من أين تستخلص موضوع البحث؟

[أبومحمد17]

من أين تستخلص موضوع البحث؟
الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبيَّ بعده.
تحتاج المعرفة إلى القبض عليها ثم التملك ـ التكوين ثم التوليد" التفريع" ـ الاعتناء ويأتي منه التثمين ـ المشاركة و المساهمة في بنائها "توسيع مجالها بالتشارك".
و يمكن أن نقول: الدائرة الفاضلة للمعرفة: هي: اعثر عليها و حددها ـ تحديثها ـ تطويرها وزيادة قيمتها ـ الحفاظ عليها ـ مشاركة غيرك بها.
يحتاج طالب العلم إذا أراد البحث و مقارعة المخالفين أن يتموقع أولا معرفيا ،أي: يحدد موقعه في نظرية المعرفة، ومنها يكون استخلاص موضوع بحثه، و نظرية المعرفة عند المسلمين ليست واضحة " كتابةً و ليس وجودا" ، اللهم إلا بعض البحوث و أحسنها الذي تكلم عن نظرية المعرفة عند ابن تيمية بإسهاب.
فعلى المسلم الباحث أن يكون له موقف من قضايا معرفية منهجية كثيرة تحدد لديه الهدف العام و تساعده في إدراك الهدف الخاص.
فنظرية المعرفة تشكل الخريطة المعرفية التي نحدد من خلالها المبادئ التي يقوم عليها البحث ثم اختياراتنا المعرفية القاعدية.
لدى الغربيين رؤيتان : الرؤية الوضعية و تراعي المبدأ الوجودي [الفرضية الواقعية]، ومبدأ الكون المربوط [فرضية الحتمية] و مبدأ الموضوعية [استقلال الموضوع عن الذات]، ومبدأ حيادية المنطق [ الانفصال العقلاني]، ومبدأ الفعل الأقل [ضبط المتغيرات] .
الرؤية البنائية و تراعي : مبدأ التمثيل أو تجربة الواقع [فرضية النسبية] ، مبدأ الكون المبني أو غائية صور العالم[فرضية المقاصدية] مبدأ التفاعل بين الذات و الموضوع [تبعية الموضوع للذات]، و مبدأ التدليل العام [ البلاغة الحديثة] و مبدأ الفعل الذكي .
وهناك رؤية مساهمة هي التحليل الشامل أو الرؤية النظامية.
وكل هذه المسائل التي أشرتُ إليها في الرؤية الغربية لنظرية المعرفة للمسلمين موقف منها يحتاج فقط إلى فصله وعزله عن قضايا علمية أخرى.
المقصود أن الباحث المسلم يحتاج إلى تحديد نظرية المعرفة الإسلامية الأصيلة يعني المستمدة من القرآن و السنة على الأقل نظرية المعرفة لمذهبه و طائفته و بعد ذلك الشروع في تحديد موضوع البحث و خطوات الوصول إلى الهدف منه ، و لهذا أنصح على وجه الخصوص بقراءة كتاب الدكتور الدعجاني " المنهج المعرفي عند ابن تيمية" كمنطلق و بعد ذلك الكتب الخاصة بنظرية المعرفة.
فمتى فعل ذلك كان بحثه علميا ممنهجا مفيداً بعيداً عن العصبية و السطحية .
ـ لتفعيل البحث:
1 ـ استعراض الوثائق و المستندات الموجودة، كل المصادر الأولية لتحليل الموضوع.
2 ـ تحديد سؤال للبحث يسمح بتحسين معرفتنا بهذا الموضوع.
3 ـ اقتراح الفرضية" الأطروحة" الجديدة التي تسمح بالإجابة بطريقة لها مصداقية عن هذا التساؤل.
4 ـ توضيح مفاهيم الفرضية ،و عزل المتغيرات التي تشارك في تفسيرك.
5 ـ استخلاص الأبعاد و المؤشرات لهذه المتغيرات لصياغة مخطط مؤقت يسمح لك بجمع المعلومات.
لكنك ستلاحظ أنك اضطررت إلى اتخاذ بعض الاختيارات الذاتية، دفعتك ـ مثلا ـ إلى تفضيل ظاهرة أو تفسير ما أو مذهب أو قول لعالم ، هذه الاختيارات عادية فمن المستحيل التخلص كلية من الذاتية " الحب و الميل و الاعتقاد " لكن من المهم الوعي بها و تحملها و التكفل بها،وحتى ولو كان بالإمكان إجراء بحث بدون الرجوع إلى تيار فكري معترف به تأثرنا به أو نشأنا عليه ، فمن المهم أن تعلن ذلك ولا تخفيه فالمعتبر صدق المقدمات و منطقية الربط بينها و احترام الاتجاه الذي تقود إليه .
في حلقات قادمة سنتكلم عن خطوات البحث أو مخطط البحث حتى باب التحرير والكتابة و نقترح بعض المواضيع المهمة للبحث لرسائل الماجستير و الدكتوراه" مما يتعلق بقضايا الفكر و المعتقد و التشريع و السياسة".
الشيخ مختار الطيباوي