ما روته شهرزاد لشهريار في المنام
الدّيكُ فرّ نِسْيا
بعدما نام شهريار سكتت شهرزاد عن الكلام المباح، لتنام وترتاح، قبل أن يدركها الصباح، فرأى شهريار في المنام، شهرزاد في أحسن صورة ومقام، بين الأشجار والأزهار، تنصت لأناغيمها وهديل الحمام، ساجعا في الروابي والآكام ، فقال لها ماذا تصنعين، وإلى أي شيء تنظرين، فقالت أيها الملك الهمام، أترى ذاك العصفور الغريب بين الحمام ، قال: بلى يا حسنة القوام ، قالت ذكّرني بقصة ديك غريب، كان من أمره الشيء العجيب، قال: فقصّها علي، قالت: هي قصة ديك غريب فريد، كان في الزمن الغابر البعيد، تميّز عن كلّ طير وحيوان ، أنه حمل ثلاثة ألوان ، فكان الرأس والرقبة باللون الأحمر، والجناحان والظهر باللون الأزرق، والصدر والبطن باللون الأبيض، ولمّا غلب عليه اللون الأزرق ، عُرف به عن غيره وتفرّق، وكان صاحبه صاحب مملكة قويّه، لا تعترف بالعدالة ولا بالسويّه، ذو دهاء وحيَل ملتويه، ولقد أشيع بين الدول، أن الديك من أرض المردة قد حلّ، وأن ظاهره طائر، وباطنه شيطان ماكر، وأنه خارق للعاده، تهابه الملوك والساده، فحملوا إلى صاحبه الخراج الجبايه، فبلغ بالطير كلّ غايه، وجعل في كل دولة جاسوسا، وفي كل قصر مدسوسا..
وكانت هناك دولة بها شعب مهان، غير أنه لا يؤمن بكيد الشيطان، وأعلن على صاحب الطير العصيان، فكاد لهم الديك بأن بعث إليهم من أتباعه طيرا شيطان، حسن المظهر في ثوب إنسان، أتى الدولة فأظهر الحكمة والبداهه، واخْتُبر في الوفاء والنزاهه، فنصّبوه للمشورة والوجاهه، فغبّ في الدولة وتبّ، ورطّ فيها ونطّ، وغال وشطّ، وذات ليلة وفي غفلة تحول إلى ديك صغير، يمشي ولا يطير، وراح إلى مزبلة سيدة الديك الأزرق، وصار يقلّب الأنتان ويفرّق، وفجأة حمل بمنقاره جزء من ورقة وتحول إلى إنسان، وفرّ واختفى كأنه جانّ، ودخل بها القصر وهو نشوان، وعرضها على أصحاب الدولة وهو فرحان، فقالوا ما هذه ؟ قال إصلاح، قالوا وما الإصلاح، قال برنامج للنمو والنجاح، فسرّ السيد وصاح، وضربت في الدولة الطبول والأفراح، والمجون والاقداح، والليالي الملاح ، حتى صار لا يعرف الغروب من الإصباح، وأعلن الإصلاح، والناس في غمرتهم ساهون، وفي خوضهم لاهون، وباللاشيء يفتخرون، وهم من عند غيرهم يأكلون ويلبسون، والشياطين بغيّهم يبيّتون، وللناس يكيدون، وقد قام للإصلاح رجلا معارضا، إطّلع على البرنامج فقام له فاضحا عارضا، فاتهموه بأنه خارج عن القانون، وأنه عدوّ الحداثة والفنون، فقام إلى القوم محذرا وقال: ياقوم ساء الحال، وما آل إليه المآل..
قال : أتعلمون ما في البرنامج، وما هو مكتوم غير رائج، قالوا لا.. قال: أترون ذلك المكان الطاهر أهو خيال ومجاز؟، قالوا لا.. قال: وجدت إسمه في البرنامج ، البُراز، أترضون إسم البُراز .. قالوا لا ..، قال ، وغيّروا خطبة النبي الطاهر ، بمقال مركّب غير ظاهر، أترضون ذلك ، قالوا لا.. قال: أما ركّعتم الأكاسر والقياصر، أترضون أن تعيشوا بالمظاهر، قالو لا .. قال: إني رأيت ذلك الذي على الأريكْ، قد تحول في حين غفلة إلى ديكْ، وقد نَسيْ فلما رآني فرّ، أما علمتم أنه فَرّ نِسْيا ، فكان فرّ نِسْيا، وفجأة ظهرت الشرطة فأخذوا الرجل وهو يصيح ، فرّنسيا فرّ نسيا فرّ نسيا .. إستيقظ شهريار وهو يقول فرّ نسيا فر نسيا .. واستعاذ من الديك ومن فرّنسيا .. وعاد إلى النوم ..
كتبه العصامي : غريب الديار البليلي بتاريخ 19/09/2016