" خذوا العبرة من هذا الشعب "
أمام فشل منظومة الحكم في تسيير أزمة كورونا والإقلال من أضرارها المميتة، والوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد كما وصفه كمال صنهاجي، ونداءات فاعلي الصحة من أطباء وشبه طبيين بتوفير الأكسجين ومستلزمات أخرى، وبكاء أهالي مرضى الكوفيد على أهاليهم اللذين يلفظون أنفاسهم بسبب انقطاع التزود بالأكسجين، وتشبع المستشفيات من استيعاب الأعداد المتزايدة للمرضى من يوم إلى أخر الراقدين في المنازل والعيادات الجوارية ينتظرون أمكنة بالمستشفيات، وفي إقرارات لبعض الأطباء فإنه وصل بهم الأمر أمام انقطاع الأكسجين، أن يفاضلوا تزويد مقتبل العمر عن متقدم العمر الميئوس من حالته.
أخذ الشعب زمام المبادرة متألقا في هبته كما عرف عنه دائما عبر كل المحن والشدائد والأزمات والصعاب التي مرت بها الجزائر.
والكل يتذكر أو سمع عن الموقف الشجاع الذي اتخذه أخر قيادات الولاية التاريخية الثالثة البطل العقيد محند والحاج الذي كان قابعا في الجبال بجيشه المكون من مجاهدين يحارب بن بلة، أثناء أزمة حرب الرمال بين الجزائر والمغرب، عندما سمع إلى نداء بن بلة ولعبارة " حقرونا الماروك" فغير وجهة جيشه صوب تندوف للذود عن حرمة التراب الجزائري.
وتلك الهبة التضامنية للشعب وبلوغها عنان السماء أثناء زلزال الأصنام الشلف حاليا سنة 1980، بكل ما يملكون، وواصل الأمر ببعض الناس التقدم طواعية وطلب الزواج بالأرامل وتبني الأولاد اليتامى.
مثلها مثل الهبة التي أعقبت فيضانات باب الوادي وزلزال بومرداس، ضرب فيها الشعب أروع صور التضامن والتآزر من المساعدة في نزع الركام وإنقاذ الأحياء، إلى تزويد المتضررين بالمئونة والأغطية، بل بكل ما يحتاجونه.
إلى الهبة التضامنية الأروع التي تحدث اليوم التي فاقت كل الهبات التضامنية من جزائريين مقيمين إلى جزائريي المهجر، ما أجود هذا الشعب في العطاء أثناء الشدائد، إنه كالريح المرسلة التي تنعش الأنفس المحبطة، فكونت لجان عبر المداشر والقرى والأحياء لجمع المال لشراء مكثفات الأكسجين، والسعي لشراء حتى مولدات الأكسجين ومعدات ومستلزمات طبية، ومن أصحاب المال من اشترى مكثفات ومولدات الأكسجين، وجهز العيادات الجوارية والمستشفيات بالمستلزمات الطبية والمعدات والأسرة، ومن أهدى منزله وعمارته أو قاعة حفلات يملكها لفائدة المستشفيات واستعمالها كملحقات طبية لتخليصها من تشبعها وتوفير الأسرة للمرضى اللذين يرقدون بالعيادات الجوارية والمنازل.
لكن ما يأسف له أن المشتريات من الخارج أو التي أرسلها جزائريي المهجر تعرف البطء في الوصول إلى وجهتها بسبب العراقيل الجمركية.
وبولاية تيزي وزو زيادة عن أعمال الخير والعطاء، سنت لجان القرى والجمعيات لبعض البلديات ولمنع الانتشار السريع للعدوى إجراءات الحجر الصحي من الثانية زوالا إلى السادسة صباحا، والمثير للدهشة أن الإجراء محترم من الجميع، حتى الإدارات العمومية سارت على المنوال.
إن هذا الشعب يستحق أن يعيش حياة أفضل من التي يتجرعها اليوم من منظمة الحكم، وفي عوض أن تمكنه من الاختيار الحر لممثليه في سدة الرئاسة إلى البرلمان، قطعت عليه الطريق عندما اصطدمت رغبة الشعب في التغيير بأجندة منظومة الحكم في الحفاظ على ديمومة المنظومة، فكان أن قابلها هو بمقاطعة أجندتها.
أه، لو أعطيت الحرية لهذا الشعب لتقرير مصيره بنفسه، لا خرجت البلاد من أزماتها السياسية ولا قضت على عدم شرعية الحكم.
يا أيها الحكام الجاثمين على رقابنا، يا أيها المسئولين القابعين في المكاتب؟ في عوض الجري وراء جاه السلطان ولحس عسل السلطة، خذوا الغبرة من هبة هذا الشعب التضامنية.