قال الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله :
وقد ذكر الحافظ البزار في ترجمة شيخ الاسلام ابن تيمية أن هذا الدعاء كان غالب دعائه رحمه الله.
عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو :
" رَبِّ أعني ولاتعن علي ،وانصرني ولاتنصر علي، وامكر لي ولاتمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي, اللهم اجعلني لك شاكرا, لك ذاكرا, لك راهبا, لك مطواعا, لك مخبتا, إليك أواها منيبا, رب تقبل توبتي , واغسل حوبتي , وأجب دعوتي, وثبت حجتي, واهد قلبي, وسدد لساني, واسلل سخيمة صدري ".
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الالباني في صحيح سنن أبي داود(1/414).
هذا الدعاء العظيم اشتمل على اثنين وعشرين سؤالا ومطلبا,هي من أهم مطالب العبد وأسباب صلاحه وسعادته في الدنيا وفي الآخرة.
- فأول ذلك قوله (رب أعني)وهو طلب العون من الله أي وفقني لذكرك وشكرك وحسن عبادتك وفي مقابلة الاعداء أمدني بمعونتك وتوفيقك.
- الثاني قوله (ولا تُعن عليّ) أي لا تُغَلِّبْ عليّ من يمنعني من طاعتك من النفس الأمّارة بالسوء ومن شياطين الأنس والجن.
- والثالث قوله (وانصرني) وهو طلب النصر أي أغلبني على الكفار أعدائي وأعداء دينك,وقيل انصرني على نفسي الأمارة بالسوء فإنها أعدى اعدائي.
- والرابع قوله (ولا تَنْصُرْ عليّ) بمعنى لاتسلّط عليّ أحدا من خلقك.
- والخامس قوله (وامكر لي) أي ألحق مكرك بأعدائي وارزقني الحيلة السّليمة والفكر القويم للسلامة من شرهم ودفع كيدهم,بحيث لا يشعر العدو بماهديتني إليه من سبل دفع كيدهم وعدوانهم.
- السادس قوله (ولا تَمكُرْ عليّ) أي ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياي عن نفسه.
- السابع قوله (واهدني) أي دُلًّنِي على أبواب الخيرات وَمُنَّ عليّ بالعلم النافع وبَصِّرْنِي بعيوب نفسي.
- والثامن قوله (ويَسِّرِ الهدى لي) أي وسهّل لي إتِّبَاعَ الهداية وسلوك طريقها وهيّء لي أسباب الخير حتى لا أستثقل الطاعة ولا اشتغل عن العبادة.
- والتاسع قوله (وانصرني على من بغى عليّ) أي وانصرني على من ظلمني وتعدّى عليّ.
- والعاشر قوله (اللهم إجعلني لك شاكرا) أي ألهمني شكرك على نعمائك وآلائك عليّ.
- والحادي عشر قوله (لك ذاكرا) أي في الأوقات كلّها قائما وقاعدا وعلى جنب.
- والثاني عشر (قوله لك راهبا) أي خائف منك في السرّاء والضرّاء.
- والثالث عشر (قوله لك مطواعا) أي كثير الطوع وهو الانقياد والإمتثال والطاعة.
- والرابع عشر قوله (لك مُخبِتًا) من الإخبات وهو الخشوع والتواضع والخضوع والمعنى إجعلني لك خاشعا متواضعا خاضعا.
- والخامس عشر قوله (إليك أوّاها مُنيبا) الأوّاه هو كثير الدعاء والتضرع والبكاء,والمنيب هو التائب الراجع إلى الله في أموره.
- والسادس عشر قوله (رب تقبّل توبتي) أي بِجَعْلِهَا صحيحة بشرائطها واستجماع آدابها.
- والسابع عشر قوله (واغسل حوبتي)أي وامح ذنبي وإثمي.
- والثامن عشر قوله (وأجب دعوتي) أي دعائي.
- والتاسع عشر قوله (وثبّت حجّتي) أي على أعدائك في الدنيا والعقبى,وثبت قولي وتصديقي في الدنيا وعند سؤال الملكين.
- والعشرون قوله (واهدِ قلبي) أي إلى معرفة ربي ومعرفة الحق والهدى الذي أمر به وبعث به رسله.
- والحادي والعشرون قوله (وسدّد لساني) أي صَوِّبْ وَقَوِّمْ لساني حتى لاينطق إلا بالصّدق والقول السّديد.
- والثاني والعشرون قوله (واسْلُلْ سَخيمة صدري) أي وأخرج سخيمة صدري وهي غشه وغلّه وحقده وحسده ونحوها ممّا ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساويء الأخلاق.
وبهذا الشرح الموجز لمااشتمل عليه هذا الدعاء من المسائل العظيمة والمطالب الجليلة يتبين عظم هذا الدعاء وأنه مما ينبغي الاهتمام به وملازمة التضرع به إلى الله وقد ذكر الحافظ البزار في ترجمة شيخ الاسلام ابن تيمية أن هذا الدعاء كان غالب دعائه رحمه الله.
-----------------------------------------------------------------------
بتصرف من كتاب فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (4/487).