|
قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الإخلاص وإحضار النية للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله -
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2015-07-20, 16:02 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الإخلاص وإحضار النية للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله -
°°((شرح أحاديث رياض الصالحين باب الإخلاص وإحضار النية))°° للعلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - 1-باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية : -قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5]، وقال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج:37]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران:29] . -الشرح : -((النية)) محلها القلب ، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال ؛ ولهذا كان من نطق بالنية عند إرادة الصلاة، أو الصوم، أو الحج، أو الوضوء، أو غير ذلك من الأعمال كان مبتدعاً قائلاً في دين الله ما ليس منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسم كان يتوضأ ، ويصلي ويتصدق ، ويصوم ويحج، ولم يكن ينطق بالنية، فلم يكن يقول : اللهم إني نويت أن أتوضأ ، اللهم إني نويت أن أصلي، اللهم إني نويت أن أتصدق ،اللهم إني نويت أن أصوم، اللهم إني نويت أن أحج، لم يكن يقول هذا؛ وذلك لأن النية محلها القلب، والله عز وجل يعلم ما في القلب ، ولا يخفي عليه شيء؛ كما قال الله تعالى في الآية التي ساقها المؤلف: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 29] . -قال المؤلف رحمه الله تعالى: ((باب الإخلاص وإحضار النية، في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية)): ويجب على الإنسان أن يخلص النية لله سبحانه وتعالى في جميع عباداته، وأن لا ينوى بعباداته إلا وجه الله والدار الآخرة. -وهذا هو الذي أمر الله به في قوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ﴾، أي مخلصين له العمل، ﴿وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5] ، وينبغي أن يستحضر النية، أي: نية الإخلاص في جميع العبادات. فينوى مثلاً الوضوء ، وأنه توضأ لله، وأنه توضأ أمثالاً لأمر الله. فهذه ثلاثة أشياء: 1- نية العبادة. 2- ونية أن تكون لله. 3- ونية أنه قام بها امتثالاً لأمر الله. -فهذا أكمل شيء في النية. -كذلك في الصلاة : -تنوي أولاً: الصلاة، وأنها الظهر ، أو العصر ، أو المغرب ، أو العشاء، أو الفجر ، أو ما أشبه ذلك ، -وتنوي ثانياً: أنك إنما تصلي لله عز وجل لا لغيره، لا تصلي رياءً ولا سمعة، ولا لتمدح على صلاتك، ولا لتنال شيئاً من المال أو الدنيا. - ثالثاً : تستحضر أنك تصلي امتثالاً لأمر ربك حيث قال: ﴿أَقِمِ الصَّلاة﴾ ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ إلى غير ذلك من الأوامر. -وذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ عدة آيات كلها تدل على أن النية محلها القلب ، وأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ عالم بنية العبد ، ربما يعمل العبد عملاً يظهر أمام الناس أنه عمل صالح ، وهو عمل فاسد أفسدته النية، لأن الله ـ تعالى ـ يعلم ما في القلب ، ولا يجازى الإنسان يوم القيامة إلا على ما في قلبه، لقول الله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق:8-10] ،يعني :يوم تختبر السرائر ـ القلوب ـ كقوله: ﴿أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ [العاديات:9-10] . -ففي الآخرة: يكون الثواب والعقاب ، والعمل والاعتبار بما في القلب. -أما في الدنيا : فالعبرة بما ظهر، فيعامل الناس بظواهر أحوالهم، ولكن هذه الظواهر: إن وافقت ما في البواطن، صلح ظاهره وباطنه وسريرته وعلانيته، وإن خالفت وصار القلب منطوياً على نية فاسدة_ نعوذ بالله _ فما أعظم خسارته !! يعمل ويتعب ولكن لا حظ له في هذا العمل؛ كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه))(5) . فالله الله!! أيها الإخوة بإخلاص النية لله سبحانه وتعالى!! -واعلم: أن الشيطان قد يأتيك عند إرادة عمل الخير، فيقول لك: إنك إنما تعمل هذا رياءً، فيحبط همتك ويثبطك ولكن لا تلتفت إلى هذا ، ولا تطعه، بل اعمل ولو قال لك: إنك إنما تعمل رياء أو سمعة؛ لأنك لو سئلت: هل أنت الآن تعمل هذا رياءً وسمعة؟لقلت : لا!! -إذن فهذا الوسواس الذي أدخله الشيطان في قلبك، لا تلتفت له، وافعل الخير؛ ولا تقل: إني أرائي وما أشبه ذلك. 1- وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه)) متفق على صحته (6) رواه إماما المحدثين : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَة الجعفي البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري ـ رضي الله عنهما ـ في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة. -الشرح : -لما كان هذا الباب في الإخلاص ، إخلاص النية لله عز وجل، وأنه ينبغي أن تكون النية مخلصة لله في كل قول، وفي كل فعل، وعلى كل حال، ذكر المؤلف من الآيات ما يتعلق بهذا المعنى، وذكر ـ رحمه الله ـ من الأحاديث ما يتعلق به أيضاً، وصدر هذا بحديث عمر بن الخطاب الذي قال فيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ٍما نوى)): -هاتان الجملتان اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيهما: -فقال بعض العلماء: إنهما جملتان بمعنى واحد ، وإن الجملة الثانية تأكيد للجملة الأولى. -ولكن هذا ليس بصحيح، وذلك لأن الأصل في الكلام أن يكون تأسيسا لا توكيداً ، ثم إنهما عند التأمل يتبين أن بينهما فرقاً عظيماً؛ فالأولى سبب، والثانية نتيجة: -الأولى: سبب يبين فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن كل عمل لابد فيه من نية، فكل عمل يعمله الإنسان وهو عاقل مختار، فلابد فيه من نية، ولا يمكن لأي عاقل مختار أن يعمل عملاً إلا بنية؛ حتى قال بعض العلماء: ((لو كلفنا الله عملاً بلا نية ، لكان من تكليف ما لا يطاق!)). وهذا صحيح ، كيف تعمل وأنت في عقلك، وأنت مختار غير مكره، كيف تعمل عملاً بلا نية؟ ! هذا مستحيل؛ لأن العمل ناتج عن إرادة وقدرة ، والإرادة هي النية. -إذن: فالجملة الأولى معناها أنه ما من عامل إلا وله نية، ولكن النيات تختلف اختلافاً عظيماً، وتتباين تبايناً بعيداً كما بين السماء والأرض. من الناس من نيته في القمة في أعلى شيء، ومن الناس من نيته في القمامة في أخس شيء وأدنى شيء، حتى إنك لترى الرجلين يعملان عملاً واحداً يتفقان في ابتدائه وانتهائه وفي أثنائه، وفي الحركات والسكنات، والأقوال والأفعال، وبينهما كما بين السماء والأرض، وكل ذلك باختلاف النية. -إذن : الأساس أنه ما من عمل إلا بنية، ولكن النيات تختلف وتتابين. نتيجة ذلك قال: ((وإنما لكل امريءٍ ما نوى))، فكل امريء له ما نوى: -إنْ نوى الله والدار الآخرة في أعماله الشرعية ، حصل له ذلك، وإن نوى الدنيا ، قد تحصل وقد لا تحصل. -قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (الاسراء: الآية18) ما قال: عجلنا له ما يريد ، بل قال: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) ، لا ما يشاء هو، (لِمَنْ نُرِيدُ) لا لكل إنسان ، فقيد المعجل والمعجل له،فمن الناس: من يعطى ما يريد من الدنيا، ومنهم: من يعطى شيئاً منه، ومنهم: من لا يعطى شيئاً أبدًا. -أما: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ (الإسراء:19) لابد أن يجني ثمرات هذا العمل الذي أراد به وجه الله والدار الآخرة. إذن : ((إنما لكل امرئ ما نوى)). -وقوله: ((إنما الأعمال بالنيات...إلخ)) هذه الجملة والتي قبلها ميزان لكل عمل؛ لكنه ميزان الباطن، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (7) ميزان للأعمال الظاهرة. -ولهذا قال أهل العلم : ((هذان الحديثان يجمعان الدين كله)) حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات)) ميزان للباطن ، وحديث عائشة : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا)) ميزان للظاهر. -ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً يطبق هذا الحديث عليه، قال: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)): -((الهجرة)): أن ينتقل الإنسان من دار الكفر إلى دار الإسلام ، مثل أن يكون رجل في أمريكا ـ وأمريكا دار كفر ـ فيسلم، ولا يتمكن من إظهار دينه هناك، فينتقل منها إلى البلاد الإسلامية، فهذه هي الهجرة. -وإذا هاجر الناس ، فهم يختلفون في الهجرة: -الأول: منهم من يهاجر ، ويدع بلده إلى الله ورسوله ؛ يعني إلى شريعة الله التي شرعها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم هذا هو الذي ينال الخير،، وينال مقصوده؛ ولهذا قال: ((فهجرته إلى الله ورسوله)): أي فقد أدرك ما نوى. -الثاني من المهاجرين: هاجر لدنيا يصيبها ، يعني : رجل يحب جمع المال، فسمع أن بلاد الإسلام مرتعاً خصباً لاكتساب الأموال، فهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام؛ من أجل المال فقط، لا يقصد أن يستقيم دينه، ولا يهتم بدينه، ولكن همه المال. -الثالث: رجل هاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام؛ يريد امرأة يتزوجها، قيل له: لا نزوجك إلا في بلاد الإسلام، ولا تسافر بها إلى بلد الكفر ، فهاجر من بلده ـ بلد الكفرـ إلى بلاد الإسلام ؛ من أجل أن يتزوج هذه المرأة. -فمريد الدنيا ومريد المرأة، لم يهاجر إلى الله ورسوله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ((فهجرته إلى ما هاجر إليه))، وهنا قال ((إلى ما هاجر إليه)) ولم يقل ((فهجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها)) فلماذا؟ -قيل: لطول الكلام؛ لأنه إذا قال: فهجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ صار الكلام طويلاً ، فقال: ((هجرته إلى ما هاجر إليه)). -وقيل : بل لم ينص عليهما؛ احتقاراً لهما، وإعراضاً عن ذكرهما:فلأنهما حقيران: أي: الدنيا، والزوجة. -ونية الهجرة ـ التي هي من أفضل الأعمال - لإرادة الدنيا والمرأة؛ نية منحطة سافلة، قال: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) فلم يذكر ذلك احتقاراً ، لأنها نية فاسدة منحطة. -وعلى كل حال ، سواء هذا أو هذا أو الجميع: فإن هذا الذي نوى بهجرته الدنيا، أو المرأة التي ينكحها ، لا شك أن نيته سافلة منحطة هابطة، بخلاف الأول الذي هاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . -أقسام الهجرة : -الهجرة تكون للعمل، وتكون للعامل ، وتكون للمكان. -القسم الأول : هجرة المكان : -فأن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي، ويكثر فيه الفسوق، وربما يكون بلد كفر إلى بلد لا يوجد فيه ذلك. وأعظمه الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وقد ذكر أهل العلم أنه يجب على الإنسان أن يهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام إذا كان غير قادر على إظهار دينه. -وأما إذا كان قادراً على إظهار دينه، ولا يُعارَضُ إذا أقام شعائر الإسلام، فإن الهجرة لا تجب عليه، ولكنها تستحب ، وبناءً على ذلك يكون السفر إلى بلد الكفر أعظم من البقاء فيه، فإذا كان بلد الكفر الذي كان وطن الإنسان ؛ إذا لم يستطع إقامة دينه فيه؛ وجب عليه مغادرته ، والهجرة منه. -فذلك إذا كان الإنسان من أهل الإسلام، ومن بلاد المسلمين ، فإنه لا يجوز له أن يسافر إلى بلد الكفر ، لما في ذلك من الخطر على دينه ، وعلى أخلاقه، ولما في ذلك من إضاعة ماله، ولما في ذلك من تقوية اقتصاد الكفار،ونحن مأمورون بأن نغيظ الكفار بكل ما نستطيع ، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:123]، وقال تعالى: ﴿وَلا يَطَئونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: الآية120] . -فالكافر أيا كان، سواء كان من النصارى، أو من اليهود، أو من الملحدين ، وسواء تسمى بالإسلام أم لم يتسم بالإسلام، الكافر عدو لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين جميعاً، مهما تلبس بما يتلبس به؛ فإنه عدو!! -فلا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلد الكفر إلا بشروط ثلاثة: -الشرط الأول: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، لأن الكفار يوردون على المسلمين شبهاً في دينهم،وشبهاً في رسولهم، وشبهاً في كتابهم، وشبهاً في أخلاقهم، وفي كل شيء يوردون الشبهة؛ ليبقى الإنسان شاكا متذبذبا ، ومن المعلوم أن الإنسان إذا شك في الأمور التي يجب فيها اليقين؛ فإنه لم يقم بالواجب ، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره - الإيمان بهذه - يجب أن يكون يقيناً ، فإن شك الإنسان في شيء من ذلك فهو كافر. -فالكفار يدخلون على المسلمين الشك، حتى إن بعض زعمائهم صرح قائلاً: لا تحاولوا أن تخرجوا المسلم من دينه إلى دين النصارى، ولكن يكفي أن تشكِّكوه في دينه، لأنكم إذا شككتموه في دينه سلبتموه الدين، وهذا كاف، أنتم أخرجوه من هذه الحظيرة التي فيها الغلبة والعزة والكرامة ويكفي. -أما أن تحاولوا أن تدخلوه في دين النصارى - المبني علي الضلال والسفاهة - فهذا لا يمكن ، لأن النصارى ضالون ، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم(8) ، وإن كان دين المسيح عليه الصلاة والسلام دين حق، لكنه دين الحق في وقته قبل أن ينسخ برسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الهدى والحق فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . -الشرط الثاني: أن يكون عنده دينٌ يَحمِيه من الشهوات،لأن الإنسان يدفع به الشبهات. - الذي ليس عنده دين إذا ذهب إلى بلاد الكفر انغمس، لأنه يجد زهرة الدنيا، هناك شهوات ، من خمر، وزنى، ولواط،كل إجرام موجود في بلاد الكفر. -فإذا ذهب إلى هذه البلاد يُخشى عليه أن ينزلق في هذه الأوحال، إلا إذا كان عنده دين يحميه،فلابد أن يكون عند الإنسان دين يحميه من الشهوات. -الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك،مثل أن يكون مريضاً،يحتاج إلى السفر إلى بلاد الكفر للاستشفاء، أو يكون محتاجاً إلى علم لا يوجد في بلد الإسلام تخصص فيه، فيذهب إلى هناك ويتعلم ، أو يكون الإنسان محتاجاً إلى تجارة، يذهب ويتجر ويرجع. - المهم أنه لابد أن يكون هناك حاجة ولهذا أرى أنَّ الذين يسافرون إلى بلد الكفر من أجل السياحة فقط ، أرى أنهم آثمون ، وأن كل قِرش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم، وإضاعة لمالهم، وسيحاسبون عنه يوم القيامة، حين لا يجدون مكاناً يتفسحون فيه أو يتنزهون فيه، حين لا يجدون إلا أعمالهم، لأن هؤلاء يضيعون أوقاتهم ، ويتلفون أموالهم، ويفسدون أخلاقهم، وكذلك ربما يكون معهم عوائلهم، ومِن عَجَبٍ أن هؤلاء يذهبون إلى بلاد الكفر التي لا يسمع فيها صوت مؤذن، ولا ذكر ذاكر، وإنما يسمع فيها أبواق اليهود، ونواقيس النصارى، ثم يبقون فيها مدة هم وأهلوهم وبنوهم وبناتهم، فيحصل في هذا شرٌّ كثيرٌّ، نسأل الله العافية والسلامة. وهذا من البلاء الذي يحل الله بها النكبات،والنكبات التي تأتينا، والتي نحن الآن نعيشها كلها بسبب الذنوب والمعاصي ، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى:30] . نحن غافلون ، نحن آمنون في بلادنا، كأن ربنا غافل عنا، كأنه لا يعلم ، كأنه لا يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. -والناس يعصرون في هذه الحوداث، ولكن قلوبهم قاسية والعياذ بالله! وقد قال الله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون:76] ، أخذناهم بالعذاب، ونزل بهم، ومع ذلك ما استكانوا إلى الله، وما تضرعوا إليه بالدعاء، وما خافوا من سَطْوتِه، ولكن قست القلوب-نسأل الله العافية- وماتت، حتى أصبحت الحوادث المصيريَّةُ تمر على القلب وكأنها ماء بارد ، نعوذ بالله من موت القلب وقسوته، وإلا لو كان الناس في عقل، وفي قلوب حية، ما صاروا على هذا الوضع الذي نحن عليه الآن، مع أننا في وضع نُعتَبَر أننا في حال حرب مدمرة مهلكة، حرب غازات الأعصاب والجنود وغير ذلك، ومع هذا لا تجد أحداً حرَّك ساكناً إلا أن يشاء الله، هذا لا شك أنه خطأ ، إن أناسا في هذه الظروف العصيبة ذهبوا بأهليهم يتنزَّهون في بلاد الكفر، وفي بلاد الفسق وفي بلاد المجون والعياذ بالله ! -والسفر إلى بلاد الكفر للدعوة يجوز، إذا كان له أثر وتأثير هناك فإنه جائز، لأنه سفر لمصلحة، وبلاد الكفر كثيرٌ من عوامهم قد عُمِّيَ عليهم الإسلام، لا يدرون عن الإسلام شيئاً، بل قد ضُلِّلوا، وقيل لهم إن الإسلام دين وحشيَّةٍ وهمجيَّةٍ ورعاع، ولا سيما إذا سمع الغرب بمثل هذه الحوادث التي حصلت على أيدي من يقولون إنهم مسلمون، سيقولون أين الإسلام ؟! هذه وحشيَّةٍ !! وحوشٌ ضاريةٌ يعدو بعضها على بعض ويأكل بعضها بعضا، فينفر الناس من الإسلام بسبب أفعال المسلمين، نسأل الله أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم. -القسم الثاني: هجرة العمل: -وهي أن يهجر الإنسان ما نهاه الله عنه من المعاصي والفسوق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))(9) فتهجر كل ما حرم الله عليك ، سواء كان مما يتعلَّق بحقوق الله، أو ما يتعلَّق بحقوق عباد الله ، فتجهر السب والشتم والقتل والغش وأكل المال بالباطل وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وكل شيء حرَّم الله تهجره، حتى لو أن نفسك دعتكَ إلى هذا وألحَّت عليك، فاذكر أن الله حرَّم ذلك حتى تهجره وتبعد عنه. القسم الثالث: هجرة العامل: - فإن العامل قد تجب هجرته أحياناً، قال أهل العلم: مثل الرجل المجاهر بالمعصية ،الذي لا يبالي بها، فإنه يُشرعُ هَجْره إذا كان في هَجْرهِ فائدة ومصلحة. -والمصلحة والفائدة أنه إذا هُجر عَرف قدر نفسه، ورجع عن المعصية. -ومثال ذلك : رجل معروف بالغش بالبيع والشراء؛ فيهجره الناس، فإذا هجروه تاب من هذا ورَجَع وندِم. - ورجل ثانٍ يتعامل بالربا ، فيهجره الناس، ولا يسلِّمون عليه، ولا يكلمونه، فإذا عرف هذا خجلَ من نفسه وعاد إلى صوابه. - ورجل ثالث -وهو أعظمهم- لا يصلِّي ،فهذا مرتدٌ كافرٌ - والعياذ بالله - يجب أن يُهجر، فلا يُردُّ عليه السلام، ولا يسلَّم عليه، ولا تجاب دعوته حتى إذا عرف نفسه ورجع إلى الله وعاد إلى الإسلام انتفع بذلك. -أما إذا كان الهجر لا يُفيد ولا ينفع وهو من أجل معصية، لا من أجل كفر، لأن الهجر إذا كان للكفر فإنه يُهجر. والكافر المرتد يُهجر على كل حال - أفاد أم لم يفد - لكنَّ صاحب المعصية التي دون الكفر إذا لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يحلُّ هجره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) (10). -ومن المعلوم أن المعاصي التي دون الكفر عند أهل السنة والجماعة لا تخرج من الإيمان. -فيبقى النظر بعد ذلك هل الهجر مفيد أو لا ؟ فإن أفاد، وأوجب أن يدع الإنسان معصيته فإنه يُهجر، ودليل ذلك قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه ، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع - رضي الله عنهم - الذين تختلفوا عن غزوة تبوك فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم(11) وأمر المسلمين بهجرهم، لكنهم انتفعوا في ذلك انتفاعاً عظيماً ولجأوا إلى الله، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه فتابوا وتاب الله عليهم. -هذه أنواع الهجرة: هجرة المكان ، وهجرة العَمَل، وهجرة العامِل. 2-وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم)) قالت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ، ومن ليس منهم؟ قال: ((يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم))(12) [ متفق عليه]، هذا لفظ البخاري. -الشرح: -ذكر المؤلِّف حديث عائشة ـ رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يغزو جيش الكعبة، الكعبة المشرَّفة حماها الله وأنقذها من كل شر. -هذه الكعبة هي بيت الله؛ بناه إبراهيم ، وابنه إسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - وكانا يرفعان القواعد من البيت ويقولان : ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127] . -هذا البيت أراد أبرهة أن يغزُوَه من اليمن ، فغزاه بجيش عظيم في مقدمته فيل عظيم؛ يريد أن يهدم به الكعبة - بيت الله - فلما قرب من الكعبة ووصل إلى مكان يُقال له المُغَمَّس حَرَنَ الفيل، وأبى أن يتقدم ، فجعلوا ينهرونه ليتقدم إلى الكعبة فأبى ، فإذا صرفوه نحو اليمن هَرْوَلَ وأسرع، ولهذا قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - في غزوة الحديبة لما أن ناقته حَرَنتْ وأبتْ أن تمشي فقال الصحابة : خلأت القصواء، خلأت القصواء - يعني حرنت ، وبركت من غير علَّة - قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق!))(13) فالنبي - عليه الصلاة والسلام - يدافع عن بهيمة ، لأن الظلم لا ينبغي، ولو على البهائم. -((ما خلات القصواء وما ذاك لها بخلق - أي عادة- ولكن حبسها حابس الفيل)) وحابس الفيل: هو الرب سبحانه وتعالى، ((والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطَّةً يُعظمون فيها حرمات الله إلا أعطتيهم إياها)) -المهم أن الكعبة غزيت من قبل اليمن، في جيش عظيم ، يقوده هذا الفيل العظيم، لِيهدم الكعبة، فلما وصلوا إلى المغمس أبى الفيل أن يمشي ، وحرن ، فانتهروه، ولكن لا فائدة، فبقوا هناك وانحبسوا ، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ، والأبابيل : يعني الجماعات الكثيرة من الطيور ، وكل طير يحمل حجراً قد أمسكه برجله، ثم يرسله على الواحد منهم،حتى يضربه مع هامته ويخرج إلى دبره ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل:5] ،كأنهم زرع أكلته البهائم ، واندكُّوا في الأرض ، وفي هذا يقول أمية بن الصلت: حبسَ الفيلُ في المغَمَّس ***حتَّى ظَـلَّ يَحبُــو كـأنه معقـــورُ -فحمى الله عز وجل بيته من كيد هذا الملك الظالم الذي جاء ليهدم بيت الله، وقد قال الله عز وجل، : ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25] . -في آخر الزمان يغزو قوم الكعبة، جيش عظيم. وقوله : ((حتى إذا كانوا بيداء من الأرض)) أي بأرض واسعة متسعة، خسف الله بأوَّلهم وآخرهم، خسفت بهم الأرض ، وساخوا فيها هم وأسواقهم، وكل من معهم. -وفي هذا دليل على أنهم جيش عظيم، لأن معهم أسواقهم، للبيع والشراء وغير ذلك ،فيخسف الله بأولهم وآخرهم. -لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، ورد على خاطر عائشة - رضي الله عنها- سؤال، فقالت: يا رسول الله((كيف يُخسَفُ بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟)) أسواقهم: الذين جاؤوا للبيع والشراء، ليس لهم قصد سيء في غزو الكعبة، وفيهم أناس ليسوا منهم تبعوهم من غير أن يعلموا بخطَّتهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((يخسف بأولهم وآخرهم وأسواقهم ومن ليس منهم ثم يبعثون يوم القيامة على نياتهم)) كلٌ له ما نوى. -هذا فرد من أفراد قول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). -وفي هذا الحديث عبرة: أن من شارك أهل الباطل وأهل البغي والعدوان، فإنه يكون معهم في العقوبة، الصالح والطالح، العقوبة إذا وقعت تعمُّ الصالح والطالح، والبرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، والمصلّي والمستكبر، ولا تترك أحداً، ثم يوم القيامة يبعثون على نِيَّاتهم، يقول الله عز وجل: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال:25]. -والشاهد من هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ثم يبعثون على نياتهم)) فهو كقوله: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). 3_ وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا))(14) [متفق عليه]. -ومعناه : لا هجرة من مكة لأنها صارت دار إسلام. -الشرح : -في هذا الحديث نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة بعد الفتح، فقال: ((لا هجرة))وهذا النفي ليس على عمومه، يعني أن الهجرة لم تبطل بالفتح، بل إنه ((لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها))(15) - كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - لكن المراد بالنفي هنا نفي الهجرة من مكة كما قاله المؤلف - رحمه الله- لأن مكة بعد الفتح صارت بلاد إسلام، ولن تعود بعد ذلك بلاد كفر ، ولذلك نفى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أن تكون هجرة بعد الفتح. -وكانت مكة تحت سيطرة المشركين، وأخرجوا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهاجر صلى الله عليه وسلم بإذن ربِّه إلى المدينة وبعد ثمانِ سنواتٍ رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً مظفَّراً منصوراً- صلوات الله وسلامه عليه-. -فصارت مكة بدل كونها بلد كفر، صارت بلد إيمان وبلد إسلام، ولم يكن منها هجرة بعد ذلك. -وفي هذا دليل على أن مكة لن تعود لتكون بلاد كفر، بل ستبقى بلاد إسلام إلى أن تقوم الساعة، أو إلى أن يشاء الله. -ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ولكن جهاد ونية)) : أي الأمر بعد هذا جهاد: أي يخرج أهل مكة من مكة إلى الجهاد. -و ((النية)) أي النية الصالحة للجهاد في سبيل الله، وذاك بأن ينوي الإنسان بجهاده، أن تكون كلمة الله هي العليا. -ثم قال عليه الصلاة والسلام ((وإذا استُنْفرتُم فانفروا)) يعني : إذا استنفركم ولي أمركم للجهاد في سبيل الله، فانفروا وجوباً، وحينئذ يكون الجهاد فرض عين، إذا استنفر الناس للجهاد، وجب عليهم أن ينفروا، وألا يتخلَّف أحد إلا من عذره ، لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ (38) إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا﴾ [التوبة:38،39]، وهذا أحد المواضع التي يكون فيها الجهاد فرض عين. -الموضع الثاني: إذا حضر بلدة العدو، أي جاء العدو حتى وصل إلى البلد وحصر البلد، صار الجهاد فرض عين، ووجب على كل أحد أن يقاتل، حتى على النساء والشيوخ القادرين في هذه الحال، لأن هذا قتال دفاع. وفرق بين قتال الدفاع وقتال الطلب. فيجب في هذا الحال أن ينفر الناس كلهم للدفاع عن بلدهم. -الموضع الثالث: إذا حضر الصف ، والتقى الصفان؛ صف الكفار وصف المسلمين؛ صار الجهاد حينئذ فرض عين، ولا يجوز لأحد أن ينصرف كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال:15، 16] . وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات.(16) -الموضع الرابع: إذا احتيج إلى الإنسان ؛ بأن يكون السلاح لا يعرفه إلا فرد من الأفراد، وكان الناس يحتاجون إلى هذا الرجل لاستعمال هذا السلاح الجديد مثلاً فإنه يتعين عليه أن يجاهد وإن لم يستنفره الإمام وذلك لأنه محتاج إليه. -ففي هذه المواطن الأربعة، يكون الجهاد فرض عين وما سوى ذلك فإنه يكون فرض كفاية. -قال أهل العلم: ويجب على المسلمين أن يكون منهم جهاد في العام مرة واحدة، يجاهد أعداء الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، لا لأجل أن يدافعوا عن الوطن من حيث إنَّه وطن، لأن الدفاع عن الوطن من حيث هو وطن يكون من المؤمن والكافر، حتى الكفار يدافعون عن أوطانهم، لكنَّ المسلم يدافع عن دين الله، فيدافع عن وطنه؛ لا لأنه وطنه مثلاً، ولكن لأنه بلد إسلامي فيدافع عنه حماية للإسلام الذي حل في هذه البلد. -ولذلك يجب علينا في مثل هذه الظروف التي نعيشها اليوم, يجب علينا أن نُذَكِّّرَ جميع العامة بأن الدعوة إلى تحرير الوطن , وما أشبه ذلك دعوة غير مناسبة , وأنه يجب أن يُعَبَّأَ الناس تعبئةً دينية , ويُقال إننا ندافع عن ديننا قبل كل شيء, لأن بلدنا بلد دين، بلد إسلام يحتاج إلى حماية ودفاع، فلابد أن ندافع عنها بهذه النية. أما الدفاع بنية الوطنيّة، أو بنية القوميّة، فهذا يكون من المؤمن والكافر، ولا ينفع صاحبه يوم القيامة، وإذا قتل وهو يدافع بهذه النية فليس بشهيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حميّة،ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليُرِيَ مكانه أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).(17) -انتبه إلى هذا القيد ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا)) لا لأنه وطنه وإذا كنت تقاتل لوطنك فأنت والكافر سواء ، لكن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ممثلة في بلدك لأن بلدك بلد إسلام ففي هذه الحال يكون القتال قتالاً في سبيل الله. -وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله- أي يُجرح - إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك))(18) . -فانظر كيف اشترط النبي صلى الله عليه وسلم للشهادة أن يكون الإنسان يقاتل في سبيل الله، والقتال في سبيل الله؛ أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا. -فيجب على طلبة العلم أن يبيِّنُوا للناس أن القتال للوطن ليس قتالاً صحيحاً , وإنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وأُقاتِلُ عن وطني لأنه وطن إسلامي،فأحميه من أعدائه وأعداء الإسلام؛ فبهذه النيَّة تكون النية صحيحة والله الموفِّق. 4-وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: ((إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً , ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض)) وفي رواية : ((إلا شرَكُوكُمْ في الأجر))(19) [رواه مسلم]. ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: رَجَعْنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن أقواماً بالمدينة خَلْفَنا، ما سلكنا شِعْباً، ولا واديا إلا وَهُم معَنا ، حبسهم العُذْرُ)). -الشرح : -قوله : ((في غزاة)) أي في غزوة. -فمعنى الحديث أن الإنسان إذا نَوَى العمل الصالح، ولكنه حَبَسه عنه حابس فإنه يُكتب له أجر ما نوى. -أما إذا كان يعلمه في حال عدم العذر؛ أي: لما كان قادراً كان يعلمه، ثم عجز عنه فيما بعد؛ فإنَّه يُكتب له أجر العمل كاملاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً))(20). فالمُتمنِّي للخير، الحريص عليه؛ إن كان من عادته أنه كان يعلمه، ولكنَّه حبسه عنه حابس ، كُتِبَ له أجره كاملاً. -فمثلاً: إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنه حبسه حابس، كنوم أو مرض، أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماماً من غير نقص. وكذلك إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي تطوعاً، ولكنه منعه منه مانع، ولم يتمكن منه؛ فإنه يكتب له أجره كاملاً، وكذلك إن كان من عادته أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ثم عجز عن ذلك، ومنعه مانع، فإنه يُكتب له الأجر كاملاً. وغيره من الأمثلة الكثيرة. -أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله؛ فإنه يكتب له أجر النية فقط، دون أجر العمل. ودليل ذلك: أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله سَبَقَنا أهل الدُّثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم _ يعني : أن أهل الأموال سبقوهم بالصدقة والعتق- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد إلا من عمل مثل ما عملتم!! فقال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) ففعلوا، فعلم الأغنياء بذلك؛ ففعلوا مثلما فعلوا، فجاء الفقراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا؛ ففعلوا مثله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء))(21) والله ذو الفضل العظيم.ولم يقل لهم: إنكم أدركتم أجر عملهم، ولكن لا شك أن لهم أجر نية العمل. -ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيمن آتاه الله مالاً فجعل ينفقه في سبل الخير، وكان رجل فقير يقول: لو أن لي مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فهو بنيته فأجرهما سواء))(22). -أي سواء في أجر النية، أما العمل فإنه لا يكتب له أجره إلا إن كان من عادته أن يعمله. -وفي هذا الحديث: إشارة إلى من يخرج في سبيل الله، في الغزو، والجهاد في سبيل الله، فإن له أجر ممشاه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً ولا شعبا إلا وهم معكم)). -ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة:120،121] ونظير هذا : أن الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة. -وهذا من فضل الله - عز وجل - أن تكون وسائل العمل فيها هذا الأجر الذي بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم . والله الموفق . اهـ يتبع....
|
||||
2015-07-20, 16:11 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
5- وعن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس- رضي الله عنهم - وهو وأبوه وجده صحابيُّون، قال: كان أبي - يزيد - أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن))(23) [رواه البخاري] . -الشرح : -هذا الحديث الذي ذكره المؤلف - رحمه الله - في قصة معن بن يزيد وأبيه - رضي الله عنهما -، أن أباه يزيد أخرج دراهم عند رجل في المسجد ليتصدق بها على الفقراء ، فجاء ابنه معن فأخذها ، وربما يكون ذلك الرجل الذي وكل فيها لم يعلم أنه ابن يزيد. ويحتمل أنه أعطاه لأنه من المستحقين. فبلغ ذلك أباه يزيد، فقال له: ما إياك أردت _ أي ما أردت أن أتصدق بهذه الدراهم عليك - فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لك يا يزيد ما نويت، ولك يا معن ما أخذت)). فقوله عليه الصلاة والسلام: ((لك يا يزيد ما نويت)) يدل على أن الأعمال بالنيات ، وأن الإنسان إذا نوى الخير حصل له . وإن كان يزيد لم ينوِ أن يأخذ هذه الدراهم ابنه، لكنَّه أخذها؛ وابنه من المستحقين؛فصارت له، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم : ((لك يا معن ما أخذت)). ففي هذا الحديث : دليل لما ساقه المؤلف من أجله أن الأعمال بالنيات، وأن الإنسان يكتب له أجر ما نوى؛ وإن وقع الأمر على خلاف ما نوى، وهذه القاعدة لها فروع كثيرة: -منها: ما ذكره العلماء رحمهم الله أن الرجل لو أعطى زكاته شخصاً يظن أنه من أهل الزكاة ، فتَبَيَّنَ أنه غني وليس من أهل الزكاة فإن زكاته تجزئ ، وتكون مقبولة تبرأ به ذمته؛ لأنه نوى أن يعطيها من هو أهل لها، فإذا نوى فله نيته. -ومنها: أن الإنسان لو أراد أن يوقف - مثلاً- بيتاً صغيراً، فقال: وقفت بيتي الفلاني، وأشار إلى الكبير، لكنه خلاف ما نواه بقلبه، فإنه على ما نوى وليس على ما سبق به لسانه. -ومنها: لو أن إنساناً جاهلاً لا يعرف الفرق بين العمرة والحج ، فحج مع الناس، فقال لبيك حجاً، وهو يريد عمرة يتمتع بها إلى الحج؛ فإنه له ما نوى ، مادام أن قصده يريد العمرة، لكن قال لبيك حجاً مع هؤلاء الناس، فله ما نوى، ولا يضر سبق لسانه بشيء. -ومنها أيضاً: لو قال الإنسان لزوجته: أنت طالق؛ ويريد أنت طالق من قيد لا من نكاح، فله ما نوى، ولا تُطَلَّق بذلك زوجته. -فهذا الحديث له فوائد كثيرة وفروع منتشرة في أبواب الفقه. -ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يتصدق على ابنه، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة وحث عليها، فأرادت زينب- زوجة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنها - أن تتصدق بشيء من مالها، فقال لها زوجها أنا وولدك أحق من تصدقت عليه - لأنه كان فقيراً- رضي الله عنه - فقالت: لا . حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم))(24) -ومن فوائد الحديث: أنه يجوز أن يعطي الإنسان ولده من الزكاة، بشرط أن لا يكون في ذلك إسقاط لواجب عليه. يعني مثلاً: لو كان الإنسان عنده زكاة وأراد أن يعطيها ابنه، من أجل أن لا يطالبه بالنفقة؛ فهذا لا يجزئ؛ لأنه أراد بإعطائه أن يسقط واجب نفقته. -أما لو أعطاه ليقضي ديناً كان عليه؛ مثل أن يكون على الابن حادث، ويعطيه أبوه من الزكاة ما يسدد به هذه الغرامة؛ فإن ذلك لا بأس به، وتجزئه من الزكاة، لأن ولده أقرب الناس إليه؛ وهو الآن لم يقصد بهذا إسقاط واجب عليه، إنما قصد بذلك إبراء ذِمَّةِ ولده؛ لا الإنفاق عليه، فإذا كان هذا قصده فإن الزكاة تحل له. والله الموفق أ. هـ. 6- وعن أبي إسحاق سعد بن أبى وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري رضي الله عنه، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، رضي الله عنهم، قال: ((جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت : يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأتصدَّق بثُلُثَيْ مالي؟ قال: لا ، قلت : فالشَّطْرُ يا رسول الله؟ قال: لا قلت: فالثُّلُثُ يا رسول الله ، قال: الثُّلُثُ والثُّلُثُ كثير - أو كبير- إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تجعل فِي فِيْ امرأتك .قال: فقلت: يا رسول الله أُخلَّف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله؛ إلا أزدت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة)) يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة.(25) [ متفق عليه]. -الشرح : -قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يعوده في مرض ألمَّ به، وذلك في مكة، وكان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - من المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، فتركوا بلدهم لله عز وجل، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعود المرضى من أصحابه ، كما أنه يزور من يزور منهم؛ لأن صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خُلُقاً؛ على أنه الإمام المتبوع. صلوات الله وسلامه عليه، كان من أحسن الناس خلقاً ، وألينهم بأصحابه، وأشدهم تحبُّبَا إليهم . فجاءه يعوده، فقال: يا رسول الله: ((إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى)) أي: أصابه الوجع العظيم الكبير. ((وأنا ذو مال كثير - أو كبير - )) أي: أن عنده مالاً كبيراً. ((ولا يرثني إلا ابنة لي)) أي: ليس له ورثة بالفرض إلا هذه البنت. ((أفأتصدق بثلثي مالي)) يعني بثلثيه: اثنين من ثلاثة! ((قال: لا. قلت: الشطر يا رسول)) أي: بالنصف. ((قال : لا . قلت: بالثلث قال: الثلث والثلث كثير)). فقوله : ((أفأتصدق)) أي أعطيه صدقة؟ فمنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ لأن سعداً في تلك الحال كان مريضاً مرضاً يخشى منه الموت، فلذلك منعه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بأكثر من الثلث. -لأن المريض مرض الموت المخوف لا يجوز أن يتصدق بأكثر من الثلث ، لأن ماله قد تعلق به حق الغير؛ وهم الورثة.أما من كان صحيحاً ليس فيه مرض، أو فيه مرض يسير لا يخشى منه الموت، فله أن يتصدق بما شاء؛ بالثلث، أو بالنصف، أو بالثلثين، أو بماله كله، لا حرج عليه. لكن لا ينبغي أن يتصدق بماله كله؛ إلا إن كان عنده شيء يعرف أنه سوف يستغني به عن عباد الله. المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم منعه أن يتصدق بما زاد عن الثلث. وقال: ((الثلث، والثلث كثير - أو كبير -)) وفي هذا دليل على أنه إذا نقص عن الثلث فهو أحسن وأكمل؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لو أن الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع))؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)) وقال أبو بكر رضي الله عنه: ((أرضى ما رضيه الله لنفسه)) يعني: الخُمُس ، فأوصى بالخُمُسِ رضي الله عنه. وبهذا نعرف أن عمل الناس اليوم؛ وكونهم يوصون بالثلث؛ خلاف الأولى، وإن كان هو جائزاً.لكن الأفضل أن يكون أدنى من الثلث؛ إما الربع أو الخمس. قال فقهاؤنا رحمهم الله والأفضل أن يوصي بالخمس، لا يزيد عليه ؛ اقتداء بأبي بكر الصديق رضي الله عنه. ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)). أي : كونك تُبقي المال ولا تتصدق به؛ حتى إذا مت وورثه الورثة صاروا أغنياء به، هذا خير من أن تذرهم عالة، لا تترك لهم شيئاً((يتكفَّفون الناس)) أي: يسألون الناس بأكفهم ؛ أعطونا أعطونا. وفي هذا دليل على أن الميت إذا خلَّف مالاً للورثة فإن ذلك خير له. لا يظن الإنسان أنه إذا خلف المال، وورث منه قهراً عليه، أنه لا أجر له في ذلك! لا بل له أجر، حتى إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة…إلخ)) لأنك إذا تركت المال للورثة انتفعوا به، وهم أقارب ، وإن تصدقت به انتفع به الأباعد، والصدقة على القريب أفضل من الصدقة على البعيد، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة. ثم قال ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها، حتى ما تجعله في في امرأتك)) يقول: لن تنفق نفقة؛ أي: لن تنفق مالاً؛ دراهم أو دنانير أوثياباً، أو فرشاً أو طعاماً أو غير ذلك تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه. الشاهد من هذا قوله: ((تبتغي به وجه الله)) أي : تقصد به وجه الله عز وجل، يعني تقصد به أن تصل إلى الجنة؛ حتى ترى وجه الله عز وجل. لأن أهل الجنة - جعلني الله وإياكم منهم - يرون الله سبحانه وتعالى، وينظرون إليه عياناً بأبصارهم ، كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر. يعني أنهم يرون ذلك حقا. ((حتى ما تجعله في فِيْ امرأتك)) أي: حتى اللقمة التي تطعمها امرأتك تؤجر عليها إذا قصدت بها وجه الله، مع أن الإنفاق على الزوجة أمر واجب، لو لم تنفق لقالت أنفق أو طلِّق،ومع هذا إذا أنفقت على زوجتك تريد به وجه الله آجرك الله على ذلك . وكذلك إذا أنفقت على أولادك ؛ أو أنفقت على أمِّك ، وعلى أبيك ، بل إذا أنفقت على نفسك تبتغي بذلك وجه الله؛ فإن الله يثيبك على هذا. ثم قال رضي الله عنه: ((أخلَّفُ بعد أصحابي)) يعني أو خلف بعد أصحابي ، أي: هل أتأَخَّرُ بعد أصحابي فأموت بمكة . فَبَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يُخَلَّفَ فقال: ((إنك لن تخلف)) وبَيَّن له أنه لو خلّف ثم عمل عملاً يبتغي به وجه الله إلا ازداد به عن الله درجة ورفعة. يعني : لو فرض أنك خُلّفت ولم تتمكن من الخروج من مكة، وعملت عملاً تبتغي به وجه الله؛ فإن الله تعالى يزيدك به رفعة ودرجة، رفعة في المقام والمرتبة، ودرجة في المكان. فيرفعك الله عز وجل في جنات النعيم درجات . حتى لو عملت بمكة وأنت قد هاجرت منها. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ولعلك أن تخلف)) أن تُخَلَّفَ : هنا غير أن تخلَّف الأولى((لعلّك أن تُخَلّف)): أي تُعمر في الدنيا؛ وهذا هو الذي وقع. فإن سعد ابن أبي وقاص عمر زماناً طويلاً، حتى إنه- رضي الله عنه- كما ذكر العلماء، خلف سبعة عشر ذكراً واثنتي عشرة بنتاً. وكان في الأول ليس عنده إلا بنت واحدة، ولكن بقي وعُمُّر ورُزق أولاداً. سبعة عشر ابنا واثنتي عشرة ابنة. قال: ((ولعلك أن تُخلَّف)) ((حتى ينتفع بك أقواماً ويضر بك آخرون)) وهذا الذي حصل ، فإن سعداً _ رضي الله عنه - خُلِّف وصار له أثر كبير في الفتوحات الإسلامية ، وفتح فتوحات عظيمة كبيرة، فانتفع به أقوام وهم المسلمون، وضُرَّ بهِ آخرون وهم الكفار. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم)) سأل الله أن يمضي لأصحابه هجرتهم وذلك بأمرين: الأمر الأول : ثباتهم على الإيمان؛ لأنه إذا ثبت الإنسان على الإيمان ثبت على الهجرة. والأمر الثاني: أن لا يرجع أحدهم منهم إلى مكة بعد أن خرج منها؛ مهاجراً إلى الله ورسوله. لأنك إذا خرجت من البلد مهاجراً إلى الله ورسوله؛ فهو كالمال الذي تتصدق به. يكون البلد مثل المال الذي تتصدق به لا يمكن أن ترجع فيه. وهكذا كل شيء تركه الإنسان لله لا يرجع فيه. ومن ذلك: ما وُفِّق فيه كثير من الناس من إخراج التليفزيون من بيوتهم؛ توبة إلى الله، وابتعاداً عنه، وعما فيه من الشرور. فهؤلاء قالوا هل يمكن أن نعيده الآن إلى البيت؟ نقول: لا، بعد أن أخرجتموه لله لا تعيدوه ؛ لأن الإنسان إذا ترك شيئاً لله، وهجر شيئاً لله، فلا يعود فيه. ولهذا سأل النبي - عليه الصلاة والسلام - ربه أن يُمضي لأصحابه هجرتهم. وقوله: ((ولا تردهم على أعقابهم)) أي لا تجعلهم ينتكسون عن الإيمان فيرتدُّون على أعقابهم ؛ لأن الكفر تأخر ،والإيمان تقدم، وهذا على عكس ما يقوله الملحدون اليوم؛ حيث يَصِفُون الإسلام بالرجعيَّة، ويقولون إن التقدمية: أن ينسلخ الإنسان من الإسلام، وأن يكون علمانياً؛ يعني أنه لا يُفرق بين الإيمان والكفر - والعياذ بالله - ولا بين الفسوق والطاعة، فالإيمان هو التقدم في الحقيقة. المتقدمون هم المؤمنون، والتقدم يكون بالإيمان ، والرِّده تكون نكوصاً على العقبين؛ كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - هنا : ((ولا تردهم على أعقابهم)). وفي هذا الحديث من الفوائد فوائد عظيمة كثيرة!! منها : أن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم عيادة المرضى، لأنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفي عيادة المرضى فوائد للعائد وفوائد للمَعُود: أما العائد فإنه يؤدي حق أخيه المسلم؛ لأن من حق أخيك المسلم أن تعوده إذا مرض. ومنها: أن الإنسان إذا عاد المريض فإنه لا يزال في مَخْرفَة الجنة، يعني يجني ثمار الجنة حتى يعود. ومنها: أن في ذلك تذكيراً للعائد بنعمة الله عليه بالصحة، لأنه إذا رأى هذا المريض ، ورأى ما هو فيه من المرض، ثم رجع إلى نفسه، ورأى ما فيها من الصحة والعافية عرف قدر نعمة الله عليه بهذه العافية؛ لأن الشيء إنما يعرف بضدّه. ومنها : أن فيها جَلْباً للمودة والمحبة ، فإن الإنسان إذا عاد المريض صارت هذه العيادة في قلب المريض دائماً، يتذكرها، وكلما ذكرها أحبَّ الذي يعوده، وهذا يظهر كثيراً فيما إذا برأ المريض، وحصلت منه ملاقاة لك تجده يتشكّر منك، وتجد أن قلبه ينشرح بهذا الشيء. أما المعود : فإن له فيها فائدة أيضاً، لأنها تُؤنِسُه ، وتشرح صدره، ويزول عنه ما فيه من الهم والغم والمرض. وربما يكون العائد موفقاً يذكره بالخير والتوبة والوصية؛ إذا كان يريد أن يوصي بشيء عليه من الديون وغيرها، فيكون في ذلك فائدة كبيرة للمعود. ولهذا قال العلماء : ينبغي لمن عاد المريض أن يُنَفِّسَ له في أجله؛ أي يفرحه يقول: ما شاء الله، أنت اليوم في خير وما أشبهه، وليس لازماً أن يقول له: أنت طيب مثلاً؛ لأنه قد يكون أشد مرضاً من أمس، لكن يقول أنت اليوم في خير،لأن المؤمن كل أمره خير، إن أصابه ضراء فهو في خير، وإن أصابه سرَّاء فهو في خير، فيقول : اليوم أنت بخير والحمد لله، وما أشبه ذلك مما يدخل عليه السرور. والأجل محتوم، إن كان هذا المرض أجله مات، وإن كان بقي له شيء من الدنيا بقي. وينبغي أيضاً أن يذكّره التوبة، لكن لا يقول له ذلك بصفة مباشرة ؛ لأنه ربما ينزعج، ويقول في نفسه لو أن مرضي غير خطير ما ذكَّرني بالتوبة. لكن يبدأ بذكر الآيات والأحاديث التي فيها الثناء على التائبين ما يتذكر به المريض، وينبغي كذلك أن يذكره الوصية ، لا يقول له: أوصِ فإن أجلك قريب، لو قال هكذا انزعج .بل مثلاً: يذكره بقصص واردة عليه، يقول مثلاً: فلان كان عليه دين، وكان رجلاً حازماً ، وكان يوصي أهله بقضاء دينه، وما أشبه ذلك..من الكلمات التي لا ينزعج بها. قال أهل العلم: ينبغي أيضاً إذا رأى منه تشوفاً إلى أن يقرأ عليه؛ فينبغي أن يقرأ عليه، ينفث عليه بما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام. مثل قوله : ((أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً))(26) ومثل قوله: ((ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرُكَ في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيِّبين،أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ))(27) أو يقرأ عليه بسورة الفاتحة؛ لأن سورة الفاتحة رُقية يُقرأ بها على المرضى، وعلى الذين لدغتهم العقرب، أو الحية، وما أشبه ذلك(28)، فمتى رأى العائد من المريض أنه يحب أن يقرأ عليه فليقرأ لئلا يُلْجِيء المريض إلى طلب القراءة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رأيت مع أمتي سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب)) وقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيّرون وعلى ربهم يتوكلون))(29) . فقوله: ((لا يسْترقون)) أي: لا يطلبون أحداً يقرأ عليهم، فأنت إذا رأيته يتشوق لتقرأ عليه، اقرأ عليه، لئلا تُحرجه إلى طلب القراءة. كذلك أيضاً إذا رأيت أن المريض يحب أن تُطيل المقام عنده، فأطل المقام؛ فأنت على خير وعلى أجر، فأطل المقام عنده،وأدخل عليه السرور، ربما يكون في دخول السرور على قلبه سبباً لشفائه؛ لأن سرور المريض وانشراح صدره من أكبر أسباب الشفاء، فإذا رأيت أنه يحبُّك تبقى فابق عنده، وأطل الجلوس عنده حتى تعرف أنه قد مَلََّ. أما إذا رأيت أن المريض متكلف ولا يحب أنك تبقى، أو يحب أن تذهب عنه حتى يحضر أهله وَيأنَسَ بهم فلا تتأخر، اسأل عن حاله ثم انصرف. ومن فوائده: حُسنُ خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقاً؛ لأن الله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:1ـ 4] ، فأعظم الناس خُلُقاً وأحسن الناس خَلقاً رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولهذا كان يعود أصحابه، ويزورهم ، ويسلم عليهم، حتى إنه يمر بالصبيان الصّغار فيسلم عليهم، صلوات الله وسلامه عليه. ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان مشاورة أهل العلم، لأن سعد بن أبي وقاص، - رضي الله عنه - استشار النبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يتصدق بشيء من ماله، فقال: يا رسول الله : ((إني ذو مال كثير، ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا …)) الحديث. ففيه استشارة أهل العلم والرأي ، وكل إنسان بحسبه فمثلاً إذا كنت تريد أن تُقْدم على شيء من أمور الدين، فشاوِر أهل العلم؛ لأنهم أعلم بأمور الدين من غيرهم، إذا أردت أن تشتري بيتاً فشاور أصحاب المكاتب العقارية، إذا أردت أن تشتري سيارة فاستشر المهندسين في السيارات وهكذا. ولهذا يقال: ((ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار)). والإنسان بلا شك لا ينبغي له أن يكمِّل نفسه. من ادَّعى الكمال لنفسه فهو الناقص، بل لابد أن يراجع خصوصاً في الأمور الهامة التي تتعلق بمسائل الأمة؛ فإن الإنسان قد يحمله الحماس والعاطفة على فعل شيء هو في نفسه حق ولا بأس به، لكن التحدث عنه قد يكون غير مصيب إما في الزمان ، أو في المكان أو في الحال. ولهذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم؛ خوفاً من الفتنة. فقال لعائشة رضي الله عنها: ((لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم ولجعلت لها بابين باباً يدخل منه الناس، وباباً يخرجون منه))(30). من أجل أن يتمكن الناس من دخول بيت الله عز وجل، لكن ترك ذلك خوف الفتنة مع كونه مصحلة!! بل أعظم من ذلك أن الله تعالى نهى أن نَسُبَّ آلهة المشركين ،مع أن آلهة المشركين جديرة بأن تُسب وتُعاب ويُنفَّر منها، لكن لما كان سبُّها يؤدي إلى سب الرب العظيم المنزه عن كل عيب ونقص، قال الله عز وجل: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:108]، فالمهم أنه ينبغي أن نعلم أن الشيء قد يكون حسناً في حد ذاته وفي موضوعه، لكن لا يكون حسناً ، ولا يكون من الحكمة، ولا من العقل، ولا من النصح، ولا من الأمانة أن يُذكر في وقت من الأوقات، أو في مكان من الأماكن ، أو في حال من الأحوال، وإن كان هو في نفسه حقاً وصدقاً وحقيقة واقعة ، ومن ثم كان ينبغي للإنسان أن يستشير ذوي العلم والرأي والنصح في الأمر قبل أن يُقْدم عليه، حتى يكون لديه برهان، لأن الله قال لأشرف خَلْقه - عليه الصلاة والسلام- وأسدّهم رأياً، وأبلغهم نصحاً محمد صلى الله عليه وسلم قال: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه﴾ [آل عمران:159] . هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أسدُّ الناس رأياً، وأرجحهم عقلاً، وأبلغهم نُصحاً صلوات الله وسلامه عليه. والإنسان ربما تأخذه العاطفة فيندفع، ويقول : هذا لله، هذا أنا أفعله، سأصدع بالحق سأقول : سوف لا تأخذني في الله لومة لائم وما أشبه ذلك من الكلام، ثم تكون العاقبة وخيمة، ثم إن الغالب أن الذي يحكِّم العاطفة، ويتبع العاطفة، ولا ينظر للعواقب، ولا للنتائج ، ولا يقارن بين الأمور، الغالب أنه يحصل على يديه من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، مع أن نيَّته طيبة، وقصده حسن، لكن لم يحسن أن يتصرف، لأن هناك فرقاً بين حسن النية وحسن التصرف، قد يكون الإنسان حَسَنَ النية، لكنه سيء التصرف، وقد يكون سيء النية، والغالب أن سيء النية يكون سيء التصرف، لكن مع ذلك: قد يحسن التصرف لينال غرضه السيء. فالإنسان يُحمد على حسن نيته، لكن قد لا يُحمد على سوء فعله، إلا أنه إذا علم منه أنه معروف بالنصح والإرشاد فإنه يعذر بسوء تصرفه، ويُلتَمَس له العذر، ولا ينبغي أيضاً أن يتخذ من فعله هذا، الذي لم يكن موافقاً للحكمة- لا ينبغي، بل لا يجوز - أن يتخذ منه قدح في هذا المتصرف، وأن يُحمل ما لا يتحمله، ولكن يُعذر ويبين له ويُنصح ويُرشد، ويقال : يا أخي هذا كلامك، أو فعلك حسن طيب وصواب في نفسه، لكنه غير صواب في محله أو في زمانه، أو في مكانه. المهم أن في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يستشير من هو أكمل منه رأياً ، وأكثر منه علما. وفيه أيضاً من الفوائد: أنه ينبغي للمستشير أن يذكر الأمر على ما هو عليه حقيقة، وأسبابه، وموانعه وجميع ما يتعلق به، حتى يتيبن للمستشار حقيقة الأمر ، ويبني مشورته على هذه الحقيقة، ولهذا قال سعد: ((إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة)) فقوله: ((إني ذو مال)) بيان لسبب العطية التي يريد أن يعطيها ((ولا يرثني إلا ابنة لي)) بيان لانتفاء المانع، يعني لا مانع من أن أعطي كثيراً لانتفاء الوارث. والمستشار، عليه أن يتقي الله - عز وجل- فيما أشار فيه، وأن لا تأخذه العاطفة في مراعاة المستشير ؛ لأن بعض الناس إذا استشاره الشخص؛ ورأى أنه يميل إلى أحد الأمرين، أو أحد الرأيين ذهب يُشير عليه به. ويقول : أنا أحب أن أوافق الذي يرى أنه يناسبه؛ وهذا خطأ عظيم، بل خيانة. والواجب إذا استشارك أن تقول له ما ترى أنه حق، وأنه نافع، سواء أرضاه أم لم يرضه، وأنت إذا فعلت هذا كنت ناصحاً وأديت ما عليك، ثم إن أخذ به، ورأى أنه صواب فذاك، وإن لم يأخذ به فقد برئت ذمتك،أما أن تستنتج من كلامه أنه يريد كذا، ثم تشير عليه به فهذا خطأ عظيم ، بل خيانة ، مع أنك ربما تستنتج شيئاً خطأ، قد تستنتج أنه يريد كذا، وهو لا يريده فتكون خسرانا من وجهين: الوجه الأول: من جهة الفهم السيء. الوجه الثاني: من جهة القصد السيء. وفي قول الرسول عليه الصلاة والسلام((لا)) دليل على أنه لا حرج أن يستعمل الإنسان كلمة ((لا))، وليس فيها شيء. فالنبي عليه الصلاة والسلام استعمل كلمة((لا))، وأصحابه استعملوا معه كلمة ((لا)). ومن ذلك أن جابراً- رضي الله عنه - لما أعيا جملُهُ ولحقه النبي عليه الصلاة والسلام، لأن من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام- لأنه راعي أمته- أنه يمشي في الآخر، لا يمشي قدامهم؛ بل يمشي وراءهم، لأجل أنه إذا احتاج أحد إلى شيء؛ يساعده عليه الصلاة والسلام ، فانظر إلى التواضع وحسن الرعاية. ((لحق جابراً - وكان جَمَلُهُ قد أعيا - لا يمشي _ فضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجمل، ودعا له، وقال: (( بعْنِيهِ بِأوقيَّةٍ)) فقال جابر: لا ))(31). ولم يُنكر عليه الرسول عليه الصلاة والسلام قوله((لا)) والنبي عليه الصلاة والسلام هنا عند ما قال له سعد: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. إذن : فلا مانع من كلمة((لا)) فإنها ليست سوء أدب وخُلُق، وكثير من الناس الآن يأنف أن يقول((لا)) ويقول بدلاً عنها سلامتك، وهذا طيِّب أن تدعو له بالسلامة، لكن إذا قلت((لا)) فلا عيب عليك. ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للمريض مرضاً مخوفاً أن يعطي أكثر من الثلث إلا إذا أجازه الورثة؛ لأن الورثة تعلق حقهم بالمال لما مرض الرجل، فلا يجوز أن يعطي أكثر من الثلث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الثلثين: لا، وفي النصف : لا ، وقال: ((الثلث والثلث كثير)). وفيه: دليل على أنه ينبغي أن يكون عطاؤه أقل من الثلث، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن الناس غضُّوا من الثلث إلى الربع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)). ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للإنسان إذا كان مريضاً مرضاً يُخشى منه الموت أن يتبرع بأكثر من الثلث من ماله، لا صدقة، ولا مشاركة في بناء مساجد، ولا هبة، ولا غير ذلك.لا يزيد على الثلث لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع سعد بن أبي وقاص أن يتصدق بما زاد عن الثلث. ومن فوائده: أنه ينبغي أن يغضَّ من الثلث؛ يعني : الربع، الخمس، دون ذلك.. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى استحباب الغض من الثلث في قوله ((والثلث كثير)) ؛ وبهذا استدل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)). والوصية كالعطيَّة، فلا يجوز أن يوصي الإنسان بشيء من ماله بعد موته زائداً على الثلث ، فليكنْ من الثلث فأقل. والأفضل في الوصية أن تكون بخُمس المال؛ لأن أبا بكر -رضي الله عنه - قال: أرضى بما رضيه الله لنفسه: الخمس، فأوصى بالخمس - رضي الله عنه - ومن ثم قال فقهاؤنا- رحمهم الله -: يسن أن يوصي بالخمس إن ترك مالاً كثيراً. ومن فوائد هذا الحديث أنه: إذا كان مال الإنسان قليلاً، وكان ورَثَته فقراء؛ فالأفضل أن لا يُوصي بشيء، لا قليل، ولا كثير؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة)) خلافاً لما يظنه بعض العوام أنه لابد من الوصية، فهذا خطأ، والإنسان الذي ماله قليل وورثته فقراء ليس عندهم مال، لا ينبغي له أن يوصي، الأفضل أن لا يوصي. ويظن بعض العامة أنه إذا لم يُوصِ لم يكن له أجر، وليس كذلك، بل إذا ترك المال لورثته فهو مأجور في هذا، وإن كان الورثة سوف يرثونه قهراً، لكن إذا كان مسترشدًا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة)) فإن أجره في ذلك أفضل من أن يتصدق عنه بشيء من ماله. ومن فوائد هذا الحديث: خوف الصحابة المهاجرين من مكة أن يموتوا فيها؛ لأن سعدًا رضي الله عنه قال: ((أُخلَّف بعد أصحابي)) وهذه الجملة استفاهمية والمعنى ((أَأُخَلَّفُ؟)) وهذا استفهام توقعي مكروه، يعني أنه لا يحب أن يتخلف فيموت في مكة وقد خرج منها مهاجراً إلى الله ورسوله، وهكذا كل شيء تركه الإنسان لله لا ينبغي أن يرجع فيه، وقد سبق لنا في شرح الحديث أن من ذلك ما فعله بعض الناس؛ حيث تخلصوا من جهاز التلفزيون لما رأوا من مضارِّه ومفاسده ما يربو على مصالحه ومنافعه ، تركوه لله فكسروه، ثم جاؤوا يسألون : هل يعيدوه مرةً ثانية؟ نقول : لا تعده مرة أخرى ما دمت قد تخلصت منه ابتغاء وجه الله فلا ترجع فيما تركته لله. -ومن فوائد الحديث: ظهور معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ((إنك لن تُخلَّف وسوف تخلف حتى يضر بك أقوام وينتفع بك آخرون)) فإن الأمر وقع كما توقعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن سعدًا - رضي الله عنه- بقي إلى خلافة معاوية وعمرَ طويلاً بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم له، وهذا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن يخبر عن شيء مستقبل فيقع كما أخبر به عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا ليس خبرا محضاً، بل توقع، لقوله: ((لعلك أن تُخلف)) فلم يجزم، ولكن كان الأمر كما توقعه النبي صلى الله عليه وسلم . ومن فوائد هذا الحديث: أنه ما من إنسان يعمل عملاً يبتغي به وجه الله إلا ازداد به رفْعة ودرجة، حتى وإن كان في مكان لا يحل له البقاء فيه، لأن العمل شيء والبقاء شيء آخر. ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الإنسان إذا صلى في أرض مغصوبة فإن صلاته صحيحة، لأن النهي ليس عن الصلاة بل النهي عن الغضب. -فالنهي منصب على شيء غير الصلاة , فتكون صلاته صحيحة في هذا المكان المغصوب ، لكنه آثم ببقائه في هذا المكان المغصوب. نعم لو وَرَد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تُصل في أرضٍ مغصوبةٍ)) لقلنا: إذا صليت في الأرض المغصوبة فصلاتك باطلة، كما نقول : إنك إن صليت في المقبرة فصلاتك باطلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحَمَّام))(32) هذا غير صلاة الجنازة؛ لأنها تجوز حتى في المقبرة. ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا أنفق نفقة يبتغي وجْه الله فإنه يُثاب عليها، حتى النفقات على أهله وعلى زوجته، بل وعلى نفسه؛ إذا ابتغى بها وجه الله أثابه الله عليها. وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر نية التقرب إلى الله في كل ما ينفق حتى لا يكون له في ذلك أجر. كل شيء تنفقه صغيراً كان أم كبيراً، على نفسك أو على أهلك أو على أصحابك أو على أي واحد من الناس؛ إذا ابتغيت به وجه الله أثابك الله على ذلك. وقوله: (( لكنَّ البائس سعد بن خولة...)) سعد بن خولة - رضي الله عنه - من المهاجرين الذين هاجروا من مكة ولكن الله قدر أن يموت فيها؛ فمات فيها، فرثى له النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي: توجَّع له أن مات بمكة؛ وقد كانوا يكرهون للمهاجر أن يموت في الأرض التي هاجر منها. هذا ما تيسر من الكلام على هذا الحديث، والمؤلف- رحمه الله تعالى- ذكره في باب النية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد : ((إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجةً ورفعة)) وقال له: ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها)) فأشار في هذا الحديث إلى الإخلاص في كون الإنسان يبتغي بعمله وبإنفاق ماله وجه الله؛ حتى ينال على ذلك الأجر وزيادة الدرجات والرفعة عند الله عز وجل. والله الموفق . * * * 7-وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لا ينظر إلى أجسادِكُم ولا إلى صُورِكُم ولكن ينظر إلى قُلُوبِكُم))(33).[ رواه مسلم]. الشرح هذا الحديث يدل على ما يدل عليه قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم﴾ [الحجرات:13] . فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد إلى أجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة، أو صحيحة، أو سقيمة، ولا ينظر إلى الصور، هل هي جميلة أو ذميمة، كل هذا ليس بشيء عند الله، وكذلك لا ينظر إلى الأَنسَاب؛ هل هي رفيعة أو دنيئة، ولا ينظر إلى الأموال، ولا ينظر إلى شيء من هذا أبدا، فليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب، وكان عند الله أكرم؛ إذاً لا تفتخر بمالك، ولا بجمالك، ولا ببدنك، ولا بأولادك، ولا بقصورك، ولا سياراتك، ولا بشيء من هذه الدنيا أبدا . إنما إذا وفقك الله للتقوى فهذا من فضل الله عليك فاحمدِ الله عليه . قوله عليه الصلاة والسلام: ((ولكن ينظر إلى قلوبكم)) فالقلوب هي التي عليها المدار، وهذا يُؤيِّدُ الحديث الذي صَدَّرَ المؤلف به الكتاب؛ ((إنما الأعمال بالنيات ...)) . القلوب هي التي عليها المدار، كم من إنسان ظاهر عمله أنه صحيح وجيد وصالح، لكن لما بني على خراب صار خراباً ، فالنية هي الأصل ، تجد رجلين يُصلِّيان في صف واحد، مقتدين بإمام واحد، يكون بين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب؛ لأن القلب مختلف، أحدهما قلبه غافل ، بل ربما يكون مُرائيًا في صلاته- والعياذ بالله - يريد بها الدنيا.والآخر قلبه حاضر يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبينهما فرق عظيم ، فالعمل على ما في القلب، وعلى ما في القلب يكون الجزاء يوم القيامة ؛ كما قال الله تعالى: ﴿إِنّ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ َهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ [الطارق:8،9]، أي : تُختَبَر السرائر لا الظواهر . في الدنيا الحكم بين الناس على الظاهر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحجته من بعض، وأقضي له على نحو مما أسمع ))(34) لكن في الآخرة العلم على ما في السرائر ، نسأل الله أن يطهر سرائرنا جميعاً. العلم على ما في السرائر: فإذا كانت السريرة جيدة صحيحة فأبشِر بالخير ، وإن كانت الأخرى فقدتَ الخير كله، وقال الله عز وجل: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ [العاديات9،10] ، فالعلم على ما في القلب. وإذا كان الله تعالى في كتابه، وكان رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته يؤكدان على إصلاح النية؛ فالواجب على الإنسان أن يُصلح نيته، يُصلح قلبه، ينظُرَ ما في قلبه من الشك فيزيلَ هذا الشك إلى اليقين .كيف؟ وذلك بنظره في الآيات: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الألْبَابِ﴾ [آل عمران:190] ، وقال: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثـية:4] ،إذا ألقى الشيطان في قلبك الشك فانظر في آيات الله. انظر إلى هذا الكون من يدبِّرَه، انظر كيف تتغير الأحوال، كيف يداول الله الأيام بين الناس، حتى تعلم أن لهذا الكون مدبراً حكيماً عز وجل. |
|||
2015-07-20, 16:29 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
الشرك؛ طهِّر قلبك منه. كيف أطهِّر قلبي من الشرك؟ |
|||
2015-07-20, 16:54 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
جزاك كل خير |
|||
2015-07-24, 01:50 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
السلام عليكم و بارك الله فيكم |
|||
2015-08-03, 20:26 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
جزاك الله خيرا |
|||
2015-08-03, 20:28 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
جزاك الله خيرا |
|||
2015-08-18, 18:43 | رقم المشاركة : 8 | |||
|
بارك الله فيك |
|||
2015-08-21, 09:38 | رقم المشاركة : 9 | |||
|
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا |
|||
2015-08-23, 12:06 | رقم المشاركة : 10 | |||
|
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
شرح،رياض،الصالحين |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc