حينما يغزوك المرض، ويستبيحك الوهن، تشعر بضعفك وتعود لك إنسانيتك، وتوقن بأنك مخلوق
لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً، فتقودك فطرتك للالتجاء إلى الخالق –عزو جل- تطلب منه كشف الضر عنك.
حينما نصاب بمرض ما، ويستنفد ذاك المرض البسيط العابر طاقاتنا فتضمحل قدراتنا، ونوشك أن نتداعى ونتهاوى لولا بعض صبر يصبرنا، حينها نذكر سيدنا أيوب عليه السلام وصبره العظيم على مرضه حتى ضرب به المثل: "يا صبر أيوب" فيعظم في عينك مقام النبوة وتضحياتهم فيكونون لك قدوة.
في المرض تشعر بذاك الخيط الرفيع بين الصبر والمقاومة والثبات واليقين بالله، وبين الاستسلام والضعف والخور وتزعزع الإيمان، ذاك الذي يدفع البعض للانتحار منهيا حياة ليست ملكا له، وهنا تـتـذكر قصة الرجل الذي شارك في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبلى فيها واشتد على المشركين حتى قال الصحابة: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار. فجُرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثديـيه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه!
المرض والوهن مرحلة تدعوك للتفكر في ماضي أيامك وسالف أعمالك؛ لأنها تنقلك من حال القوة والشدة والاعتداد بالنفس وقدراتها وكبرها وغرورها إلى حال ضعف ووهن وتهاوٍ واستكانة، تجعلك تقول، إن لامست فيك الفطرة النقية: "رب ارجعون لعلّي أعمل صالحا فيما تركت" (سورة المؤمنون. الآية 99). تقولها قبل أن تغرغر فيك الروح؛ لتستدرك ما فاتك وتستثمر شبابك وصحتك وفراغك.
يغزوك مرض بسيط كإنفلونزا أو رشح أو صداع أو نوبة حساسية، فتجد أعضاءك تتهاوى، وروحك تكاد تفارق الجسد المنتفض، وتستغيث بالخالق وتطلب العون ممن حولك من أهل وطب ليخففوا عنك.
وما هي إلا أيام ويتعافى البدن وتسترد الروح والقوة، فتتذكر حينها إخوة لك ابتلاهم الله تعالى بمرض مزمن يفتت الأوصال، ويقطع القلوب، ويغير الوجوه، ويوهن الروح، فتدعو لهم من قلب صادق شفوق متدفق أُخوّة: اللهم اشفهم وعافهم وارزقهم صبرا وثباتا وأجرا وعافية وغفرانا.
قد يضطرك المرض للمكث أياما في المشفى، فتترك خلفك مُكرهاً أطفالك يشعرون بفقدك، يحنّون إليك وتسمع أصوات بكائهم، وأنات اشتياقهم، فتتعجل الشفاء لتعود إليهم، تحتويهم بين ذراعيك. تقبلهم وتشمّهم، وتُضحِك دمعتهم لتنهمر دمعتك على من قدّم روحه رخيصة لينال حرية سلبت منه غصبا وقهرا وذلا، وخلفه أطفال ما عاد يراهم، ولن يستطيع مسح رؤوسهم ولا تقبيل وجناتهم، فترخص الدنيا في عينك ويعظم عندك الفداء والتضحية.