الرد على شبهات الأشاعرة *الجزء الأول* - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الرد على شبهات الأشاعرة *الجزء الأول*

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-12-14, 18:36   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مراد_2009
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










New1 الرد على شبهات الأشاعرة *الجزء الأول*

الرد على شبهات الأشاعرة

الجزء الأول

الشبهة(1) : تأويلهم صفة الوجه

* قال ابن الجوزي في " دفع شبه التشبيه" (ص113):"قال الله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن: الآية 27]، قال المفسرون: معناه: يبقى ربك، وكذا قال في قوله: { يُريدُونَ وجَهْهُ} [الأنعام: الآية 52]، أي: يريدونه، وقال الضحَّاك وأبو عبيدة في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: الآية 88]، أي: إلا هو، وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة تختص باسم زائد على الذات.
قلت: فمن أين قالوا هذا، وليس لهم دليل إلا ما عرفوا من الحسيات؟‍! وذلك يوجب التبعيض، ولو كان كما قالوا، كان المعنى أن ذاته تهلك إلا وجهه.
وقال ابن حامد: أثبتنا لله وجهًا، ولا يجوز إثبات رأس.
قلت: ولقد اقشعرَّ بدني من جراءته على ما ذكر هذا، فما أعوزه في التشبيه غير الرأس".
· والجواب عن هذه الشبهة من وجهين: مجمل ومفصَّل:
أما المجمل، فإنه يقال: قد دلَّ الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها على أن لله تعالى وجهًا كما أن له يدين وسمعًا وبصرًا وصورةً وعلمًا وحياةً وقدمًا، وغير ذلك ممَّا وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب إثبات الوجه لله تعالى إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل؛ لأن الله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: الآية11]؛ فكما أننا نثبت لله تعالى ذاتًا لا تُشبه الذوات، فكذلك نثبت لله تعالى وجهًا لا شبيه له ولا نظير.
وقد نفى الجهمية وأشباههم من نفاة الصفات صفة الوجه عن الله تعالى، وحرَّفوا الكلم عن مواضعه، وأتوا بعبارات مجملة تحتمل حقًّا وتحتمل باطلاً، وقد أرادوا بها قطعًا معنى باطلاً؛ كي يلبسوا بها على الخلق.
وهذه الألفاظ المجملة يلهج بها أهل البدع لينفوا بها صفات الباري جل وعلا.
وبالاعتصام بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم نجاة من أباطيلهم وشبههم.
وفي الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة شيء كثير ممَّا يرد على الجهمية وغيرهم من النفاة، ويدحض شبههم، ويقمع باطلهم:
قال تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص : الآية 88].
وقال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن : الآية 27].
وفي "صحيح الإمام البخاري" رحمه الله (13/388) عن جابر بن عبد الله، قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"، فقال: { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"، قال: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذا أيسرُ".
فهذا الحديث نص صحيح صريح في إثبات الوجه لله تعالى، وهو من الصفات الذاتية.
ومن الأدلة أيضًا على إثبات صفة الوجه لله تعالى ما رواه مسلم في "صحيحه" (رقم 179) عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: "إن الله عزَّ وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل، حجابه النور (وفي رواية أبي بكر: النار)، لو كشفه؛ لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
والجهمية تنكر هذا الحديث وما في معناه؛ فعموا وصموا.
والأشاعرة تحرفه وتتأوَّله بتأويلات فاسدة: إما بتفسير الوجه بالذات لتنفي صفة الوجه عن الله، وإمَّا بغير ذلك من التأويلات المستكرهة.
وهناك أيضًا من الأدلة الصحيحة المتلقاة بالقبول عند أهل العلم مما يثبت لله تعالى صفة الوجه ما يغيظ الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الطوائف الضالة:ففي "صحيح البخاري" (13/423) و"مسلم" (رقم 180) من طريق أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "جنتان من فضَّة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم، إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".
فقوله: "على وجهه": فيه إثبات الوجه لله تعالى حقيقة.
وأهل الباطل تأوَّلوا هذا الحديث كما تأولوا غيره من الأحاديث الدالة على إثبات صفة الوجه لله تعالى، حتى قال عياض: "فمن أجرى الكلام على ظاهره؛ أفضى به الأمر إلى التجسيم..."!!
وهذا خطأ وغلط؛ فليس في إثبات الصفات لله تعالى تجسيم، فإن السلف يثبتون لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل.
والواجب على جميع الخلق التسليم والانقياد لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم ضرب الأمثال لله تعالى؛ فإنه من أعظم الضلال والإلحاد.
والذي لا يفهم من صفات الخالق إلا ما يفهمه من صفات المخلوق هو المجسم المشبه؛ فالله المستعان.
ومن الأدلة أيضًا على إثبات الوجه لله تعالى ما رواه أبو داود (1/124) بسند حسن من طريق عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، قال: لقيت عقبة بن مسلم، فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا دخل المسجد، قال: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم"، قال: أقط؟ قلت: نعم، قال: "فإذا قال ذلك؛ قال الشيطان: حُفِظ مني سائر اليوم".
فقوله: "وبوجهه الكريم": دليل على إثبات الوجه لله تعالى.
ويرد على زعم أن الوجه هو الذات بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ أولاً بالله العظيم، ثم استعاذ ثانيًا بوجهه الكريم، والعطف يدل على المغايرة.والأحاديث والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في إثبات الوجه لله تعالى كثيرة، وقد خرَّجها كثير من أهل العلم في كتبهم، متلقين لها بالقبول، مقابلين لها بالتسليم، ولم يُنكرها أحد منهم.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب "التوحيد" بعد أن ساق الآيات الدالة على إثبات الوجه لله تعالى، قال:
"فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عزَّ ربنا عن أن يشبه المخلوقين، وجلَّ ربنا عن مقالة المعطِّلين، وعزَّ أن يكون عدمًا كما قاله المبطلون؛ لأن ما لا صفة له عدم، تعالى الله عمَّا يقول الجهميُّون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم...".
وقال رحمه الله: "نحن نقول وعلماؤنا جميعًا في جميع الأقطار: إن لمعبودنا عزَّ وجلَّ وجهًا كما أعلمنا الله في محكم تنزيله...".
وأمَّا الجواب المفصَّل؛ فمن وجوه:
الوجه الأول: أن ابن الجوزي قال علي قول الله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: الآية 27]؛ قال: "قال المفسِّرون: معناه: يبقى ربك": وهذا التعميم والإطلاق بأنه قول المفسرين خطأ؛ فهناك من المفسرين ممن قبل ابن الجوزي فسَّر الآية بغير ما ادَّعاه ابن الجوزي، مع أن الحق ليس محصورًا فيمن صنَّف كتابًا أو كتبًا في التفسير.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في "تفسيره" على قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [ الرحمن : الآيتان 26- 27] :
"يقول تعالى ذكره: كل من على ظهر الأرض من جن وإنس؛ فإنه هالك، ويبقى وجه ربك يا محمد ذو الجلال والإكرام، و{ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} من نعت الوجه؛ فلذلك رفع {ذو}..".
هذا مذهب أهل التحقيق في تفسير هذه الآية، ومن فسَّر الوجه بالذات؛ فقد أخطأ وسلك مسلك الجهمية.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في "كتاب التوحيد" (1/51): "وزعم بعض جهلة الجهمية أن الله عز وجل إنما وصف في هذه الآية [نفسه] التي أضاف إليها الجلال بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: الآية 78]، وزعت أن الرب هو ذو الجلال والإكرام، لا الوجه".
قال أبو بكر: "أقول - وبالله توفيقي-: هذه دعوى يدَّعيها جاهل بلغة العرب؛ لأن الله عز وجل قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن: الآية 27]: فذكر الوجه مضمومًا في هذا الموضع مرفوعًا، وذكر الرب بخفض الباء بإضافة الوجه، ولو أن قوله: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}: مردودًا إلى ذكر الرب في هذا الموضع؛ لكانت القراءة: (ذي الجلال والإكرام)؛ مخفوضًا، كما كان الباء مخفوضًا في ذكر الرب جلَّ وعلا.
ألم تسمع قوله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: الآية78]، فلمَّا كان {الْجَلاَلِ} و{الإِكْرَامِ} في هذه الآية صفة للرب؛ خفض {ذِي} خفض الباء الذي ذكر في قوله: ]ربِّك[، ولما كان الوجه في تلك الآية مرفوعة التي كانت صفة الوجه مرفوعة؛ فقال: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}، فتفهَّموا يا ذوي الحِجا هذا البيان الذي هو مفهوم في خطاب العرب، لا تغالطوا؛ فتتركوا سواء السبيل.
وفي هاتين الآيتين دلالة أن وجه الله صفة من صفات الله، صفات الذات، لا أن وجه الله هو الله، ولا أن وجهه غيره، كما زعمت المعطلة الجهمية؛ لأن وجه الله لو كان الله؛ لقرئ: (ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام)! فما لمن لا يفهم هذا القدر من العربية ولوضع الكتب على علماء أهل الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم؟!".
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله - كما في "مختصر الصواعق" (ص337)-: "إنه لا يعرف في لغة من لغات الأمم وجه الشيء بمعنى ذاته ونفسه، وغاية ما شبه به المعطل وجه الرب: أن قال: هو كقوله: وجه الحائط، ووجه الثوب، ووجه النهار، ووجه الأمر، فيقال لهذا المعطل المشبِّه: ليس الوجه في ذلك بمعنى الذات، بل هذا مبطل لقولك؛ فإن وجه الحائط أحد جانبيه؛ فهو مقابلٌ لدبره، ومثل هذا وجه الكعبة ودبرها؛ فهو وجه حقيقة، ولكنه بحسب المضاف إليه، فلما كان المضاف إليه بناء؛ كان وجهه من جنسه، وكذلك وجه الثوب أحد جانبيه، وهو من جنسه، وكذلك وجه النهار أوَّله، ولا يقال لجميع النهار، وقال ابن عباس: وجه النهار أوَّله، ومنه قولهم: صدر النهار، قال الأعرابي: أتيته بوجه نهار وصدر نهار، وأنشد للربيع بن زياد:
مَنْ كانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مالِكٍ فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنا بِوَجْهِ نَهارِ
والوجه في اللغة: مستقبل كل شيء؛ لأنه أول ما يوجه منه، ووجه الرأي والأمر: ما يظهر أنه صوابه، وهو في كل محل بحسب ما يضاف إليه؛ فإن أضيف إلى زمن؛ كان الوجه زمنًا، وإن أضيف إلى حيوان؛ كان بحسبه، وإن أضيف إلى ثوب أو حائط؛ كان بحسبه، وإن أضيف إلى من { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : الآية 11]، كان وجهه تعالى كذلك".
أقول: ولما كان ابن الجوزي مضطربًا في العقيدة؛ ففي بعض كتبه يؤول، وفي بعضها يثبت؛ فقد جاء عنه ما يدل على أنه يثبت الوجه لله تعالى؛ كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة.
قال في كتابه "مجالس ابن الجوزي" يرد على من أوَّل الوجه بالذات: "وقول المعتزلة: إنه أراد بالوجه الذات؛ فباطل؛ لأنه أضافه إلى نفسه، والمضاف ليس كالمضاف إليه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه...".
وهذا حق، ولكن ابن الجوزي لم يثبت على هذا، والاضطراب ظاهر عليه في كتبه، فإنه لا يثبت على قدم النفس ولا على قدم الإثبات؛ فيثبت تارة وينفي تارة، وكثيرًا ما يفوض، كما صنع في "تلبيس إبليس"، فإنه قال (ص101):
"ومن الناس من يقول: لله وجه، هو صفة زائدة على صفة ذاته؛ لقوله عز وجل: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: الآية 26]، وله يد، وله إصبع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يضع السماوات على إصبع"، وله قدم... إلى غير ذلك ممَّا تضمنته الأخبار، وهذا كلُّه إنما استخرجوه من مفهوم الحس، وإنما الصواب قراءة الآيات والأحاديث من غير تفسير ولا كلام فيها..".
الوجه الثاني: أن ابن الجوزي قال: "وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة تختص باسم زائد على الذات، قلت (القائل ابن الجوزي): فمن أين قالوا هذا وليس لهم دليل إلا ما عرفوه من الحسيات؟!".
وجواب هذا أن يقال: إن القول بأن هذه الصفة زائدة على الذات أم غير زائدة كلام مجمل، يحتمل حقًّا ويحتمل باطلاً.
والألفاظ المجملة التي لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة ولم يتكلم بها الصحابة توقع اللبس، وطريق السلامة التفصيل:
فمن أثبت الوجه لله تعالى وغيره من الصفات التي صحَّت بها النصوص، وقال: صفات الله زائدة على الذات؛ فمراده زائدة على ما أثبته نفاة الصفات؛ فإنهم يثبتون لله تعالى ذاتًا مجردة عن الصفات، فلا يثبتون لله وجهًا ولا يدين ولا قدمًا ولا صورةً ولا كلامًا، بل لا يثبتون إلا ذاتًا مجردة عن الصفات، وهذا ضلال باتفاق علماء السلف؛ إذ لا توجد ذات مجردة عن الصفات، وأهل البدع يوردون الألفاظ المجملة تلبيسًا على الخلق؛ ليدركوا مرادهم من حيث لا يُشْعَر بمقصدهم، ولذلك لا يثبتون الوجه لله تعالى ولا غيره من الصفات، ويعيبون على من قال: إن الوجه صفة زائدة على الذات، مع أن مراد مَن قال في صفات الله: زائدة على الذات، أي: زائدة على ما أثبته نفاةُ الصفات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (5/326): "وإذا قال مَن قال مِن أهل الإثبات للصفات: أنا أثبتُ صفات لله زائدة على ذاته، فحقيقة ذلك أنا نثبتها زائدة على ما أثبتها النفاة من الذات؛ فإن النفاة اعتقدوا ثبوت ذات مجردة عن الصفات، فقال أهل الإثبات: نحن نقول بإثبات صفات زائدة على ما أثبته هؤلاء، وأما الذات نفسها الموجودة، فتلك لا يتصور أن تحقق بلا صفة أصلاً، بل هذا بمنزلة من قال: أثبت إنسانًا لا حيوانًا ولا ناطقًا ولا قائمًا بنفسه ولا بغيره ولا له قدرة ولا حياة ولا حركة ولا سُكُون... أو نحو ذلك، أو قال: أثبت نخلة ليس لها ساق ولا جذع ولا ليف... ولا غير ذلك، فإن هذا يثبت ما لا حقيقة له في الخارج ولا يعقل؛ ولهذا كان السلف والأئمة يُسمون نفاة الصفات معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله تعالى، وإنْ كانوا هم قد لا يعلمون أنَّ قولهم مستلزم للتعطيل، بل يصفونه بالوصفين المتناقضين؛ فيقولون: هو موجود قديم واجب، ثم ينفون لوازم وجوده، فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود! حق ليس بحق! خالق ليس بخالق! فينفون عنه النقيضين: إمَّا تصريحًا بنفيهما، وإمَّا إمساكًا عن الإخبار بواحد منهما..".
وأمَّا قول ابن الجوزي: "وليس لهم دليل إلا ما عرفوه من الحسيات"؛ فهذا جهل بالنصوص وبما عليه علماء السلف، فإنهم متفقون على إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة.
وأما قول من قال من العلماء: إن الوجه صفة تختص باسم زائد على الذات، فمرادهم زائد على ما نفاه نفاةُ الصفات المعطلة، الذين ينفون عن الله تعالى ما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثالث: أنَّ قول ابن الجوزي: "ولو كان كما قالوا، كان المعنى أن ذاته تهلك إلا وجهه": يقال عنه: هذا جهل وقول فاسد، فإننا لو سلمنا أن المراد بقول الله تعالى: { كُلُّ شيءٍ هالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: الآية 88]؛ أي: إلا ذاته، أو: إلا هو، لم يكن في ذلك دليل على نفي الوجه عن الله تعالى؛ لأن النصوص كثيرة في إثبات الوجه لله تعالى، ولا عبرة بحثالة الجهمية والمعطلة الذين ينكرون ذلك، ويكون معنى الآية على ما قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب "التوحيد" (ص24): "ونفى عنه الهلاك إذا أهلك الله ما قد قضى عليه الهلاك ممَّا قد خلقه الله للفناء لا للبقاء، جلَّ ربنا عن أن يهلك شيء منه مما هو من صفات ذاته..".
الوجه الرابع: أن قول ابن الجوزي: "وقال ابن حامد: أثبتنا لله وجهًا، ولا نجوِّز إثبات رأس، قلت (القائل ابن الجوزي): ولقد اقشعرَّ بدني من جراءته على ذكر هذا، فما أعوَزه في التشبيه غير الرأس".
يجاب عنه، فيقال: إن من أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتجاوز القرآن والحديث الصحيح؛ فقد سلك الصراط المستقيم، واقتفى أثر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.
ومن أنكر ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أو حرَّف ذلك، أو اقشعرَّ جلده من ذلك استنكارًا؛ فقد ضلَّ عن الهدي القويم، وسلك مسلك النفاة من الجهمية والمعطلين.
وإن من أصول أهل السنة والجماعة: أن الله تعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الأصل يجب التمسك به والعض عليه بالنواجذ، خصوصًا عند جِدال المبطلين، وتلبيس المماحلين، وتشبيه المشبهين.
فإذا علم هذا الأصل العظيم الذي لا يضل من تمسك به، فليعلم أنَّ النصوص جاءت صريحة صحيحة في إثبات الوجه لله تعالى، وقد تقدم بعضها، فمن أنكرها، فإنما ينكر على الله قوله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم خبره، وهذا من أعظم الضلال وأقبح الباطل.
قال تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: الآية 65] .
ومن ردَّ آيات الصفات وأحاديثها أو حرَّفها؛ فهو والله بمعزل عن هذا التحكيم.
وقول ابن حامد: "ولا نجوِّز إثبات الرأس": قصده في ذلك أن النص لم يأتِ به، ولو جاء النص به؛ لكنَّا أوَّل القائلين به؛ تفاديًا من غضب الله وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: الآية 63]، قال الإمام أحمد رحمه الله: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك".
فلما لم يأتِ النص بإثبات الرأس لله تعالى، لم يقل به ابن حامد.
وأي عيب في هذا؟!
ومنه يظهر أن إنكار ابن الجوزي ليس في محله؛ لأن ابن حامد أثبت لله وجهًا، وهكذا جاءت النصوص، فمن أنكر على ابن حامد؛ فإنما يرد الآيات والأحاديث الصحاح، وهذا ضلال بعيد وزيغ عظيم، نسأل الله السلامة والعافية.
( المرجع : إتحاف أهل الفضل والإنصاف ، للشيخ سليمان العلوان ، 121-133) .

الشبهة(2) : تأويلهم صفة العين

* قال ابن الجوزي في " دفع شبه التشبيه " (ص113، على قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [طه : الآية 39]، و{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود : الآية 37]).
"قال المفسرون: بأمرنا، أي: بَمرْأى منا.
قال أبو بكر بن الأنباري: أمَّا جمع العين على مذهب العرب في إيقاعها الجمع على الواحد، يقال: خرجنا في السفر إلى البصرة، وإنما جمع؛ لأن عادة الملك أن يقول: أَمَرنا ونهينا.
وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلى أن العين صفة زائدة على الذات، وقد سبقه أبو بكر ابن خزيمة، فقال في الآية: لربنا عينان ينظر بهما.
قلت: وهذا ابتداع لا دليل لهم عليه، وإنما أثبتوا عينين من دليل الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام: "وإن الله ليس بأعور"، وإنما أراد نفي النقص عنه تعالى، ومتى ثبت أنه لا يتجزأ، لم يكن لما يتخيل من الصفات وجه".
· أقول: الجواب عن هذه الجهالات من وجهين: مجمل ومفصل:
فأمَّا المجْمَل؛ فإنه قد اتفق علماء السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين على أن الله تعالى لا يُوصف إلا بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل، واتفقوا أيضًا على أنَّ باب الأسماء والصفات لا يدخله القياس، ولا مجال للقياس فيه، فلا نثبت لله تعالى إلا ما جاء به السمع.
فكان مما جاء به السمع ذِكْر العين لله تعالى مفردة، كما في قوله تعالى: { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [طه :الآية 39] ، وذكرها بلفظ الجمع، كما في قوله تعالى: { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: الآية 48]، وجاءت السنة بذكر العينين لله تعالى.
فكان الواجب على كل مسلم الإيمان بذلك، وإثبات العينين لله تعالى حقيقة، والتسليم والانقياد، وعدم ضرب الأمثال لله تعالى، وترك التحريف وصرف النصوص عن حقائقها بلا برهان.
قال الهروي في كتاب "الأربعين" (ص64، باب إثبات العينين له تعالى وتقدَّس)، وساق بالسند حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبيٍّ؛ إلا وقد حذَّر أمته الأعور الكذَّاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم عزَّ وجل ليس بأعور، مكتوب بين عينيه (ك ف ر)..."، وهذا الحديث رواه الإمام البخاري(13/389) ومسلم (رقم 2933) من طريق شعبة عن قتادة، قال: سمعتُ أنس بن مالك... ورواه أيضًا البخاري (13/389- فتح) ومسلم من طريق نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به".
قال الإمام الدارمي رحمه الله في "رده على بشر المريسي" (ص48): "ففي تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليس بأعور": بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور".
وقال رحمه الله: "والعور عند الناس ضد البصر، والأعور عندهم ضد البصير بالعينين".
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة رحمه الله في كتاب "التوحيد" (1/97): "فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبّت الخالق البارئ لنفسه من العين، وغير مؤمن من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد ثبته الله في محكم تنزيله ببيان النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جعله الله مبينًا عنه عز وجل في قوله: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: الآية44]، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين، فكان بيانه موافقًا لبيان محكم التنزيل، الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب..".
وإثبات العينين لله تعالى أمرٌ متفق عليه بين علماء السلف، ومجيئهما في القرآن بلفظ المفرد المضاف إلى الضمير المفرد وبلفظ الجمع المضاف إلى ضمير الجمع لا يدل على أن لله تعالى عينًا واحدة، كما أن لفظ الجمع لا يدل على أن لله تعالى أعينًا متعددة، فيحمل ما جاء بالكتاب على ما وضحته السنة، فيزول الإشكال.
قال العلاّمة المحقق ابن القيم رحمه الله في "الصواعق" (1/205): "... فذكرَ العينَ المفردة مضافةً إلى الضمير المفرد، والأعين مجموعة مضافةً إلى ضمير الجمع، وذكرُ العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا، كما يقول القائل: أفعل هذا على عيني، وأجيئك على عيني، وأحمله على عيني... ولا يريد به أنَّ له عيناً واحدة، فلو فهم أحد هذا من ظاهر كلام المخلوق؛ لعُدَّ أخرق، وأمَّا إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرًا أو مضمرًا؛ فالأحسن جمعها، مشاكلة للفظ، كقوله: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنا} [القمر: الآية 14]، وقوله: { وَاصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنا} [هود: الآية 37]، وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد، كقوله: { بِيَدِهِ المُلْكُ} [الملك: الآية1]، و{ بِيَدِكَ الخَيْرُ} [آل عمران: الآية 26]، وإن أضيفت إلى ضمير جمع؛ جمعت، كقوله: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يَسَ: الآية 71]، وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر، كقوله: { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: الآية 41]، وقوله: { قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} [الأنبياء: الآية 61].
وقد نطق القرآن والسنة بذكر اليد مضافة إليه سبحانه مفردة ومثناة ومجموعة، وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة، ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة، كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا قام في الصلاة، قام بين عيني الرحمن، فإذا التفت؛ قال له ربه: إلى من تلتفت؟‍ إلى خير لك مني؟‍".
وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم ليس بأعور": صريحٌ في أنه ليس المراد إثبات عين واحدة ليس إلاَّ؛ فإن ذلك عور ظاهر، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وهل يَفْهمُ من قول الداعي: "اللهم! احرسنا بعينك التي لا تنام": أنها عين واحدة ليس إلا إلاَّ ذهن أقلف وقلب أغلف؟!
قال خلف بن تميم: حدثنا عبد الجبار بن كثير، قال: "قيل لإبراهيم ابن أدهم: هذا السبع، فنادى: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء، وإلا (يعني: فاذهب)، فضرب بذنبه، وولى مدبرًا، فنظر إبراهيم إلى أصحابه، وقال: قولوا: اللهم! احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت الرجاء".
قال عثمان الدارمي: "الأعور ضد البصير بالعينين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور"، وقد احتج السلف على إثبات العينين له سبحانه بقوله: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنا} [القمر: الآية 14] ".
وممن صرح بذلك إثباتًا واستدلالاً أبو الحسن الأشعري في كتبه كلها، فقال في "المقالات" و"الموجز" و"الإبانة"، وهذا لفظه فيها:
"وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله..".
إلى أن قال: " وأن الله مستوٍ على عرشه، كما قال: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : الآية 5]، وأن له وجهًا، كما قال: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: الآية 27]، وأن له يدين، كما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: الآية 64]، وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيدَيَّ} [صَ: الآية 75]، وأن له عينين بلا كيف، كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنا} [القمر: الآية 14]".
فهذا الأشعري والناس قبله وبعده لم يفهموا من الأعين أعينًا كثيرة على وجه، ولم يفهموا من الأيدي أيادي كثيرة على شقٍّ واحد، حتى جاء هذا الجهمي، فعضه القرآن، وادعى أن هذا ظاهره، وإنما قصد هذا وأمثاله التشنيع على من بدَّعه وضلله من أهل السنة والحديث، وهذا شأن الجهمية في القديم والحديث، وهم بهذا الصنيع على الله ورسوله وكتابه يشنعون، { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: الآية 105] ".
وأما الجواب المفصل، فمن وجوه:
الوجه الأول: أن قول ابن الجوزي على قول الله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: الآية 39]، وقوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا}[هود: الآية 37]: "قال المفسرون: بأمرنا، أي: بمرأى منا":
يقال: إنه خطأ من وجهين:
الوجه الأول: أن المفسرين لم يطبقوا على هذا التفسير، وعبارة ابن الجوزي فيها إيهام أن جميع المفسرين يقولون ذلك، وهذا خطأ، فابن جرير مثلاً - وتفسيره يُعد من أجلِّ التفاسير وأشهرها - قال على قول الله تعالى:{وَاصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنا}[هود: الآية 37]، قال: "بعين الله ووحيه كما يأمرك ".
الوجه الثاني: أن تفسير الآيتين بما ذكر ابن الجوزي خطأ؛ إذ لو أراد الله تعالى بقوله: {وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِي} [طَه: الآية 39]، أي: بأمري، لقال: "ولتصنع بأمري".
وكذلك الآية الأخرى يقال فيها مثل ما قيل في هذه.
وقول من قال: "بمرأى منا": يقال: لا شك أن ذلك بمرأى من الله تعالى، وهذا من اللوازم، وليس هو معنى الآية، فالواجب أولاً إثبات العينين لله تعالى، ثم لا بأس بعد ذلك بذكر اللوازم من الرؤية ونحو ذلك.
ولكن أهل الأهواء يُفسرون الآيات التي في الصفات بلوازمها، وينفون حقائقها، وهذا عين المحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت عن ابن عباس في قول الله تعالى: {واصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنا} [هود: الآية 37]، قال: "بعين الله تبارك وتعالى"، رواه عنه البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/41) من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني، ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس، به، ورواته كلهم ثقات.
وكذلك قال قتادة: "بعين الله..."، فيما رواه عنه ابن جرير في "تفسير".
وأما قول الجهمي الكوثري في تعليقه على "الأسماء والصفات" على أثر ابن عباس المتقدم، قال: "وفي سند الحديث حجاج المصيصي، اختلط في أواخر عمره، وعطاء ضعفه البخاري، وعكرمة مختلف فيه"، فهو كلام جاهل، ليس له حظ ولا نصيب من هذا العلم، كما أنه لا له حظّ ولا نصيب من معرفة الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح:
فقوله: "حجاج المصيصي اختلط في أواخر عمره": يقال عنه: ذكر ذلك بعض العلماء، كما في ترجمته في "تهذيب الكمال" (5/456) و"تهذيب التهذيب" (2/181).
وهذا لا يؤثر على حديثه مطلقًا؛ لأنه إنما قيل إنه تغير لما رجع إلى بغداد، وحديثه عن ابن جريج ليس من ذلك.
وقد سمع التفسير من ابن جريج إملاءً، كما ذكر ذلك أحمد بن حنبل، قال أحمد: "ولم يكن مع ابن جريج كتاب التفسير، فأملى عليه".
وقد قال يحيى بن معين: "قال لي المعلى الرازي: قد رأيت أصحاب ابن جريج بالبصرة، ما رأيت فيهم أثبت من حجاج"، قال يحيى: "وكنت أتعجب منه، فلما تبينت ذلك، إذا هو كما قال، كان أثبتهم في ابن جريج".
وقال أبو مسلم المستملي: "خرج حجاج الأعور من بغداد إلى الثغر في سنة تسعين ومائة"، قال: "وسألته، فقلت: هذا التفسير سمعته من ابن جريج؟ فقال: سمعت التفسير من ابن جريج، وهذه الأحاديث الطوال، وكل شيء قلت: حدثنا ابن جريج، فقد سمعته".
وأما قوله: "وعطاء ضعَّفه البخاري"، فهذا غير ناهض لتضعيف عطاء الخراساني:
فتضعيف البخاري لرجلٍ ما لا يدل على ضعفه مطلقًا، وأنه لا يحتج بحديثه، فقد وثق عطاء أئمة ثقات أثبات لهم قدرهم في هذا الشأن.
قال الإمام أحمد رحمه الله عنه: "ثقة".
وقال ابن معين: "ثقة".
ووثقه أيضًا الدارقطني.
وقال يعقوب بن شيبة: "ثقة، معروف بالفتوى والجهاد".
وقد خرج البخاري لعطاء في "صحيحه" في تفسير سورة نوح، ولكن اختلف العلماء رحمهم الله في عطاء، هل هو ابن أبي رباح أم الخراساني؟ جاء عند عبد الرزاق في "تفسيره" التصريح بأنه الخراساني.
والحاصل أن عطاء الخراساني ممن يحتج بحديثه، كما عليه أكثر أئمة الحديث ونقاده، والله أعلم.
وأما قوله: "وعكرمة مختلَف فيه": فهذا شغب لا طائل تحته، فالاختلاف في توثيق الراوي ليس تضعيفًا له.
وعكرمة: ثقة حافظ، خرج له البخاري في الأصول، والأربعة، وروى له مسلم مقرونًا، وقد روى عن جماعة من الصحابة.
ووثَّقه ابن معين والنسائي وغيرهما.
وقال الإمام البخاري رحمه الله: "ليس أحدٌ من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة".
وقد تكلم بعضهم في حديث عكرمة، فقيل: سبب ذلك لرأي رآه عكرمة، وإلا، فهو حجة في الحديث، والكلام الذي قيل فيه لا يطعن في حديثه، وما كل راوٍ يتكلم فيه يطرح حديثه، فلا بد من النظر والوقوف على كلام الجارح، هل هو مؤثر، أم غير مؤثر؟
والحاصل أن عكرمة حجة في الحديث، وشغب الكوثري ممَّا لا يقام له وزن، ولم يبْنِ كلامه على قواعد وأسس سليمة، إنما يلقي الكلام على عواهنه، فالله المستعان.
الوجه الثاني: أن قول ابن الجوزي: "وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلى أنَّ العين صفة زائدة على الذات، وقد سبقه أبو بكر بن خزيمة، فقال في الآية: لربنا عينان ينظر بهما": يقال عنه:
إن مراد القاضي أبي يعلى بقوله: العين صفة زائدة على الذات، أي: زائدة على ما أثبته النفاة؛ لأن النفاة يثبتون لله تعالى ذاتًا مجردة عن الصفات، والسلف يخالفونهم في ذلك، فيثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مما صحَّت به الأحاديث.
وإن كان اللفظ والقول بأن هذه الصفة زائدة على الذات أو غير زائدة غير مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام، ويحتمل حقًّا ويحتمل باطلاً.
ولكن مراد أهل الإثبات بقولهم: "صفة زائدة على الذات"، أي: زائدة على ما أثبته النفاة، وهذا المعنى حق، خلافًا لأهل البدع الذين ينكرون صفات الله تعالى أو يُحرفونها، ولا يثبتون لله تعالى، لا وجهًا، ولا سمعًا، ولا بصرًا، ولا عينين... ولا غير ذلك من الصفات الذاتية، ولا كثيرًا من الصفات الفعلية، فقد شبهوا معبودهم وربهم بالناقصات، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
وأما عيب ابن الجوزي على أبي يعلى وابن خزيمة، فليس في محله، وهذا العيب في الحقيقة إنما يقع على من دلَّ الأمة على أن لله عينين، فليس ابن خزيمة أول من ذكر العينين لله تعالى حتى يخص بالإنكار، ولو تفكر في ذلك أهل الأهواء؛ لعلموا فساد عقولهم وتناقضهم واضطرابهم، ولعلموا أنهم في الحقيقة إنما يطعنون على من جاء بإثبات العينين لله تعالى حقيقة ودعا الناس إلى الإيمان بذلك.
الوجه الثالث: أن قول ابن الجوزي: "وهذا ابتداع لا دليل لهم عليه، وإنما أثبتوا لله عينين من دليل الخطاب في قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الله ليس بأعور": يقال عنه: قد تقدم ذكر الأدلة على إثبات العينين لله تعالى، وليس في إثباتهما ابتداع في الدين، إنما الابتداع هو نفيهما عن الله، ووصف الله تعالى بالنقائص، وهذا أصل التعطيل.وقول ابن الجوزي: "وإنما أثبتوا لله عينين من دليل الخطاب في قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الله ليس بأعور": يقال عنه: إن دليل الخطاب في هذا الموضع حجة، وقد أجمع عليه العلماء، وأثبتوا لله عينين.
وقد تقدم إثبات الوجه لله تعالى وغيره من الصفات بنصوص قطعية متواترة، ومع ذلك أنكرها ابن الجوزي وصرفها عن ظاهرها بحجج عقلية متهافتة مضطربة، يستحي العاقل من ذكرها، فليس قوله: "من دليل الخطاب": هو المانع له من إثبات العينين لله تعالى، فالله المستعان.
( المرجع : " إتحاف أهل الفضل والإنصاف " للشيخ سليمان العلوان ، ص 134-144).








