لعولمة والحقوق الاقتصادية
رغم ما بشّرَ به الكثيرون من أنه في ظل العولمة وتحرير قوى التنافس سوف تُوجَّه الموارد البشرية والمادية إلى المواقع الإنتاجية ( وهو ما يعرف بالاتجاه الكفء للاقصاد ) وسوف يترتب على ذلك تزايد مضطرد في حركة الإنتاج بالمعنى الواسع، على الصعيد الدولي بما يُشبع احتياجات البشر بشكلٍ أفضل.
إلا أنه في ظل العولمة اتجه العالم نحو استقطاب شديد في الفقر الذي اتسعت دائرته بشكلٍ مخيف ( حيث يعاني 840 مليون نسمة من الجوع، و 2 بليون آخرون يعانون من سوء التغذية ). كما يتجه العالم إلى تركيز شديد في الثروة، وذلك على مستوى الدول ومستوى الأفراد أيضاً داخل الدولة الواحدة.
فَخُمس سكان العالم ممن يعيشون في أعلى البلدان دخلاً يحصلون على 86% من الناتج الإجمالي، 82% من صادرات العالم، 68% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، و 74% من خطوط الهاتف في العالم. أما خُمس السكان ممن يعيشون في أشد البلدان فقراً فإنهم يحصلون على 1% فقط من الناتج الإجمالي العالمي.
ويرجع ذلك لعدّة أسباب أهمها هيمنة الأسواق على عملية العولمة وتكريسها لزيادة الربح دون اعتبار يُذكر لما يعكسه ذلك على حقوق الناس.
ويقول تقرير التنمية البشرية لعام 1999 "أن الآثار الجائرة المترتبة على العولمة التي توجهها الأسواق ويوجهها تحقيق الربح، أوسع وأعمق من البيانات المذكورة عاليه حيث أنها تمس جميع جوانب حياة الإنسان". كما يضيف التقرير أن الرعاية التي تمثل قلب التنمية البشرية غير المرئي "مهددة لأن السوق العالمية التنافسية الموجودة الآن تفرض ضغوطاً علىما يلزم لأعمال الرعاية من وقت وموارد وحوافز، وهي أعمال بدونها لا ينتعش الأفراد ومن الممكن أن ينهار التماسك الاجتماعي". ومما لا شك فيه أن هذه الأوضاع تؤثر على تراكم القدرات الإنسانية للمجتمع التي تعتبر الآن أهم للتنمية من تراكم رأس المال.
والسبب الثاني ناتج عن طبيعة التطور التكنولوجي نفسه وظهور الآلات المتطورة الموفرة للوقت والجهد الإنساني مما جعل المشروعات الكبيرة التي تطبق أساليب التكنولوجيا تُلغي من الوظائف أكثر مما تخلق من هذه الوظائف وتجري باستمرار عمليات "Re-engineering' على نطاق واسع في مجالات العمالة في مختلف الشركات الكبرى وقد أدى ذلك إلى إلغاء كثير من الوظائف وإلى خفض هائل في عنصر العمل. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال تم القضاء بالفعل على مليون وثمانمائة ألف وظيفة في قطاع الصناعات التحويلية كان يعمل بها 120 ألف عامل في عام 1980 وانخفض عددهم إلى 20 ألف فقط عام 1990 وينتجون نفس القدر من المنتجات. ( التقرير السنوي للعمالة لعام 96/97 منظمة العمل الدولية).
وبطبيعة الحال يترتب على ذلك وجود جيش من العاطلين وكذلك تخفيض أجور ومرتبات العمال والموظفين وتقلص الكثير من المزايا والحقوق التي كانوا يحصلون عليها.
يلاحظ أيضاً أنه في الثورات الصناعية السابقة كانت مكاسب الإنتاج الناجمة عن التقدم التكنولوجي، يتقاسمها جميع المشتغلين في الاقتصاد القومي مع اختلاف النِسَب.
أما الآن فإن ثمار زيادة الإنتاج الناتجة عن الثورة العلمية يتقاسمها عدد ضئيل جداً من الأفراد، والذين يمثلون تحديداً رجال الإدارة العليا وحملة الأسهم وعمّال المعرفة.
ويترتب على ذلك زيادة مطردة في فئات ما تحت خط الفقر، وتهميش هذه الفئات وتركيز الثروة في أيد قليلة.
إذا كانت الحقوق السياسية والمدنية قد استفادت من عصر العولمة كما سبق أن أوضحنا فإن الحقوق الاقصادية والاجتماعية لم تأخذ نفس القدر من الاهتمام.
إن من حق الإنسان أن يتحرر من الفقر، وسوف تظل العدالة الاجتماعية قيمة من القيم التي يتحتم علينا وعلى المجتمع الدولي أن يتمسك بها، فتوازن المجتمع أمر ضروري لإيجاد الاستقرار الحقيقي وتحقيق الأمن ومقاومة العنف شرط أساسي لإقامة مجتمع ديمقرطي.
العولمة والحقوق الثقافية
إذا انتقلنا لبحث آثار العولمة على الحقوق الثقافية فسوف نجد الأمر أكثر تعقيداً وأكثر إثارة للجدل بين الخصوصية والعالمية وبين ما هو محلي وما هو كوكبي وبين التعددية والتوحيد في نظرة شاملة لما هو كوني. فالقيم المترسخة في ضمير الشعوب هي التي تشكل رؤيتها ونظرتها للعالم ومن هنا تأتي أهمية الثقافة بالنسبة لقضية العولمة.
ووفقاً للمواثيق الدولية، فللإنسان الحق في التمتّع بثقافته الخاصة واستخدام لغته والمجاهرة بدينه أي أن تكون له خصوصيته الثقافية التي تعني التباين بسبب اختلاف السلالة أو اللغة أو الدين في إطار الثقافة والفكر على مستوى الوطن والمنطقة - والحضارة
إلا أن التفاوت الهائل في الإمكانيات الثقافية التي ارتبطت ببعض الحضارات يثير الكثير من المخاوف لما في ذلك من تهديد للخصوصية ولثقافات أخرى لا تملك هذه الإمكانيات.
وتتفوق الولايات المتحدة الامريكية في نسبة ما تصدِّره من ماد ثقافية وترفيهية ( كتب وأفلام السينما-والموسيقى-وبرامج التلفزيون-وال Software ) إلى حد أن صادراتها من هذه الماد تسبق جميع صادراتها من أي قطاع آخر. فقد حقق فيلم واحد (تيتانك) 1,8 بليون دولار. وهذا ما يدفع الولايات المتحدة إلى الإصرار على أن تعامل السلع الثقافية معاملة بقية السلع الأخرى بمعنى ألا تُفرض عليها قيود تمييزية.
بعكس فرنسا ودول أخرى التي تعتبر أن العولمة الثقافية خطر استراتيجي يهدد هويتها الثقافية.
أما في العام الثالث فمشكلة العولمة الثقافية أنها تكاد تكون في اتجاه واحد نتيجة الإمكانيات الهائلة للولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى في هذا المجال والتي جعلت دول العالم الثالث في وضع المتلقي دائماً.
فقد ذكرت احصائيات منظمة اليونسكو أن شبكات التلفزيون العربية، تستورد ما بين ثلث إجمالي البث (كما في سوريا ومصر) ونصف هذا الإجمالي (كما في تونس والجزائر)، أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد على ذلك حيث تصل النسبة إلى 58 % من إجمالي البث، و 96% من مجموع البرامج الثقافية.
ولا شك أن هذه الأوضاع تثير مخاوف الكثيرين في منطقتنا باعتبارها تُهدد الهوية الثقافية التي هي حق من حقوق الإنسان.
يزيد من هذه المخاوف خروج عدة نظريات متعجلة في أعقاب سقوط حائط برلين تُبَشِّر بانتصار الليبرالية الجديدة والحضارة الغربية ووجوب تعميمها لتشمل العالم أجمع، مثل مقولة "نهاية التاريخ" التي خرج علينا بها فرانسيس فوكوياما، ومقولة "صدام الحضارات" التي خرج علينا بها صامويل هنتنجتون.
ورغم أن هذه المقولات لم تستند إلى تحليل موضوعي لما سيكون عليه شكل النزاعات في القرن الواحد والعشرين، إلا أنها أثارت الكثير من المخاوف لأنها صدرت عن جهات معتمدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية. فجاءت وكأنها تنظير لسياسة الهيمنة الأمريكية خاصة وأنها تميزت بالعداء الشديد للإسلام.
خصوصية عربية
منذ ظهور الاهتمام بموضوع العولمة، أصبحت قضية حقوق الإنسان في الوطن العربي ربما من أهم القضايا المطروحة على الساحة. وليس ذلك فقط لتردي حالة حقوق الإنسان في منطقتنا وإنما أيضاً لالتباس المفاهيم في مجتمعاتنا العربية. فما زال البعض يعتقد أن حقوق الإنسان مفهوم دخيل على ثقافتنا العربية صاغه المجتمع الغربي لتحقيق مآرب سياسية. ويدلل أصحاب هذا الرأي على ذلك بطابع الازدواجية والانتقائية في تعامل الغرب مع قضايا حقوق الإنسان في المنطقة.
وبجانب الجدل حول المفاهيم هناك الجدل أيضاً حول الإطار المرجعي لحقوق الإنسان الذي يتنازعه تياران، يرى أحدهما ضرورة الالتزام الكامل بالعهود والمواثيق الدولية كمرجعية حاسمة لحقوق الإنسان، بينما يرى الآخر تعارض المفاهيم الدولية مع الخصائص الدينية والثقافية والحضارية السائدة في بلداننا العربية ثم اتجاه البعض لتوظيف هذه الاختلافات في العراك السياسي القائم بين التيارات العلمانية والتيارات الإسلامية.
ثم هناك الجدل حول عالمية حقوق الإنسان، وما يجره ذلك من تدخل في الشئون الداخلية للدولة. ولا يغيب عن الحكومات العربية كيف استُغلّت حقوق الإنسان لتفكيك الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية. وقد أسفر هذا اللبس عن انصراف بعض الحكومات العربية عن الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، كما ظهر أيضاً في موقف الدول العربية من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي صدر من خلال جامعة الدول العربية ولم تصدّق علبه سوى دولة واحدة فقط.
وتقف المنظمة العربية لحقوق الإنسان مع المفاهيم التي جائت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنظومة الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة وذلك اعتقاداً منها أنه لا يوجد تعارض بين هذه المواثيق وجوهر الثقافة العربية والإسلامية وما أتت به الأديان السماوية الأخرى.
ورغم أن عبارة حقوق الإنسان استخدمها الغرب أولاً، إلاّ أن مضمون وجوهر هذه الحقوق جاء نتيجة نضال إنساني طويل وثورات إنسانية وعالمية كان للعرب والمسلمين مساهماتهم الهامة في تأكيد هذه الحقوق.
كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يكن مجرد وثيقة غربية أو مجرد أفكار غربية فرضت علينا، ولكنها جائت نتيجة مفاوضات وجهود إنسانية شارك فيها المجتمع الدولي كله شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، بكل حضاراته وثقافاته من خلال الامم المتحدة. فهو بالتالي عمل إنساني شاركنا فيه، ويمثل الحد الأدنى من التوافق بين كل هذه الدول بحضاراتها وثقافاتها المختلفة.
والغريب أن كل الجهود الجادة والمخلصة التي انصرفت إلى عمل مواثيق حقوق إنسان إسلامية توصّلت إلى أن الإسلام أمر بهذه الحقوق قبل أن يتحدّث بها الغرب وانها في الإسلام أوسع وأشمل مما جاء في المواثيق الدولية وأنها ليست مجرد حقوق ولكنها في حكم الإسلام واجبات تُلزم المسلم الأخذ بها. وهذا يزيل التناقض فمن يؤمن بالأشمل والأعم يقبل بما هو أدنى لتعميمه دولياً، ولا يمنع ذلك من أن نذهب إلى هو ما أبعد منها إقليمياً لتأكيد خصوصيتنا التي هي ربما أوسع من الحد الذي اتفق عليه دولياً.
ولكن الملاحظ أن المواثيق التى تصيغها الحكومات تعمل بعكس ذلك فالميثاق العربي لحقوق الإنسان جاء هزيلاً وأقل كثيراً مما نصت عليه المواثيق الدولية، وكذلك جاء إعلان القاهرة الصادر عن المؤتمر الإسلامي (حقوق الإنسان في الإسلام ).
والحقيقة أن معظم الذين يأخذون الخصوصية في مجال حقوق الإنسان نقيضا للعالمية، يفعلون ذلك للإفلات من الالتزامات الدولية في هذا المجال.
ففكرة العالمية في مجال حقوق الإنسان هي التي نقلت حقوق الإنسان من مجرد شأن من الشئون الداخلية لتصبح جزءاُ من القانون الدولي.
وفكرة أن جميع البشر يدخلون القرن الجديد وهم يمتلكون منظومة من الحقوق الغير قابلة للتصرف والتي لا يمكن انكارها باعتبارها حق مكتسب منذ ولادتهم، هي فكرة تستحق أن نتمسك بها وأن نناضل من أجل جعلها حقيقة.
وعالمية حقوق الإنسان - كما أكدت قرارات مؤتمر فينا العالمي لحقوق الإنسان - لا تتعارض مع فكرة التنوع الثقافي والخصوصية الثقافية التي هي أيضاً حق من حقوق الإنسان والشعوب.
هل تتأثر عالمية حقوق الإنسان بالعولمة ؟
في اعتقادي أن العالمية شئ مختلف عن العولمة، فالعالمية لا تُنهي دور الدولة، ولا تسعى للتقليل من شأنها. فالعالمية تضع على الدولة التزامات معينة وهي تحتاج لدور الدولة لتنفيذ هذه الالتزامات.
هذا بعكس العولمة التي تحد من دور الدولة وسلطاتها لتضعف تأثير الحدود السياسية والسيادة. والعالمية توحي بالمشاركة حيث يتم التعاهد أو التوافق بين المجتمع الدولي على أهداف محددة أو مفاهيم معينة مقابل التزامات يقبلها الجميع، وهي تعني الانفتاح على الآخر، وتعبر عن الرغبة في الأخذ والعطاء.
أما العولمة فهي تسييد أوضاع معينة على العالم أجمع أي أنها تعتمد على التحول من الخارج. فلن تتغير الاقتصاديات من داخل الدولة - على سبيل المثال - لذلك لا بد من فرضها من خلال المؤسسات الدولية والضغوط الخارجية من أجل تحويل هذه الاقصاديات وإدماجها في النظام العالمي وليس اعتماداً على الدينامية الذاتية، وهي بذلك اختراق للآخر وسلب لخصوصيته.
فإذا انتقلنا من التعميم إلى التخصيص على حالة حقوق الإنسان فإن عالمية حقوق الإنسان تعني الالتزام في هذا المجال بالمفاهيم التي أقرّها المجتمع الدولي من خلال أكثر من مئة اتفاقية وإعلان وعهد دولي، وتعني أنّ حقوق الإنسان كل لا يتجزأ.
أما العولمة في مجال حقوق الإنسان فتعني تعميم مفهوم حقوق الإنسان في ثقافة الدولة الأقوى، والتي هي حالياً الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها ثقافة الأمة الصاعدة والساعية للهيمنة على مستوى العالم كله.
الخلاصة :
ونخلص من هذا العرض السريع إلى ما يلي :-
أولاً : إذا كنا نريد بالفعل أن تكون العولمة لصالح البشر حقيقة يجب أن تُتَّخذ حقوق الإنسان لتكون المؤشر الرئيسي لتوجيه مسار العولمة، ولا شك أن أخطر ما يواجه البشرية في مجال العولمة هو النظر لهذه العولمة هي أنها عولمة اقتصادية فقط دون بعدها الإنساني. فلا يُمْكن قبول فكرة هيمنة الأسواق على عملية العولمة ليكون الربح وحده هو اساسها في غياب الاعتبارات الإنسانية وحقوق الإنسان، كما أنه لا يُمْكن أيضاً قبول فكرة استخدام علاقات القوة السياسية لفتح الاسواق قسراً. فالأوربيون والأمريكيون - على سبيل المثال _ يدعمون الزراعة في بلادهم، ولكنهم لا يترددون في تفكيك زراعة الدول الأخرى من خلال ضغط السوق المفتوحة مما يزيد من تبعية هذه الدول ويُؤثر بالتالي على حقوق هذه الشعوب ومعاناتها.
ثانياً : مع اعتقادنا بإنه من غير الممكن تجاهل آليات السوق أو القفز فوقها فأنه من الخطر تصور أن قوى السوق أو العلم والتكنولوجيا ستوفر لنا طريقة شبه أوتوماتيكية التوازنات التي لا نستطيع تحقيقها.
إنّ السوق والعلم والتكنولوجيا كلها أدوات من صنع الإنسان وهي بكل تأكيد لها كفاءة لا يُمكن إنكارها ولكن علينا أن نظل مدركين أنها مجرد أدوات وأنها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها كما يُنظر إليها الآن بعد أن فُرِضت على المجتمعات البشرية، وتسببت في تراكم أزمات لا مخرج معروف لها حتى الآن، منها التفرقة الاجتماعية والهوة التي تتجذر بين الأغنياء والفقراء (مجتمعات ودولاً) وكذلك الحروب البلهاء من أجل التحكم في مصادر الطاقة والمياه الشحيحة وصولاً إلى عصابات المافيا والربط بين تجارة المخدرات والعنف.
وثالثاً : لقد أصبح العالم في حاجة إلى مشروع عالمي تلتقي عنده شعوب الأرض بجميع ما يوحد هذه الشعوب ويسمح لها في نفس الوقت بالتمايز الذي يحفظ الهوية.
ويقوم هذا المشروع على أساس المساواة ليكون هدفه الأساسي تحقيق السلام والتقدم للبشرية كلها. ويكون هذا المشروع قادراً على توفير إدارة جيدة للشئون المشتركة لكوكبنا Good Global Governance . ولا أعتقد أن هناك مبادئ أساسية يمكن أن يرتكز عليها هذا المشروع أفضل من المبادئ التي ارتكز عليها قيام الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما كانت مخاطر الحرب ما زالت ماثلة أمام العالم. وأقصد ميثاق الأمم المتحدة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ما أحوجنا اليوم للتمسك بالمبادئ الواردة في هذه المواثيق والإخلاص لها من جديد لكي ننقذ كوكبنا.
أما جهاز الأمم المتحدة وآلياتها فيحتاج إلى إصلاح جذري ليواجه العالم المتغير الجديد، فلم يعد الشكل الهرمي الذي قامت عليه الأمم المتحدة وتركيزكل السلطات في مجلس الأمن يصلح لعالم شديد التمسك بالمشاركة. فقد أصبح من الضروري أن تُتَّخذ القرارات قريباً من القاعدة. فكم من قرارات اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وبقيت مجرد حبراً على ورق. وكم عجز مجلس الأمن صاحب السلطة العليا على اتخاذ مجرد قرار لمواجهة أكبر الكوارث.
إننا أمام مفترق طرق، فأما أن تكون العولمة هي الإنقاذ الحقيقي للبشرية، بأن نأخذ بُعدها الإنسان وتكون بالفعل لصالح البشرية كلها أو تتجرد العولمة من هذا البعد الإنساني وتستمر هيمنة الأسواق وسياسة الربح وحدها المحرك الوحيد للعولمة، فتصبح العولمة بذلك مرحلة جديدة من مراحل الهيمنة، بعد الاستعمار والاستعمار الجديد والإمبريالية.
إنّ ما حدث في سياتل يعطينا الأمل في أن التغير ممكن لصالح البعد الإنساني وأن العولمة ليست قدراً تتحكم فيه دولة واحدة أو عدد قليل من الدول