حكم التقليد وشروط المجتهد - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حكم التقليد وشروط المجتهد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-02-14, 04:01   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة حكم التقليد وشروط المجتهد

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

حكم التقليد وشروط المجتهد

أولا:

التقليد هو قبول قول الغير بلا حجة، وصاحبه لا يعد من العلماء اتفاقا.

قال ابن عبد البر رحمه الله: "وقال أهل العلم والنظر: حد العلم التبيين وإدراك المعلوم على ما هو [عليه]، فمن بان له الشيء فقد علمه، قالوا: والمقلد لا علم له ، ولم يختلفوا في ذلك" انتهى من جامع بيان العلم وفضله (2/ 992).



وقال الشوكاني رحمه الله: " أما التقليد: فأصله في اللغة مأخوذ من القلادة، التي يقلد غيره بها، ومنه تقليد الهدي، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم، الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده.

وفي الاصطلاح: هو العمل بقول الغير من غير حجة" انتهى من إرشاد الفحول (2/ 239).

ثانيا:

الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لم يحرم التقليد في الموضع المذكور ، ولا في غيره ، إلا على العلماء وطلبة العلم الذين يعرفون الأدلة والنظر فيها، وأما العوام فإن التقليد في حقهم جائز ، بل واجب.

قال رحمه الله في مقدمة الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 16) : " وعُلِمَ من قولنا: «بأدلَّتها» أن المقلِّدَ ليس فقيهاً؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط. وقد نقل ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على ذلك.

وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني،

فإذاً لا بُدَّ أن نعرفَ ماذا قالت الرُّسل ، لنعمل به.

ولكن التَّقليد عند الضَّرورة : جائزٌ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدَّليلَ بنفسه فلا يحلُّ له التقليد" انتهى.

فمن لا يعرف الحق بدليله فلابد أن يسأل، أي : يقلد من هو أعلم منه.

وسئل رحمه الله: " ما الواجب على العامي ، ومن ليس له قدرة على طلب العلم؟

فأجاب فضيلته بقوله: يجب على من لا علم عنده ، ولا قدرة له على الاجتهاد : أن يسأل أهل العلم؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] .

ولم يأمر الله تعالى بسؤالهم إلا من أجل الأخذ بقولهم، وهذا هو التقليد.

لكن الممنوع في التقليد أن يلتزم مذهبًا معينًا يأخذ به على كل حال ويعتقد أن ذلك طريقه إلى الله -عز وجل- فيأخذ به ، وإن خالف الدليل.

وأما من له قدرة على الاجتهاد؛ كطالب العلم الذي أخذ بحظ وافر من العلم، فله أن يجتهد في الأدلة ، ويأخذ بما يرى أنه الصواب ، أو الأقرب للصواب.


وأما العامي وطالب العلم المبتدئ، فيجتهد في تقليد من يرى أنه أقرب إلى الحق؛ لغزارة علمه وقوة دينه وورعه" انتهى من كتاب العلم، ص153








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-02-14, 04:07   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثا:

الناس ثلاثة أقسام :

القسم الأول:

العالم المجتهد ، وهو من عنده القدرة على استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة مباشرة ، فهذا لا يجوز له أن يقلد أحدا من العلماء ، بل يتبع ما أداه إليه اجتهاده ، وافق علماء عصره أم خالفهم .

القسم الثاني :

طالب العلم المتمرس في طلب العلم حتى صار لديه القدرة على الترجيح بين أقوال العلماء ، وإن كان لم يصل إلى درجة الاجتهاد ، فهذا لا يلزمه أن يقلد أحدا من العلماء ، بل يقارن بين أقوال العلماء وأدلتها ويتبع ما ظهر له أنه القول الراجح .

القسم الثالث :


العوام وهم من ليس عندهم حصيلة من العلم الشرعي تؤهلهم للترجيح بين أقوال العلماء ، فهؤلاء لا يمكنهم استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة ، ولا يستطيعون الترجيح بين أقوال العلماء ولذا ، فالواجب عليهم سؤال العلماء واتباع أقوالهم . قال الله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.

ويلزمهم أن يقلدوا علماء عصرهم ، بل علماء بلدهم ، حتى لا يفتح لهم الباب للاختيار من أقوال العلماء ما شاءوا – وهم ليس عندهم الأهلية للترجيح – فسوف يختارون الأسهل دائما والموافق لهواهم ، وهذا سوف يؤدي إلى كثرة التنازع والاختلاف وتحلل الناس من أحكام الدين شيئا فشيئا.


وقد نص العلماء على هذه الأقسام الثلاثة .

أما القسمان الأول والثاني فقد قال الطوفي في "مختصر الروضة" (3/629)

" المجتهد إذا اجتهد وغلب على ظنه أن الحكم كذا لا يجوز له تقليد غيره بالاتفاق ، أي: لا خلاف في ذلك.

أما من لم يجتهد في الحكم بعد، وهو متمكن من معرفته بنفسه بالقوة القريبة من الفعل ، لكونه أهلا للاجتهاد فلا يجوز له تقليد غيره أيضا مطلقا ؛ لا أعلم منه ولا غيره؛ لا من الصحابة رضي الله عنهم ولا غيرهم " انتهى.

وأما القسم الثالث وهم العوام ، فقد جاء "تنقيح الفتاوى الحامدية " (7/431) بترقيم الشاملة : "فَائِدَةٌ : وَظِيفَةُ الْعَوَامّ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّبَاعُهُمْ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ... لَا اخْتِيَارَ لِلْعَامِّيِّ فِي أَقْوَالِ الْمَاضِينَ ، وَلَهُ الِاخْتِيَارُ فِي أَقَاوِيلِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ ، ومن وقعت له حادثة فأَخْبَرَهُ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ بِأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ لَا يَسَعُ الجاهل أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَخْتَارَ لَهُ الْعَالِمُ بِالدَّلِيلِ" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "الناس يختلفون، فمنهم من يصل إلى درجة الاجتهاد ومنهم دون ذلك، ومنهم من يكون مجتهداً في مسألة من المسائل، يحققها ويبحث فيها ويعرف الحق فيها دون غيره، ومن الناس من لا يعرف شيئاً. فالعامة مذهبهم مذهب علمائهم، ولهذا لو قال لنا قائل: إنني أشرب الدخان؛ لأن في البلاد الإسلامية الأخرى من يقول: إنه جائز، وأنا لي حرية التقليد، قلنا: لا يسوغ لك هذا؛ لأن فرضك أنت هو التقليد، وأحق من تقلد علماؤك، ولو قلدت من كان خارج بلادك أدى ذلك إلى الفوضى في أمر ليس عليه دليل شرعي

. ولو قال: إنه سيحلق لحيته؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، نقول له: لا يمكن، أنت فرضك التقليد، لا تخالف علماءك، ولو قال: أنا أريد أن أطوف على قبور الصالحين؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، أو قال: أريد أن أتوسل بهم إلى الله، وما أشبه ذلك، قلنا: لا يمكن هذا. فالعامي يجب عليه أن يقلد علماء بلده الذين يثق بهم، وقد ذكر هذا شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وقال: العامة لا يمكن أن يقلدوا علماء من خارج بلدهم؛ لأن هذا يؤدي إلى الفوضى والنزاع، ولو قال: أنا لا أتوضأ من لحم الإبل؛ لأنه يوجد من علماء الأمصار من يقول: لا يجب الوضوء منه لقلنا: لا يمكن، يجب عليك أن تتوضأ ، لأن هذا مذهب علمائك وأنت مقلد لهم" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" ( 32/19) .

وقال أيضا رحمه الله : "أما عامة الناس فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم؛ لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمر عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: العوام على مذهب علمائهم. فمثلاً: عندنا هنا في المملكة العربية السعودية أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها، فنحن نلزم نساءنا بذلك، حتى لو قالت لنا امرأة: أنا سأتبع المذهب الفلاني

وكشف الوجه فيه جائز، قلنا: ليس لكِ ذلك؛ لأنكِ عامية ما وصلتِ إلى درجة الاجتهاد، وإنما تريدين اتباع هذا المذهب لأنه رخصة، وتتبع الرخص حرام. أما لو ذهب عالم من العلماء الذي أداه اجتهاده إلى أن المرأة لا حرج عليها في كشف الوجه، ويقول: إن امرأتي سوف أجعلها تكشف وجهها. قلنا: لا بأس، لكن لا يجعلها تكشف الوجه في بلاد يسترون الوجوه، يمنع من هذا؛ لأنه يفسد غيره، ولأن المسألة فيها اتفاق على أن ستر الوجه أولى

فإذا كان ستر الوجه أولى فنحن إذا ألزمناه بذلك لم نكن ألزمناه بما هو حرام على مذهبه، إنما ألزمناه بالأولى على مذهبه، ولأمر آخر وهو ألا يقلده غيره من أهل هذه البلاد المحافظة، فيحصل من ذلك تفرق وتفتيت للكلمة. أما إذا ذهب إلى بلاده فلا نلزمه برأينا، ما دامت المسألة اجتهادية وتخضع لشيء من النظر في الأدلة والترجيح بينها" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح " (32/19) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-14, 04:17   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

رابعا:

مسائل متعددة في الإفتاء والاستفتاء والتقليد

طرق طلب العلم وتحصيله كثيرة، منها حفظ القرآن الكريم، وحفظ ما أمكن من السنة النبوية والمتون العلمية، وتلقي العلم عن العلماء الثقات، وبهذا قد يصل الطالب إلى النظر والترجيح بين أقوال العلماء.

أولاً:

إذا كنت في أول طلب العلم ، ولم تبدأ بعدُ بحفظ القرآن ، ولا أنت على علم بعلوم الآلة ، فالذي ينبغي عليك أن تبدأ أولا بحفظ القرآن الكريم ، وإتقان تلاوته ، ومعرفة معاني كلماته ، ثم الاهتمام بتعلم تفسيره ، ومعرفة فقهه وأحكامه ، وهذا كله يتطلب منك إلماما مناسبا بعلوم الآلة : اللغة وعلومها ، وأصول الفقه ، ونحو ذلك .

فإذا فرغت من حفظ القرآن فاجتهد في أن تحفظ ما تقدر عليه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة أحاديث الأحكام ؛ ويفضل أن تبدأ أولا بحفظ شيء يسير ، كالأربعين النووية ، ثم بعدها تشرع في حفظ ما هو أكبر ، إما من متون أحاديث الأحكام ، كعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي ، أو بلوغ المرام ، للحافظ ابن حجر ، أو منتقى الأخبار ، لمجد الدين ابن تيمية .

ولو شرعت في حفظ الأحاديث المتفق عليها من " اللؤلؤ والمرجان " أو " الجمع بين الصحيحين " ، فهو حسن .
والذي ينبغي عليك أن تشغل به نفسك في هذه المرحلة : أن تحفظ ، وتحصل ما تستطيعه من العلوم ، وأنت في سن الطلب والتحصيل ، قبل أن تتقدم سنك ، وتكثر مشاغلك ، ويضعف حفظك .

وأما أن تشغل نفسك بالبحوث المطولة في المسائل الخلافية ، والنظر في أدلة كل قول : فهذا مما لا يفيدك كبير شيء في هذه المرحلة ، ولا أنت مؤهل له ، وسوف يفوت عليك بسببه ما هو أولى بك منه .

على أن هناك من المسائل الواضحات التي تعترض طالب العلم ، ربما لا يحتاج فيها إلى كبير اجتهاد ، أو تضييع زمان في تتبع أقوال المذاهب ، ودلالة النصوص عليها ظاهرة ، مثل كثير من مسائل السنن المستحبات ، وفضائل العبادات ، والأحكام الواضحة : فهذه لا يستغني طالب العلم عن معرفتها ، ومراجعة أدلتها ، مع أنه في ذلك كله سوف يكون آخذا من أهل العلم الذين مهدوا له الطريق ؛ فمجرد ترجمة العالم على الحديث ، أو الآية : باب استحباب كذا ، أو وجوب كذا ، أو كراهة كذا ، أو تحريم كذا : كل ذلك هو نوع دلالة ، وتمهيد له لفهم النص ، ومعرفة مدلوله .


ثانياً:

الواجب على العامي ، أو طالب العلم الذي لم يتأهل للنظر أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه ، إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم . قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأنبياء/43-44 .

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

" وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ... " انتهى من "تفسير السعدي" (441).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" واجتهاد العامة هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم " انتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .

والرجوع إلى المواقع العلمية الموثوقة ، والتي يقوم عليها من تثق فيه من أهل العلم : هو نوع من ذلك الرجوع إلى أهل العلم ، واستفتائهم .
غير أنه في الواقع لا يغني عن الرجوع المباشر إلى أهل العلم الثقات الذين يمكنك الوصول إليهم ، والتعلم منهم ، ومناقشتهم بصورة مباشرة فيما ينزل بك ، أو تستشكله .

وهذا كله ـ بالطبع ـ بحسب استطاعة كل إنسان ، وما تسمح به ظروف بلده ، وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 .

ثالثاً:

في حالة عدم وجود الحكم في مسألة ما عند من تستفيته في دينك ممن ترضى دينه وعلمه : فإنه لا حرج في الانتقال إلى مفتٍ آخر يتصف بمواصفات المفتي الأول الذي ارتضيت دينه وعلمه – فيما ترى وتعلم عنه - ، وإنما المحظور هو أن يكون الانتقال لمجرد الهوى والبحث عن الرخصة ؛ فإن هذا فعل محرَّم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"مَن التزم مذهباً معيَّناً ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ، ومِن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله : فإنه يكون متبعاً لهواه ، وعاملاً بغير اجتهاد ولا تقليد ، فاعلاً للمحرم بغير عذر شرعي ، فهذا منكر" .انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 220 ) .


رابعاً:

الأصل في المقلِّد أن لا يتحول عن إمامه الذي يقلده إلا إن كان ثمة عذر له في ذلك ، كأن تكون المسألة لم يتطرق لها عالمه – كما سبق قريباً - ، أو يكون رأى غيره أعلم منه في هذه المسألة تحديداً ، فمثل هذا يكون معذوراً في البحث عن الفتوى عند عالمٍ آخر غير الذي يقلده في الأصل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين : إما لرجحان دليله - بحسب تمييزه - ، وإما لكون قائله أعلم وأورع : فله ذلك وإن خالف قوله المذهب" .انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 33 / 168 ) .

وقال – رحمه الله - :

"وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين رجحان قول على قول ، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب على ذلك ؛، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال ..." .انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 223 ) .


خامساً:

إن العالِم الشرعي الذي يكون أهلاً لأن يُستفتى لا يكون كذلك وهو يجهل واقع ما يُفتي به ؛ فإن العلم بالواقع من شروط الفتوى ، وقد سبق النقل في ذلك عن ابن القيم رحمه الله في جواب السؤال رقم (138348 ) فليُنظر .

فإذا كان قصد السائل هو ما فهمنا عنه : فليس عليه ملامة ولا حرج ، وأما إن كان يقصد بـ " فقه الواقع " من يشتغل بمتابعة الأخبار السياسية ويحللها ويناظر فيها : فهذه الأمور لا تؤهل صاحبها للحكم في مسائل الشرع إن كان خالياً من العلم الشرعي ، فالعلم بالأخبار العالمية السبق فيه للمتفرغ لمتابعتها ، والتحليل السياسي يحسنه الكفار كما يحسنه المسلمون ، فليس هذا مما يجعل العالم بذلك الواقع مؤهلا للإفتاء ، وليس لك أن تقدمه على غيره من أهل العلم الثقات ، وإن هؤلاء العلماء الثقات يتورعون عن القول فيما لا يعرفونه ، فإما تكون منهم إحالة على شخص بعينه أو هيئة بعينها ، أو تختار أنت غيره لكن بما ذكرناه من الشروط وهو أن يكون في ظنك أكثر علماً وأكثر ديانة .


سادساً:

إذا كان العالِم الذي تتبع فتواه وتأخذ منه العلم له مصنفات ، أو علم منقول محفوظ ، أو أشرطة مسجلة : فلا فرق أن يكون على قيد الحياة أو ميتاً ، ولا حاجة إلى إعادة استفتاء عالم آخر حي في نفس النازلة . قال ابن النجار رحمه الله :
" "وَلَهُ" أَيْ وَلِلْعَامِّيِّ "تَقْلِيدُ" مُجْتَهِدٍ "مَيِّتٍ" كَتَقْلِيدِ حَيٍّ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ فِي الإِجْمَاعِ ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ . وَفِيهِ يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا. " انْتَهَى من " شرح الكوكب المنير" (4/513) .

وأما إذا لم يكن له شيء من ذلك ، أو احتجت لمسألة لم تجدها عنده في كتاب ولم تسمعها منه من قبل : فكيف سيكون طريق معرفتك لحكم الله إلا بسؤال عالِم تثق بدينه وعلمه ممن هو على قيد الحياة ، فتسأله ، فيجيبك .

وهنا نؤكد للأخ السائل – ولغيره – ليس في دين الله تعالى ما يوجب عليك اتباع عالمٍ بعينه ، بل كل من تسمع منه حكم الله في مسألة ، وترى أنه يصلح للفتوى : فخذ بقوله إذا كان عندك من أهل العلم والدين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

"وإذا نزلت بالمسلم نازلة : فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان ، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به ، بل كل أحدٍ من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته : إنما هو مما يسوغ له ليس هو مما يجب على كل أحد ، إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق ، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله فيفعل المأمور ويترك المحظور" .انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 208 ، 209 ) .


سابعاً:

إذا انتقلت إلى عالِم حيٍّ ، وصرت تأخذ منه الفتوى : فلا تُعِدْ مسائلك التي أخذتها من الأول على هذا الثاني ، إلا بالشروط التي ذكرناها سابقاً ، وهو أنك ترى أن هذا الثاني أعلم من الأول ، فإن كنت تراه أعلم عموماً فلك إعادة المسائل التي أخذتها عن الأول عليه ، وإن كنت تراه أعلم في جوانب معينة – كالمعاملات الاقتصادية – فلا تعد إلا المسائل من هذا الجنس دون غيرها . وهكذا تشرع الإعادة إذا وقعت في الصدر حزازة وتردد من فتوى الأول .
والمهم في كل ما سبق أن لا يكون إعادة المسائل على الآخر ، والانتقال إليه دافعه الهوى وتتبع الرخص ، وإنما لعذر ولما تراه أنه أعلم وأوثق .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-14, 04:22   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وأما المجتهد فله شروط بينها أهل العلم

من هو العالم؟

العالم والفقيه والمجتهد ألقاب تدل على معنى واحد ، وهو مَنْ يبذل جهده في الوصول إلى الحكم الشرعي ، وتكون عنده القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها .

وهذا يحتاج إلى تحصيل أدوات هذا الاجتهاد ، فلا يوصف بهذا الوصف (العالم أو المجتهد أو الفقهيه) إلا من توفرت فيه شروط الاجتهاد .

وقد اعتنى العلماء بهذه الشروط ، حتى لا يُفتح الباب لكل أحد ، من صغير أو كبير ، أن يقول في دين الله ما لا علم له به .

غير أننا نكتفي بنقلين اثنين فقط ، يحصل بهما بيان هذه الشروط .

الأول : عن الشوكاني رحمه الله ، وحاصل ما ذكره خمسة شروط :

الشرط الأول : أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة .

ولا يشترط أن يكون حافظاً للسنة ، بل يكفي أن يكون متمكناً من استخراجها من مواضعها ، وآكد ذلك العلم بما في دواوين السنة المشهورة ، (صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجه) وما يلتحق بها .

ويكون عالماً بالصحيح منها من الضعيف .

الشرط الثاني : أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع .

الشرط الثالث : أن يكون عالماً بلسان العرب .

ولا يشترط حفظه له عن ظهر قلب ، وإنما يتمكن من معرفة معاني اللغة وخواص تراكيبها .

الشرط الرابع : أن يكون عالماً بأصول الفقه ، ومنه : القياس ، لأن أصول الفقه هو الأساس الذي يُبنى عليه استنباط الأحكام .

الشرط الخامس : أن يكون عالماً بالناسخ والمنسوخ .

انظر : "إرشاد الفحول" (2/297 – 303) .

النقل الثاني : عن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

فقد ذكر شروط المجتهد بما لا يختلف كثيراً مع ما ذكره الشوكاني رحمه الله ، غير أنه أسهل منه عبارةً : فقال :

"للاجتهاد شروط ، منها :

1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده ، كآيات الأحكام وأحاديثها .

2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه ، كمعرفة الإسناد ورجاله ، وغير ذلك .

3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع ، حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع.

4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص ، أو تقييد ، أو نحوه ، حتى لا يحكم بما يخالف ذلك .

5- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ ؛ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين ، ونحو ذلك ؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات .

6- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها" انتهى .

"الأصول من علم الأصول" (صـ 85 ، 86) وشرحه (صـ 584 – 590) .

ونَبَّه في الشرح على سهولة الرجوع إلى السنة الآن أكثر من ذي قبل ، بسبب الكتب المؤلفة في السنة .

فمن توفرت فيه هذه الشروط فهو العالم ، الذي يستطيع استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها ، وما دون ذلك فلا يصح أن يوصف بأنه عالم أو فقيه أو مجتهد .

وينبغي التنبه هنا : إلى أن هذا الوصف (العالم أو المجتهد أو الفقيه) مصطلح شرعي ، له معناه عند العلماء ، وله شروطه ، فلا يجوز التساهل في إطلاقه على كل من تكلم في الأحكام الشرعية ، أو درس المواد الإسلامية في المدارس والجامعات ، أوعمل في الدعوة إلى الله ، فقد يكون الرجل داعية إلى الله ، ويبذل فيها جهده ، ولكنه لم يصل إلى درجة العالم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-14, 04:25   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل ما زال باب الاجتهاد مفتوحاً ؟

" الاجتهاد لغة : مأخوذ من الجَهد ، وهو المشقة ، أو الوسع ، أو الطاقة .

وأما الاجتهاد عند علماء الفقه ، أو الأصول : فقد عرَّفوه بتعاريف متقاربة في ألفاظها ، ومعانيها ، وكلها تدور حول بذل الجَهد ، والطاقة لمعرفة الحكم الشرعي من دليله .

وأدق ما قيل في تعريفه : "إن الاجتهاد هو : بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظنِّي" انتهى .

" الموسوعة الفقهية " ( 1 / 18 ، 19 ) .

ولم تزل الأمة تمر عليها النوازل ، ويحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله تعالى فيها ، ولا يتم ذلك إلا بالاجتهاد في النظر في الأدلة الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لها .

وقد اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في معرفة الأحكام الشرعية ، واجتهد التابعون ومن بعدهم العلماء ونُقلت إلينا اجتهاداتهم .

وفي أوائل القرن السادس ظهرت الدعوة إلى غلق باب الاجتهاد ، وكان من أسباب ذلك : التعصب الذي وُجد في تلك العصور لمذاهب الأئمة ، حتى قال البعض بالمنع من الخروج عن أقوال الأئمة المدونة في كتبهم وكتب أتباعهم ، فأطلقوا تلك الدعوى (غلق باب الاجتهاد) حتى يقطعوا الطريق أمام من يجتهد في فهم النصوص ويستنبط أحكاماً تخالف ما قاله الأئمة السابقون .

ومما لا شك فيه أن هذه الدعوى غير صحيحة ، فهناك الكثير والكثير من المسائل المستجدات يحتاج الناس إلى بيان حكم الله تعالى فيها ، ولم يتكلم فيها الأئمة السابقون ، لأنها لم تكن موجودة في زمنهم .

فالقول بإغلاق باب الاجتهاد يعني أن يبقى المسلمون لا يعلمون حكم الله في وقائع كثيرة ومسائل كثيرة .

ثم القائل بغلق باب الاجتهاد إنما قال هذا القول اجتهاداً منه ، لم يقل به الأئمة السابقون ، فكيف يسمح لنفسه بالاجتهاد ويجعل هذا آخر اجتهاد يُقبل من المسلمين ، ويعلن إغلاق الباب بعد اجتهاده هذا ؟!

وقد ذهب آخرون إلى هذه الدعوة "غلق باب الاجتهاد" لما رأوه من جراءة البعض على الأحكام الشرعية ، وصاروا يتلاعبون بالنصوص والأحكام بدعوى الاجتهاد .

ولكن الموقف الصحيح تجاه هؤلاء : أن يُبين خطؤهم وتلاعبهم ، ويُكشف تزويرهم وكذبهم ، لا أن يُغلق باب الاجتهاد .

وقد وضع العلماء شروطاً وضوابط للاجتهاد حتى يكون مقبولاً ، وهذه الشروط تضمن له ألا يتحول الاجتهاد إلى التلاعب بالنصوص ، فليست المسألة فوضى ، يقول مَنْ شاء ما شاء ، بل هناك شروط للاجتهاد ، يجب على المجتهد التقييد بها ، وإلا كان اجتهاده نوعاً من التلاعب والعبث .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 1 / 42 ، 43 ) :

"والذي نَدين الله عليه : أنه لا بد أن يكون في الأمة علماء متخصصون ، على علمٍ بكتاب الله ، وسنَّة رسوله ، ومواطن الإجماع ، وفتاوى الصحابة ، والتابعين ، ومن جاء بعدهم ، كما ينبغي أن يكونوا على خبرة تامة باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم ، ودونت بها السنَّة النبوية ، وأن يكونوا قبل ذلك وبعد ذلك على الصراط المستقيم ، لا يخشون في الله لومة لائم ، لترجع إليهم الأمة فيما نزل بها من أحداث ، وما يجدّ من نوازل ، وألا يُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، فيلج فيه من لا يحسن قراءة آية من كتاب الله في المصحف ، كما لا يُحسن أن يجمع بين أشتات الموضوع ، ويرجح بعضها على بعض .

والذين أفتوا بإقفال باب الاجتهاد إنما نزعوا عن خوفٍ من أن يدَّعي الاجتهاد أمثال هؤلاء ، وأن يفتري على الله الكذب ، فيقولون هذا حلال وهذا حرام ، من غير دليل ولا برهان ، وإنما يقولون ذلك إرضاء للحكام ، ولقد رأينا بعض من يدَّعي الاجتهاد يتوهم أن القول بكذا وكذا فيه ترضية لهؤلاء السادة ، فيسبقونهم بالقول ، ويعتمد هؤلاء الحكام على آراء هؤلاء المدعين ، فقد رأينا في عصرنا هذا من أفتى بحل الربا الاستغلالي دون الاستهلاكي ، بل منهم من قال بحله مطلقاً ؛ لأن المصلحة - في زعمه - توجب الأخذ به ، ومنهم مَن أفتى بجواز الإجهاض ابتغاء تحديد النسل ، لأن بعض الحكام يرى هذا الرأي ، ويسميه " تنظيم الأسرة " ، ومنهم من يرى أن إقامة الحدود لا تثبت إلا على من اعتاد الجريمة الموجبة للحدِّ ، ومنهم ... ومنهم ... فأمثال هؤلاء هم الذين حملوا أهل الورع من العلماء على القول بإقفال باب الاجتهاد .

ولكنا نقول : إن القول بحرمة الاجتهاد وإقفال بابه جملة وتفصيلاً لا يتفق مع الشريعة نصّاً وروحاً ، وإنما القولة الصحيحة هي إباحته ، بل وجوبه على من توفرت فيه شروطه ؛ لأن الأمَّة في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيما جدَّ من أحداث لم تقع في العصور القديمة" انتهى .

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

هل يعتبر باب الاجتهاد في الأحكام الإسلامية مفتوحاً لكل إنسان ، أو أن هناك شروطاً لا بد أن تتوفر في المجتهد ؟ وهل يجوز لأي إنسان أن يفتي برأيه ، دون معرفته بالدليل الواضح ؟ فأجابوا :

"باب الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحاً لمن كان أهلاً لذلك ، بأن يكون عالماً بما يحتاجه في مسألته التي يجتهد فيها ، من الآيات والأحاديث ، قادراً على فهمهما ، والاستدلال بهما على مطلوبه ، وعالماً بدرجة ما يستدل به من الأحاديث ، وبمواضع الإجماع في المسائل التي يبحثها حتى لا يخرج على إجماع المسلمين في حكمه فيها ، عارفاً من اللغة العربية القدر الذي يتمكن به من فهم النصوص ؛ ليتأتَّى له الاستدلال بها ، والاستنباط منها ، وليس للإنسان أن يقول في الدين برأيه ، أو يُفتي الناس بغير علم ، بل عليه أن يسترشد بالدليل الشرعي ، ثم بأقوال أهل العلم ، ونظرهم في الأدلة ، وطريقتهم في الاستدلال بها ، والاستنباط ، ثم يتكلم ، أو يفتي بما اقتنع به ، ورضيه لنفسه ديناً" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 5 / 17 ، 18 ) .

وذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه "الأصول من علم الأصول" شروط الاجتهاد ، فقال : "للاجتهاد شروط منها :

1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها .

2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه ، كمعرفة الإسناد ورجاله ، وغير ذلك .

3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع .

4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص ، أو تقييد ، أو نحوه حتى لا يحكم بما يخالف ذلك .

5- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ ، كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين ، ونحو ذلك ؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات .

6- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها" انتهى .

"الأصول من علم الأصول" (ص 85 ، 86) .

وبهذه الشروط يكون الاجتهاد منضبطاً ، بعيداً عن التلاعب والهوى .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-14, 04:29   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

خامسا:

المتون الفقهية لا تعنى غالبا بذكر الأدلة؛ لأنها مبنية على الاختصار، فمن أراد الوقوف على أدلة كل مذهب فليرجع إلى مطولاته، أو إلى الكتب المعنية بذكر الخلاف الفقهي والترجيح بين الأقوال، كالأوسط لابن المنذر، والتمهيد لابن عبد البر، والمغني لابن قدامة، ونيل الأوطار للشوكاني، وغيرها.

سادسا:

إذا قال الفقيه: "يسن كذا" فالأصل أن يكون هذا لدليل من السنة يدل عليه، وقد يكون لدليل عقلي وهو القياس، والغالب أن يقال حينئذ: يستحب.

وما ذكرته عن شرح أخصر المختصرات، ليس فيه لفظ "يسن".

قال في أخصر المختصرات ص113: " ثمَّ ينْهض مكبرا مُعْتَمدًا على رُكْبَتَيْهِ بيدَيْهِ ، فَأن شقّ فبالأرض" انتهى.

ولم يقل الشيخ صالح الفوزان في شرحه: "ويسن". وإنما ذكر أن هذه الهيئة لمن كان قويا نشيطا، فيقوم على صدور قدميه، ويعتمد بيده على ركبتيه، وأما من كان ضعيفا فإنه يعتمد على الأرض بيديه.

والحنابلة يستدلون لهذا بـ : " حديث أبي هريرة: ( كان ينهض على صدور قدميه) ، وفي حديث وائل بن حجر: (وإذا نهض ، نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه) رواه أبو داود" انتهى من منار السبيل (1/ 93).

وقد ضعف الألباني رحمه الله الحديثين. انظر: إرواء الغليل (2/ 81- 84) حديث رقم (362) ورقم (363).

ولا حرج في تقليد مذهب الحنابلة ، أو غيره من المذاهب المعتبرة ، في ذلك ، أو في غيره من مسائل الفقه ، لمن لم كان عاميا ، أو لم يتبين له شيء في مسألة بخصوصها ، على ما سبق ذكره .

وإن كان الأظهر في هذه المسألة : أن يجلس جلسة الاستراحة، ويعتمد على الأرض بيديه إذا قام منها.

قال الألباني رحمه الله: " ومع ضعف هذا الحديث فقد خالفه حديثان صحيحان:

الأول: حديث أبى حميد الساعدي المتقدم (305) وفيه بعد أن ذكر السجدة الثانية من الركعة الأولى: " ثم قال: الله أكبر ، ثم ثنى رجله ، وقعد ، واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ، ثم نهض ".

الثاني: عن مالك بن الحويرث أنه كان يقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى في غير وقت صلاة ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة : استوى قاعدا ، ثم قام فاعتمد على الأرض ".

أخرجه الشافعي في " الأم " (1/101) وابن أبى شيبة (1/158/1) والنسائي (1/173) والبيهقي (2/124/135) والسراج (108/2) عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن أبى قلابة قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول ؛ فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه البخاري (1/211) والبيهقي (2/123) من طريق وهيب عن أيوب عن أبى قلابة قال: جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا ، فقال: إني لأصلى بكم وما أريد الصلاة ، ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، قال أيوب فقلت لأبى قلابة: وكيف كانت صلاته؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا يعنى عمرو بن سلمة ، قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يتم التكبير ، وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية : جلس واعتمد على الأرض ثم قام ".

وقد تابعه حماد بن زيد عن أيوب به نحوه بلفظ: " كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى والثالثة التي لا يقعد فيها : استوى قاعدا ، ثم قام ".

أخرجه الطحاوي (2/405) وأحمد (5/53 ـ 54) وهو صحيح أيضا.

وتابعه هشيم عن خالد مختصرا بلفظ:" أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى ، فإذا كان في وتر من صلاته : لم ينهض حتى يستوى قاعدا ".

أخرجه البخاري وأبو داود (844) والنسائي أيضا والترمذي (2/79) والطحاوي والدارقطني (132) والبيهقي.

وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

وصححه الدارقطني أيضا.

(فائدة) : هذه الجلسة الواردة في هذين الحديثين الصحيحين تعرف عند الفقهاء بجلسة الاستراحة، وقد قال بمشروعيتها الإمام الشافعي ، وعن أحمد نحوه كما في " تحقيق ابن الجوزي " (111/1).

وأما حمل هذه السنة على أنها كانت منه صلى الله عليه وسلم للحاجة ، لا للعبادة ، وأنها لذلك لا تشرع ، كما يقوله الحنفية وغيرهم: فأمر باطل كما بينته في " التعليقات الجياد ، على زاد المعاد " وغيرها .

ويكفى في إبطال ذلك : أن عشرة من الصحابة ، مجتمعين ، أقروا إنها من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في حديث أبى حميد ، فلو علموا أنه عليه السلام إنما فعلها للحاجة ، لم يجز لهم أن يجعلوها من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم . وهذا بين لا يخفى ، والحمد لله تعالى" انتهى من إرواء الغليل (2/ 82، 83).

نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن يزيدنا علماً .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc