :قبره المعروف بمقبرة سيدي مسعود . الذي مازال أجددنا ينصحون بزيارته، والدعاء عند قبره إلى عهد قريب.
===================================
الشيخ سيدي الطاهر بن حماد وش
نسبه : هو الشيخ الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن حمادوش .
- المولد والنشأة :
ولد الشيخ الطاهر بقجال وترعرع في أجوائها بين واديها الخصيب وينابيعها ذات المياه العذبة الزلال وبساتينها بأشجارها المتنوعة الثمار وحقولها الواسعة التي ظلت خضراء معطاء متاعا للإنسان والحيوان إلى ما بعد الاستقلال .
هجرته لطلب العلم :
تربى على يد والده فحفظ القرآن وأخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغوية في زاو يتهم ،ثم انتقل إلى زاوية الشيخ الحداد بصدوق، فأخذ عن شيوخها لسنوات ،ومنها شد الرحال إلى مستغانم التي كان له فيها أقارب وأبناء عمومة فقضى فيها عدة سنوات متتلمذا على شيوخها .لقد كانت تلك عادة بيوتات القرآن والعلم والولاية يرسلون أبناءهم بعيدا عن مسقط الرأس من أجل التحصيل العلمي وتعويدهم علي السعي والترحال وتمكينهم من الاتصال بغيرهم والانفتاح على عوالم أخرى من الناس وعاداتهم لصقل تجربتهم وإثراء معلوماتهم ومعالجة نقائصهم واستكمال شخصيتهم المعنوية والسلوكية تأهيلا لهم لأداء دورهم الرسالي المستقبلي في التعليم والتوجيه .
الشيخ الطاهر قبل الاحتلال الفرنسي :المعلم والمصلح الاجتماعي.
عاش الشيخ الطاهر ظروف ما قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر على نهج آبائه وأجداده في الإشراف على الزاوية تعليما وتسييرا ، وفي القيام بدوره الاجتماعي المتمثل في قضاء حاجات الناس وتوثيق عقودهم وإ صلاح ذات بينهم .
كان للشيخ الطاهر مجلس خاص يتكون من أعيان المنطقة، وشيوخ العلم ، وطلبة الزاوية ، يجتمع دوريا وكلما دعت الضرورة للفصل في منازعة أو إصلاح ذات البين أو عقد نكاح أو عقد هبة .. الخ وقد ذكر في إحدى وثائقه أعضاء هذا المجلس وهم: سيدي أحمد السخري البنشا- وسيدي محمد منه - وسيدي بلقاسم الزايدي - وسيدي سليمان الزايدي- وسيدي محمد الطاهر بن الصيد- وسي محمد الصيد -وسي حمدان ولد سي محمد بن الحاج الذويب -وسي محمد السعيد بن سي محمد بن حمدان - وسيدي أحمد المعاوي - وسيدي محمد بن عمر بن اسباع - وسيدي محمد المعمري بن المبارك بن عباس - وسيدي بلقاسم منه .
الاحتلال الفرنسي يعاقب الزوايا بتجريدها من أوقافها :
عاش الشيخ الطاهر أيضا ظروف الاحتلال الفرنسي، وما تبعه من ممارسات تعسفية خبيثة حاقدة ضد كل مقومات الشعب الجزائري الدينية والثقافية والاجتماعية ،فكان بداية مكره أن توجه إلى الزوايا لتجريد ها من أو قافها التي تمثل بالنسبة إليها عصب الحياة ومدد البقاء.
كان لزاوية قجال أوقاف كثيرة كباقي الزوايا، انتزعتها الإدارة الفرنسية من أصحابها الشرعيين رغم أنها أملاك وقفية لا يجوز المساس بها في كل القوانين والشرائع والأعراف البشرية، ولكن الاستعمار الفرنسي كان تعتبر الجزائر غابة وحوش بشرية يجب أن تُحكم بقانون الغاب. ثم إن هذه الزوايا والجوامع والكتاتيب التي تسير بأموال الوقف هي التي ترفع عن الأمة غوائل الجهل وغشا وات الكفر، وهي التي تمدها بمقومات شخصيتها وعناصر هويتها وفيها يتكون رجال الأمة ، ومنها يتخرج علماؤها و ينطلق قادة الجهاد وجنود الوغى فهل يرضى الاستعمار الفرنسي على هذه الزوايا والجوامع ويتركها لحالها وهو الذي يعلن أن الجزائر جزء من فرنسا ويستبطن من وراء كل مخططاته ومشاريعه و ممارساته في أرض الواقع طمس كل معالم الوجود العربي الإسلامي في الجزائر.
الشيخ الطاهر يشارك في المقاومة :
لقد كتب على الشيخ الطاهر أن يعيش كل هذه الأحداث المأسوية لزاوية الآباء والأجداد؛ إنها تسلب وتنهب و تجرد من أراضيها كسائر الزوايا عبر الوطن أمام عينيه، فكيف يهنأ له بال أو ترتاح له نفس أو يطيب له عيش ؟ لقد كان ذلك مما أوقد في نفسه روح الجهاد والمقاومة، لرد كيد هذا العدو اللدود ، الذي لم يكتف باحتلال الأرض ونهب خيرات البلاد وإنما أراد إبادة أهلها واقتلاع جذورهم منها نهائيا كما فعل سابقوهم الأوروبيون المهاجرون إلى أمريكا بسكانها الأصليين الهنود الحمر. روى لنا الشيخ عبد الرحمن ، عن أبيه الشيخ الطيب عن أبيه الشيخ الصديق رحمهم الله جميعا أن الشيخ الطاهر شارك في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي وقد أصيبت رجله أثناء معركة مع العدو قرب الجزائر العاصمة ، وكانت جروحه دامية فعجز عن السير وبقي هناك بلا إسعاف حتى تعفن جرحه، وأصابه الدود، ولكن العناية الإلهية أنقذته ؛ حيث عثر عليه أحد رفاق السلاح الناجين فقدم له الإسعافات اللازمة، وأودعه عند أحد سكان المنطقة ، فلما برئ جرحه وعادت إليه عافيته رجع إلى بيته بقجال. أما عن المقاومة التي شارك فيها الشيخ الطاهر،فقد طرحت السؤال على حفيده الشيخ عبد الرحمن عنها عن اسمها،ومكانها وتاريخها وقيادتها ،فقال لي : كنا صغارا حين سمعنا عن جهاد جدنا الشيخ الطاهر ولم يعلق بذاكرتي إلا ما أصابه فيها وموقعها قرب العاصمة .
إن مشاركة الشيخ الطاهر في المقاومة مؤكدة ،ويمكن أن تكون بصفة فردية ،شأنه في ذلك شأن كثير من إخوان الطريقة الرحمانية الذين كانت قناعتهم بالجهاد- الذي أصبح فرض عين على كل مسلم من اللحظة التي وطئت أقدام الاستعمار أرض الوطن – تدفعهم إلى شد الرحال إلى ميادين القتال أين ما كانت.
ومن المحتمل أن تكون مشاركته مع الشيخ محمد بن الحداد في ثورة سنة1971 بحكم انتمائه لطريقتها وتتلمذه على يدي شيوخها،،وهناك رواية ثالثة عن أحد أحفاده أيضا؛ أنه انخرط في جيش الأمير عبد القادر .
وفاته ومدفنه :
بقي الشيخ الطاهر في بيته بقجال يعاني من تبعات وتداعيات ما أصابه في الحرب مختفيا عن أنظار الاستعمار وأعوانه إلى أن وافاه الأجل ،فدفنه ابنه الشيخ الصديق. وقبره يتوسط أباه الشيخ محمد وابنه الشيخ الصديق بمقبرة قجال
------------------------------------------------------
المراجع : وثائق الزاوية – كتاب محمد المقراني للعسيلي -- روايات الشيخين عبد الرحمن وعبد العزيز وهما من أحفاد الشيخ الطاهر.
===================================
العلامة الشيخ سيدي الصديق حمادوش
مقدمة:
الجزائر في مواجهة تداعيات الاحتلال الفرنسي:
الحديث عن العلامة الشيخ الصديق بن حمادوش هو حديث عن جيل من الجزائريين الذين تحملوا مسؤولية الممانعة الثقافية في ظروف غزو استعماري بغيض يريد محو أمة من الوجود وذلك باستئصال كل علاقة لها بماضيها بكل أركانه ومقوماته .
فما أعظم ما حُمِّل ذلك الجيل الذي وجد نفسه في مواجهة جبهات متعددة مفتوحة على خطوب جسيمة وأخطارمحدقة بمستقبل الأمة ومصيرها !.
لقد فتحت فرنسا الحرب على الجزائريين بالتقتيل والإبادة لكل فعل مقاوم، وبالتشريد والترحيل والتمزيق لكل عرش من العروش، وبالإذلال والقهر لكل مسالم أعزل، وبالتجويع والتجهيل لكل مواطن شريف، وبالتهديم والتشويه لكل معلم من معالم ديننا وحضارتنا وتاريخنا، وبالحصار لكل عمل تعليمي أو ديني. إنها الحرب الشاملة التي فرضتها فرنسا على الجزائر والجزائريين .فما العمل وما الوسيلة ؟
من رحم هذه الأحداث ولدت أجيال للرفض والمقاومة بكل أنواعها المسلحة والسلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية التعليمية. وكان جيل المقاومة والممانعة الثقافية في مقدمها الذي تحصن بالزوايا والجوامع وحمل سلاح الكلمة والقلم لمواجهة الغزو الثقافي الاستعماري ،ومن هذا الجيل كان الشيخ الصديق حمادوش رحمه الله .
نسبه :
هوالشيخ الصديق بن الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن احمدوش , ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب .
مولد ه:
نستطيع أن نأخذ تاريخ ميلاد الشيخ الصديق من رخصة طلب فيها كمية من البرود من الإدارة الفرنسية مؤرخة في 1874/03/16 وكتب في خانة المعلومات : عمره أربعون سنة. فإذا قمنا بعملية طرح أربعين سنة من أربع وسبعين سنة ،يكون مولده سنة 1834م
نشأته وتعلمه :
ولد الشيخ الصديق بقرية قجال وحفظ القرآن على يد والده الشيخ الطاهر وأخذ عنه مبادئ اللغة العربية والفقه. انتقل بعد ذلك إلى العديد من زوايا الطريقة الرحمانية بالحامــــة والسوالم ثم قسنطينة.
إجازته :
أخذ الشيخ الصديق عن شيخه بن عبد الكريم السلامي الشافعي الإجازة في التربية والتعليم،على الطريقة الرحمانية الحفناوية البكرية الخلوتية التي شهد له فيها بالكفاءة العلمية والروحية وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد من العلماء والمشايخ والأعيان وعامة الناس .
إدراك الشيخ الصديق للمرحلة ، وتحديد دوره:
ما إن أدرك الشيخ الصديق ظروف البلاد الجديدة التي فرضتها السياسة الاستعمارية حتى حدد لنفسه دوره في المواجهة وربما كان ذلك بتوجيه من أبيه أو بتوجيه من الشيوخ الذين تتلمذ عليهم . فلئن سلبت الأمة السيادة في الوطن, فلا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تسلب دينها ولغتها ولذلك كان عليه أن يتخندق في جبهة الممانعة والمقاومة الثقافية التعليمية التي تحفظ للأمة قرآنها وشريعتها ولغتها تحصينا لها من الذوبان والاضمحلال إلى أن يأتي الله بدور جديد تأخذ فيه الأمة مسؤوليتها في تحرير الوطن السليب .
ولكن ما العمل ؟وقد صادرت الإدارة الاستعمارية أغلب أراضه الخاصة بسبب انخراط والده في المقاومة المسلحة ، والأملاك الوقفية للزاوية قد صادرتهاالإدارة الاستعمارية الفرنسية من قبل بموجب القوانين الاغتصابية الظالمة التي قضت بتحويل كل الأملاك الوقفية في الجزائر إلى"الدومان". وبلغ الحصار الاستعماري مداه بالهيمنة على المساجد والزوايا التي أراد أن لاتتحرك إلا في الإطار الذي يخدم مصالح الاستعمار وأهدافه .
استئناف الزاوية لرسالتها التربوية التعليمية :
في البداية سعى الشيخ الصديق للحصول على ترخيص من المجلس العلمي بسطيف الذي وضعت الإدارة الاستعمارية الفرنسية يدها عليه بظاهر تنظيم وضبط العمل في المؤسسات الدينية والإشراف على المساجد ولكن القصد كان الهيمنة على المساجد والزوايا من أجل محاصرتها وتحجيم دورها إلى أقصى حد ممكن للقضاء عليها نهائيا ،لأنها كانت ومازالت حصونا منيعة لرجال المقاومة والجهاد والممانعة الثقافية .
واستأنفت الزاوية العتيدة رسالتها العلمية من جديد ، وباشر الشيخ الصديق العمل فيها بنفسه وكان عمره إذاك لا يتجاوز الثالثة والعشرين سنة وتوافد على الزاوية طلبة العلم ، وحفظة القرآن الكريم من كل صوب وحدب .
الإنفاق على طلبة العلم :
كان الشيخ الصديق ينفق على الطلبة من عائداته الفلاحية ، فلم يكن يقبل من الناس الصدقات ولا أموال الزكاة ولا التبرعات . ولما توسعت نفقات الزاوية حاول أن يستعيد بعضا من أراضيه المصادرة من قبل الإدارة الاستعمارية ، فراسل كلا من نائب عامل العمالة بسطيف والحاكم العام بالجزائر طالبا استعادة أرضه الفلاحية الخاصة التي كانت تقدر حوالي مئة وعشرين هكتارا بعضها في يد الفرنسيين والبعض الآخر كان تحت يد القايد الذوادي كما ذكر في رسالتيه اللتين بعث بإحداهما إلى الحاكم العام في الجزائر والثانية بعث بها إلى "السوبريفي " بسطيف .
الشيخ الصديق قاضيا : اشتغل الشيخ الصديق بالإضافة إلى التدريس في الزاوية قاضيا للشريعة الإسلامية في محكمة سطيف من سنة 1862م إلى سنة 1882م .
الشيخ الصديق يتفرغ للتدريس :
بعد ذلك الشيخ الصديق للتدريس بالزاوية ،وقد كللت جهوده بالنجاح الباهر ، فتخرج علي يده ما يقرب من أربعين طالب علم وقيل ستين . نذكر منهم :
الشيخ المختار بن الشيخ وأخاه أحمد الشريف - والشيخ المنور مليزي – والشيخ الطيب قرور- والشيخ محمد الشريف بن علي إدريسي - والشيخين الأخويين أحمد بن حافظ ، والمختار بن حافظ- والشيخ عبد الرحمن رحماني - والشيخ علي بن الحامدي - والشيخ موسى بن مروش – والشيخ الميهوب بن إدريس – والشيخ الأخضر بن إدريس – والشيخ صالح عبد العزيز- والشيخ خلفي بوزيد وغيرهم ، وقد كان لهؤلاء الطلبة بعد تخرجهم دور كبير في نشر الثقافة العربية والعلوم الفقهية بين أبناء الوطن من خلال الزوايا والمساجد والكتاتيب والمدارس التي تم فتحها على أيديهم أو تم توظيفهم فيها أئمة ، كما اشتغل بعضهم قضاة في المحاكم الشرعية ،وبعضهم سافر لأتمام دراسته بقسنطينة أو بجامع الزيتونة بتونس أو بالجامع الأزهر بالقاهرة .
فضائل الشيخ الصديق:
تميز الشيخ الصديق رحمه الله بشخصية ذات ورع شديد، وتقى منقطع النظير، ورجاحة في العقل،وعمل دؤوب، وحذر من مضلات الفتن ومعرفة بالناس ،وزاده الله إلى ذلك غزارة في العلم ونورا في الفهم وزينة في الخلق ورأفة في القلب .
اهتمامه بالعلم :
لم تكن اهتمامات الشيخ الصديق العلمية قاصرة على الفقه والأحكام ،وعلوم النحو والبلاغة فقط بل كان له اهتمام بعلوم المنطق والحساب والفلك والنجوم والتصوف.ونظرا لندرة الكتاب في ذلك الوقت كان الشيخ الموهوب زروق ينسخ له الكتب التي يحتاجها كما كان يطلب نسخ الكتب النادرة من بعض طلبته وقد عثرنا فيما بقي من كتبه على العديد من الكتب المنسوخة منها كتاب في المنطق وكتاب في الفلك وكتاب في علم النجوم وأوراق في الاستعارة ومنظومتان في التصوف للشيخ عبد الرحمن الأخضري .
كان للشيح الصديق مكتبة زاخرة,وكانت كتب العلم عنده أعزعليه من ماله وولده ، وهو على فراش الموت كان ينظر إلى مكتبته فتسقط دموعه لاحظ عليه ذلك وحيده الشيخ الطيب وكان شابا في مقتبل العمر فظنه يبكي حزنا على تركه وحيدا في جوار لايرحم ،فقال له : لاتحزن ياأبي ،أنا على ثقة أن الله يحرسنا من بعدك.فنظر الشيخ الصديق إلي كتبه وقال : ياولدي إنما أبكي على هذه الكتب من لها بعدي ؟.
تعظيمه لشعائر الله :
عرف الشيخ الصديق بتعظمه لشعائر الله وحدوده ، والتزامه بالسنة النبوية وتورعه عن الشبهات ؛ روى أكثر من واحد أنه كان يرفض رفضا قاطعا ما ينتشر في بعض الزوايا من بدع وحضرة ووعدات وتجمعات تسيئ إلى الدين أكثر مما تحافظ عليه ، كما كان ينكر على الذين يعلنون في الناس الكرمات –التي يكرم الله بها بعض عباده الصالحين- لاستمالة قلوب العامة والبسطاء منهم . وكان يتقدم الفلاحين الذين يكلفهم بفلاحة أرضه ويشاركهم في العمل فإذا حضرت الصلاة أوقف العمل وأقام الصلاة تعظيما لعماد الدين وركنه الركين التي من أقامها أقام الدين كله ومن تركها ترك الدين كله .
وكان شديد الحذر من الفتن، يفر منها ومن أ هلها فراره من الأسد الضاري . وقعت فتنة بين عرشين أشعلتها أيادي فرنسا الخفية، وحاولت أطراف من الفريقين أن تزج به في الصراع، فرحل عن قرية قجال مع عائلته نائيا بنفسه عن الصراع وتوجه إلى أرضه "بوغنجة" بأولاد صابر حيث نصب هناك خيمة وأقام بها، فلما انتهت الفتنة عاد إلى قجال ويقال أن ابنه الطيب ولد هناك .
صوفية الشيخ الصديق:
ولم تؤثر هذه الروح الصوفية عند الشيخ الصديق رحمه الله سلبا على حياته فتصرفه عن أعماله الدنيوية ونشاطاته الاجتماعية ،أو تدفعه إلى التواكل والانعزال بل كان يمارس حياته العملية بنفسه دون الإخلال بنشاط على حساب الآخر؛ فهو المعلم في المسجد مع الطلبة، وهو الفلاح في الحقل مع الفلاحين، وهو المتسوق في السوق لاقتناء حاجاته وهو الإنسان المتواضع للناس الساعي في قضاء حاجة المحتاج والتنفيس عن المكروب وإصلاح ذات البين . وقد حفظ عنه أحفاده قوله :" كن مع الله صادقا مخلصا له الدين ، وكن مع عباده متواضعا لهم مداريا لهفواتهم ."
وصيته:
أدى الشيخ الصديق مناسك الحج رفقة ابن أخته الشيخ المختار بن الشيخ والشيخ عبد الرحمن رحماني .وقد ألم به مرض خطير أدرك من خلاله قرب أجله ،ولم يكن له من الأبناء الذكور الذين يعتمد عليهم بعد وفاته إلا ابنه الطيب الذي مازال في ريعان الشباب ولم يتخط بعد العقد الثاني من عمره ، فأودع وصيته على ابنه والزاوية للشيخ الدراجي العيادي الذي قام بعده بالتعليم في الزاوية ،وكان نعم الوصي والمرشد لولده.
روى لي الشيخ رابح عيادي أن الشيخ الدراجي كان حريصا على مرافقة الشاب الطيب في كل شؤونه. وفي ليلة زفافه أخذ الشيخ الدراجي ينتظر خروجه للصلاة بالناس بقلق شديد، فلما أذن المؤذن للفجر خرج العريس في ليلته من بيته وأمَّ الناس للصلاة .عند ذلك فرح الشيخ الدراجي واطمأنت نفسه وعلم أنه أدى الوصية على أكمل وجه ،لأن المحافظة على الصلاة وخاصة صلاة الصبح في وقتها هي العنوان الأبرز في اكتمال الشخصية الإيمانية لدى المؤمن ،فإذا أضفنا لها إمامة الناس وفي أشد الظروف حساسية يكون الشيخ الطيب قد أصبح مؤهلا لخلافة والده في البيت والزاوية عن جدارة.
قصة لقب حمادوش:
كان لقب الشيخ الصديق العائلي"بن إدريس" ورد ذلك في عدة وثائق. وقيل لظروف خاصة اختار لقب "حمادوش" نسبة إلى جده الرابع حمادوش حسب ما جاء في كتاب حفيده الشيخ محمد الصديق الذي ذكر فيه سلسلة أجداده. وقد ورد أيضا اسم "حماد وش" في كتاب نسخه الشيخ الزادي وأهداه إلى الشيخ الصديق. ونص الإهداء كما يلي :" نسخته لأخي في الله وشيخي سيدي الصديق بن سيدي إدريس الملقب بحماد وش ،جده سيدي علي حمادوش المكناسي أهلا، الحسني جدا، من أبناء سيدنا الحسن بن فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
ومن هو سيدي علي بن حمادوش المكناسي هذا ؟ هل هو صاحب المقام المعروف بزاوية الحمادشة الواقعة على مسافة 20كم من مدينة مكناس بالمغرب الأقصى الذي عاش في القرن السابع عشر الميلادي ؟ تروي عائلتنا أن سيدي علي بن حمادوش وكان الوحيد الذي بقي من أفراد عائلته التي تعرضت للاغتيال بالسم من طرف أعداء لهم ،فحملته والدته رضيعا وقيل جنبنا إلى أخواله "عائلة بوجملين ببلاد القبائل " الذين أطلقوا عليه لقب حمادوش ،ثم عاد إلى قجال في حماية رجل عالم ، وتزوج وأنجب ولدا سماه الصالح. فلما بلغ معه السعي تركه في قجال ورحل مهاجرا في أرض الله الواسعة . ( يحتاج الأمر إلى تحقيق لتأكيد ما إذا كان سيدي علي بن حماد وش هو صاحب المقام بالقرب من مكناس).
وفاته :
توفي الشيخ الصديق في اليوم الخامس من شهر سبتمبر سنة 1893 م ودفن بجنب والده الشيخ الطاهر وجده الشيخ محمد بمقبرة قجال وقد ترك من البنين ولدا واحدا وبنتين رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .
آثار الشيخ الصديق :
لم يترك الشيخ الصديق مؤلفات رغم أنه كان يعرف بالعالم الأديب ،إلا أننا عثرنا في أوراقه الخاصة على مجموعة من الأدعية والأوراد من ضمنها قصيدة في الشعر الصوفي الجميل وقصيدة أخرى في مدحه،ومدح الشيخ الموهوب زروق.

جل الله ربي:
يقـــول جل اللــــه ربي: أنا المقصود ،لا تطلب سواي
تجدني أين تطلبني ،عبدي وإن تطلب سواي ،لا تجدني
تجدني في سواد الليل ،عبدي قريبا منك ، فاطلبني تجدني
تجدني في سجودك لي ، قريبا كثيرالخير، فاطلبني تجدني
تجدني حين تدعوني ،مجيبا أنا الحنان، فاطلبني تجدني
تجد ني ،غافرا برا رؤوفا عظيم العفو، فاطلبي تجدني
تجدني ،مستغاثا بي، مغيثـا أنا الوهاب، فاطلبني تجدني
أتذكر ليلة ناديت فيها ألم أسمعك ، فاطلبني تجدني
وقد بارزتني بالذنب جهرا فلم أكشفك، فاطلبني تجدني
وكم قد رام ضرك من عدو فلم أخذلك، فاطلبني تجدني
إذا اللهفان نادني كظيما أقل لبيك، فاطلبني تجدني
إذا المضطر قال : ألا تراني نظرت إليه، فاطلبني تجدني
وأية عثرة لك لم أقلها فلم نضررك فاطلبني تجدني
إذا عبدي عصاني لم يجدني سريع الأخذ ، فاطلبني تجدني

قصيدة في مدح الشيخين الصديق حمادوش والموهوب زروق
للشاعر محمد بن علي بن أحمد الملقب بابن دعاس الريفي

خليفة الشيخ لاتسلني فإننـــــــي
على الباب واقف متطفـــــــــل
فنطلب منكم الفوز ياعلم الورى
بإرشاد للخيرات وانفكاك القفل
عن القلب يضحى زايلا عنه ذا العمى
فينكشف الغطاء وتنفرج الأحــــــوال
إمام حؤز للفضائل كلـــــها
بإحيائه للسنة وانخذال الجهــــل
أنارت به الشريعة، سيِّــــــدٌ
قد فاز على الأقران علم وعمـل
فبالشرف الرفيع قد شاع ذ كـــــره
فحوَّله الثناء بما هو حاصــــــــــل
فشيخ من الكمَّال نوره زائـــــــــــد
كمثل الهـــلال فاق عنــــــه وأجمـل
فليس له مثيل في عصرنا وما
حذاه من الأعصار بالعلم عامـــل
فقد رغم الحسود أنفـه بالــذي
قد أوهبه الإله بالسبق واصـــــــل
محمد الصديق والنسب شهــرا
بابن إدريس إن كنت سائـــــــــــل
ومسكنه قجال والمنشأ قل بـــه
سلالة مجد نص عنها الأوائـــــــل
فلله در ذا الإما م لأنــــــــــــــه
شجاع عند الحروب نسل الأفاضل
تقوَّل في العلوم حتى ارتقى بها
مكانة أهل الصدق وأعلا المنــازل
فذوا كرم وفخر لا يقاس بمثلـه
ترفَّــل في الأنــوار،إيََّـاك تجهـــــل
قد اقتبس الأنوارمن شيخه حتى
ضاء به المكان، إيَّاك تغفــــــــل
فزره مرارا تغتنم بركاتـــــــــه
بها سعد الدارين ، ليس له مثـــــــل
تواضعه مشهور وكذا زهــــده
قد شابه شيخه في كل الخصائـــــل
محمد بن عبد الكريم عَـلَـمــــــه
ونسبته السُّلامي والكسنى والأصـل
وقد شاع في الوطن المذكور مقامــــــــه
فمقصد للأيتام ومأوى الأرامـــــــــــــل
كرامته لاتحصى بحر المعارف
ومُحي قلوب الخلق موقظ الغافــل
جواد بسيط الكف حتى لو أنـــه
دعاها لقبض لم تجبه الأنامـــــــل
فيارب طوِّل للأنام بقدرحياتـــه
إمام جليل القدر حاز التفضـــــــل
عليه من الله الكريم رضوانــــه
مدى الدهر،مادامت شهور تهلــل
كذا سيدي الموهوب من نسـل زروق
فياله من شيخ حميد الخصائـــــــل
له كرامات شهدناهـا يــافتى
منها أمر للمحتاج عند التحـــــول
فأنواره تلوح للعبد. ذوالتــقى
وقائم بالفروض ثم النوافـــــــــــل
مع النصح للمخلوق غاية جهـده
فلا زال في حفظ الإله مبجّــــــــل
يـود الـذي لاقـاه ألايـفارقـــــــه
فبالحق قائم وكاره الباطــــــــــــل
ونظمه الفقير إلى ربه محمــــد
فابن علي يرتجي محو الزلــــــــل
ضعيف الورى وأحوج الخلق كلهم
إلى رحمة المولى العظيم المتعــــــــال
لعلكم تدركوه بفضلكــــــــــم
فياسدتي إني عنكم عامــــــــــــــــل
وصل يارب على نبيك أحمـــد
كذا الآل والأصحاب جمع مفضل
يوم 14 شوال 1302 هـ/ 1885 م
=========================================

الشيخ الدراجي العيادي :
الشيخ الدراجي الراشدي العيادي بن رابح بن الأطرش ينتمي إلى عرش أولاد ارشيد بعين أزال .
حفظ القرآن في قريتهم،ثم انتقل في أول شبابه إلى زاوية الشيخ الحداد بصدوق،فأتقن حفظ القرآن ورسمه. ثم تفرغ لطلب العلوم اللغوية والشرعية ولما أنس فيه شيوخه الكفاءة العلمية ،وصلاح النفس والإخلاص في العمل كلفوه بالتدريس في الزاوية التي تعلم بها .
نشاطه التعليمي :
بعد أن قضى عدة سنوات في زاوية الشيخ الحداد معلما ، عاد إلى موطنه الأصلي بأولاد رشيد معلما ومرشدا وموجها لأبناء موطنه .ثم استقدمه الشيخ الصديق حمادوش إلى زاوية قجال للتدريس بها ، فاستقر بقجال وكان مسكنه خلف المسجد، فتزوج، ورزقه الله ذرية صالحة استمروا على نهج الوالد الشيخ الدراجي من بعده ، يتعلمون القرآن ويعلمونه الناس ، ويتدارسون الفقه ، ويلتزمون أحكام الشريعة، ويرشدون الناس ويصلحون ذات بينهم ، ويسعون في قضاء حاجاتهم ، ولذلك غلب عليهم لقب"الطلبة ".
الشيخ الدراجي يسوق العبرة من خلال الحجارة .
أثناء اشتغال الشيخ الدراجي بالتدريس حاول بعض الخصوم الجهلة المناوئين لكل عمل تعليمي بزاوية بقجال أن يصرفوا عنه الطلبة من خلال ترويج بعض الأكاذيب والدعايات المغرضة وهي نفس اللعبة التي عشنا أحداثها منذ عدة سنوات من طرف أحفادهم الذين ظلوا يحاولون بكل أساليب الكذب والمكر تعطيل مشروع المسجد الجديد بزاوية قجال .
استطاع خصوم الشيخ الدراجي أن ينفروا الطلبة عنه . عند ذلك عمد الشيخ الدراجي إلى جمع مجموعة من الحجارة وتصفيفها في حلقة حوله، وأخذ في إلقاء درسه في تلميح ذكي منه إلى أن من الناس من قلوبهم أشد قسوة من الحجارة." وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منها الماء، وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون" .
دور الشيخ الدراجي في المجتمع :
كان الشيخ الدراجي شيخ علم وتعليم ورجل دعوة وإصلاح ،يعلم بزاوية قجال طلبة العلم ،ويرافق الناس إلى الأسواق يعلمهم أحكام البيع والشراء ،ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ،ويصلح ذات بينهم .
اشتهر أمره بين الناس في مدينة سطيف وما حولها، فضاقت به الإدارة الاستعمارية ذرعا ، وحاولت إيقافه عدة مرات وهددته بالحبس،ولكنه لم يأبه بهم بل ظل يواصل رسالته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في الأسواق وحيثما حل وارتحل.
وفاته :
انتقل الشيخ الدراجي إلى رحمة الله تعالى في أوائل القرن العشرين ، ودفن بمقبرة سيدي مسعود .

==================================
الشيخ المختار بن الشيخ
( 1943-1872 )
نسبه :
الشيخ المختار بن الطيب بن عبد الوهاب بن المسعود الملقب بابن الشيخ , والدته السيدة خديجة بنت الشيخ الطاهر بن حمادوش، وخاله الشيخ الصديق حمادوش .
مولده ونشأته :
ولد الشيخ المختارسنة 1872 بقرية أولاد سيدي مسعود التي تقع شمال بلدية معاوية وتبعد عنها ببضعة كيلومترات وهي إحدى بلديات دائرة بني عزيز، حفظ القرآن في جامع القرية على يد والده, ثم انتقل رفقة والدته وأخيه محمد الشريف إلى قرية قجال ذات الطبيعة الخلابة يومئذ حيث كانت مترعة بالخصب والخضرة ومياه الينابيع والوادي والأشجارالمثمرة ، استقر به المقام في بيت خاله الشيخ الصديق وعاش أجواء الزاوية بين أحضان طلبة القرآن وشوخ العلم .
دراسته :
الشيخ المختار بن الشيخ هوأحد تلامذة زاوية قجال المشهود لهم بالعلم .أخذ عن خاله الشيخ الصديق علوم اللغة والفقه حتى تمكن منهما وملك زمام الكفاءة في التدريس ،انتقل بعد ذلك إلى تونس الخضراء . ليستكمل دراسته بجامع الزيتونة فمكث بها بضع سنوات متعلما حتى نال الشهادة العليا فيها ، وأعطى دروسا بجامعها .
رحلته إلى بيت الله :
روى لنا حفيده الشيخ الطيب أن الشيخ المختار حج مرتين راجلا وثالثة راكبا، وعند مروره بمصر طاب له المقام بالأزهر الشريف حاضرة العلم والعلماء ،حيث يمكنه إشباع فضوله العلمي والمعرفي , ولكن يبدو من الروايةالمنقولة عن بعض أحفاده أن شدة شيخنا الفاضل في الحق واندفاعه المعروف به في إظهار الحقيقة مع أي كان لم تترك له الفرصة للبقاء طويلا بمصر حيث تعرض للمضايقة , وقيل تعرض للسجن بسبب انتقادات وجهها لشيخ من شيوخ الأزهر .
فقهه :
كان الشيخ المختار رحمه الله حجة في علوم الفقه واللغة،وكان شديدالالتزام بالمذهب المالكي وكان يقول: من لم يكن له مذهب فليتخذ مذهبا وإلا ذهب ؛ فإن مثل المذاهب في الإسلام كمثل شجرة لها جذع تفرعت منه أغصان ومن الأغصان تفرعت أغصان وأوراق وهكذا فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الجذع الذي تفرع منه الصحابة الكرام ومن الصحابة تفرع التابعون وتابعو التابعين والأئمة ورجال الفقه إلى يوم الناس، فكما لايمكن بأي حال من الأحوال لورقة من الشجرة أن تنفصل عن كل تلك الغصون التي تربطها بجذع الشجرة وتدعي أنها تريد أخذ غذائها من الشجرة مباشرة، ولو فعلت لماتت في الحال. فكذلك لا يمكن لأحد اليوم أن يتجاوزكل المذاهب ويدعي أنه إنما يأخذ عن رسول الله مباشرة،فمثله كمثل تلك الورقة التي ما تلبث أن تتقاذفها الرياح وتهوي بها في مكان سحيق . كان رحمه الله يسوق هذه الأمثلة الحية والحجج العقلية المفحمة انتصارا للمذهب المالكي خاصة في لقاءاته التي كانت تجمعه مع جمعية العلماء التي كانت وهابية الهوى ،وقيل أنه نشر بعض تلك الحوارات والسجالات في صحيفة النجاح والبصائر
ومن أطرف ما يُروى عنه أن أحد المغرضين نقل للشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- وشاية مفادها أن الشيخ المختار يتعرض له في جلساته بالسوء ويدعوه بن"باليس" فكتب إليه الشيخ بن باديس يستنكر منه ذلك .فرد عليه الشيخ المختار مبرئا ذمته من هذا القول الشنيع والافتراء المقيت ومن جملة ما جاء في رسالته له: وهل يمكن أيها العلامة الجليل والشيخ الفاضل والمصلح الكبير لمن يصلي ويسلم على عباد الله الصالحين –وأحسبك منهم ولا أزكي على الله أحدا - في كل صلاة أن يصدر منه مثل هذاالقول السوء ؟ .
أعماله :
علَّم الشيخ المختار في العديد من الزوايا المنتشرة في شمال سطيف ،وأنشأ زاوية في قرية معاوية وعلم بها سبع سنوات ( 1911/ 1917 ). ولم يغادرها حتى ترك فيها أثرا عظيما.تجلى في إقبال الشباب بصفة خاصة على طلب العلم ومعرفة الأحكام الشرعية وتعلم اللغة العربية التي حرموا منها طويلا .
وتعرض في قرية معاوية لمكيدة دبرها له أحد الحاقدين عليه، فترك القرية التي ولد فيها ورحل إلى قجالواشترى بيتا بقرية رمادة بقي فيها سنوات عدة معلما ومصلحا اجتماعيا ،ثم باع البيت ورحل هذه المرة إلى قرية تاجرة ليكون بالقرب من زاوية أخواله بقجال التي عاد إليها هذه المرة نهائيا ليواصل أداء دوره العلمي والشرعي بها حتى وافاه الأجل سنة 1943 . ودفن بمقبرة قجال. رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا ببركته .
تلاميذه : أخذ عن الشيخ المختار كثير من طلبة العلم الشرعي، نذكر منهم أبناء الشيخ الطيب حمادوش :الشيوخ عبد الرحمن والطاهر وعبد الله والشهيد عبد الحميد، والشيخ القريشي مدني وصالح محتالي والشيخ محمد خلفي والشيخين الزروق والصديق من أولاد سعيد والشيخ صالح من أولاد بوجلوف وغيرهم .
=================================
الشيخ الطيب بن الكتفي
- مولده :
- الشيخ الطيب قرقور هو نجل الشيخ محمد الملقب بالكتفي ولد سنة 1280 هـ الموافق لسنة 1864 م . حفظ القرآن الكريم في صغره على يد والده الشيخ الكتفي،
- دراسته :
في أوائل شبابه ارتحل إلى زاوية الشيخ الحداد بصدوق طلبا للتفقه في الدين واللغة العربية،ثم عاد إلى قجالفأخذ عن الشيخ الصديق حمادوش لعدة سنوات حتى تفوق وتأهل للتدريس جاء في جريدة النجاح لسنة 1936 " أنه في هذه السنة توفي العالم الفقيه سيدي الطيب نجل سيدي محمد الكتفي عن عمر فاق سبعين سنة قرأعلى والده ،وأخذ عن العلامة الصديق بن احمادوش بزاوية قجال وبها تخرج، وله منها إجازة عامة" .
-أخلاقه :
عرف الشيخ الطيب منذ شبابه بالورع والتقوى وحسن الخلق وكرم الضيافة والبذل في سبيل الله.كان صواما قواما ، جمع بين العلم والعمل ، والنباهة والإقدام والمبادرة ؛ يباشر زراعة الأرض في فصل الخريف ثم يتفرغ إلى طلبة العلم فإذا أقبل الصيف باشر عملية الحصاد بنفسه ليجمع ماجادت به الأرض قوتا لعائلته وطلبته وطعمة للفقراء والمساكين .
- أعماله :
بعد تحصيله العلمي والديني خرج الشيخ الطيب موليا وجهه شطر قريته "أم الحلي" فأنشأ بها زاوية ، وجمع حوله عددا من حفظة القرآن الكريم وأخذ يعلمهم النحو والفقه ويزودهم بالمصنفات من عنده ، وينفق عليهم من محصول أرضه ، وكان ينفق على الفقراء والمساكين . فاشتهرت زاويته وقصدها الطلبة من كل حدب وصوب .
نقل الشيخ الطيب بن الكتفي زاويته إلى قرية " بر ياقة "، وواصل رسالته العلمية فيها فتخرج على يده العديد من طلبة العلم من أبرزهم الشيخ الخير رحال الذي شهد له شيخه بالعلم وكلفه بالتدريس في حياته واستمر بعده يدرس في الزاوية ويؤم الناس في صلاة العيد لسنوات عديدة، ومنهم أيضا الشيوخ: المسعود قرقور، ولحسن بودرافه ، ومحمد بن المبارك ، و العياشي مليزي، وصالح عبد العزيز المفتي وغيرهم .
لقد كان لزاوية الشيخ الطيب بن الكتفي فضل كبير على أهل المنطقة في تحفيظ أبنائهم القرآن الكريم وتمكينهم من تعلم لغتهم العربية . ومعرفة أحكام دينهم الإسلامي الحنيف في العبادات والمعاملات وسائر أمور حياتهم .
- وفاته :
في سنة 1936 انتقل الشيخ الطيب إلى رحمة الله واستمرت الزاوية في أداء دورها بإشراب ولده الشيخ عبد الحميد الذي استقدم الشيخ عمار ميلي للتعليم القرآني، أما دروس العقيدة والفقه واللغة فكان يقدمها الشيخ الخير رحال الذي سبقت الإشارة إليه .
---------------------------------------------------------
المراجع : جريدة النجاح أحد أعداد سنة 1936 - مارواه الشيخ رمضان قرقور رحمه الله عن جده . ==================================
الشيخ المنور مليزي :
- مولده:
الشيخ المنوربن أحمد بن المسعود مليزي من أولاد بن القاضي ولد سنة 1870 بقرية واد الذهب.
- دراسته :
حفظ القرآن في موطنه, ثم سافر إلى بلاد القبائل حيث الزوايا العريقة العامرة بشيوخ العلم ،واستقر به المقام بزاوية بني يعلى فأخذ عن شيوخها ماتيسر له من علوم الفقه واللغة العربية، ومنها انتقل إلى زاوية قجالفأخذ عن الشيخ الصديق جمادوش ، ثم سافر إلى تونس ليواصل تحصيله العلمي بجامعة الزيتونة .
- زاوية الشيخ المنور :
كان الشيخ المنور من أبرز طلبة الشيخ الصديق العاملين الذين ارتفعوا إلى مستوى الوعي بدورهم في هذه المرحلة التي كانت تمربها الجزائر يومئذ ، فانفتح على قضايا منطقته وأنشأ بها زاوية للتعليم القرآني والفقه واللغة ،وتولى تعليم الطلبة بنفسه والإنفاق عليهم من موارده الفلاحية الخاصة. تخرج على يده العديد من الطلبة نذكرمنهم الشيخ صالح عبد العزيز الملقب بالمفتي ، والشيخ عمار بوشول، والشيخين إبراهيم مليزي وبوزيد مليزي والشيخ لوصيف وغيرهم .
- الشيخ المنور من رجال الإصلاح :
لم يتوقف عمل الشيخ المنورعند التعليم وإنما اهتم بقضايا المجتمع وحاجات الناس؛ فكان كما تحدثت عنه شهادات معاصريه رجلا صالحا مصلحا تقيا ورعا، وكانت له علاقة وطيدة بجمعية العلماء المسلمين يساعدهم ماديا ومعنويا ويقوم بالنشاطات الدعوية بنفسه؛ فيعظ الناس ويرشدهم في أفراحهم وأتراحهم ويعلم الناس أحكام دينهم ، ويعقد لهم عقود نكاحهم وبيعهم وكرائهم ويصلح ذات بينهم ويشاركهم في السراء والضراء ،فكان بذلك نعم الشيخ القومه .
- وفاته :
في سنة 1941 انتقل الشيخ لمنور مليزي إلى رحمة. وترك مكتبة عظيمة احتوت مخطوطات نادرة لم يسبق طبعها، رآها الشهيد عبد الحميد حمادوش فأكد لأبنائه أهميتها، ونصحهم بالمحافظة عليها ، ولكنها تعرضت للحرق أثناء الثورة من طرف الاستعمار الفرنسي الذي أشعل النار في بيت الشيخ المنور فأتت على كل ما فيه .
صاهر الشيخ المنور الشيخ الطيب حمادوش فتزوج بنتا من بناته أنجب منها بنتا وثلاث بنين كان منهم الشهيد عبد الرزاق مليزي .
=======================================
الشيخ محمد بقاق :
مقدمة :
الشيخ محمد بقاق هو أحد رجال القرآن والعلم الشرعي الذين اشتروا أنفسهم ابتغاء مرضات الله، في ظروف كان فيها الشعب الجزائري أحوج ما يكون إلى من يعلمه الحرف العربي ، ويعرفه أحكام دينه وشريعته التي عمل الاستعمار الفرنسي على حرمانه منها بكل قوة. وجرب كل أساليب القمع، ولم يكتف بالقمع الجسدي والنفسي والاجتماعي ،وإنما تجاوزه إلى القمع الثقافي والعلمي والمعرفي الذي طال أغلب الجزائريين ، فسادت الأمية والجهل في الأمة وانتشرت الخرافة ، ونشطت قوى التنويم والتخدير بتشجيع من الإدارة الاستعمارية تحت غطاء إحياء مآثر الأولياء في مقامتهم، وإقامة الزردات التي كان يتخللها الفجور وشرب الخمور.
فكانت ردة الفعل قوية وسريعة من قبل النخب المثقفة ،ومن الفقهاء وحفظة القرآن الكريم ، وعموم الزوايا وأعيان الأمة لمواجهة الإدارة الاستعمارية، والمطالبة بحق الجزائريين في التعليم،خاصة التعليم القرآني واللغة العربية والتاريخ الإسلامي فشهد النصف الأول من القرن العشرين حركة أو نهضة إصلاحية دينية وتعليمية وثقافية في كافة أوساط الجزائريين منقطعة النظير،ففتحت المدارس والكتاتيب والزوايا في المدن والقرى ،ونشطت البعثات التعليمية إلى مختلف أقطار العالم العربي والإسلامي خاصة جامعة الزيتونة بتونس والقرويين بالغرب والأزهر بالقاهرة .
ولقد أثمرت تلكم النهضة الإصلاحية، التي يخطئ كثير من الناس وحتى بعض الباحثين ،حين يربطون ظهورها في الجزائر بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كانت من نتائجها في الحقيقة .ذلك أن الدعوة إلى الإصلاح الديني والاجتماعي أقدم بكثير من تاريخ إنشاء جمعية العلماء كما يقرر الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه" أفكار جامحة /مقال الاتجاهات الفكرية والثقافية للحركة الوطنية .
لقد كان من نتائجها يقظة الحس الديني،والوطني ،والقومي ، والإنساني ،والانتماء الحضاري الذي وحد الأمة وعجل بحركة التحرر، وقيام الثورة ،وتحقيق الاستقلال ، والشروع في البناء الوطني من أجل اللحاق بالركب الحضاري والمشاركة الإيجابية الفاعلة في التقدم الإنساني .
إننا عندما نستعيد ذكرى أولئك الرجال الذين عاشوا لحظتهم التاريخية بكل مسؤولية وأمانة واقتدار، رغم قلة الإمكانيات والوسائل ،وظروف القهر والإكراهات التي كانت تفرضها ممارسات الإدارة الاستعمارية .لا نريد أن نقع أسرى روح التمجيد الفج لهؤلاء الرجال ،ولا نريد أن نجعل منهم مطية للمآرب والمغانم ، كما فعل بشهداء الثورة المباركة ،والعلماء والقادة التاريخيين الذين غدوا تراثا يؤكل أكلا لما، تعلق أسماؤهم لافتات وشعارات وأنصاب ومناسبات وجمعيات ومنظمات. شفاعة ترتجى لدى صاحب الأمر ، وأوراقا تلعب على طاولة ... وإنما نريد أن نحيا من خلالهم روح المسؤولية الجسيمة،التي نتحملها أمام الله وأمام التاريخ ،وأمام هؤلاء الرجال وأمام أجيال المستقبل .
صحيح لم يترك لنا هؤلاء الرجال مدونات ولا دراسات أو بحوثا أو مجلدات من المؤلفات ؛ الحجة التي يرفعها في وجوهنا بعض قليلي الوعي فيقول قائلهم ،وما حاجتنا إلى الحديث عن هؤلاء الشيوخ الذين أكل عليهم الدهر وشرب ،ومضى عهدهم إلى غير رجعة ؟ولكن ألا يكفيهم أنهم ذكرونا بأننا أمة لها حضارة ولها شريعة، ولنا رسالة في الحياة .علمونا كيف نتمسك بأصالتنا ،وكيف نتحمل مسئوليتنا في الظروف القاهرة ، كظروف الاستعمار التي عاشوها هم بحقيقة الدين والوطن .هذان الإرثان العظيمان اللذان ظلا يشكلان الهاجس المحرك للمقاومة ، والرفض لكل أنواع المسخ والاستلاب للمستعمر .
الشيخ محمد بقاق ومن سبق ذكره من الشيوخ : هم رواد هذا الجيل الذي كان له موعد مع التاريخ .لم يكونوا من جنود العلن وإنما كانوا من جنود الخفاء. وما أكثر جنود الخفاء الذين لم يسجل التاريخ أسماءهم ، ولم يدون الكتاب سيرهم .
مولده ونشأته :
هو الشيخ محمد بقاق بن عمر بن محمد بن يحي .. ولد سنة 1887 بمشته الحمامة /أولاد علي بن نصر. حفظ القرآن على يد الشيخ الصديق الزموري ، معلم القرآن الذي رتبه والده لتعليم أبناء القرية .
دراسته:
لة الشيخ محمد بقاق على أمل أن يواصل تعلمه في إحدى الزوايا التي استعادت نشاطها في بداية القرن العشرين ، خطا خطواته الأولى في سنوات الشباب المفعمة بالأمل المدفوعة بالنشاط ،التواقة إلى طلب العلم والمعرفة .
انتقل إلى زاوية علي بن الشريف من أجل استكمال دروسه في الفقه الإسلامي ، والعلوم ذات الصلة كالنحو والصرف والبلاغة والتفسير والحديث .فقضى في الزاوية المذكورة ما يقرب من سبع سنوات ( 1910 1917 / ).
نشاطاته :
عاد الشيخ محمد بقاق مزودا بما تيسر له من المعرفة الشرعية، ليشرع في أداء دوره التعليمي تجاه أبناء وطنه الذين حرموا من التعليم والمعرفة ، وتأكدت حاجتهم للإقبال على المعرفة الدينية لتعلقهم الشديد بمقومات شخصيتهم العربية الإسلامية ،ومواجهة الاستعمار الذي ظل يمارس منذ وطئت أقدامه أرض الوطن الاستبعاد لكل ما هو عربي إسلامي .
انتقل الشيخ محمد بقاق عبر العديد من الزوايا، مزاوجا بين التعليم القرآني وتقديم دروس الفقه واللغة العربية لطلابهما ليتواصل مع الناس فيما بقي له من الوقت ، مجيبا عن تساؤلاتهم ، مصلحا ذات بينهم،مشاركا لهم في أفراحهم وأتراحهم .
الزوايا التي علم بها :
كانت الزوايا التي درس بها الشيخ محمد بقاق كالتالي :
زاوية الشيخ حماني علي بقرية قجال.
زاوية الشوافع ببني مروان .
زاوية الشيخ الصديق معيزة .
زاوية المقدم سي المسعود بسيلاق .
زاوية واد الصفصاف ( جامع بهلول ) .
زاوية قجال التي قضى فيها ما يقرب من عامين( سنة 1945/1946 ) .
زاوية المقدم العياشي التابعة لزاوية بن الحملاوي بالمالح .
اهتمامه بتربية أبنائه :
اهتم الشيخ محمد بقاق بأبنائه فرباهم أحسن تربية ، وعلمهم فأخرج منهم حفظة للقرآن الكريم ومعلمين وأساتذة نذكر منهم الشيخ إبراهيم بقاق، والأستاذ النذير بقاق .
نهاية المطاف :
أقول بعد هذه الرحلة الحافلة انتقل الشيخ محمد بقاق إلى رحمة الله في اليوم السابع رمضان للسنة الميلادية 1952 ودفن بمقبرة بن فاس بأولاد علي بن ناصر، رحمه الله رحمة واسعة .
===========================================
الشيخ سيدي الطيب حمادوش
مولده :
ولد سيدي الشيخ الطيب بن الصديق سنة1872 م كان وحيد أبيه من الذكور، حفظ القرآن الكريم وهو ابن عشر سنين .أخذ مبادئ النحو والفقه الأولى على يد والده، ثم الشيخ الدراجي عيادي .
شخصيته :
انتقل بعد ذلك إلى زاوية الشيخ الحداد بصدوق ليواصل تعلمه ولكن وفاة والده عجلت بعودته، فتولى بعده مسؤولية البيت المبارك والزاوية العامرة، وهو شاب يافع لم يتجاوزالعقد الثاني من عمره ، وقف إلى جنبه الشيخ الدراجي عيادي بناء على وصية من والده ، فكان سنده القوي ، ومرجعه المخلص إلى أن اشتد عوده وتمكن من نفسه .
كان الشيخ الطيب رحمه الله رجلا حازما، وفارسا لا يترك سلاحه قائما أوقاعدا، وكان جادا لا يعرف الخمول ولا التواكل ، ذكيا ؛ يتمتع بفراسة حادة مكنته من معرفة الرجال، وتمييزالقريب من البعيد ،والحليف من الخصيم، وكشف مكائد الخصوم، ومواجهتهم بما يبيتون له. كما جمع إلى جنب هذه الخصال الورع والتقوى ،والتزام الذكر، وتلاوة القرآن .
سيدي الطيب الولي البركة :
لم يكن سيدي الطيب رجل علم وتعليم كوالده،ولكنه كان بورعه وتقواه رمزا روحيا لأهل المنطقة . لم تتوقف الزاوية في عهده ولكنها شهدت نوعا من الفتور ، نظرا لانشغال الشيخ الطيب بالعمل الفلاحي لسد حاجات الأسرة النامية والإنفاق على طلبة القرآن والفقه وإيواء عابري السبيل وإطعام السائلين والأيتام، ويبدو أن انتشار الفقر والمجاعة خاصة خلال العشرينات من القرن العشرين، وازدياد حاجة الناس إلى الطعام جعلت الشيخ الطيب يصرف أكثر حهده واهتمامه إلى العمل الزراعي للقيام بدوره الاجتماعي على خير وجه امتثالا لقوله تعالى :" فلا اقتحم العقبة ، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة ، أو إطعام في يوم ذي مسغبة ؛ يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة " سورة البلد .
روى لي الشيخ محمد خلفي أطال الله عمره ، أن الشيخ الطيب كان يدخل عند الشيخ بوزيد وهو يعلم القرآن بالزاوية فيقول له "إطعام الطعام ، إطعام الطعام ياسي بوزيد " في إشارة منه إلى أن إطعام الطعام اليوم أولى ، لشدة حاجة الناس إليه .
وفاته :
انتقل الشيخ سيدي الطيب إلى رحمة ربه يوم الاثنين 29 ماي سنة 1933م أثناء أدائه لصلاة المغرب فتولى من بعده شؤون البيت والزاوية بكره الشيخ محمد الصديق .
============================================
الشيخ سيدي محمد الصديق حمادوش
( 1966-1895 )
مولـــده: الشيخ محمد الصديق هو بكر الشيخ الطيب بن حمادوش ولد في 01 /07 / 1895 بقرية قجال .
دراسته :
حفظ القرآن وأخذ مبادئ اللغة العربية والفقه في زاويتهم ،ثم انتقل إلى مدينة سطيف ليواصل دراسته بها، فتعرف على الشيخ البشير الإبراهيمي، وأخذ عنه،وتوطدت العلاقة بينهما وكان الشيخ محمد الصديق يحب الشيخ البشير ويجله ويذكر علمه وفصاحته ويعدد خصاله وأعماله ،وكان يبدي امتعاضه من النظام الذي فرض الإقامة الجبرية على الشيخ البشير الإبراهيمي، ويوم توفي الشيخ البشير سنة 1965ونشرت جريدة الشعب خبر وفاته بكلمة مقتضبة في صفحتها الأولى ،بدا متأثرا جدا ولكنه لم يقل شيئا وتلك كانت طبيعته.
أخلاقه :
عرف الشيخ الصديق بورعه وتقواه ، وكان مقيما للصلاة محافظا على النوافل، صاحب ولاية وكرامات يتمتع بشخصية ذات مهابة وجلال ،حكيما إذا تحدث ، حليما إذا غضب ، صادقا إذا وعد، ناصحا أمينا ، رزينا ذا بعد نظر في كل تصرفاته ومواقفه وأعماله وعلاقاته .
مسؤولية البيت والزاوية:
بعد وفاة والده ، تولي أمر البيت والزاوية تنفيذا لوصية والده ، فكان نعم الأخ لإخوته ،وخير الأب للأسرة كلها والابن المطيع المسترشد بزوجة أبيه السيدة الفاضلة ،والناصح الأمين المعروف بحكمته وبعد نظره في منطقةقجال وما حولها .
اجتهد الشيخ محمد الصديق في إعطاء بعث جديد للزاوية ،فأعاد بناء مسجدها الذي كان مغطى بجريد النخيل وتم تغطيته لأول مرة بالقرميد كان ذلك سنة 1936 .ثم التمس من الشيخ المختار بن الشيخ أن يتولي التدريس بالزاوية فلبى الشيخ المختار الدعوة وشرع في التدريس ، وبذلك عاد للزاوية دورها العلمي ؛فأقبل عليها طلبة العلم من كل الجهات ( ذكرنا بعضهم في ترجمة الشيخ المختار بن الشيخ). كما عمل سيدي محمد الصديق بالتعاون مع إخوته على تنمية العمل الفلاحي من زراعة للحبوب والخضر وتربية للمواشي .ومن أبرز تلك الأعمال وأهمها من الناحية الاجتماعية والدينية وتزين المحيط والمحافظة على البيئة بستان أشجار الفواكه الذي أنشئ على الأرض الواقعة شرق بيت الشيخ ، شمال المقبرة . كان هذا البستان تحفة قرية قجال،وكان بأشجاره المتنوعة الفواكه ذات النوع الجيد بهجة للناظريين ومأنسا للمتأملين وهنيئا مريئا للطاعمين. ولم يكن ذلك البستان يحقق أي فائدة اقتصادية للعائلة ، لأن ثماره كانت موقوفة في سبيل الله .
علاقاته :
كان للشيخ محمد الصديق علاقات شخصية مع الشيخ البشير الإبراهيمي كما سبقت الإشارة إلى ،ذلك ، حيث تتلمذ عليه في أول الأمر، ثم تطورت تلك العلاقة لتصبح علاقة تعاون في خدمة العلم والدين ،وقد تجلى ذلك خلال تعاونهما في التجمعات التي كانت تعقدها جمعية العلماء لجمع التبرعات، ومنها التجمع الذي انعقد بمسجد زاوية قجال، وحضره جمع غفير من سكان المنطقة ، وترأس الاجتماع الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله وقُدِّم للصلاة . وصلى بالناس صلاة المغرب. وبعد العَشاء خطب في الحاضرين، وطلب منهم مساعدة جمعية العلماء في جمع التبرعات لبناء مدرسة الفتح بمدينة سطيف. فكان أهل قجال أول المساهمين في بنائها. وكانت له علاقات مع كثير من العلماء ، كالشيخ العربي التباني،والشيخ نعيم النعيمي،والشيخ بلقاسم بن عكة وغيرهم .
تقاسم الأعمال من أجل أداء أفضل للمسؤوليات :
ظل الشيخ محمد الصديق وفيا لمسؤولياته إزاء الأسرة والزاوية. فلما أنهى الشيخ عبد الحميد دراسته بجامع الزيتونة وعاد إلى أرض الوطن تفرغ للتعليم والإمامة والفتوى وكل ما يتعلق بشؤون الزاوية من بناء وإصلاح، بينما تركزت اهتمامات الشيخ محمد الصديق على الشؤون الفلاحية، والإنفاق والتوجيه العام،وتكلف الشيخ عبد الرحمن بالشؤون المنزلية وإطعام الطلبة والزوار وأبناء السبيل.
الشيخ الصديق في مواجهة البلاء :
لم يؤثر شيء في نفس الشيخ محمد الصديق، قدر ما أثرت فيه ثلاث وقائع شديدة ، أفقدته الكثير من فاعليته وقدراته التوجيهية : الواقعة الأولى تمثلت في استشهاد العلامة المجاهد عبد الحميد، الذي كان يرى فيه مستقبل المرجعية الدينية والروحية والتوجيهية ومستقبل الزاوية كمركز علمي معرفي للمنطقة .وكانت الواقعة الثانية في وفاة الأم الكبيرة السيدة خديجة سنة 1961م التي فقد بفقدها التماسك الداخلي للعائلة . وتمثلت الواقعة الثالثة في فقده فلذة كبده ووحيده الابن البار محمد الصغير، الذي عجل به القدر في نهاية صائفة سنة 1963م، وهو ابن الرابعة والعشرين ؛ لقد فقد بفقده أمل المستقبل ورجل الفلاحة الأول في البيت .تلكم الفلاحة التي كانت المورد الوحيد الذي تسترزق منه العائلة وتطعم طلبة القرآن والفقه .
قجال مرة أخرى على موعد مع التاريخ بعد الاستقلال :
ورغم تلك الصدمات المفجعة التي ألمت بالشيخ محمد الصديق، إلا أنها لم تفت في عزمه ولم تنل من إرادته في إعطاء دور جديد للزاوية، في تعليم أبناء المنطقة خاصة الذين لم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم في المدرسة النظامية فاستقدم في الأشهر الأولى للاستقلال الشيخ القريشي مدني لتعليمنا مبادئ القراءة واللغة العربية والجغرافية والتاريخ ،فكان عددنا لا يتجاوز العشرة . ثم جاء الشيخ الحسين مومن فاجتمع حوله عدد أكبر من الطلبة لعدة شهور. وفي صائفة سنة 1963 حضر البشير قزوط عند الشيخ محمد الصديق وجلسا بالبيت الواقع أمام المسجد، وبعد تناول كسرة باللبن تطرق الحديث إلى مسألة التعليم بالزاوية تنفيذا لوصية الإمام الشهيد عبد الحميد حماد وش فاقترح سي البشير على الشيخ محمد الصديق فكرة إنشاء مدرسة، فبارك الشيخ محمد الصديق الفكرة على الفور وقال له: على بركة الله . ومنذ تلك اللحظة انطلقت الأشغال بسرعة مذهلة؛ فتم تكوين لجنة تضم كلا من البشير قزوط والشيخ محمد الصديق والشيخ القريشي مدني والشيخ لحسن بودرا فه وبوزيد هيشور والبشير فلاحي والشيخ محمد خلفي . وكان مواطنو بلدية قجال مع الحدث فجمعت زكوات الحبوب والتبرعات . وتم اعتماد فكرة إنشاء البيوت القصديرية"البرارك " عوض بناء أقسام جديدة الذي يتطلب مدة أطول وأموالا أكثر. وما حل شهر نوفمبر من سنة 1963حتى فتحت الإعدادية أبوابها تحت اسم : إعدادية الشهيد عبد الحميد حمادوش لطلبة العلم والمعرفة. وكان افتتاحها بمهرجان رائع وحفل بهيج حضره الشيخ نعيم النعيمي والأستاذ محمد العوضي المصري والشيخ الإمام بن مدور وغيرهم من الشخصيات والأساتذة والمجاهدين . وشاع في الآفاق خبر مدرسة قجال. فتقاطر عليها الطلبة من كل صوب وحدب ، وبارك الله فيها. وكان لها دور كبير في إخراج أجيال من ظلمات الجهل إلى نور العلم. كما ساهمت بنسبة كبيرة في مد المدارس النظامية بالمعلمين والأساتذة . وكم كان الشيخ محمد الصديق حريصا على أن تبقى هذه الإعدادية ذات طابع شعبي يتعلم فيها ابن الغني بماله ويجد الفقير فيها مقعدا لابنه بدون مقابل , ويبقى للعائلة فيها دور الإشراف المعنوي والإرشاد الديني والمساهمة المادية . ولكن ما الحيلة وهذا الجسد المكدود قد أتي الشلل على نصفه وفقد المعين والنصير ومن هو بالأمور بصير ،وحانت ساعة الرحيل.
وفاته : توفي الشيخ محمد الصديق في أول شهر يوليو سنة1966 عن اثنتين وسبعين سنة وشيع جنازته جمع غفير من أهل قجال وضواحيها وسطيف وحضرها وفد رسمي من الشؤون الدينية على رأسهم الشيخ نعيم النعيمي الذي ألقى في المشيعين كلمة تأبينية ترحم فيها على روح الشيخ محمد الصديق مذكرا بخصاله الحميدة .وأعماله الباقية بإذن الله .
========================================
الشهيـد الشيخ سي حمـود مـني
المولد والنشأة :
هو حمود بن عليّ بن الطاهر بن عبد الله بن بلقاسم بن الفني لقب عائلته مني،ولدته حدة بنت العربي ولد سنة 1914 بمشتة "الحَمَّار" بالضاحية الشمالية لبلدة رأس الماء بلدية قجال .تعلم القراءة والكتابة ،وقرأ القرآن في بيتهم , ثم انتقل إلى زاوية قجال حيث ختم القرآن حفظا ورسما،وواصل دروس الفقه عند الشيخ المختاربن الشيخ رحمه الله ، رفقة صديقه وأحب الناس إليه الشهيد عبد الحميد حمادوش .
صفاته وأخلاقه :
كان الشهيد سي حمود- رحمه الله – ضعيف البنية نحيف الجسم ،متوسط الطول ، خفيف الحركة سريع المشية .وكان متواضا لينا، شديد الحياء ، إذا تكلم لايكاد يُسمع جليسه، لاترى على وجهه أثرا من العبوس أو النفور، بل هي الابتسامة تكسو دائما محياه .وكان طيب القلب ،حلو المعشر، حسن المعاملة ،وضعت له المحبة في الأرض فحيثما حل وارتحل كان له أصدقاء ومحبون في القرية وفي المدينة وفي الصحراء ،مماجعله يكون محل ثقة الناس، ومودع أسرارهم وأماناتهم وضامن عهودهم ومواثيقهم ، وكان رحمه الله شديد التعلق بالأطفال ؛ يعطف على أصغرهم ،ويقدر من بلغ منهم الرشد،ويكرم يتيمهم . مازلت أذكر إلى اليوم احتفاءه بي حيث كنت يتيم الأب ،وكان أبي- رحمه الله – من أصدقائه فلا تمرمناسبة عيد، أو موسم إلا ويأتيني بهدية ،يقدمها لي مربِّتاً على رأسي ،داعيا لي بالتوفيق والسداد.
سي حمود شيخ العائلة :
كانت حياة سي حمود ، كسائر القرويين الجزائريين، يعيشون على الفلاحة ، وتربية المواشي .يشتغل مع إخوته الإربعة( الشيخ العيد، والشهيد محمد ،والبشير، والميلود ) الذين سلموا له أمر تدبير شؤون الفلاحة والبيت ،فكانوا لايقطعون أمرا دونه ، وكان هو بدوره يستشيرهم في كل صغيرةوكبيرة . فليس من عُرْفِ شيخ العائلة في الريف الجزائري الاستبداد بالرأي ، كما أن بقية أفراد العائلة، ليس من شيمهم المنازعة والمعارضة بدون وجه صواب أو ضرورة مُلِحَّة . كانت هذه هي طبيعة أغلب العائلات الريفية الجزائرية .طاعة كبير العائلة وشيخها واجبة ، لا، لكبر سنه فحسب ، ولا، لأنه كبيرالإخوة فحسب.لأن شيخ العائلة هذا لم يأت من فراغ ،وإنماأهلته لهذا المنصب استعدادته الفطرية من حكمة، ورزانة، ورجاحة عقل، وبعد نظر،وشجاعة ، واستعداد للتضحية وإيثار لحاجات أفراد العائلة على حساب حاجاته الشخصية .هذه الصفات التي لم يقرأها الشيخ حمود وغيره من شيوخ العائلات في المدرسة، ولم يتلقها دروسا في معهد ، وإنما كانت فيه استعدادا فطريا، هيأت لها العائلة بجميع أفرادها رجالا ونساء الأجواء الملائمة لنموها في نفسه . فمنذ صغره يكون محل نظر، وتوجيه ،وإرشاد فإذا مابلغ سن الرشد وجد السبيل أمامه مفتوحا للتدرج، في سلم تحمل مسؤولية العائلة .لقد كانت هذه هي إحدى الدعائم القيمية التي حفظت للأمة الجزائرية تماسكها الأسري والاجتماعي .
تزوج سي حمود السيدة فاطمة بنت الشيخ إبراهيم عيادي ،فأنجبت له ولدين هما : العياشي وإسماعيل وبنتا واحدة .
انخراطه في الثورة :
كان من أبرز أصدقاء الشهيد سي حمود الشهيدعبد الحميد حمادوش .حيث توطدت العلاقة بينهما منذ أمد بعيد ،كان لقاءهما يكاد يكون يومي ،خاصة في بداية الثورة التي كانت تتسم حركة انتشارها الأولى بكثير من السرية والكتمان والحذر والتدقيق في اختيار الرجال الذين سيتحملون عبء القيادة والتسيير والتنظيم . فقد اقتصر العمل الثوري في أول الأمربمنطقتنا على جمع الأسلحة من المواطنين، الذين كانوا يملكون بعض الأسلحة الخفيفة، كبنادق الصيد والرشاشات ونظرا للثقة التي كان يتمتع بها سي حمود عند المواطنين، تولى جمع الأسلحة، التي كانت تُجْمع عند الشيخ عبد الحميد حمادوش الذي يسلمها بدوره إلى المجاهد محمد علي بن المداني الذي يتولى نقلها إلى الثوار بجبل بوطالب . كان هذا العمل في بداية الثورة .
لما تكونت اللجنة الثورية الأولى لناحية قجال في سنة 1956 برئاسة الشهيد علي كفي (شهرته عليّ بن الزايدي) كان سي حمود أحد أعضائها ،وشغل منصب أمين المال . ولكن نظرا لما كانت تتطلبه أعمال اللجنة من حهد وصحة،وقدرة على التحمل ،كان يفتقدها كل من سي حمود وسي علي بن الزائدي، استقالا من منصبيهما وعوضا بآخرين ،وبقي سي حمود يعمل عملا سريا يتعلق من جهة بمراقبة الخونة المندسين في صفوف الشعب، ومن جهة أخرى بمراقبة السلوكات المنحرفة لبعض المجاهدين، مع المواطنين أوعائلاتهم ، التي كثيرا ماأدت إلى نتائج عكسية وخطيرة ، شوهت صمعة المجاهد ، وأساءت إلى شرف عائلات محترمة ،وكانت سببا في انحراف بعض المخلصين الذين أدت بهم ردود الفعل الغاضبة إلى اللجوء للعدو .
ليلة القبض على الشهيد سي حمود :
في الليلة التي التحق فيها الشيخ عبد الحميد حمادوش بالثوار، بعد محاولة اعتقاله من قبل العدو الفرنسي،التقى بسي حمود، وبات معه ليلتين في مخبإ بعيد عن القرية رفقة تسعة من الجاهدين. وفي صباح اليوم الثالث قال سي حمود لابن عمه الربيع فني :أنا الليلة سوف( أتسرب) - يعني أخرج معك خفية- ولا أتسرب مع مسؤول الفدائيين كعادتي .وكان من عادة المجاهدين الاختباء في النهار في المخابئ ،والخروج ليلا للقيام بمهامهم المنوطة بهم، كل حسب اختصاصه السياسي ،أو الفدائي ،أو العسكري إلى آخره .
كان المخبأ في مكان يسمى غار " الخلاوي ". بات فيه سي حمود واثنان من رفاقه :الربيع فني ،وعبد الحميد بلوط . أما سي حمود فلم يكن معه سلاح لأنه مدني ، وأما الربيع فني فإنه لم يكن يملك يومها إلاَّ "فوشي"- عصا غليظة – وكان دائما يقول :أنا لا،ولن ، أمكن الاستعمار من نفسي حتى يقبض علي أويضربني بيده النجسة، بل سأضرب حتى أموت. وأما عبد الحميد بلوط فكان عنده (ماط ) .
وفي الصباح الباكر باغت جنود العدو الجماعة في المخبإ المذكور، وألقى القبض على كل من سي حمود وعبد الحميد بلوط الذي استسلم دون قتال ، أما الربيع فني فرفض الخروج من الغار، وأخذ يقاوم كل من يحاول من جنود العدو دخول الغار للقبض عليه حتى قتل رحمه الله .
خضع سي حمود لعمليات تعذيب واستنطاق قاسية ، فاعترف أنه شارك في العمل الثوري ،ولكنه تخلى عنه منذ مدة طويلة ،وعلل عدم تسليم نفسه بالخوف من العسكر الفرنسي .وعن سؤال حول الذين كان يعمل معهم .قال لهم : أنا أعرف كل مواطني منطقتنا وغيرهم من مناطق مختلفة من الوطن .
بعد عملية الاستنطاق ،جاؤوا به مغطى الرأسن بحيث لا يمكن التعرف عليه ،وعرضوا عليه جمعا غفيرا من المواطنين كان من بينهم أكثر من عشرين مجاهدا نطاميا وفدائيا ومسؤولا .ولكنه لم يعترف للعدو بأحد منهم .
وكان هذا الموقف الثابت الصادق الشجاع من سي حمود مبعث ارتياح كبيرمن رجال الثورة والمواطنين. وانتشرت الأخبار أن سي حمود عرض عليه أكثر من عشرين مجاهدا ،ولم يعترف للعدوبأحد منهم .
:الشهادة :
شهادة أمنية كبيرة في نفس سي حمود. يحدث بها صديقه الشيخ عبد الحميد جمادوش ،ويعبر له عن طيفها الذي يزوره من حين إلى حين في المنام ،حتى غدا كأنه حقيقة يراها عيانا. وفي السجن أصبحت أمنية الشهادة رفيقته، بل أصبحت في السجن أكثر قربا ووضوحا،وتحققا من ذي قبل . لكن كيف ؟ لقد جاء إلى السجن من قبله كثير من الثوار . وهاهم باقون هنا ، فكيف لهم بالشهادة ؟ لكن ما سِر ذلك الطيف الذي لايفارقه في منامه ؟ كم من العلماء ؟وكم من الشيوخ الكبار تحدثوا عن أناس تحققت لهم رؤاهم ؟ أفلا يمكن أن تتحقق رؤيته هو أيضا ؟
وكانت يد القدر تعمل في الخفاء في اتجاه تحقيق أمنية سي حمود . هذا أحد المتساقطين الناكصين على أعقابهم يلجأ إلى عساكر الاستعمار الفرنسي ويكشف لهم عن بعض أسرار الثورة ورجالها ،وكان سي حمود من بين ضحاياه ويعطيهم الدليل على أن سي حمود كان مسؤول السر في الثورة . وأنه كان على معرفة تامة بالمجاهدين الذين مروا أمام عينيه ولم يشهد على أحد منهم .وبذلك تمت إدانة سي حمود وحكمت عليه محكمة عسكر فرنسا بالإعدام .
وفي ليلة استشهاده المشهودة من يوم 1959/06/11 جاء به العدو ليلا مكبَّلا إلى قرية المزارة . حيث كان لقاؤه الأخير بأفراد عائلة الشيخ المسعود قرقور، الذين داهم العدو بيتهم ،وهدم بدبابته فناء الدار ، وأخرج من كان فيها من الرجال والنساء و الأطفال . يقول الأخ أحمد قرقور- بكر الشيخ المسعود، وكان يومها في بداية عقده الثاني من العمر- يقول :"سلَّم علينا سي حمود جميعا وقال لنا :" بلِّغوا سلامي إلى جميع أهل العرش .وقولوا لهم :إن سي حمود يقول لكم : أنه لم يؤذ أحدا ،ولم يعترف للعدو بأحد ،وأن العدو قد حكم عليه بالإعدام ". وطلب شربة ماء، يبلل بها ريقه، ويزيل بها غصة العذاب، ويضيف الأخ أحمد قرقورقائلا :فأسرعت إلى البئر وناولته الدلو ليشرب ، فما كاد يروي ظمأه حتى انهال عليه أحدجنود العدوالمحيطين به ضربا مسقطا الدلو من يده قائلا له :لن تشرب بعد الآن أبدا .فكان رد سي حمود :"إذا لم أشربه هنا فسأشربه في الجنة إن شاء الله " .
واقتادوا جميع أفراد العائلة ، وأدرك سي حمود أن العدو يريد الانتقام من الجميع ، فرفع رأسه وَوَجَّهَ كلامه لقائد كتيبة العدو : أيها القائد : لا تقتل النساء والأطفال بجريرة الرجال فتدنس علم بلادك فرنسا ، فما كان من العدو إلاَّ أن أمر جنوده بإطلاق سراح النساء . وبقي سي حمود رفقة الطفل أحمد قرقور ،فكرر سي حمود نداءه للعدو قائلا :أيها القائد مرة أخرى أقول لك لاتدنس علم بلادك بقتل الأطفال ،فأطلق العدو الطفل أحمد قرقور . فتنفس سي حمود الصعداء؛ أنه استطاع أن يؤثر في نفس قائد العدو، ويمنع جريمة بشعة كادت تقع بقتل النساء والأطفال، ويقي هو بين جنود العدو المدججين بالسلاح يواجه مصيره .
خرجوا به ثابت الخطو رغم القيود، شامخا مرفوع الهامة، يوشح وجهه نور الشهادة ،وعلى لسانه شهادة " لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله " حينا ، والتكبير حينا آخر . وكان القدر الذي اختط له هذه الشهادة، قد اختط له أيضا البقعة الطاهرة التي ستصعد منها روحه البريئة إلى ربها، ويروي بدمائه تربتها التي ستبقى طاهرة إلى الأبد رغم أنف كل المتساقطين، ورغم أنف كل بقايا فرنسا في الجزائر .
وفي البقعة التي أقيم عليها مسجد قرية لمزارة الحالي (على رواية سي عبد القادر فني ) أو على مسافة منها شرقا (على رواية الأخ أحمد قرقور )،أطلق جنود العدو وابلا من الرصاص على جسد سي حمود الطاهر، سقط إثرها شهيدا ،وفاز بأمنيتة الغالية رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه .


الشيخ القريشي مدني


- ولد الشيخ القريشي مدني سنة 1925 بدوار بن اذياب . توفي والده وهو ابن عامين، فكفله عمه الشيخ الصحراوي وحرص على تربيته تربية صالحة ونشأة دينية؛ فأودعه عند معلم القرآن بدوار بن اذياب الشيخ النواري عشاش، فحفظ القرآن الكريم في سن العاشرة من عمره .
وفي سنة 1943 انتقل إلى زاوية قجال ليتلقى أولى دروسه في الفقه والنحو من الشيخ المختاربن الشيخ، وبعد عام من الدراسة التحق بمدينة سطيف ودرس فيها سنتين على يد كل من الشيخ البشيرالسيحمدي والشيخ رابح بن مدور والشيخ محمد عادل رحمهم الله. ولما توقفت الدراسة بسبب ثورة الثامن من ماي 1945 عاد الشيخ القريشي إلى زاوية قجال للقيام بالتعليم القرآني وإمامة المصلين بمسجد الزاوية خلفا للشيخ الأخضر الحسناوي الذي تقدمت به السن .
لما أنهى الأستاذ الشهيد عبد الحميد حمادوش دراسته بتونس وعاد إلى أرض الوطن وباشر التعليم بالزاوية ، كان الشيخ القريشي من أبرز طلبته ليتفقه في الدين وعلوم اللغة العربية وعلم الحساب والتفسير، وبقدر ما كان حريصا على طلب العلم كان أكثر حرصا على القيام بدوره في تعليم القرآن؛فتخرج على يده العديد من حفظة القرآن الكريم وقد قامت بينه وبين أفراد عائلتنا بدءا من شيوخها وانتهاء بأطفالها كل وشائج المحبة والثقة والاحترام والتقدير فصار الشيخ القريشي كأنه واحد من أفراد العائلة ، يرافق الشيخ محمد الصديق والأستاذ عبد الحميد في الحل و الترحال وتعرف على العلماء و جالس الأعيان فأكسبه ذلك أدبا وعلما وتجربة في الحياة ، ومن العلماء الذين تشرف بمعرفتهم إمام الحرمين الشيخ محمد العربي التباني ، و الشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ المسعود بن سالم وغيرهم .
في بداية الثورة الكبرى تعاون الشيخ القريشي مع أستاذه الشيخ عبد الحميد في جمع الأسلحة والتبرعات لفائدة الثورة وفي سنة 1956 ترك التعليم بالزاوية والتحق بالعمل الثوري، فعمل عضوا في لجنة بن ذياب، و ألقى عليه الاستعمار القبض يوم 17/03/1960 وقد تعرض للتعذيب الشديد أثناء استنطاقه ،ومكث في سجن العلمة خمسة أشهر ونصف الشهر.ثم نقل إلى معتقل تيفشون . وفي يوم 15/01/ 1961 أطلق سراحه، فرجع إلى العمل الثوري من جديد بتاريخ 1961/10/24 كمسؤول بدوار بن ذياب إلى يوم الاستقلال .
- أما بعد الاستقلال فنشهد في يوم ذكراك ياشيخنا - وأنت في دار البقاء - أنكم استطعتم أنت ورفاق لك كالشيخ إسماعيل زروق والإخوة الأساتذة من فلسطين تيسير ويعقوب والذيب واللجنة المسيرة المتكونة من شيخ الزاوية حمادوش الصديق وسي البشير قزوط والشيخ لحسن بودرافة والبشير فلاحي وبوزيد هيشور وغيرهم أن تبعثوا من جديد مشروع الزاوية تحت اسم مدرسة الشهيد عبد الحميد حمادوش التي أدت دورا رائدا في تعليم أبناء المنطقة لتنقذ أجيالا كاملة من هلاك الجهل والأمية وتجعل منهم رجال تربية وتعليم ، ولولا قرار إدماج التعليم الحر في التعليم الرسمي الذي كان نكسة للتعليم في بلادنا لأنه وباختصار شديد جمد العملية التعليمية وقضى على أهم عنصرين فيها؛ روح الثورة التي ورثها جيلنا عن الثورة المباركة في أن نحذو حذو الشهداء الذين حرروا البلاد لنحقق نحن بدورنا لبلادنا بمداد القلم الذي يوزن يوم القيامة بدماء الشهداء نهضة معرفية وثقافية وعلمية وإبداعية عملاقة تخرجها من دائرة التخلف إلى قوة ورفاهية الدول المتقدمة . بينما كان التعليم الرسمي يحمل روح الإدارة الاستعمارية في تكريس النظرة الدونية للغة العربية وحاملها الذي كان يمثل في ذهنية أغلبية سدنة الإدارة من وراء الكواليس ذلك الأهلي في العهد الاستعماري أما العنصر الثاني فتمثل في وأد الفاعلية التي كانت تتمتع بها المدرسة الحرة المستندة على قاعدة التنافس بين مؤسساتها لتحقيق تعليم أفضل ونتائج أكثر نجاعة وكفاءة.فرغم أن المدارس الحرة كانت تفتقر إلى أبسط المقومات في هياكلها ووسائلها إلا أنه بروح الثورة الكامنة في إرادتها وعنفوانها كانت قادرة على تجاوز ذلك من أجل تحقيق كل آمالها. ولذلك أقول لولا ذلك القرار لكان لمدرسة قجال وغيرها من المدارس الحرة عبر الوطن شأن آخر، ولكان مسار التعليم غير الذي نراه اليوم من تدن للمستوى التعليمي والتربوي وفوضى كبيرة في التسيير وتخبط في عملية الإصلاح التي يتحدثون عنها كثيرا ولانرى منها إلا النتائج الأسوء.
- واليوم ونحن نستعيد ذكراك يا شيخنا بكل زخمها وشموخها وما أبديت من استعداد للعطاء بعد تقاعد ك من أجل أن تبعث الزاوية من جديد لتؤدي دورها في الإرشاد والتوجيه والتعليم ؛فاعتليت منبرها لإقامة أول جمعة في مسجد ها سنة 1982 بعد انقطاعها منذ عهد الشيخ الصديق حمادوش رحمه الله ( 1834/1893 ) وتطوعت لتقديم دروس في اللغة والفقه والتفسير والنحو والشعر العربي لسنوات عدة في أكثر من موقع للطلبة والإئمة وحتى في بيتك ، ورغم المرض لم تبخل علينا بالتوجيه والنصيحة ، وكان يؤلمك كثيرا ما كانت تتعرض له الزاوية وأهلها من مضايقات ومحاولات التثبيط والتشكيك والهمز واللمز والاستطالة في أعراضنا حتى تساءل أخ مخلص من الذين يعز عليهم المس بكرامة عائلتنا: لماذا يكرهونكم إلى هذه الدرجة ؟ ولقد زادت الأحوال سوءا بعد رحيلك عنا ، حيث أشهر خصوم الزاوية وأهلها كل أسلحتهم ؛ فمن محاصرتها في المكان إلى السخرية و الاستهزاء من الزاوية ورموزها وتاريخها إلى الإدعاء بالحق التاريخي فيها أو الحق فيما بقي من جدرانها لفلان أوعلان، إلى صد المصلين عن الصلاة فيها لينتهي الأمر إلى السقوط في حمأة التنازع والاستهتار والفضاضة وسلوكات منحطة لا تليق بالمكان ولا بمن يتبوأ العمل في زاوية اومسجد ، يبرأ العاقل بنفسه أن يشارك فيها .

لقد مرت ذكرى رحيلك لتطرح أكثر من سؤال على كل من عرفوك ،وطلبتك بصفة خاصة ،تذكرهم بواجب الوفاء ، وحق المعلم على المتعلم ،وحق العلم الذي اخذوه في أن يعلموه غيرهم ، وقد قضى الله تعالى على من تعلم شيئا أن يعلمه .
في يوم ذكراك نسأل الله تعالى لك ولكل الذين كانت لهم المساهمة في زاوية قجال قبل الثورة وبعدها وعبر تاريخها الطويل أن يتغمدكم الله تعالى برحمته ورضوانه إنه سميع مجيب .

الشيخ عبد الرحمن حمادوش
الشيخ سيدي عبد الرحمن حمادوش :

كان التواضع سمته ، كثير الصمت،عفيف اللسان ، حيي ؛ يستحي حتى من أبنائه وأحفاده ، دائم البسمة في وجه كل من يقابله صغيرا كان أم كبيرا ، صبورا جلدا إلى حد الدهشة ،
كان السخاء والكرم والإنفاق على اليتيم والسائل والمحروم ديدنه فهو من عائلة معروفة بزاوية قجال التي كان الهدف من إنشائها تحفيظ القرآن وتعليم العلوم الشرعية وأداء صلوات الجمع والأعياد، والإنفاق في سبيل الله وإصلاح ذات البين .
إنه سيدي عبد الرحمن حمادوش بن الشيخ الطيب بن الشيخ الصديق الحسني نسبا . ولد سنة ألف وتسعمائة وتسعة بقرية قجال. حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ بوزيد خلفي ، ودرس الفقه المالكي على يدي الشيخ المختار بن الشيخ ، وانتقل إلى زاوية أولاد سيدي الشيخ بطولقة ودرس فيها عدة سنوات ،ثم عاد إلى قجال ليتولى الشؤون الخاصة للبيت الكبير وإطعام طلبة الزاوية .
كان سيدي عبد الرحمن حريصا على تلاوة كتاب الله بقوة تبرز في التأكيد على مخارج الحروف ،وإعطاء المدود حقها . يحافظ على قراءة الحزب مع طلبة الزاوية ، يجالسهم ويصلي خلفهم ، وينفتح عليهم بالكلمة الطيبة والنصيحة النافعة ، والتوجيه الذكي .
لا يعرف الكثير من الناس أن الشيخ سيدي عبد الرحمن كان فقيها ضليعا في الفقه المالكي ، ولكنه لم يتصد يوما للفتوى، وكان يحيل المستفتين على الشيخ الشهيد عبد الحميد حماد وش والشيخ القريشي من بعد ه.
" الخير فيما اختاره الله " كانت هذه كلمته التي يواجه بها كل ضغوطات الحياة ومشاكلها ومصائبها .لم يكن يبدي جزعا من قضاء الله الذي ابتلاه في فقد العديد من أولاده في عز صغرهم .وبعضهم في عز شبابهم .
ما رأيته منذ وعيت على الدنيا - وأنا حفيده وقد بلغت الخمسين من العمر عند وفاته – أبدى غضبا من أحد منا صغيرا أو كبيرا، رجلا أو امرأة ، كما أني لم أسمعه يسب خصما أو يذكر أحدا بسوء أو يخوض في عرض أحد ، كان بعيدا عن كل ما ألفه الناس من غيبة أو سخرية .
كانت علاقة الشيخ سيدي عبد الرحمن بأبنائه وأحفاده ، ملؤها المودة والعطف من قبله والتقدير والإجلال من قبلهم ،لم يحدث أن أبدى الشيخ عبد الرحمن يوما شيئا من الغضب بل مجرد الامتعاض أو الانزعاج مما يصدر منا من أخطاء أومواقف لا ترضيه.
كان للشيخ سيدي عبد الرحمن حضور معنوي كبير بقرية قجال ،فهو شيخها وسيدها وعمادها ، كان وجوده يعطي سكان المنطقة الإحساس بالأمان والسكينة والحفظ ،يلتمسون منه الدعاء ، ويحرصون على دعوته لحضوره مجالسهم الخاصة والعامة تيمنا وتبركا .
كان الشيخ رابح عيادي نعم الصديق الحبيب للشيخ سيدي عبد الرحمن. رفيقه في تسوقه أو عيادة مريض أو تلبية دعوة ، وجليسه أمام الدارأو في ساحة المسجد .
عاش الشيخ سيدي عبد الرحمن ما يقرب من تسعين سنة ،رسم من خلالها معالم أساسية لمن أراد أن يحيا حياة فاضلة من أحفاده والناس :حفظ كتاب الله وتلاوته في كل آن ، والثقة في الله والتواضع لخلق الله ، والإنفاق في سبيل الله ، والصبر عند البلاء والشكر في الرخاء .
انتقل الشيخ سيدي عبد الرحمن إلى رحمة الله يوم الثامن عشر من شهر أفريل سنة 1998ودفن بمقبرةقجال . تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه .








 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(زاويةعبد الحميد حمادوش


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:15

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc