أرجو أن أجد فيكم الأذن الصاغية و العقل الراجح، لا أريد مواساة و لا أبحث عن طبطبة. أريد رأيا سديدا.
أنا فتاة تمتعت بقدر من العلم، لن أقول أني فتاة جميلة أو على خلق أو ذات نسب أو ما شابه. في الواقع عشت حياتي كلها تلك الفتاة التي لا يتجاوزها أحد علما انطلاقا من المدرسة إلى الجامعة. ذاك ما كان يميزني، تفوقي الدراسي و نبوغي مقارنة بأقراني. أو ذاك ما حسبته. طبعا كان هذا شرفا عظيما لي و فخرا لوالدي. كنت أحظى باحترام الجميع و تقديرهم، فهم يتوسمون في الذكاء و الفطنة.
لكن الذي لا يعلمه أحد أن هذا النجاح الباهر لم يكن نتيجة اجتهاد مني حيث أني لم أكن أسهر الليالي و لم أسع يوما لهذا النجاح، بل جاء كتوفيق و تيسير من الله دون أدنى جهد مني.
قبل خمسة سنوات من الآن و بسبب تفوقي تحصلت على منحة من الدولة الجزائرية للدراسة في فرنسا و هناك حلت الكارثة. لقد فشلت! نعم لقد فشلت فشلا ذريعا. ليس لأنني كنت غبية أو لأنني لم أستطع المواكبة أو لأنني كنت أقل شأنا من زملائي، على الإطلاق... بل لأنني فجأة و بدون سبب أصبحت لا أطيق الدراسة و لا أطيق فرنسا و لا أطيق أي شيء له علاقة بتلك المنحة. فانطويت على نفسي و قطعت الاتصال بالجميع حتى تم إشعاري بأنني رسبت.
كانت تلك أول مرة أجرب فيها شعور الفشل في حياتي كلها. تعرضت لصدمة من وقتها لم أشف منها حتى الآن. فقد تغير كل شيء بعد ذلك.
أصبحت حديث العائلة، الحي و الجامعة. إنها تلك الفاشلة (لعبتها علينا قارية هاهي راحت بهدلتنا وجات). سخر أساتذتي القدماء مني و سمعت أن أحدهم كان قد توقع فشلي مسبقا، أما زملائي فقد احتفوا بهذا الفشل و تغنوا به.
أبي كان القشة التي قسمت ظهر البعير فهو لم يتقبل الموضوع و نصب نفسه عدوا لي. لا يكلمني و لا ينظر إلي و يخبرني أنني فاشلة و لا أجيد شيئا و أنني أحرجته مع أصحابه و عائلته الذين ما لبث يخبرهم أنني من فطاحل العلماء. صار متهكما متجهما مبتئسا غاضبا طيلة الوقت. جتى أنه تحول لكائن لا يحتمل ليس بالنسبة لي فقط بل حتى بالنسبة لأمي و أخوتي فقد صب جام غضبه و سخطه عليهم.
من الأشياء التي خسرتها أيضا كان خطيبي، تمت خطبتي لأحدهم بعد حصولي على المنحة و بمجرد ما رسبت انسحب كما أنه لم يكن. لم أهتم كثيرا بهذا صراحة لكنها كانت إحدى العلامات الدالة على أنني أصبحت لا أساوي شيئا لأي أحد من دون نجاحي.
شاء الله أن يعيدني إلى نقطة الصفر لأبدأ كل شيء من جديد لكني لم أستطع ذلك. أنا الآن في 30 من عمري و قد توقف بي الزمن منذ هذه الحادثة. اكتئبت و حزنت و لم أتقدم خطوة أخرى في حياتي، فقدت ثقتي بنفسي، فقدت الرغبة في الحياة و النجاح. تحولت من إنسانة ناجحة إلى أخرى فاشلة، صرت عالة على نفسي و على الآخرين. فكرت كثيرا في الانتحار لكني أخاف الله. فكرت في الهرب بعيدا لكني اخاف على أسرتي من كلام الناس.
الجميع يعاملني كما لو أنني اخترت أن أفشل و أردت أن أكون كذلك. لا أحد يقدر حجم الألم او الخذلان الذين أشعر بهما.
أنت لا تعلمون كم هو صعب أن تملك كل شيء بين يديك ثم تفقده دون سابق إنذار، لا تعلمون كم هو صعب أن تصبح نكره بعد أن كنت االأعز.
لا أنكر أنني المسؤولة عن كل ما حدث لكن العقاب كان أكبر و أشد.
مازلت أحتفظ بالكثير من علمي و مهاراتي لكني لم أستطع توظيفها من جديد لإيماني بأني فاشلة.
أشيروا علي فقد فاضت بي الكأس.