خمس دول عربية منها السعودية ومصر والإمارات تقرر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إمارة قطر في خطوة كانت متوقعة منذ 2014 وضعت إمارة قطر خارج مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، وقد تمتد إلى تجميد عضويتها بالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وتدخل الإمارة في عزلة خليجية وعربية لم يسبقها إليها أي بلد عربي من قبل.
القرار لم يتوقف عند قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء، بل شمل قطع جميع أنواع العلاقات بين البلدان الخمس وقطر، وإجلاء الرعايا ووقف الرحلات الجوية ومنع أجواء السعودية على الطيران القطري، وطائفة أخرى من الإجراءات العقابية التي لم تتَّخذها دول الخليج حتى ضد عدوها اللدود إيران.
وجاء القرار ليُؤزّم وضع دول مجلس التعاون الخليجي التي أصابها القرار في مقتل مع تردد كل من الكويت وعمان في الالتحاق بالمُقاطعين، كما سوف يضيف إلى هموم جامعة الدول العربية موضوعا خلافيا آخر يضاف إلى أزمات سوريا والعراق واليمن وليبيا، وسوف يلقي بظِلاله على الموقف العربي من القضية الفلسطينية ويزيد من تضييق الخناق على قطاع غزة، وقد يؤجج الصراع في ليبيا مع بروز هذا المحور العربي الجديد الغامض بقيادة الثلاثي السعودي الإماراتي المصري.
القطرة التي تكون أفاضت كأس عرب الخليج تعود إلى تصريحات نُسبت إلى أمير قطر عقب "القمة الأمريكية العربية الإسلامية" الأخيرة يكون قد خرج فيها عن الإجماع الخليجي تجاه إيران، واعترافه بدور إقليمي إيجابي لإيران، في وقت كانت السعودية تعمل على تشكيل جبهة عربية إسلامية لمواجهة إيران واستجلاب موقف أمريكي داعم مع ترامب.
غير أن الأزمة هي أعمق من ذلك، ليس الموقف من إيران فيها سوى الرأس البارز من جبل الجليد، وأن قطر إنما تعاقَب على موقفها الداعم لجماعة الإخوان المصنّفة في دول مجلس التعاون وفي مصر "جماعة إرهابية" مثلها مثل "حزب الله" و"القاعدة" و"داعش"، وربما تدفع اليوم قطر فاتورة الزعامة والدور التحريضي لحراك الربيع العربي.
وبلا شك، فإن قرار وضع قطر في عزلة سوف تكون له تداعياتٌ تتجاوز حدود دول الخليج، وقد يكون المستفيد الأول من القرار إيران التي سارعت إلى طمْأنَة قطر بإمدادها بالمواد الغذائية، كما سيضع القرار الولايات المتحدة في حرج وهي توازن بين علاقاتها التاريخية الاستراتجية مع السعودية من جهة وعلاقاتها بقطر: حاملة طائراتها الأكبر في العالم، كما سيكون للقرار تداعياتٌ على مستقبل العلاقات بين دول الخليج وتركية التي كانت ولا تزال شريكا معلنا لقطر في دعم الإخوان.
وفي الأفق المنظور، ليس من المتوقع قبول دول الخليج بإمارة باتت في تقديرهم "دولة مارقة" قد تتحوَّل إلى موطئ قدم جديد لإيران، وربما يكون القرار ـ مع ما فيه من تعسف وغِلظةـ إنما دعوة صريحة لأفراد العائلة الحاكمة في قطر لتنفيذ انقلاب أبيض على الأمير الشاب ونقل الولاية إلى شقيقه، وتحجيم دور الأميرة موزة وحاشيتها المستبدّة بقرار الإمارة، وقد تتحرك بعض الدول المتضررة من القرار ليس بتحريك وساطة هي اليوم مرفوضة من دول الخليج، بل إلى تدبير تغيير ناعم على رأس الإمارة يضع حدودا حُمرا للنشاط السياسي والإعلامي لإمارة صغيرة أغرتها "الجزيرة" وتهافت الإخوان على لعب دور فوق حجمها الطبيعي.