حل المشكلة الموضوع:هل الفرضية ضرورية في مجال البحث العلمي ؟
يعتمد الباحث على مجموعة من القواعد و المبادئ لفهم وتفسير ما يحيط به من ظواهر ، فيستند أحيانا إلى مبادئ ، واحيانا أخرى إلى الواقع ،لذلك أنقسم المنطق إلى قسمين ،منطق صوري يهتم بإنطباق الفكر مع ذاته ،وهو مجموعة من القواعد تعصم الذهن من الوقوع في الزلل والخطأ، ومنطق مادي إستقرائي يهتم بإنطباق الفكر مع الواقع،هذا ما جعل الدراسة العلمية لتفسير الظواهر تعتمد عليه ، وهو ما يعرف بالمنهج التجريبي الدي يستند بدوره إلى خطوات ثلاث ملاحظة فرضية تجربة ،حول مرحلة الفرضية إختلف الفلاسفة والعلماء، فالبعض منهم يرى بأن الفرضية مهمة في البحث العلمي لايمكن الإستغناء عنها ،والبعض الأخر ذهب عكس ذلك،هذا التعارض دفعنا لطرح التساؤل الأتي : هل يمن الإستغناء عن الفرضية في البحث العلمي.؟
الأطروحة الأولى:يرى أنصار الأطروحة الأولى بأن الفرضية ضرورية في مجال البحث العلمي التجريبي لا يمكن الإستغناء عنها،وهذا ما تبناه انصار الفلسفة التجريبية العقلية بفرنسا،لأن الفرضية خطوة ضرورية من خطوات المنهج التجريبي،بحيث تولد الملاحظة العلمية إشكالا نتيجة تعارض معطيات هذه الملاحظة مع المعارف السابقة،ما يدفع الباحث إلى إقتراح تفسير مؤقت لهذا الإشكال،وبالتالي لايمكن تطبيق المنهج التجريبي دون الفرضية.
تزعم هذه الأطروحة بعض الفلاسفة والعلماء منهم كلودبرنار بوانكاريه
وقد برر هؤلاء ذلك بحجج وبراهين منها :
إن الملاحظة توحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة والتجربة تحكم بدورها على الفكرة . كما أن الفرضية هي أساس كل إبداع بدليل أن مختلف القوانين والنظريات العلمية كانت عبارة عن فرضيات وفي هذا السياق يقول كلود برنار:"الفكرة هي مبدأ كل إستدلال وكل إختراع وإليها ترجع كل مبادرة" وهذا ما أكده نفس الفيلسوف في تجاربه.
ويقول أيضا بوانكاريه :"إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن لأنه سيجعل كل تجربة عقيمة،ذلك لأن الملاحظة الخالصة والتجربة السادجة لا تكفيان لبناء العلم."
نقد: لكن إعتماد الباحث على عقله وخياله في تصور الحل الملائم للظاهرة المشكل،قد يبعده عن الحقيقة ،لأن الفرضية دون شروط غير كافية في البحث العلمي ، فهي تدعو إلى الذاتية وبالتالي الإبتعاد عن الموضوعية.
الأطروحة الثانية (النقيض):يرى أنصار الأطروحة الثانية بأن الفرضية ليست ضرورية في البحث العلمي يجب إبعادها في الدراسة التجريبية ،هذا الرأي تبناه أنصار النظرية التجريبية وخاصة الفلسفة التجريبية الأنجليزية أهمهم الفيلسوف جون ستيوارت ميل ،بإعتبار أن الفرضية تقوم على خيال الباحث في تصور الحل ، وأن الخيال يشكل عائقا في وجه الباحث ،ومنه فهو يعرقل الدراسة العلمية ،لهذا يرى التجريبيون ضرورة استبعاد الفرضية من البحث العلمي واستبدالها بقواعد الإستقراء ،فهم يرون في الإستقراء الطريقة المثلى في تحصيل القوانين العلمية.
وقد برر هؤلاء هذا الرأي بأدلة أهمها:
-الفرضية غير مهمة لأنها تعرقل البحث العلمي لذلك قال ج س مل:"أن الطبيعة كتاب مفتوح ولإدراك القوانين التي تتحكم فيها،ما عليك إلا أن تطلق العنان لحواسك أما عقلك فلا "لذلك استبدل هذه الخطوة بقواعد وهي :
-قاعدة التلازم في الحضور
-قاعدة التلازم في الغياب
-قاعدة التغير النسبي
-قاعدة البواقي (الأمثلة ضرورية)
نقد: لقد بالغ أنصار هذا الرأي لأن رفض الفرضية في المنهج التجريبي العلمي هو إهمال لدور العقل ونشاط قدراته العليا ،كالخيال والدكاء..في إكتشاف القوانين والنظريات العلمية لذلك يقول أحد الفلاسفة :"إن الإستدلال التجريبي الذي يقترحه ج س مل يغفل دور العقل ونشاطه، مع أن العقل هو الأداة نكشف بها العلاقات القائمة بين الأشياء."
الأطروحة الثالثة التركيب)
مما لا شك فيه أن قواعد الإستقراء تفيد العالم في تفسير الظواهر ،ومعرفة عللها دون تجاوز الطابع الحسي لها ،ولكن هذه القواعد لا يمكن أن تعوض مرحلة الفرضية ،فهي أساسية لا يمكن الإستغناء عنها، لأنها تحرر عقل الباحث وتدعوه للحيوية والنشاط ن بواسطته يجمع بين الحوادث مما يساهم في الإدراك والمعرفة ،وبالتالي فالرأي المناسب هو من يدعو إلى الأخد بالفرضية كخطوة هامة واساسية في مجال الدراسة العلمية ،لا يمكن الإستغناء عنها وهذا ما برره وأكده الفرنسي غاستون باشلار في الرأي المدافع عن التكامل بين الفرضية والتجربة.
من التحليل السابق نستنتج أن الفرضية فكرة ضرورية في المنهج التجريبي العلمي، ولكن في نفس الوقت يجب أن تخضع لشروط الروح العلمية ،حتى يتجنب الباحث عائق الذاتية ويحقق اكبر قدرمن الدقة والموضوعية ،وعليه لا يمكن الإستغناء عنها،فهي الحافز إلى الملاحظات والتجارب يقول إبن الهيثم :"إنني لا اصل إلى الحق إلا من أراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية."