بحث - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

بحث

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-12-27, 22:18   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
hajura
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










B8 بحث

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كيف الحال اخواني الكرام? ارجو مساعدتكم في انجاز بحث المنهج الشكلي الجمالي في مقياس النقد الادبي العربي الحديث
ولكم مني فائق التقدير و الاحترام









 


قديم 2009-12-28, 17:55   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الدلفين
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الدلفين
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


السلام عليكم...... إليك بعض المساعدة... والمنهج البنيوي على حد علمي هو نفسه المنهج الشكلاني.

المنهج البنيوي (الشكلاني) في النقدالأدبي
مقدمة:
لابدّ من الإشارة إلىأن المنهجالبنيوي ظهر باعتبارهوسيلة علميّةللتعامل مع الأدب الذي خضع في الفتراتالسابقة لتعاملات متباينة، فقد كان المنهج التاريخي وكذلك المنهج النفسي الذين كاناسائدين لدى دارسي الأدببعيدينعن النص الأدبي ذاته لكونهما منهجان خارجيانيدرسان الظاهرة الأدبية من خارجها ويفسران العمل الأدبي؛ أما برده إلى الشروطالتاريخية أو إلى العوامل الباطنية للمؤلف، وذلك أن السياق الفكري الذي ترعرعت فيههذه المناهج سادت فيهالنزعة التاريخية، حيث كانت تُفسّر كلّ الظواهر منخلالالتاريخ، فالسابق يتحكم دائماً في اللاّحق. وقد اتفق مفكرون حول هذهالنقطة حتى وإن كانوا مختلفين فيما بينهم في مسائل أساسية، فقد قدم«داروين»تفسيراً لتطور الأحياء من منظور تاريخي.
ونقل«سبنسر»نظرية داروين من المجال البيولوجي إلى جميع المجالاتالاجتماعية والروحية والعلمية والمادية.
واتّخذ«نتيشه»من فكرة التاريخأساساً لفلسفة كاملة تؤمن بأنّ ثمة تاريخاً للأخلاق والمعارف والقيم، وبأنّ حاضرهذه المعاني لا يمكن فهمه إلاّ من خلال ماضيها وأنّ الإنسان كائن تاريخي فيصميمه.
وطبق «كارل ماركس» فكرة التاريخ على العلاقاتالإنتاجيةبين البشر في مراحلها المختلفة. ويمكن القول إنّ العلومالطبيعيةذاتها كانتتضفي على فكرة السببية -وهي الفكرة الرئيسية فيها- طابعاً تاريخياً أو زمنياً،وأصبح النقاد الفنيّون والأدبيون يفسرون عمل الكاتب من خلال تاريخ حياته ويبنوننظرتهم إلى الفنان على وقائع نفسية أو اجتماعية أو سياسيّة لها موقع معيّن فيالتاريخ. أي أنّالتاريخيمثل مُعطىً لايمكن الاستغناء عنه باعتباره متغلغلافي كلّ شيء.
بالإضافة إلى هيمنة التاريخ في تلكالمرحلة؛ فقد كان هناك نزعتان تسيطران على الفكر، هما:
الفلسفةالوضعيةالتي وضعصيغتها الأولية الفيلسوف الفرنسي «أُوغست كونت» الذي أصدر بين 1830-1846م دراسته "بحث في الفلسفة الوضعية"، و النزعةالتجريبية، حيث أكد «فرانسيس بيكون» على أهميّةالملاحظة والرصد الدقيق للوقائع. لقد كانت غاية الفلسفة الوضعية هينقل مناهجومباديء العلوم الطبيعية إلى مواضيع الفنفكان الفيلسوف الوضعي أكثراهتماماً بالحقائق المدركةحسيّاًمنه بالأفكار، وبالكيفيّة التيتنشأبها هذه الأفكار منهبأسبابها، ونبذت كل معرفة لا ترتكز علىدلائل حسية باعتبارها تأملا تافهاً، وكان لهذا النوع من الوضعية، فيأواخرالقرن التاسع عشر تأثير كبير فيالفكرالأوربي بوجه عام وفي دراسةالأدببوجه خاص. وبموجب هذا التصوّر أصبحهدفالدراسة الأدبيّة هوتفسير النصوصسببيّاً، من خلال علاقاتها بالمحيط الخارجي، و الغاية من ذلكمحاولة الحصول علىتاريخعلمي للظواهر الأدبية أسوة بالمناهج العلميّةالمتعلقة بالظواهر الطبيعية الكونيّة.
إنّ هذهالطريقة في الدراسة الأدبية اقتصرت على البحث في الأسبابالوقائعيةوالتكوينيةمثل حياة المؤلف والبيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية،حيثلم تعنَبدراسة العناصرالجوهريةفيالنصوص، فالتجأت إلىفقه اللغةوفروع التاريخ بهدف تفسير معاني الكلمات المفردة وشرح الإحالاتوالتلميحات دون عناية بالنص نفسه وبمحتواه وقيمته الفنيّة، فقد عاملت النصوصباعتبارها آثاراً ووثائق تاريخية يمكن أن تحيل إلى شيء آخر خارج عنها ولكن لايمكنأن تكون لها قيمة بحد ذاتها. لقد هيمن هذا المنظور الوضعي للأدب فترة طويلة منالزمن في أوربا، ولدى النقادالعربفيبداياتعصر النهضة، وتجلى ذلك من خلال الكم الهائل للمؤلفات التيتدرسالمؤلف وأعماله. وقد أسفرت هذه الدراسات على مجموعة من القضايا تتمثل فيالاهتمام المتزايد بتوثيق النصوص وشرحها، وتحقيقها، وبأخبار الكتاب والشعراءوالاهتمام بالمؤلفين البارزين. وقد نجم ذلك غياب الاهتمام بموضوع الأدب ومفهومالنص. ومن هنا فإنالمنهج البنيويبرز في محاولة منهلتخليص الأدب ممّا لاعلاقة له بالأدب.
المنهج البنيوي :يعتبر المنهجالبنيوي مثالاً للتحول الجذري الذي عرفته العلوم الإنسانية في القرنالعشرين، ورؤية جديدة لمراجعة التصورات السائدة والتقاليد التي رسختهاالأفكار السابقة للقرنالتاسع عشروماقبله. ولكي تتضح الأسباب الداعية لبروزهذا المنهج يحسن معرفةالأسس الفلسفيةالتي تمدّه والتطورات الحاصلة فيالدراسة اللغوية والتحول المنهجي الذي أحدثه حركةالشكلانيينالروس.
أ- المهاد النظري لظهور البنوية:
الشكلانيون الروس : يكاد يجمع مؤرخو الحركة الشكلانية أن البدايات الأولى للشكلانيةالروسية بدأت حينما نشر " فكتور شكلوفسكي " مقالته عنالشعر المستقبلي عام 1914 تحت عنوان " انبعاث الكلمة ". أما الانبثاق الفعليلهذه الحركة فقد جاء نتيجة للاجتماعات والنقاشات ومنشورات جماعتين من الطلاب،الجماعة الأولىأطلق عليها " حلقة موسكو اللغوية "،تأسست عام 1915، وكانت اهتماماتها بالأساس لغوية ، حيث وسعت نطاق اللسانيات لتشملاللغة الشعرية، ويعدرومان جاكبسونأبرز منظري هذه الحلقة.
أماالجماعة الثانيةفقدأطلقت على نفسها اسم " جمعية دراسة اللغة الشعرية " عام 1916 ببطرسبورغ، كانت تتكون من طلبة يهتمون بالأدب، وما كان يوحدهم هو ضجرهم منإشكال الدراسة الأدبية السائدة، بالإضافة إلى اهتمامهم بحركة الشعراء المستقبليين،ويعدفيكور شكلوفسكي وبوريس ايخنباوأهم منظري هذه الحلقة.
لقد اعتبرالشعر المستقبليكخلفيةجمالية انطلقت منها آراء الشكلانيين الروس في تحديدهم لمفهوم الأدب والشعر، حيث أن " المستقبليين كانوا لا يختلفون عن الرمزيين في موفقهم العدائي من الواقعية، فشعار " الكلمة المكتفية بنفسها " الذي تبناه المستقبليون كان يعنيالتركيز علىالتنظيم الصوتيالمستقلللكلمات، بوصفه شيئا يتميزبذاته عن قدرة الكلمات على الإشارة إلى الأشياء.
لقد ألهم هذا التصور المستقبلي مفكري حركةالشكلانين الروس ليهتموا بالصوغالتقنيللكاتب ومهارتهالحرفية. مماأضفى على نظريتهم طابعا راهنيا، وذلك لارتباطهم بمدرسة ظهرت في مطلعالقرنالعشرين، كحركة فيالرسمثم انتقلت إلى الإبداع الفني والأدبيواعتبرت كتمرد ضد الفن المتحذلق الذي تطغى فيه الكلمات الفضفاضة والسطحية والابتذال، مركزين اهتمامهم على الملموس من الحياة اليومية المعاصرة ، وتفجير الشكل الفنيوالبحث عن لغة فنية جديدة.
كان هم الشكلانين هو إرساء دعائم الدراسةالأدبية على قاعدة مستقلة. حيث حولت مركز الاهتمام من الشخص إلى النص. فكان السؤالالأول بالنسبة لهم ليس " كيفية دراسة الأدب، وإنما الماهية الفعلية لموضوع بحثالدراسة الأدبية .
فأولى خطوات المنهج الشكلي هو تحديدالموضوع، لان هذه العملية هي التي ستتحكم في تحديد النظرية. لقد انطلقت الشكلانيةمن استبعاد كل التعريفات التي تحدد الأدب باعتباره محاكاة وتعبـــــيرا أو تفكيرابالصور. لان هذه التعريفات تغفل خصوصية السمات الأدبية. لذا، فان التعريف المقترحللأدب سيركز على أسس فارقية، فالأدب يتكون " ببساطة، من الفرق بينه وبين نظم الواقعالأخرى. ويتبين في الحقيقة أن موضوع علم الأدب ليس موضوعا على الإطلاق وإنما مجموعةمن الفروق . ويصبح مفهوم التغريب هو الأداة الإجرائية لتحديد الطابع الفارقي، بحيثيصير الأدب مضادا لكل معتاد. يزيل أقنعة الألفة عن الأشياء فتصبح غريبة تثير فيناالإحساس بالحياة. فالأمر شبيه بالمشي والرقص، حيث أن الأول لا نحس به، لأنه مألوفبالعادة ، أما الثاني فيجدد إحساسنا بحركات المشي.
إن مهمه النظرية الشكلية هي تحليل الفروقالمتعارضة بين اللغة العملية - لغة التواصل اليومي - واللغة الشعرية. إذ يستحيلتعريف الشعر من الداخل فليس هناك مواضيع شعرية أصيلة، ففي العصر الحديث تراجعتالمواضيع الشعرية للشعر الرومانتيكي (مثل ضوء القمر - البحيرات - العنادل - القلاع ... ) أمام أكثر المواضيع ابتذالا، وبالمثل فلا يمكننا رسم معالم الشعر كمجال محددللتحليل إلا من خلال مقارنته بما ليس شعرا.
فما هو الأساس الذي سيبنى عليه تحديدالموضوع ؟
يطرح جاكسبون السؤال الماهوي التقليدي ماالشعر ؟ فيجيب إنه " ينبغي لنا إذا أردنا تحديد هذا المفهوم أن نعارضه بما ليسشعرا، إلا أن تعيين ما ليس شعرا ليس اليوم، بالأمر السهل . إن هذا الإشكال المطروحمن طرف جاكسبون يستضمر تاريخيا طويلا ساهم في تشييد نظرية حول استقلالية الأدببموضوعه، فقد كان الأدب منذ القديم جزءا من موضع خطابات نظرية مختلفة، كالخطابةالتي تضمنت بطريقة ما بعض مظاهر الأدب الموجودة فيها، ونظرية التأويل التي اهتمتبالنصوص المقدسة وكانت تناقش البنيات اللفظية الموجودة في الأدب كالرمز والمجازاتالشعرية والتأمل حول الأجناس الأدبية ثم أخيرا ظهور فكرة وحدة الفن التي سيبلورهاعلم الجمال.
إن هذه التطورات لم تسفر عن تأسيس مفهومللأدب إلا أنها مهدت الطريق لظهور هذا المفهوم، فمفهوم الأدب لم يأخذ استقلالية إلا " مع حلول النزعة الرومانسية (الألمانية)، وسيكون ذلك بداية نظرية الأدب بالمعنىالدقيق. (وبدون تحفظ هذه المرة). لقد توقفت مفاهيم التمثيل والتقليد عن دورهاالمهيمن لتعوض في قمة الهرم بالجميل، وكل ما ارتبط به من غياب الغائبة الخارجيةوالانسجام المتناغم بين أجزاء الكل وعدم قابلية العمل للترجمة، كل هذه المفاهيماتجهت نحو استقلالية الأدب، وأفضت إلى تساؤل حول مميزاته الخاصة.
إن حركة الشعراء المستقبلين في روسيا،وكتابات الرومانسيين الألمان ستوجه اهتمام النظرية الأدبية نحو التركيز على جانبالانسجام الداخلي للنصوص الأدبية، وستفسح المجال للإعلان عن ميلاد علم للأدب، منذأن طلق جاكبسون عام 1919 قولته التي أصبحت فيما بعد كبيان يختزل عمل الشكلانينوالشعرين والبنيويين حيث قال " ليس موضوع علم الأدب هو الأدب وإنما الأدبية أي مايجعل من عمل ما عملا أدبيا . فما المقصود بالأدبية ؟ يجيب تودوروف في كتابه الشعريةعن تحديد هذا المفهوم المركزي بقوله " ليس العمل الأدبي في حد ذاته هو موضوعالشعرية، فما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي، وكل عملعندئذ لا يعتبر إلا تجليا لبنية محددة وعامة، ليس العمل إلا إنجازاتها الممكنة ولكلذلك فان هذا العلم لا يعنى بالأدب الحقيقي بل بالأدب الممكن، وبعبارة أخرى يعنىبتلك الخصائص المجردة التي تصنع فرادة الحدث الأدبي، أي الأدبية .
إذن، فاستراتيجية علم الأدب أو الشعريةستتقدم نحو المقاربة المجردة والباطنية للأدب الممكن وليس الإنجازات الكائنة بحثاعن القوانين المنظمة للأدب من الداخل.
سيضفي مفهوم الأدبية على النظرية الشكلانيةطابع العلمية والنسقية، والاهتمام بالخصائص الشكلية للأدب فيسهم في إيجاد أجوبة حولالقضايا التي تخص الأدب من الخارج.
2/ قضية المؤلف والفكر والواقع الخارجيمن المنظور الشكلاني :
لقد طرح على الشكلانيين كيفية التعامل معالمؤلف والأفكار والواقع باعتبارها مكونات أساسية في العملية الأدبية. فكيف أجابتعن هذه الإشكالية ؟
ستحاول الشكلانية إعادة صياغة هذه العناصرلتخضعها إلى تحول جذري نتيجة للتصورات الجديدة حول مفهوم الأدب باعتباره تقنية،وباعتباره تطورا في الإشكال.
لم يعد للمؤلف نفس الدور الذي كان يلعبه فيالنقد السيري، لان ما يشكل موضوع الدراسة الأدبية ليس الأعمال الأدبية المفردةوإنما الأدبية، بحيث أن العمل الأدبي يرتبط بالنسق الأدبي بصورة عامة وليس بشخصيةمؤلفة، فالشاعر في النظرية الشكلانية لم يعد ينظر إليه كصاحب رؤى أو عبقرية وإنمانظر إليه " كعامل ماهر يرتب، أو بالأحرى يعيد ترتيب المادة التي يصادق وجودها فيمتناوله، إن وظيفة المؤلف هي أن يكون على معرفة بالأدب، أما ما يعرفه عن الحياة أوما لا يعرفه، فأمر غير ذي أهمية لوظيفته تلك ، إن هذا التصور يذكرنا بالمنجز النقديالعربي القديم خصوصا عند نقادنا الذين قالوا بأن الشعر صناعة وأن الشاعر يقومبوظيفة السبك والصوغ ولا اعتبار بالمادة التي يصوغ فيها.
فتطور الأدب لا يتوقف على ظروف المؤلف أوتكوينه النفسي، وإنما على الإشكال الأدبية السابقة، بتجديد الأدوات عن طريقالتغريب.
أما قضية الواقع التي اعتبرت حجر الزاوية فينظرية المحاكاة، فان الشكلانيين تعاملوا معها تعاملا مختلفا، وذلك انطلاقا منمفهومهم لعملية الإنتاج الأدبي الذي ينبني على قاعدة أساسية وهي أن الأدب ينشأ منالأدب، حيث يتوارى الواقع ويصبح غير ذي جدوى، فالتغيير الأدبي " لا يقرره تبدلالواقع وإنما الحاجة لإنعاش الإشكال الأدبية. ويمثل الإدراك المتجدد للأدواتالشكلية جانبا جوهريا من جوانب الأدبية، أما مقياس مشابهة الواقع فهو في نظرالمشروع الشكلاني مقياس يجانب الموضوع، ويقوم الشكلانيون الشكل الأدبي من خلالامتلاكه قابلية الإدراك الحسي وليس من خلال قدرته على المحاكاة .
إن الأديب لا يحاكي الواقع وإنما يغربهوينزع عنه طابع الألفة. ففهم النصوص لا يعود إلى ربطها بمرجعها الواقعي، وإنمابربطها بنصوص أخرى، فقد أبرز " تينيانوف " في دراسة حول ( نظرية المحاكاة الساخرة ) " استحالة الفهم العميق لنص من نصوص دوستوفسكي دون العودة إلى هذا النص أو ذاك مننصوص غوغول ، فالواقع يلعب دورا ثانويا في بناء الأدب ، مثله مثل باقي المعطياتالتي يبدأ بها الكاتب. فالشكلانيون ينظرون إلى أفكار القصيدة وموضوعاتها وإشاراتهاعلى أنها مجرد ذريعة خارجية يلجأ إليها الكاتب لتبرير استخدامه الوسائل الشكلية ،وهم يطلقون على هذا الاعتماد على العناصر الخارجية غير الأدبية اسم " التحفيز " "motivation" .
أما بالنسبة للأفكار ، فإن الشكلانية لمتعرها اهتماما لأنها تندرج ضمن مواد البناء. فقد أعطت الشكلانية الأولوية للشكل علىحساب المضمون ، حيث أعيد النظر في هذه الثنائية القديمة التي كانت تعتبر الشكل وعاءللمضمون ، وبذلك " يصبح المضمون متوقفا على الشكل دون أن يكون له وجود مستقل ضمنالأدب ، فليس بوسع التحليل الأدبي استقراء المضمون من الشكل إذ أن الشكل لا يتقرربفعل المضمون وإنما بفعل الأشكال الأخرى . فالفن لا يعبر عن نفسه في العناصرالمشكلة للعمل الأدبي وإنما من الاستعمال المتميز لتلك العناصر ، وبذلك اكتسى مفهومالشكل معنى جديدا " إنه لم يعد غشاء ولا غطاء " ، وإنما وحدة دينامية وملموسة ، لهامعنى في ذاتها خارج كل عنصر إضافي ، وها هنا يبرز الفرق بين المذهب الشكلانيوالمبادئ الرمزية التي ترى أنه يجب أن يستشف ، عبر الشكل شيء من المضمون، كذلك تمتذليل عقبة النزعة الجمالية ، وهي الإعجاب ببعض عناصر الشكل بعد عزلها عن المضمون ".
سيبلور هذا التحول الجذري من مواطن الاهتماملدى الشكلانيين مجموعة من المفاهيم والأدوات الإجرائية لدراسة الأدب دراسة عملية،فبعد أن حددت الشكلانية موضوعها و - هو الأدبية- ستبحث عن منهج يتلاءم مع الموضوع ،ومادامت مواد البناء من الأدب تستقي من اللغة. فإن الاهتمام سينصب على الجانبالتقني فيها، لذلك نجد أن الشكلانيين الروس قد استهلوا أعمالهم بدراسة الأصوات لأنهذه المسألة كانت في عصرهم من أعقد المسائل المتعلقة بدراسة البناء الصوتي للشعر. وقد ظهر هذا الاهتمام بالأصوات من دراسة ( تروبيتزكوى ) ومن النظرية التي قدمهاجاكسون حول الفونيمphonemeفالمحاضرات التي ألقاها حول " الصوت والمعنى " اعتبرت مدخلا نقديا للأفكار الشائعةحول الصوات وأثرها من المعاني ، حيث أن هذه المحاضرة شكلت أساسا لعلم اللغةالبنيوي.
المفاهيم المتعلقة بدراسة الشعر عندالشكلانيين:
1- الدراسات الصوتية :
يعد رومان جاكسبون أول من تحدث عن الفونيم،أي الوحدة الصغرى في اللغة ، وهو تلك الوحدة غير القابلة للانقسام ، أو التحليل ،بل هو الوحدة غير القابلة لأن تعوض بوحدة أخرى ، لأن بناء كل فونيم مختلف ضرورة عنبناء فونيم آخر ، ولم يتوقف جاكبسون عند مستوى الوصف الدقيق للأصوات بل تجاوز ذلكإلى الربط بين الصوت والمعنى ، إذ أن كل مشابهة ظاهرة في الصوت ، خصوصا في الشعر ،تقوم بمنطق المشابهة أو المغايرة في المعنى . " فرمزية الصوات عبارة عن علاقةموضوعية لا تنكر ، وهي علاقة قائمة على ربط ظاهراتي بين مختلف الوسائل الحسية التيأجريت في هذا المجال ، غامضة وأحيانا قابلة للنقاش. فإن ذلك يعود إلى نقص فيالعناية من مناهج البحث النفسي و/أو اللساني " .
فالشعر عند ياكبسون منطقة تتحول فيهاالعلاقة بين الصوت والمعنى من علاقة خفية إلى علاقة جلية. فالتراكم المتواترلمجموعة من الفونيمات أو التجميع المتباين لطائفتين متعارضتين في النسيج الصوتيلبيت شعري أو مقطع أو قصيدة يلعب دور تيار خفي.
2- مفهوم التوازي:
يعد مفهوم " التوازي " إحدى الركائزالجوهرية في تحليل الشعر عند الشكلانيين خاصة عند جاكبسون ، الذي استهواه هذاالمفهوم منذ أن كان طالبا ، أي في الفترة التي كانت فيها حلقة موسكو تتخذ من الشعرالفلكلوري الروسي كموضوع أول للدراسة .
لقد لفتت دراساته حول التراث الشفوي الروسيانتباهه إلى التنظيم الداخلي وإلى التوازي الذي يربط الأبيات المتجاورة.
يذكر جاكبسون في حوار له ، أن الشاعر " جيرار مانلي هوبكنس " (1844-1889) هو أول من انتبه إلى هذا المفهوم حيث يقول " إنالجانب الزخرفي في الشعر ، بل وقد لا نخطئ حين نقول بأن كل زخرف يتلخص من مبدإالتوازي. إن بنية الشعر هي بنية التوازي المستمر الذي يمتد مما يسمى التوازي التقنيللشعر العبري والترنيمات التجاوبية للموسيقى المقدسة إلى تعقيد الشعر اليونانيوالإيطالي والإنجليزي " فالوزن هو الذي يفرض التوازي في الشعر ، " فالبنيةالتطريزية للبيت ، والوحدة النغمية وتكرار البيت والأجزاء العروضية التي تكونهتقتضي من عناصر الدلالة النحوية والمعجمية توزيعا متوازيا ، ويحظى الصوت هنابالأسبقية على الدلالة حتما ".
يقدم مفهوم التوازي في الشعر سندا للتحليلاللساني لبلورة أدوات صارمة يمكنها أن تستجلي مختلف تجليات هذا التوازي في مختلفالأشكال الشعرية ، يقول جاكبسون " إننا نستطيع أن نفسر اعتمادا على الإمكاناتالخصبة للتأليف الشعري الوثيق للاتحادات والتعارضات ، والانتشار الواسع والدور الذييمكن أن يكون بالغ الأهمية لانساق التوازيات في الشعر العالمي الشفوي والمكتوب (يكفي أن نذكر بالهيمنة القديمة للتوازيات في الشعر الصيني). يكتشف الباحثونباستمرار في العالم كله انساقا أخرى من الإبداع الشفوي القائمة على التوازي المعقد، والأكثر من هذا إننا نكتشف بفضل أبحاث الأنتربولوجيين الذين استوعبوا مبادئالمنهجية اللسانية، وجود علاقة حميمة فيما يتصل بالتوازي بين الشعر والمتيولوجيا ".
يمكن التمييز بين التوازي المعقد الذي يتجلىفي نسق التناسبات المستمرة في مستوى تنظيم وترتيب البنى التركيبية والمقولاتالنحوية وتأليف الأصوات. حيث أن هذا النسق يضفي على النصوص الانسجام والتنوع. وبينالتوازي الخفي الذي أبرزه دوسوسير في حديثه على الجناس الــتـصحـيـفيAnagramesحيث يخضع التوازي للتوزيع لالمبدإ التعاقب يقول سوسير " إنه لمن المسلم به مسبقــا أنه يمكن استئناف زوج ما فيالبيت الموالي أو في حيز عديد من الأبيات " بمعنى أن الدلالة المحورية للقصيدة قدتكون مستضمرة في توزيع الصوات داخل فضاء القصيدة ، وأن المحلل يعيد تركيب هذهالأصوات للظفر بالنواة المركزية للنص.
3-وظائف اللغة والوظيفة المهيمنة:
لقد عملت مدرسة براغ على صوغ النظريةالأدبية الشكلانية ضمن إطار لسانيات تتفق مع دورسوسير في معظم مبادئه الساسية. وبذلك نحتت مصطلح البنية ، وتكون بذلك هي المدرسة السباقة لوضع هذا المفهوم،فبالرغم من أن دوسوسير يعتبر رائدا اللسانيات فإنه لم يستعمل هذا المصطلح بل كانيستعمل مفهوم النظام والنسقsystème . ففي المؤتمر الذي انعقد عام 1929 ببراغ ، قدم مصطلح بنية كمصطلححاسم في برنامج البحث حول اللغة والأدب. وأصبح موضوع اللسانيات هو دراسة القوانينالبنيوية للمنظومات اللغوية. أي دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الفردية. ومنتم صرح فانتيك بوجوب " النظر إلى العمل الشعري أيضا على أنه بنية وظيفية ، لا يمكنفهم عناصرها المختلفة إلا من خلال ارتباطها بالمجموع.
لقد حل مفهوم البنية محل النظام عند دوسوسير، والشكل والأداة عند الشكلانيين. حيث تتضمن البنية كل أوجه النص. إلا أن هذاالمفهوم لدى مدرسة براغ لا يميز بين النصوص الأدبية وأفـعال الاتصال العادية، لأنهاهي الأخرى تشتمل على بنيتها الخاصة، لهذا ستقـــترح المدرســــة مصــــطلح " الوظيفة " للتميز بين هذه الأنواع من الخطابات. وفي هذا السياق نادى جاكبسون فيمحاضرته " اللسانيات والشعرية " بأن اللغة يجب أن تدرس في كل تنوع وظائفها. ولكيتتضح طبيعة هذه الوظائف لا بد من تقديم صورة مختصرة عن العوامل المكونة لكل سيرورةلسانية ولكل فعل تواصلي لفظي.
إن المرسل يوجه رسالة إلى المرسل إليه ،ولكي تكون الرسالة فاعلة فإنها تقتضي سياقا تحيل عليه وهو المرجع ، سياقا قابلا لأنيدركه المرسل إليه. وهو إما أن يكون لفظيا أو قابلا لأن يكون كذلك وتقتضي الرسالةبعد ذلك سننا مشتركا ، كليا أو جزئيا بين المرسل والمرسل إليه، وتقتضي الرسالةأخيرا اتصالا أي قناة فيزيقية وربطا نفسيا يسمح لهما بإقامة التواصل والحفاظ عليه.
إن هذه العوامل الستة تتولد عنها وظائفلسانية مختلفة ، وكل رسالة تتضمن هذه الوظائف بشكل من الأشكال ، ويكمن اختلافالرسائل من تراتبية هذه الوظائف حيث تتعلق البنية اللفظية لرسالة ما، بالوظيفةالمهيمنة.
أ- العوامل ووظائفها:
1- تهدف الوظيفة التعبيرية أو الانفعاليةالمركزة على المرسل إلى التعبير بصفة مباشرة عن موقف المتكلم اتجاه ما يتحدث عنه ،وهي تنزع إلى تقديم انطباع عن انفعال معين صادق أو خادع.
2- أما التركيز في الرسالة على المرسل إليهفيولد وظيفة إفهامية تجد تعبيرها النحوي في النداء والأمر.
3- وإذا استهدفت الرسالة المرجع واتجهت نحوالسياق فإن الوظيفة ستكون مرجعية ، ويناسب هذه الوضعية استخدام ضمير الغائب أيالحديث عن شخص ما أو شيء ما.
4- هناك بعض الرسائل توظف لإقامة التواصلوتمديده أو فصمه ، وللتأكد مما إذا كانت دورة الكلام تستعمل الكلمة التالية ( آلو ! أتسمعني ؟ أفهمت ؟ ) وتوظف لإثارة انتباه المخاطب أو التأكد من انتباهه وتدعى هذهالوظيفة بالانتباهية.
5- أجرى المناطقة المعاصرون تمييزا بينمستويين للغة : " اللغة - الموضوع " أي اللغة المتحدثة عن الأشياء ، " واللغةالواصفة " أي اللغة المتحدثة عن اللغة نفسها وهي اللغة الشارحة. إلا أن هذه اللغةليست فقط أداة عملية ضرورية لخدمة المناطقة واللسانيين بل هي تلعب دورا هاما فياللغة اليومية، فحينما يتحدث شخصان ويريدان التأكد من الاستعمال الجيد لنفس السننفإن الخطاب يكون مركزا على السنن ، وبذلك يشغل وظيفة ميتا-لسانية أي وظيفة الشرح.
6- إن استهداف الرسالة بوصفها رسالةوالتركيز عليها هو ما يطبع الوظيفة الشعرية للغة وإن هذه الوظيفة لا يمكن اختزالهافقط في دراسة الشعر بل هي حاضرة في جميع الأجناس الأدبية التي تصبح فيها الرسالة هيالموضوع .
ب- خطاطة العوامل و الوظائف :
سياق
( مرجعية )
مرسل .................. رسالة ..................... مرسل إليه
(انفعالية) (شعرية) (إفهامية)
اتصال
(انتباهية)
سنـــن
(ميتالسانية)
تعكس هذه الخطاطة أثر الرياضيات والفلسفةوعلم النفس على النظرية التواصلية عند جاكبسون فمع تقدم الأبحاث الرياضية والهندسيةسيتوصل المهندسون إلى وضع نظرية للتواصل في مجال الاتصال الهاتفي، حيث تركزاهتمامهم على السياق المادي لإيصال المعلومات. ولم ينحصر أثر الرياضيات عند جاكبسونفي ربط العلامات اللغوية باستعمالها الرمزي بل تعدى الأمر ذلك إلى التوسع في دراسةمفهوم البنية. فقد احتل هذا المفهوم في الرياضيات الصدارة منذ عام 1870 إثر التطورالذي حصل في حساب التحولات." فقد بلغ التفكير الرياضي حول مفهوم البنية أوجه فيالثلاثينيات عندما وضع " بورباكي "ومجموعته نظرية " البنيات الأم " structures-mكre، وهي بنيات يكفي أن نميز فيما بينهاوأن نخلط بين عناصرها لنحصل على كامل البنيات المتخصصة في مختلف فروع الرياضيات.
إن أهم ما استخلصه جاكبسون من الرياضياتالبنيوية هو أهمية مفهوم الثبات ، حيث أن التحولات التي حددت داخل مجموعة عناصرتتضمن خصائص قابلة للتغير وأخرى ثابتة ، وقد قدمت الرياضيات أمثلة على هذه العمليةبين الجوهري والعرضي من علم الفلك حيث أن خصائص بنية الفضاء تبقى ثابتة رغم تحركاتالمجرات القضائية وانعكاساتها.
أما أثر الفلسفة على جاكبسون فيتجلى فيإبقائه على عنصر الذات في العملية التواصلية ، وقد جاء ذلك نتيجة تأثره بالفلسفةالظاهراتية " فعديد من تلاميذ هوسرل نشطوا بشكل كبير داخل الحلقة اللسانية في براغ؛ وذلك بدعوة من جاكبسون ويظهر تأثير هوسرل بشكل بارز في أعمال جاكبسون خاصة فيثلاثة مجالات : في تحديد العلاقة بين اللسانيات وعلم النفس ، وفي برنامج " النحوالكلي " ، وفي الدفاع عن أن علم الدلالةsemantiqueيعتبر جزءا مدمجا في اللسانيات.
إن أثر الفلسفة الظاهراتية في أعمال جاكبسونجعله يخالف مقولة البنيويين في تغييب الذات ، من خلال الخطاطة يظهر لنا جليا حضورالفاعل الذات الذي يتخذ أشكالا عديدة : المرسل والمتلقي والمبدع اللاواعي للرسالة.
فردناند دو سوسير كمقدمة لظهور المنهجالبنيوي :
1- النسق مجال الدراسة اللغوية:
سيقلب مجيء دوسوسير ميدان البحث اللغوي رأساعلى عقب ، فقد أعاد التأمل في الظاهرة اللغوية ، محاولا تجاوز أطروحات فقهاء اللغة، وذلك من خلال إجابته النوعية حول الأسئلة القديمة المتداولة في حقل الدراساتاللغوية. لقد واجه سوسير سؤالين أساسيين هما : ما موضوع البحث اللغوي؟ وما هيالعلاقة بين الكلمات والأشياء ؟ لتفادي الإجابات القديمة سيحدث دوسوسير نسقا ثنائيامن خلاله سيميز بين مستويات في دراسة اللغة ، بين " اللغة " و " الكلام " أي بين " نسق اللغة الذي هو سابق في وجوده عن استخدام الكلمات ، والممارسة الفعلية التي هيتلفظ فردي. أما اللغة فهي الجانب الاجتماعي أو النسق المشترك الذي نعول عليه لاشعوريا بوصفنا متكلمين ، والكلام هو التحقق الفردي لهذا النسق في الحالات الفعليةفي اللغة. فهذا التمييز هو المهاد الذي تنطلق منه كل النظريات البنيوية اللاحقة ،بمعنى أنه إذا كان الموضوع الحق للدراسة اللغوية هو النسق الكامن وراء أية ممارسةلسانية دالة وليس التلفظ الفردي ، فإن الموضوع ألحق للدراسة في العلوم الإنسانية هواكتشاف النسق الكامن من القواعد المستخدمة في القصائد أو الأساطير أو الممارساتالاقتصادية.
إن الهدف من وراء تحديد موضوع علم اللغة فيدراسة النسق التجريدي الذي يستمد منه الكلام اختياراته الفعلية ، هو تخليص هذاالعلم من خليط الموضوعات التي تدخل من اهتمامات علم النفس أو علم الاجتماع أوالمنطق والفلسفة.
إضافة إلى إبراز أن الإنسان يمتاز عن باقيالكائنات في امتلاكه لنسق من القواعد يمكنه من إنتاج عدد لا نهائي من الجمل.
2- الفصل بين الكلمات والأشياء:
لقد كانت الدراسات اللغوية قبل سوسير ترى فياللغة أداة لتسمية الأشياء ووسيلة تعبيرية فردية ، وقد كان هذا المنظور يغيب دراسةالعلامة في حد ذاتها ، لهذا سيميز سوسور بين وجهي العلامة : الدالsignifier، وهو الصورة السمعية للكلمة،والمدلولsignifiantوهوالمفهوم الذي نتصوره أو نعقله من الكلمة، فلا مكان للشيء في النموذج السوسيري لأناللغة لا تكسب معناها نتيجة الصلة بين الكلمات والأشياء بل نتيجة إجراء نسق منالعلاقات. لذا فالعلاقة بين الاسم والمسمى علاقة اعتباطية ، أي لا تلازم تعليليmotivéبين الاسم وما يشيرإليه ، إذ لو كان الأمر كذلك لما تعددت اللغات، ومن هذا المنطلق تغدو العلاماتاصطلاحية وليست توفيقية اجتماعية وليست فردية.
في هذا الإطار وضع الفيلسوف الأمريكي بيرستمييزا مفيدا بين ثلاثة أنماط من العلامة وهي : "النمط التصويري ( الأيقوني ) حيثتتشبه العلامة مرجعها مثل صورة السفينة أو إشارة مرور عن صخور متساقطة ، والمؤشرindexحيث تترابط العلامة معمرجعها برباط يمكن أن يكون رباط بسببية، كالدخان من حيث هو علامة على النار،والرمزيsymboliqueتكون فيهالعلاقة بين العلامة ومرجعها اعتباطية كما يحدث في اللغة. "
إن خصيصة اللغة عند سوسور هي الاختلاف ، فمايميز العلامة هو الاختلاف الذي يحصل لها داخل نسق التعارضات والتقابلات ، ففي نظامإشارات المرور مثلا ليست هناك علاقة طبيعية بين اللون الأحمر والتوقف ، إضافة إلىأن كل لون لا تتحدد دلالته إلا من خلال علاقة اختلافية مع اللون الآخر.
إن النسق الثنائي الذي تأسست عليه لسانياتسوسير ، سيلقى صدى كبيرا في ميادين أخرى غير لسانية ، وسيعتبر نموذجا يحتذى به ،تجلى ذلك في الدراسات الأنتروبولوجية البنيوية خاصة عند كلود ليقي ستراوش الذي نقلنموذج اللسانيات السوسورية إلى حقل الأنتروبوجية ، فهو يصرح في كتابه " الأنتربولوجية البنيوية بأنه " توصل إلى ثلاثة نتائج في دراسته لبنية الأسطورة :
1- إذا كانت الأسطورة تنطوي على معنى ، فلايمكن أن يتعلق هذا المعنى بعناصر معزولة تدخل في تكوينها بل بطريقة تنسيق هذهالعناصر.
2- إن الأسطورة تتعلق بنظام اللسان وتشكلجزءا لا يتجزأ منه ، إلا أن اللسان في الأسطورة يظهر بعض الخصائص النوعية.
3- لا يمكن البحث في هذه الخصائص إلا علىمستوى العبارة اللغوية المعتاد بعبارة أخرى إن هذه الخصائص ذات طبيعة أعقد من تلكالتي تصادف في عبارة لغوية من طراز معين .
وقد كان يهدف هذا النقل للنموذج اللساني إلىطرح أسئلة جديدة في ميدان دراسة نظام القرابة والأساطير والشعائر ، إذ لم يعدالسؤال الأساس هو البحث عن علل التحريم أو أصول الأساطير بل البحث عن نسقالاختلافات الذي يكمن وراء الممارسة الإنسانية المحددة.
وقد تعممت مثل هذه المقاربات في ميادين شتىمن الممارسات الحياتية كنظام الموضة والأزياء والطهو والقصص والسينما والأساطير ،كما قام بذلك المفكر الفرنسي رولان خاصة في عملية " أساطير " 1957 - و " نظامالموضة " - 1967.
المنهج البنيوي: جذوره، ومفاهيمه
1- تحديد مصطلح البنيةstructure :
قبل الشروع في الحديث عن المنهج البنيويكتيار فكري ظهر ليتجاوز النزعة التاريخية والفلسفات التي تعتمد الذات كخلفية مثلالوجودية أو الظاهراتية ، لا بد من تحديد مصطلح البنية لغة واصطلاحا.
أ- الدلالة الاشتقاقية لكلمة بنية :
تشتق كلمة بنية من الفعل الثلاثي " بنى " الذي يدل على معنى التشييد والعمارة والكيفية التي يكون عليها البناء. وفي النحوالعربي تتأسس ثنائية المعنى والمبنى على الطريقة التي تبنى بها وحدات اللغة العربية، والتحولات التي تحدث فيها، ولذلك فالزيادة في المبنى زيادة في المعنى ، فكل تحولفي البنية يؤدي إلى تحول في الدلالة.
وفي اللغة الفرنسية تشتق كلمةstructureمن الفعل اللاتينيstruereويعني بنى وشيد أيضا والبنية موضوعمنتظم ، له صورته الخاصة ووحدته الذاتية، لأن كلمة بنية في أصلها تحمل معنى المجموعوالكل المؤلف من ظواهر متماسكة ، يتوقف كل منها على ما عداه ، ويتحدد من خلال علاقةبما عداه
ب- الدلالة الاصطلاحية :
سبق لنا الذكر بأن مصطلح البنية قد تبلورلدى لسانيي حلقة براغ حيث تم " تأكيد مبدأ البنية " كموضوع للبحث قبل سنة 1930علىيد مجموعة صغيرة من اللسانيين الذين تطوعوا للوقوف ضد التصور التاريخي الصرف للسان،وضد لسانيات كانت تفكك اللسان إلى عناصر معزولة ، وتنشغل بتتبع التغيرات الطارئة. لقد أطلقنا على سوسور ، وبحق رائد البنيوية المعاصرة وهو كذلك بالتأكيد إلى حد ما ،ويجمل بنا أن نشير إلى أن سوسور لم يستعمل أبدا ، وبأي معنى من المعاني كلمة " بنية " إذ المفهوم الجوهري في نظره هو مفهوم النسق.
لقد عرف تحديد مصطلح البنية مجموعة منالاختلافات ناجمة عن تمظهرها وتجليها في أشكال متنوعة لا تسمح بتقديم قاسم مشترك ،لذا فإن بياجيه ارتأى في كتابه " البنيوية " أن إعطاء تعريف موحد للبنية رهينبالتمييز " بين الفكرة المثالية الإيجابية التي تغطي مفهوم البنية في الصراعات أوفي آفاق مختلف أنواع البنيات ، والنوايا النقدية التي رافقت نشوء وتطور كل واحدةمنها مقابل التيارات القائمة في مختلف التعاليم " إذ ينفي الاعتراف " بوجود مثالمشترك من الوضوح يصل إليه أو يحاول إيجاده جميع البنيويين . فيما تختلف نواياهمالنقدية إلى ما لا نهاية فيرى البعض أن البنيوية كما في الرياضيات
تتعارض مع تجزئة الفصول غير المتجانسةمحاولين إيجاد الوحدة بواسطة التشاكلات. أما اللغويين فيرون أن البنيوية تجاوزتالأبحاث التطورية التي تتناول ظواهر منعزلة لذلكأخذوا بطريقة المجموعات للنظاماللغوي المتزامن . أما في علم النفس فقد زادت البنيوية من معاركها ضد ميول النزعةالذريةatomistiqueالتي كانتتسعى لجعل المجموعات مقتصرة على روابط بين عناصر مسبقة.
إن جان بياجيه يسعى من وراء هذه الإشاراتإلى التمييز بين تجليات التطبيق البنيوي في ميادين معرفية مختلفة وبين المثل الأعلىالذي تنشده البنيوية ، فهو يميز في تعريفه للبنية بين ما تنتقده البنيوية وما تهدفإليه. ولذا فهو لا يعرف البنيوية بالسلب أي بما تنتقده البنيوية لأنه يختلف من فرعإلى فرع في العلوم الحقة والإنسانية. إنه يركز بالأساس في تعريفه البنية على الهدفالأمثل الذي يوحد مختلف فروع المعرفة في تحديد البنية باعتبارها سعيا وراء تحقيقمعقولية كامنة عن طريق تكوين بناءات مكتفية بنفسها، لا نحتاج من أجل بلوغها إلىالعناصر الخارجية.
وبذلك يقدم جان بياجيه تعريفا شاملا للبنيةباعتبارها نسقا من التحولات : " يحتوي على قوانينه الخاصة ، علما بأن من شأن هذاالنسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به هذه التحويلات نفسها ، دونأن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق أو أن تستعين بعناصر خارجية، وبإيجاز فالبنية تتألف من ثلاث خصائص هـــــــــي : الكـــــــليةtotalitéو التحولاتtransformationsوبالضبط الذاتيauto-reglage . "
يتضمن هذا التعريف جملة من السمات المميزة ،فالبنية أولا نسق من التحولات الداخلية ، ثانيا لا يحتاج هذا النسق لأي عنصر خارجيفهو يتطور ويتوسع من الداخل ، مما يضمن للبنية استقلالا ويسمح للباحث بتعقل هذهالبنية.
إن خاصية الكلية تبرز أن البنية لا تتألف منعناصر خارجية تراكمية مستقلة عن الكل بل هي تتكون من عناصر خارجية خاضعة للقوانينالمتميزة للنسق وليس المهم في النسق العنصر أو الكل بل العلاقات القائمة بينالعناصر.
بينما خاصية التحولات فإنها توضح القانونالداخلي للتغيرات داخل البنية التي لا يمكن أن تظل في حالة ثبات لأنها دائمةالتحول.
أما خاصية التنظيم الذاتي فإنها تمكن البنيةمن تنظيم نفسها بنفسها كي تحافظ على وحدتها واستمراريتها. وذلك بخضوعها لقوانينالكل.
أماالانتروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستراوشفإنه يحدد البنية بأنها نسق يتألف من عناصر يكون من شان أي تحول يعرض للواحد منهاأن يحدث تحولا في باقي العناصر الأخرى " ومن خلال هذا التعريف يتجلى أن وراءالظواهر المختلفة يكمن شيء مشترك يجمع بينها ، وهو تلك العلاقات الثابتة التجريبية، لذلك ينبغي تبسيط هذه الظواهر من خلال إدراك العلاقات لأن هذا الأخير أبسط منالأشياء نفسها في تعقدها وتشتتها. ومعنى هذا " أن المهمة الأساسية التي تقع علىعاتق الباحث في العلوم الإنسانية إنما هو التصدي لأكثر الظواهر البشرية تعقداوتعسفا واضطرابا من أجل محاولة الكـــشف عن " نظام " يكمن فيما وراء تلك الفوضىوبالتالي من أجل الوصول إلى " البنية " التي تتحكم في صميم " العلاقات" الباطنيةللأشياء ، ولكن المهم في نظر ليفي ستراوش هو أننا لا ندرك البنية إدراكا تجريبياعلى مستوى العلاقات الظاهرية السطحية المباشرة القائمة بين الأشياء ، بل نحن ننشئهاإنشاء بفضل " النماذج التي نعمد عن طريقها إلى تبسيط الواقع وإحداث التغيرات التيتسمع لنا بإدراك البيئة ".
إن أهم ما نستشفه من هذا التصور هو النقدالشديد للنزعة التجريبية التي تقوم على أهمية الملاحظة والرصد الدقيق للوقائع ،واستبدال ذلك بالتفسير العقلي للظواهر التجريبية. فالبنيويون يؤمنون بأسبقية العقلعن الواقع الخارجي ، فكلود ليفي ستراوش في أبحاثه البنيوية لا يهدف إلى الوصول إلى " عادات متشابهة وسط عدد هائل من الملاحظات الأنتروبولوجية التي يتم إجراؤها فيثقافات متباينة ، بل يؤكد أن ما هو مشترك بين الثقافات لا يهتدى إليه بوضوح علىمستوى الملاحظة ، وإنما على مستوى البناء العقلي، فالبناء هو الذي يشكل العنصرالكلي الشامل في الثقافة البشرية وهذا البناء الخفي لا يوجد على السطح الخارجي ،وإنما يكتشف عقليا .
من خلال تعريف بياجيه وليفي ستراوش يتضحبجلاء أن الاتجاه البنيوي اعتمد خلفية عملية وفلسفية هي التي أكسبته نسقية منهجيةوشمولية ميدانية. فما هي هذه الخلفيات الأيبستيمولوجية لظهور المنهج البنيوي خاصةفي فرنسا.
خلفيات ومسوغات المنهج البنيوي :
إن المنهج بصفة عامة هو حصيلة لمجموعة منالتحولات والتغيرات تقع في الأنساق المعرفية ، وتكون نتاجا لسيرورة جدلية وحواريةمع المفاهيم السابقة المعرفية ، ولا بد والأمر كذلك أن يستند المنهج إلى منظومةفكرية وبعد فلسفي وعلمي. وللإجابة عن السؤال الذي طرحناه أعلاه لا بد من استحضارالمناخ الثقافي والعلمي التطورات الحاصلة في بداية القرن العشرين الذي تبلور فيهالمنهج ورست معالمه وخطته.
في البداية يجدر بنا أن نفصل في الحديث عنالمنهج بين مستويين :
الأول يتعلق بالبعد المعرفي والثاني بالجانبالأيديولوجي ، فلا ينبغي أن نخلط بين هذين المستويين حتى نتمكن من تقويم المنهج منخلال كفايته الوصفية والتفسيرية.
1- النزوع اللامادي وتبعثر المعرفة :
إن السياق التاريخي والمعرفي الذي تبلورتفيه المفاهيم اللغوية عند سوسير باعتباره الممهد الرئيسي لظهور البنيوية - عرف أزمةعامة في العلوم بشكل عام ، ففي الفيزياء بدأ الشك يثار حول مفهوم الذرة بوصفهامادة. وقد انتقل هذا النزوع اللامادي إلى مفهوم النسق عند سوسير الذي أصبح فيهالشكل هو المضمون وأضحت العلاقة بين الدال والمدلول تدرس في بنيتها الداخلية ،واستبعد المرجع الخارجي المادي. لأن الحقل الإبستيمولوجي تغير من مقولة الكينونةوالوجود إلى مقولة العلاقة.
إن إلغاء الواقع المادي يستجيب لتصور يعتبرأن معيار الصدق في المعرفة هو البنية الداخلية ، وقد كان النموذج الرياضي هو المثالالذي احتذته البنيوية حيث أن الرياضيات لا تحتاج إلى تحقيق خارجي للتدليل على صحةقضاياها.
إن طبيعة الفكر العلمي والفلسفي تحيل إلىالبحث عن نموذج شامل يعمم على مختلف أنواع المعرفة من أجل توحيدها ، وقد بدا هذاالطموح جليا في المراحل التي قطعها التفكير الإنساني ، بحيث أن كل مرحلة يهيمن فيهانموذج خاص ، " فالمثالية اختارت نموذج " المطلق " والنزعة الرومانسية اختارت نموذج " العضوي " ، في حين أن القرن 18 اختار كلمة " الميكانيك " و في النصف الثاني منالقرن 19 وبداية القرن العشرين بدأ النموذج اللغوي يتسرب لجميع فروع المعرفة. " 2.
إن نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرينمرحلة كانت في حاجة ماسة لظهور حركة فكرية تلم شعت المعرفة المبعثرة في ثقافاتمنعزلة لأن السمة التي ميزت هذه المرحلة هو التبعثر المعرفي الموغل في التخصص " ففلاسفة اللغة يؤكدون أنه ليس بالإمكان خلق تطابق بين لغتنا والعالم الذي وراءها.
نظرية التــلقي : أسسها ، سياقها ، مفاهيمها
إن الحديث عن نظرية التلقي كقصدية و كوعيمنهجي ، يقتضي تناول محدودية الممارسات النقدية والإجراءات المنهجية السابقة،فتاريخ المنهج خاصة في أوربا عرف مسارا تطوريا، بحيث أن المنهج اللاحق يتجاوزالسابق محدثا شبه قطيعة مع أسسه النظرية وأدواته الإجرائية.
فقد رأينا في الفصول السابقة أن منهج تاريخالأدب منذ مدام دوستايل في كتابها " النظر للأدب في علاقاته بالمؤسسات الاجتماعية " المنشور عام 1800، ومرورا بسانت بوف وهيبوليت تين ، ووصولا إلى غوستاف لانسون ، كانيعتمد خلفية له الفلسفة الوضعية التي تهتم بدراسة الأسباب والعلل التي تنتج الظواهر، ومن تم راح المنهج التاريخي للأدب يدرس ويحلل علاقات الأدب بالمكونات الاجتماعيةوالأخلاقية والسياسية ، ويعلي من شأن المؤلف ، فسانت يوف يعتبره الوسيط بين العملالأدبي والمجتمع ، ولهذا السبب يذهب رولان بارت إلى أن المؤلف شخصية حديثة إذ " يمكننا القول أنها ابتدعت من طرف منهج تاريخ الأدب من طرف سانت بـــوف ولانسون ،لأنه وإن وجد دائما شخص يكتب لم يكن دائما مهما أن نعرفه: فهو ميروس لا يعرف هل وجدفعلا ، وأناشيد البطولة في العصر الوسيط كانت مجهولة المؤلف ، فلم يصبح المؤلف صورةمركزية إلا ابتداء من القرن 19 بحيث يرى فيه النقد التاريخيمكان التقاء الأدببالمجتمع ، وفي الوقت نفسه فالعصر كله قد رقى الفرد المبدع إلى مصاف الإله .
لقد وجهت انتقادات لأسس المنهج التاريخي ،ولمحدوديته التأويلية ، وقد كانت أبرز هذه الانتقادات هي تلك التي وجهها رولان بارتفي مقالاته الثلاثة 1 المنشورة بين 1960-1963 .
فقد أبطل ادعاء تاريخ قول الحقيقة حول أعمالراسين بفرضه عليها معنى واحدا ، أي مقصدية المؤلف ، فهو يرى أن العمل الأدبي ماضوحاضر في الآن نفسه ، إذ يستمر ويبقى وإن اختلف الحدث التاريخي الذي أنجزه ، وإنهذه الاستمرارية لهي حجة تثبت أن العمل لم يستنفد كل عطائه في لحظة ظهوره. فليسهناك " راسين في جد ذاته أو " راسين حقيقي " ، عرف بطريقة نهائية من طرف تاريخالأدب ، وإنما هناك فقط فراءات لراسين لها نفس القيمة شريطة أن تكون منسجمة وشاملة.
وفي مستوى آخر يوجه نقده لغوستاف لانـسون ،مطورا تثريب المؤرخ لوسيان لوفيفر الذي اتهم تاريخ الأدب اللانسوني بأنه لم يكنبتاتا " تاريخا بحق " لأنه كان يؤمن " بجوهر زمني للأدب " ، وهو مع ذلك تاريخ نسبيويتغير حسب العصور.
وأخيرا ، يبين بارت ، عجز لانسون ، عن فهمالعمل الأدبي ضمن سلسلة من الحقائق التاريخية والاجتماعية والثقافية ، لأن نموذجالتفسير لديه قديم فهو موصوم بوصمة الوضعية ، الموصومة بإيديولوجية وبمفهوم للإبداععفى عنهما الزمن اليوم.
وحينما تحول النموذج من سلطة المؤلف إلىسلطة النص عرفت الدراسات الأدبية نقلة نوعية ، ساهم فيها التطور الذي عرفتهاللسانيات والدراسات الانتربولوجية البنيوية. وقد كان للفلسفة الكانطية والحبشطلتيةوللرياضيات دور كبير في تغيير الرؤية للأدب ، وفي إعادة تحديد المفاهيم ؛ كمفهومالأدب والأجناس الأدبية والنص والتركيز على مفهوم العلاقة بدل المرجع ، والاهتمامبالكشف عن أسرار العمل الأدبي من داخله متلافية كل بحث عن التكون المرتبط بالعالمالخارجي أو التاريخ.
وبالموازاة مع هذا التأثير الفلسفي والعلميفي تحويل وجهة النظر اتجاه الأدب واستقلاليته عن العالم الخارجي ، كانت هناك بعضالحركات الإبداعية كالمستقبليين على سبيل المثال. تذلل الطريق أمام المنظرين وتوفرلهم مجالا خصبا للتطبيق، إضافة أن بعض الأدباء النقاد 1 قد سبقوا إلى التأكيد علىاستقلالية النص واعتباره تمرينا لغويا صرفيا.
إن تركيز البنيوية على النص بدل المؤلفسيقود إلى فرضيات أولية حول القراءة في علاقتها بالكتابة، وهذا ما حدا برولان بارتإلى أن يذهب إلى أن موت المؤلف إيذان بميلاد القارئ.
الاهتمام بالقارئ :
المحاولات الأولى للاهتمام بالقارئ :
إن مقولة القارئ كمكون أساسي في العمليةالإبداعية ، أثير منذ القديم إذ نجد أصداءه في التداول الشعري القديم في الإنشاد ،فالشاعر وهو ينشد قصيدته يفترض قارئا إما أن يكون هو الممدوح أو المثقف الذي يحضرعملية الإنشاد والإلقاء ، وفي تلك الأفعال التي يبدأ بها العلماء والنقاد والفقهاءفي كتاباتهم مثل " اعلم، فافهم ".
ونجد لذلك أمثلة في الكتابة الروائية ،فدنيـس ديــدور في روايـــــتــه " جاك القدري " يستحضر القارئ ويتحاور معه ويوجههويكشف له عن لعبة الكتابة. .
وقد بدا الاهتمام بالقارئ والقراءة قبل ظهورنظرية التلقي ، غير أن هذا الاهتمام لم يسفر عن تصور منهاجي نسقي لهذه العملية ،بحيث بقي في طور البدايات ، وإن الفصل الذي خصصه جون بول سارتر في كتابه " ما الأدب؟ " تحت عنوان " لمن نكتب ؟ ". يبرز بجلاء الانشغال المبكر لدى هذا الفيلسوفالوجودي بمسألة القارئ والقراءة.
فهو يذهب في إطار التفاعل بين الكتابةوالقراءة إلى " أن الكاتب إنما يكتب للقارئ من حيث هو فرد من أفراد الناس في العالم " وفي هذا السياق يحدد طبيعة القارئ المستهدف ، ففي تصوره " ليس القارئ الذي أتوجهإليه بالإنسان الذي جمع في نفسه بين معرفة العالم الأكبر والأصغر ، على غرار " ميكرو ميجاس " وليس هو نموذج " الساذج ". كما أنه ليس هو الله. فليس فيه جهل الساذجالوحشي الذي يجب أن يشرح له كل شيء حتى البدائيات ، وليس هو روحا ولا صفحة بيضاء. وليس عالما بكل شيء شأن الله ... وإنما أكشف له بعض مظاهر العالم فاستفيد مما يعلملأحاول تلقينه ما لا يعلم. وهو معلق بين الجهل المطلق والعلم التام. ولديه بضاعةمحدودة تتغير من لحظة إلى أخرى. وهي كافية للإيماء بصفته التاريخية " . إن مواصفاتالقارئ التي يضعها جون بول سارتر تتحدد من خلال مفهوم الحرية والتاريخية، فالقارئشخص منخرط في التاريخ ليس بالقارئ المثالي ولا بالقارئ الساذج. ومعالمه تتحدد أيضافي ثنايا العمل الأدبي ، إذ ما دامت " حرية المؤلف وحرية القارئ تبحث كل مها عنالأخرى، ويتبادلان التأثير فيما بينهما من ثنايا عالم واحد ، فمن الممكن أن يقال : إن ما يقوم به المؤلف من اختيار لبعض مظاهر العالم هو الذي يحدد القارئ ، كما يمكنأن يقال أيضا إن الكاتب - حينما يختار قارئه - يفصل بذلك في موضوع كتابه. ولذلككانت كل الأعمال الفكرية محتوية في نفسها على صورة القارئ الذي كتبت لــــــه "
إن صورة القارئ المتضمنة في العمل هي ماسيصطلح عليها بالقارئ الضمني ينم تحليل جون بول سارتر ، عن وعي عميق بوظيفته القارئفي انفتاح العمل الأدبي على إمكانيات لا نهاية من التأويلات ، حيث انتقد التصورالذي يعلي من شأن المؤثرات الخارجية من جهة المؤلف يقول : " سيستهوي قوما القول بأنكل محاولة لتفسر عمل الفكر ، عن طريق الجمهور الذي يتوجه به إليه ، محاولة زائفةمفتعلة تتناول العمل تناولا غير مباشر . ألا يكون الأمر أيسر وأقوم وأدق إذا أخذناظروف الكاتب نفسه عاملا حاسما في إنتاجه ؟ ألا يكون من الأوفق القول بفكرة " تين " في تأثير البيئة ؟ غير أني أجيب هؤلاء بأن التفسير بالبيئة حاسم حقا من حيث إنالبيئة تنتج الكاتب، ولذلك لا أعتقد في هذا التفسير. إذ الشأن في الجمهور أن يكونعلى النقيض من ذلك ، لأنه يهيب بالكاتب ، أن يضع أسئلة يتوجه بها إلى حريته. والبيئة قوة دافعة إلى الخلف ، ولكن الجمهور على النقيض انتظار ، وفراغ يملأ.
من خلال هذا النقد الذي يوجهه سارتر للمنهجالوضعي، الذي يحاول تفسير الإبداع بمقولات علية خارجية متحكمة ومقيدة للحرية ، تبرزالخلفية الفلسفية المتحكمة في تصوره للإشادة بمقولة القارئ باعتباره محررا للعملالأدبي وضامنا لاستمراريته في الحاضر والمستقبل ، في حين أن كل تفسير يعطي الأوليةللعلل المتحكمة يسقط في دفع العمل إلى الماضي وإلى الخلف.
تبقى هذه الأفكار حول مفهوم القراءة والقارئلبنات أولية في بروز نظرية التلقي ، هذه النظرية
التي ستتخذ صيغتها النسقية في ألمانيا ، فيمدرسة كونسطانس وقد كان من أبرز رواد هذه النظرية كل من هانس روبير ياوس وفولفغانغآيزر. فكيف تمت بلورة هذه النظرية وما هي خلفياتها الفلسفية ومفاهيمها الأساسية ؟
نظرية التلقي : النشأة والأسس :
إن نشوء نظرية ما هو جواب عن سؤال ،واستجابة لحاجة ، بالإضافة إلى أن النظرية تحمل معها نموذجا استبداليا جديدا يتجاوزالنماذج السابقة ، ولا تنشأ النظرية إلا إذا وقعت أزمة في الأسس ، وبذلك تكتسبالنظرية الجديدة مشروعيتها. فما هي الأسئلة التي طرحت على نظرية التلقي ؟ وما هيطبيعة الأزمة التي سعت هذه النظرية إلى اقتراح حلول لها ؟
يذهب " فانسون يوف " في كتابة " ما القراءة؟ " إلى أن السبب في الاهتمام بالقراءة والقارئ هو المأزق الذي عرفته الدراساتالشكلانية ، والتطور الذي حصل في ميدان اللسانيات ، لقد بدأ الاهتمام بالقراءةيتطور " في الوقت الذي عرفت فيه المقاربات البنيوية بعض الفتور ، إذ تبين أن اختزالالنص الأدبي إلى مجموعة من الأشكال عديم الفائدة ، لقد أصبحت الشعرية في مأزق ـ إذكل دراسة تعنى بالبنيات فقط تؤدي إلى نماذج عامة وناقصة جدا " أما السبب الثاني فهوالانطلاقة التي ستعرفها التداوليات بحيث أضافت للسانيات في وصفها لاشتغال اللغةفرعا ثالثا للفرعين المعهودين : " التركيب " الذي يعنى بدراسة العلاقة بين العلامات، و " علم الدلالة " الذي يبحث في علاقة العلامات بما تدل عليه ، وهو التداوليات،أي البحث في علاقة العلامات بمستعمليها. وهكذا فالتداوليات ستركز على التفاعل داخلالخطاب، بين الإرسالية والمرسل إليه وبين النص والقارئ. ومن تم سيحدث تحول كبير فيعلاقة المكونات التي يتم بها التواصل ، وسيعاد النظر في تحديد الأدب وطريقة دراسةالنصوص. فالسؤال ما الأدب ؟ يعني أن نتساءل لماذا نقرأ كتابا ما ؟ لقد " أصبحت أحسنوسيلة لفهم قوة واستمراريةبعض الأعمال هي أن نتساءل حول ما يجده القراء فيها .
أما روبير هولوب ، في كتابه نظرية التلقي ( مقدمة نقدية ) ، فإنه اعتمد مقالة لهانس روبير ياوس نشرت سنة 1969 تحت عنوان " التغيير في أنموذج الدراسات الأدبية ". حيث لخص فيها هذا الأخير تاريخ المناهجالأدبية مفترضا أن بداية ثورة ما في الدراسات المعاصرة كانت على وشك الحدوث. وقدأكد ياوس في هذه المقالة " أن دراسة الأدب ليست عملية تشتمل على التراكم التدريجيللوقائع والحجج التي من نشأتها أن تقرب أكثر ، كل جيل متعاقب ماهية الأدب في الواقعأو تقربه من فهم صحيح للأعمال الأدبية الفردية ، بل بالأحرى يتميز التطور الأدبيبالقفزات النوعية والانقطاعات ونقط الانطلاق الأصلية. ويتم إقصاء الأنموذج الذي سبقأن وجه البحث الأدبي في الوقت الذي لم يعد يستجيب للمتطلبات التي وضعتها لهالدراسات الأدبية ، وهكذا فإن أنموذجا جديدا يكون ملائما أكثر لهذه المهمة ومستقلاعن النمط الأسبق ويحل هذا الأنموذج محل المقاربة المتقادمة إلى أن يصبح هو بدورهعاجزا على مسايرة وظيفته التي هي تفسير الأعمال الماضية للأجيال في الوقت الحاضر. يتبين من خلال هذا النص أن ياوس استفاد من بعض المفاهيم الأبستيمولوجية ، وهي مفهوم " الأنموذجparadigm " و " الثورة العلمية " محاولا بذلك إعادة تفسير طبيعة التطور الأدبي محتذيا في ذلكمنهجية العلوم الطبيعية ، فمفهوم الأنموذج مكنه من رصد الانقطاعات الحاصلة فيالتطور الأدبي ؛ حيث أن كل أنموذج يحمل معه رؤية ترتبط بأسئلة معينة وتستجيبلحاجيات خاصة ؛ وحينما يعجز الأنموذج على مسايرة التطورات الحاصلة ولا يقدر علىإيصال الأعمال القديمة للقارئ الحديث فإنه يخلي المكان لنموذج آخر ، قادر على خلقتقنيات تأويل جديدة وكذا الموضوعات التي ينبغي تأويلها.
ولكي يبرز ياوس جدة الأنموذج الذي سيطلقعليه نظرية التلقي ، سيصنف النماذج السابقة مبرزا طبيعتها وخلفياتها وحدودها وهيكالتالي :
أ/ أنموذج ما قبل المرحلة العملية : وهوأنموذج كلاسيكي ذو نزعة إنسانية يعتمد كمعيار مقارنة الأعمال الأدبية بالنماذجالمتفق عليها لدى القدماء. فالأعمال التي قلدت الأعمال الكلاسيكية بنجاح كانت تعتبرجيدة أو مقبولة ، أما تلك التي خرجت عن أعراف النماذج العريقة فكانت تعتبر رديئة أوغير مرضية. وكانت مهمة الناقد هي قياس الأعمال الأدبية في الحاضر مقابل القواعدالثابتة.
ب/ أنموذج الثورة العلمية للنزعة التاريخية : ظهر هذا الأنموذج بعد انهيار النموذج الأول في القرنــــين 18 و 19 وقد ظهر عقبتأسيس الأمم والاتصالات من أجل الوحدة الوطنية في كل أرجاء أوربا . وكنتيجةللتغيرات السياسية والتخمينات الإيديولوجية ، فقد أصبح تاريخ الأدب لحظة مؤملة منلحظات الشرعية الوطنية وبالتالي ارتكز النشاط على دراسات المصادر وعلى محاولاتإعادة بناء ما قبل التاريخ لنصوص القرون الوسطى المعيارية ... وغالبا ما ارتبطت هذهالمقاربة " التاريخانية " الوضعية من حيث المنهج بمقاربة آلية للنصوص وكذا برؤيةضيقة تكاد تكون شفينية.
ج/ النموذج " الجمالي-الشكلاني": داخل هذاالأنموذج مناهج متعددة كالأسلوبية وتاريخ الأفكار، والشكلانية الروسية ، والنقدالجديد ، وما يربط مختلف هؤلاء النقاد والمدارس هو التحول من التفسيرات التاريخيةوالسببية إلى التركيز على العمل نفسه.
إن الوقوف على محدوديته هذه الأنموذجاتسيفسح المجال لظهور أنموذج رابع ، ولو أنه " لا يمكن تحديده بعد شكل دقيق 2 كمايذهب هيلوب ، غير أن ياوس يضع مجموعة من المقتضيات المنهجية تحدد طبيعة هذا النموذجوتميزه عن النماذج الأخرى. فبالإضافة إلى التأويل والتوسط وتحيين فن الماضي وهو شرطأساسي استوفته كل أنموذج سابق. هناك شروط أخرى وهي :
- الوساطة بين التحليل الجمالي ، والشكلي ،والتاريخي ، والتحليل المرتبط بالتلقي ، وكذا بين الفن والتاريخ والواقع الاجتماعي.
- ربط المناهج البنائية والمناهج التأويلية.
- سبر أعماق جمالية التأثير (التي لم تعدترتبط بالوصف وحده)، وبلاغة جديدة تستطيع فعلا تفسير الأدب "الراقي" وكذا الأدبالشعبي وظواهر وسائل الإعلام في آن واحد .
من خلال هذه المقتضيات يتضح لنا الطابعالتركيبي لنظرية التلقي؛ حيث أن هذه الأخيرة تسعى إلى تجاوز النزعة البنائيةوالشكلانية المعتمدة على الوصف وتجاوز النزعة التاريخانية التي تعتمد على تفسيرالحدث محاولة بذلك تركيب هذين التوجيهين بفتحها على القارئ وعلى الهرمينوطيقا ،بغية إحداث بلاغة جديدة تكسر الحدود ما بين ما اصطلح عليه بالأدب الراقي والأدبالشعبي.

منقول للإفادة. وشكراً









قديم 2009-12-29, 14:49   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
hajura
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

لك الف شكر على المساعدة اخي الكريم










قديم 2009-12-29, 19:38   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الدلفين
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الدلفين
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

العفو










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc