عليكم السلام و رحمه الله و بركاته
اخوة الاسلام
الخواطر التي ترد على الإنسان، قد تكون من الإلهام الذي يلقيه الله في روع العبد
وقد تكون من الشيطان
كما تكون من حديث النفس.
وقد روى البخاري (3689) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ).
الإلهام عرفه أهل العلم بتعريفات متقاربة.
قال ابن الأثير رحمه الله:
(أن يلقي الله في النفس أمراً يبعث العبد على الفعل أو الترك)
انتهى من "جامع الأصول" (4/213).
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله:
(الإلهام إلقاء معنى في القلب يطمئن له الصدر يخص الله به بعض أصفيائه، وليس بحجة من غير معصوم)
انتهى من "الحدود الأنيقة" ص(68).
فحين نسال كيف نعرف هل هي خواطر من الله ام هي من الشيطان
وتُعقّب بأن أهل المعرفة بذلك ذكروا أن الخاطر الذي يكون من الحق يستقر ولا يضطرب
والذي يكون من الشيطان يضطرب ولا يستقر
فهذا إن ثبت كان فارقا واضحا.
و اقول ايضا
فالخواطر قد تكون إلهاما، وقد تكون من لمة الشيطان، أو من حديث النفس.
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
( إِنَّ لِلْمَلِكِ لَمَّةً، وَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ الْمَلِكِ إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ )
رواه أبو داود في الزهد (164) ورواه الترمذي (2899) مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي سنده مقال .
والإلهام نوع من الكرامة.
قال الخطابي رحمه الله:
(فإن كان في أُمتي منهم فإنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ,المُحدَّث الملهم يُلقى الشيءُ في روعه ,
فكأنه قد حُدِّث به , يظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون كذلك. وهو منزلة جليلة من منازل الأولياء، ومرتبة عظيمة من مراتب الأصفياء)
انتهى من "أعلام الحديث" (3/1571).
وقال المناوي رحمه الله:
((أناس محدَّثون) قال القرطبي : الرواية بفتح الدال اسم مفعول ، جمع محدث بالفتح ، أي ملهم ، أو صادق الظن ، وهو من أُلقي في نفسه شي
على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى ، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة ، أو من إذا رأى رأيا
أو ظن ظنا : أصاب ؛ كأنه حُدِّث به ، وألقى في روعه من عالم الملكوت ، فيظهر على نحو ما وقع له .
وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء)
انتهى من "فيض القدير" (4/664) .
قد تبين بما سبق أن الإلهام شيء يلقى في القلب، بلا مقدمات، ولا تفكير أو اجتهاد، كأن يلقى في نفس الإنسان أن فلانا يموت هذه الساعة، أو أن الجيش سينتصر رغم قلة الأسباب، ونحو ذلك.
وأما تذكّر إجابة سؤال في الامتحان، فليس إلهاما، بل هو من التفكر ، واستعادة ما في النفس، إلا أن يلقى في نفسه جواب لم يكن قرأه ولا خطر بباله من قبل .
وهذا الباب شأنه شأن الرزق من المال والصحة والولد ، والتجارة ، ونحو ذلك من الأرزاق : يؤتيه الله من يشاء ، بمقتضى ربوبيته العامة لخلقه ؛ فقد يرزق الله طالبا أن ينجح في الامتحان
وهو فاسق عاص ، ويمنع آخر ، وهو مؤمن تقي .
وقد يرزق الله الطالب الجواب ، بمقتضى ما بذله من الأسباب ، فعيطيه وفق ذلك ، كما هو الشأن العام والغالب من أحوال الناس .
وقد يمنعه ، وقد ذاكر وبذل واجتهد ، محنة منه وبلاء ، يبتليه به .
وقد يرزقه جواب سؤال ، لم يجتهد في معرفته ، ونحو ذلك .
وقد قال الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ) الإسراء/18-21
و الله اعلي و اعلم