المجتهد والنص
لا يسمى مجتهداً من قلد عالما في اجتهاده ؛ ولا يسمى مجتهدا مطلقا من نظر في دليل المجتهد الخاص ؛ كالذي يجتهد في المذهب المالكي بأقوال إمامه وأدلته التي صحت عنده فهذا يسمى مجتهد في المذهب ولكن المجتهد هو الذي يستقي من المصادر الكلية التي نهل منها الأئمة والمجتهد عمله في النصوص واستنباط الاحكام منها بالجمع والقرائن وقد يصيب وقد يخطأ في مسألة من المسائل ولكن يؤجر في خطئه على اجتهاده وهذا مما يقال عليه أنه بذل الجهد واستفرغ الوسع والنظر في المسألة بأدوات العلم وضوابطه فمن لوازم العلم الاجتهاد ومن خاصية الاجتهاد الإصابة والخطأ فمن نفى الخطأ فقد قال بالعصمة على المجتهد ومن نفى الصواب فقد نفى العصمة على النص ؛ والعادل العالم يقول كلما قارب حكم الله ورسوله فقد أصاب واذا باعد فقد أخطأ . واليوم كنت أتأمل كتاب التاريخ الكبير للبخاري وكنت قد قرأت بحثا حول منهجه في كتابه المذكور فألفيت أنه أول كتاب صنف في بابه وأن جميع الكتب في الجرح والتعديل والعلل والكنـى والوحدان وغيرها مستخرجة من التاريخ الكبيـر فحضرني قول الامام أبي عبد الله احمد بن حنبل لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الاوزاعي و لا الثوري وخذ من حيث أخذوا فوقفت على حقيقة ما أشار إليه ؛ فهي دعوة إلى المصادر والمناهل الأم والنظر في ما نظر فيه هؤلاء الجهابذة الأعلام ..ولكن مما فشا في هذا الزمان التقليد المذموم لما يخالف النص الصريح وكذا اعتبار قول المجتهد ملزماً كالنص ولا يفرقون بين المجتهد القابل قوله للصواب والخطأ ؛ وبين النص الصريح الذي لا يتبدل ولا يتحول ؛ وهذا مما يخفـى على كثير من أهل النظر ؛ فإن قلدت عالما في مسألة فلا بأس مالم يستبن لك خطؤه ولكن لا تخطيء من قلد عالما في نفس المسألة وخالف قول من تقلد فالاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد للاحتمال على مذهب الأصوليين والخلاف قد يكون بين قولين احدهما أرجح من الآخر وقد يكون خلافا محتملاً أن يجمع بينهما إما بتعميم العام وبتخصيص العام او تعميم الخاص او تخصيص الخاص وغيرها مما تجعل الدليل محتملا لاقوال عدة والله اعلم