 


قديم 2009-12-15, 21:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
العبد الضعيف
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

التوقيع الذي تستعمله يا مراد هو من قول الأشاعرة و هو في قصيدة ألفت في العقيدة الأشعرية ، فإذا أردت أن تذم الأشاعرة فلا تأخذ من كلامهم شيئا و إلا صدق غليك المثل الشعبي " ياكل في الغلة و يسب في الملة ".










قديم 2009-12-15, 22:09   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
djamelbio
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية djamelbio
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله

بارك الله فيك على الموضوع المفيد










قديم 2009-12-16, 11:48   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العبد الضعيف مشاهدة المشاركة
التوقيع الذي تستعمله يا مراد هو من قول الأشاعرة و هو في قصيدة ألفت في العقيدة الأشعرية ، فإذا أردت أن تذم الأشاعرة فلا تأخذ من كلامهم شيئا و إلا صدق غليك المثل الشعبي " ياكل في الغلة و يسب في الملة ".
بل في الأمر حجة عليك فقبول الحق من أي كان هو سمت أهل الحق أما أهل الهوى فيتبعون المتشابه ويعرضون عن المحكم والحق أن صاحب المنظومة قد أخذ قوله هذا عن الإمام مالك رحمه الله ( .... ولن يصلح .. ) فهو -على نهجك- أولى بالذمّ إذ هو مخالف لمالك في الإعتقاد باعترافه حيث يقول هو وقومه ( .. أشعرية في الأصول ... مالكية في الفروع ... ) ولو كانوا موافقين لمالك لما ضطروا إلى تخصيص وصف (المالكية) بال(فروع)









قديم 2009-12-17, 20:47   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
مراد_2009
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
التوقيع الذي تستعمله يا مراد هو من قول الأشاعرة و هو في قصيدة ألفت في العقيدة الأشعرية ، فإذا أردت أن تذم الأشاعرة فلا تأخذ من كلامهم شيئا و إلا صدق غليك المثل الشعبي " ياكل في الغلة و يسب في الملة ".
يبدوا أن العبد الضعيف لم يعد يرى سوى هذا التوقيع وأغفل النظر في النص









قديم 2009-12-18, 17:15   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أبو جابر الجزائري
عضو محترف
 
الأوسمة
المرتبة الاولى وسام ثاني أحسن عضو مميّز لسنة 2011 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العبد الضعيف مشاهدة المشاركة
التوقيع الذي تستعمله يا مراد هو من قول الأشاعرة و هو في قصيدة ألفت في العقيدة الأشعرية ، فإذا أردت أن تذم الأشاعرة فلا تأخذ من كلامهم شيئا و إلا صدق غليك المثل الشعبي " ياكل في الغلة و يسب في الملة ".

من أين جئت بهذا التلازم الفاسد ، بل إن كلامك يخالف أصول الدين
أولا: قبل كل شيء، ما قاله صاحب جوهرة التوحيد الأشعري
وكل خير في تباع من سلف و كل شر في بتداع من خلف


حجة دامغة على بطلان عقائد الأشاعرة -الذين هم من الخلف وليسوا من السلف اتّفاقا -، والتي خالفوا بها عقائد السلف، فهو دليل إدانة ضدهم وعليهم لا لهم، ومن فيمك أدنيك ، كما يقال، السلف قالوا: في صفة الاستواء: مروها كما هي ، والصفة معلومة والكيف مجهول، لكن لأشاعرة قالوا: لا، بل الاستواء معناه استولى فحرفوا وأولوا وفهموا صفات الربّ سبحانه وتعالى عكس ما فهمه الصحابة الذين زكى الله تعالى عقيدتهم فقالفي محكم التنزيل : "فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا "، إذن يستلزم من البيت الذي ذكره صاحب الجوهرة الأشعري أنّ عقائد الأشاعرة هي شرّ لمخالفتها ما عليه السلف.
ثانيا: ألم يقرّ الله تعالى ما قالته الملكة بلقيس ـ وقد كانت عل كفرها ـ " قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً " فقال سبحانه مقرّا للحق التي قالته :" وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ "
ثالثا: ألم يقرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لبيد بن ربيعة ـ وقد كان كافرا : "أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ رواه الشيخان.









قديم 2009-12-23, 21:33   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
مراد_2009
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
من أين جئت بهذا التلازم الفاسد ، بل إن كلامك يخالف أصول الدين
أولا: قبل كل شيء، ما قاله صاحب جوهرة التوحيد الأشعري
وكل خير في تباع من سلف و كل شر في بتداع من خلف


حجة دامغة على بطلان عقائد الأشاعرة -الذين هم من الخلف وليسوا من السلف اتّفاقا -، والتي خالفوا بها عقائد السلف، فهو دليل إدانة ضدهم وعليهم لا لهم، ومن فيمك أدنيك ، كما يقال، السلف قالوا: في صفة الاستواء: مروها كما هي ، والصفة معلومة والكيف مجهول، لكن لأشاعرة قالوا: لا، بل الاستواء معناه استولى فحرفوا وأولوا وفهموا صفات الربّ سبحانه وتعالى عكس ما فهمه الصحابة الذين زكى الله تعالى عقيدتهم فقالفي محكم التنزيل : "فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا "، إذن يستلزم من البيت الذي ذكره صاحب الجوهرة الأشعري أنّ عقائد الأشاعرة هي شرّ لمخالفتها ما عليه السلف.
ثانيا: ألم يقرّ الله تعالى ما قالته الملكة بلقيس ـ وقد كانت عل كفرها ـ " قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً " فقال سبحانه مقرّا للحق التي قالته :" وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ "
ثالثا: ألم يقرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لبيد بن ربيعة ـ وقد كان كافرا : "أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ رواه الشيخان.
بارك الله فيك أخي أبو جابر نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه
فوالله لانك ترى عجبا من قوم ينافحون عن هذا المعتقد الأشعري شيوخه قد حتاروا في آخر حياتهم









 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأشاعرة, الرد, شبهات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:32

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc