السؤال:
ما حكمُ لُبْس العروسِ العباءةَ البيضاء ليلةَ الزفاف؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمعروف أنَّ لُبْسَ الفستانِ الأبيض والعِباءةِ البيضاء مِن خصائصِ أعراس النصارى ومِن ألبستهم دينًا ودنيا، وإذا كان مِن حقوقِ البَراء أن لا يُشارِكَ المسلمُ الكفَّارَ في أعيادهم وأفراحهم ولا يهنِّئَهم عليها لكونها مِن الزور كما فسَّر بعضُ أهلِ العلم قولَه تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢]، أي: أعياد المشركين وأفراحهم(١)؛ فإنه لا يجوز التشبُّهُ بهم في صفةِ أعيادهم وطريقةِ أَلْبِسَتِهم فيها، وقد صحَّ النهيُ عن هذا التشبُّه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٢)، وفي «صحيح مسلمٍ» أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا»(٣)؛ كما أنَّ المعهود ـ مِن جهةٍ أخرى ـ في المجتمَعات الإسلامية خصوصيةُ البياضِ بالذكور دون الإناث، والعروسُ المتزيِّنة بالبياض متشبِّهةٌ بالرجال، وقد «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»(٤)، فضلًا عن تضمُّنه لِلِباسِ الشُّهرة المنهيِّ عنه(٥)؛ لذلك ينبغي تركُه والعدولُ عنه إلى ما يُسايِرُ اللِّباسَ الشرعيَّ الخاصَّ بالإناث على وجهٍ يُوافِقُ النصوصَ ولا يُخالِفها.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
(١) قاله أبو العالية وطاوسٌ ومحمَّد بن سيرين والضحَّاك والربيع بن أنسٍ وغيرُهم، انظر: «تفسير ابن كثير» (٦/ ١٣٠).
(٢) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في لُبْس الشهرة (٤٠٣١)، وأحمد (٥١١٤)، والطحاويُّ في «مشكل الآثار» (١٩٨)، وابن أبي شيبة في «المصنَّف» (٣٣٠١٦)، مِن حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه ابن حجرٍ في «فتح الباري» (١٠/ ٢٨٢)، وصحَّحه العراقيُّ في «تخريج الإحياء» (١/ ٣٥٩)، والألبانيُّ في «الإرواء» (١٢٦٩)، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٣٤٧).
(٣) أخرجه مسلمٌ في «اللباس والزينة» (٢/ ١٠٠٠) رقم: (٢٠٧٧)، والبيهقيُّ (٨٩٠٠)، مِن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(٤) أخرجه البخاريُّ في «اللباس» باب: المتشبِّهون بالنساء والمتشبِّهات بالرجال (٥٨٨٥)، وأبو داود في «اللباس» بابٌ في لباس النساء (٤٠٩٧)، والترمذيُّ في «الأدب» بابُ ما جاء في المتشبِّهات بالرجال مِن النساء (٢٧٨٤)، وابن ماجه في «النكاح» بابٌ في المخنَّثين (١٩٠٤)، وأحمد (٢٢٩١)، والطبرانيُّ في «المعجم الأوسط» (٤٠٠٣)، مِن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٥) انظر حديثَ ابن عمر رضي الله عنهما: رواه أحمد (٥٦٦٤)، وأبو داود في «اللباس» بابٌ في لُبْس الشهرة (٤٠٢٩)، وابن ماجه في «اللباس» بابُ مَن لَبِسَ شهرةً مِن الثياب (٣٦٠٦). ولفظ ابن ماجه: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ». والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٥٢٦).