الشيخ صالح بن الفوزان حفظه الله
في شرحه لنواقض الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي الله وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين
أما بعـد :
قال الشيخ رحمه الله الثامن : أي من نواقض الإسلام مظاهرة المشركين ومعاونتهم علي المسلمين .
والدليل قوله تعالي : ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)).
الشيخ رحمه الله أخذ نوعًا واحدًا من موالاة الكفار وهو المظاهرة، وإلا فالموالاة تشمل المحبة في القلب والمظاهرة علي المسلميـن وتشمل الثناء عليهم والمدح لهم، إلي غيـر ذلك لأن الله سبحانه وتعالي أوجب علي المسلمين معاداة الكفار وبغضهم والبراءة منهم ، فهذا هو ما يسمي في الإسلام بباب الولاء والبـراء ، فمظاهرة ومعاونة في قوله ((ومظاهرة الكفار علي المسلمين ومعاونتهم)) المعاونة هي المظاهرة والظاهر هي من عطف التخصيـص ، المظاهرة معناه المعاونة ، معاونة الكفار علي المسلميـن ثم استدل رحمه الله بالآيـة في قوله تعالي ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ))) يقول ومن ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)) (المائدة) هذا دليل علي كفره ، علي كفر من فعل ذلك علي كفر من اتخذ اليهود والنصارى أوليــاء لأن ظاهر قوله فإنـه منهم فهو مثلهم في الكفر ، هذا وجه استـدلال الشيخ رحمه الله ، وكما ذكرنا أن الموالاة أقسام منها المحبة في القلوب ولو لم يظاهرهم ، ومنها المظاهرة وهي المعاونة والمناصرة ومنها مدحهم ومدح ديـنهم ، والثناء عليهم كل هذا يدخل في المظاهرة ، كل هذا يدخل في الموالاة((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)) يتولهم بالمحبة، يتولهم بالمناصرة، يتولهم بالثناء عليهم ومدح ما هم عليه الآيـة عامة ، مظاهرة الكفار علي المسلمين تحتها أقسام :
القسم الأول : مظاهرتهم علي المسلميـن ومعاونتهم علي المسلمين مع محبه ما هم عليه من الكفر والشرك والضلال فهذا قسم لاشك أنه كفر أكبر مخرج من الملة علي ظاهر قوله تعالي ((فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)).
القسم الثاني : - أن يعاونهم علي المسلمين مكرها لا مختارًا يكرهونه علي ذلك فهذا عليه وعيـد شديـد ويخشى عليه من الكفر المخرج من الملة وذلك أن المشركين لما أشـركوا جماعة من المسلمين يوم بـدر والخروج معهم لقتال المسلمين ، فإن الله سبحانه وتعالي أنكر عليهم ذلك أنهم تركوا الهجرة وبقـوا ، بقوا مع المشركين وعرضوا أنفسهم إلي ما وقعوا فيه من إكراههم علي الخروج مع أنهم يبغضون ديـن الكفار ، يبغضون ديـن الكفار ويحبون دين المسلمين ، ولكن بقوا في مكة شحًا لأموالهم وبلدهم وأولادهم لا عن محبة للكفار ، أومحبة لدينهم فأنزل الله جل وعلا ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ)) يعني مع أي فريق كنتم استنكار (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) يعني لماذا كنتم مع المشركين وأنتم مسلمون((قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)) لماذا تصبرون علي البقاء مع الكفار وأنتم مسلمون وعرضتم أنفسكم لما وقعتم فيه من هذا المشهد المخيف ، ((قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)) .
هذا وعيد شديد لهم لستم من المستضعفين ((إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا)) النساء (98)
والذي ترك الهجرة وهو يستطيع أن يهاجر وبقي يسكن مع المشركيـن وأشد من ذلك أنهم أخرجوه معهم لقتال المسلميـن، هذا وعيد شديـد أما الذي ترك الهجرة لأنه لم يتمكن (( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا)) رجال كبار السن والمرضي والنساء والولدان الصغار فهؤلاء معذورون لبقائهم معذورون في بقائهم لأنهم لا يستطيعون الهجرة والله جل وعلا يقول ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) فهذا قسم آخر .
القسم الثالث : من يعين المشركيـن علي الكفار وهو غير مكره ، مختار يعين الكفار علي المسلميـن وهو مختار غير مكره ، لكن مع بغض دينهم ، بغض دين الكفار وعدم الرضا عنهم ، فهذا لاشك في أنـه فاعل كبيرة من كبائر الذنوب ، ويخشى عليـه من الكفر ، يخشى عليه من الكفر لولا أنـه يبغض دينهم ولا يحبهم لحُكم عليه بالكفر فهو علي خطر شديـد .
القسم الرابع : من يعين الكفار علي الكفار ما يعينهم علي المسلمين ، الذين لهم عهد عند المسلمين ما يعينهم علي المسلميـن ، لكن يعينهم علي حرب الكفار الذين لهم عهد عند المسلميـن فهذا حرام ، ولا يجوز لأنه نقض لعهد المسلميـن فالكفار المعاهدون لا يجوز قتالهم وفاءًا بالعهد ، لا يجوز لجميع المسلميـن قتالهم وفاءًا بالعهد الذي بينهم وبيـن المسلمين ، فالذي يُعيـن من قاتلهم من الكفار يكون هذا نقض لعهد المسلمين وغدر لجملة المسلمين وقد قال صلي الله عليه وسلم (( من قتل معاهدًا لم يرح رائحـة الجنة )) وإذا كان الله جل وعلا قد نهي المسلميـن عن مناصرة المسلمين علي الكفار إذا كان الكفار لهم عهد عند المسلميـن ، نهي المسلمين عن مناصرة المسلمين علي الكفار ، إذا كان الكفار لهم عهد عند المسلمين فكيف بمن ظاهر الكفار علي نقض عهد المسلميـن قال الله جل وعلا ((وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) .
فإذا استنصر المسلميـن علي الكفار، يجب نصرت المسلمين علي الكفار إلا في مسألة واحدة، إذا كان هؤلاء الكفار لهم عهد عند المسلمين فلا يجوز أن نناصر المسلمين عليهم ، فكيف نناصر الكفار عليهم هذا أمر لايجوز كل هذا من أجل الوفاء بالعهد كذلك هناك
القسم الخامس : وهو مودة الكفار ومحبتهم من غيـر إعانة لهم علي المسلمين ، مجرد محبتهم من غير إعانة لهم علي المسلميـن هذا نهي الله عنه قال جل وعلا ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ)) قال تعالي ((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ)) إلي قوله تعالي ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)) فالسورة، سورة الممتحنة كلها في هذا الموضوع كلها في تحريم مودة الكفار ولو كانوا من أقرب الناس من المسلم وختمها بقوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)) كل سورة الممتحنة في موضوع معاداة الكفار وعدم محبتهم من أولها إلي أخرها .
https://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=75846