قدْ كان للمرأة دَورٌ بارِز في بناء الصَّرْح الإسلامي، ولكن سرعان ما تلاشى هذا البناء شيئًا فشيئًا، حتى انهدم هذا الصَّرْح، وجُرحتِ الأمَّة بالحد المهلِك، وكانت سببًا في انهيار حضارات عَتيقة تمزَّقت كل ممزَّق، وهل ننسى أنَّ المعز الفاطمي بعدَ أن فتح ما يلي إفريقية من البحر المحيط، أَخَذ يرنو إلى غزو مصر واجمًا متهيبًا، حتى جاءتْه الأنباء متواترة عن "استهتار" نِساء الإخشيد، فتحرَّك للعمل، وأرْسَل قائده جوهرًا لفتْح مصر، وقال: "اليوم فُتِحت مصر، الآن لا يصدُّنا عنها شيء"؟ فكان الأمر وَفقَ ما قال
فانظر كيف كان عدم المبالاة من النِّساء حتى تمكَّنَ الأعداءُ منهم، وأذاقوهم ألوانًا مِن الهوان والهزيمة، وكل هذا إنَّما يَرْجع إلى انحرافها، وعدم استقامتِها، ووعيها لرُشْدها.
المبحث الأول: انحراف المرأة سببٌ في نزول العقوبات الإلهيَّة:
لا يُنسى أنَّ المرأة إذا انحرفتْ عن جادَّة الصواب، عمَّ البلاءُ على العباد، ونزَل العذاب الإلهي مِنَ السَّماء، وحلَّ الخوفُ والفزَع مكانَ الأمن والسكينة.
والتاريخ خيرُ شاهد على ما أقول في القديم والحديث:
عن جُبَير بن نُفَير قال: "لَمَّا فُتحت قبرص فُرِّق بين أهلها فبَكى بعضُهم إلى بعض، ورأيت أبا الدَّرْداء جالسًا وحْدَه يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يُبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلام وأهلَه؟! قال: ويحَك يا جُبَير! ما أهونَ الخَلْقَ على الله إذا هم ترَكوا أمْرَه! بينا هي أُمَّةٌ قاهِرة ظاهِرة، لهم الملك، تَرَكوا أمرَ الله فصاروا إلى ما تَرَى"
فانظر إلى الأمراض الفتَّاكة، والأوْجاع التي لم نَعْهَدْها، وكانت عندَ الأمم الأخرى كاليونان والرُّومان والهنود والفُرس، وأما في عصرِنا الحاضر فقد ذخر التاريخ بعبر ومَثُلات؛ "أليس حسبنا أن نرى - مثلاً - حاملة لواء الفوضى ترْكَع أمام خُصومها، وتحتَ أقدام أعدائها مُسْتَسْلِمة في سرعة عجيبة - وذلك عندما هُزمت فرنسا أمامَ الألمان في الحرْب العالمية الثانية - حتى قال لهم قائدُ حربهم الماريشال "بيتان" يقرعهم: "زِنوا خطاياكم بني قومي، إنَّ خطاياكم ثقيلة، إنَّكم لم تُريدوا أطفالاً، وهجرتم حياةَ الأُسرة، ونبذتم الفضيلة، وانطلقتُم إلى الشهوات تطلبونها في كلِّ مكان
ولنا عِبرة في "بومبي" وهي وحْدها كافيةٌ لإيقاظ الضمائر، لو كان فيها بقايا مِن حياة، لقدْ أخبرَنا التاريخ بهلاك هذه البَلْدة في غمرة مفاجِئة مِن حمَم "فيزوف" طمستْها في دقائقَ معدودة، ولم نعرف السبب، حتى إذا شاء الله أن يكشفَ عِبرتها هدَى الإنسان إلى إبرازها من تحت الركام، شعب بأكملِه استحال إلى محنَّطات لم يبلُ منها شيء، ولم يتغيَّر وضع، الخبَّاز في حالته التي كان عليها، والسَّكارى يمسكون بكؤوس الخمْر على شفاههم، وحتى الفاسِقون في أشنعِ حالاتِ الفحشاء!