قصتي مع البرميل
البرميل هذا الوعاء الجميل صديق الأطفال في رسوماتهم، كم كنت في الصغر أحب رسمه ، ربما لأنه سهل أن يرسم ، لبساطة شكله ، أو ربّما لحركاته الغريبة و هو يتدحرج ، لا تتركوا براملكم دون حراسة ، فإنها تتدحرج بمفردها اذا ما وجدت انحدارا ، كم كنت أفرح و أنا طفل عندما تبعثني أمي (رحمة الله عليها) لشراء قارورة الغاز ، كانَتْ في كثير من المرّات تمتنع عن ارسالي لشرائها عندما يكون أحد اخوتي الكبار في البيت . تقول لي : لا تستطيع هي ثقيلة و قد تسبب لك ضررا ، فأقول لا و الله الحانوت ليس ببعيد ، قد أجد من يساعدني في الطريق على ذلك و أنا في قرارة نفسي أقول : الدحرجة الدحرجة هذا ما يليق بالبراميل و أشباهها .
البرميل كذلك صادَقْتُه مدّة طويلة في الطفولة ، كنّا نذهب سويا إلى العين (منبع الماء) لجلب الماء و الرحلة كانت تطول في بعض الأحيان ، أضرب على ظهره و أغني و نحن فوق عربة من خشب .
على فكرة : البراميل البلاستيكية لم أكن أميل إليها كثيرا و رغم ذلك أجْبَرَتْني على مرافقتها و مصاحبتها و حتى تبادل رسائل الغرام بيننا ، و لكن ما كان هذا ليحصل لولا الماء الذي لم يكن يزورنا إلا يوما في الأسبوع أواخر السبعينات ،
الماء هو الذي وطّد علاقتي بالبراميل ، كنت أقسم وقتي بين المراجعة و مخالطة البراميل ، حتى أن أفكاري أصبحت تتبرمل كلما قالت لي أمي : لا يوجد ماء للغسيل في البيت اليوم !.
كنت أحب مشاهدة براميل الخشب ، شكلها البرميلي المفلطح من الجانبين ، بطنها المنتفخ قليلا ، القطع الخشبية المتراصة المحدودبة قليلا ، ذات اللون الأصفر الداكن المائل إلى السواد جعلتني أراها أقرب إلى الطبيعة . فكثيرا ما حدثت نفسي كيف لا تتسرب السوائل منها و هي مليئة بالشقوق ، قررت في نفسي و أنا صغير ألا أبحث كثيرا في هذا الأمر: البراميل الخشبية هي هكذا ، شقوقها لا تُسرِّب الماء قلت في نفسي .
أشاهدها كصور حقيقية ، أوعلى الرسومات المتحركة ، أرسمها كلما أتيحت لي فسحة للرسم .
لكن حدث ما جعلني أكره هذه البراميل و أمتنع عن رسمها : ذات يوم كنت أتابع شريطا على قناة فرنسية ، قال أحد خبرائهم : إننا نحفظ الخمرة الجيّدة في البراميل الخشبية لمدد طويلة و كلما طال زمن الخمرة في البرميل الخشبي حَلاَ مذاقها و غلا ثمنها ، نزلت كامرة المصور قبوا فأرتني آلاف البراميل الخشبية المتراصة في صفوف عمودية و أفقية جعلتني أقول في قرارة نفسي : لا حول و لا قوة إلا بالله ، أيّها البرميل الخشبي الملعون ! اكتشفت الآن أعمالك ، من الآن فصاعدا ، لا أنت تعرفني و لا أنا أعرفك .
في إحد الأيام حكيت لأحد الأصدقاء قصتي مع البراميل و قلت له : الآن استرحت من البراميل بكل متاعبها ، الماء في حنفية المطبخ و الغاز كذلك و رغم ذلك لم تكن أيامي مع البراميل كلها سوداء.
فردّ علي ساخرا أصحيح أنك استرحت من البراميل ، لا و الله فهي الآن اتخذت أشكالا أخرى و لا زالت تلازمك و ستلازمك في البيت و حتى في السيارة .
نعم ما قاله لي صديقي صدَّقَتْه التجربة ، رغم سني الآن و ما فعلته فيَّ الأيام
وجدت نفسي في أشد ارتباط مع البرميل ، بمجرد ما يذكر اسمه على الشاشة تتجمد فيَّ الحركة و يزداد قلبي نبضا و تجحظ عيناي و أتحول إلى أذن كبيرة من رجلي إلى رأسي لا لشيء إلا لخوفي من أن يتدحرج البرميل و لا يجد من يوقفه ، فنتدحرج معه نحن إلى حفرة لا قرار لها .
نصيحتي عَامِلُوا البراميل بلطف فقد تكون سبب هلاكنا و نحن نعيش ارهاسات الأزمة الاقتصادية و ما سنوات العشرية الحمراء ببعيدة عنّا
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
التوقيع : الأستاذ ب نورالدين