بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أما بعد :
فموضوع -ترتيب الانبياء و أعمارهم- أصبح شائعا في المنتديات عبر الشبكة، ويحوي في مضامينه العديد من المخالفات العقدية،ولأن الدين النصيحة أحببت أن أنبه على أمور منها:
أولا :
هل كان إدريس عليه السلام قبل نوح عليه السلام ؟
قال أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن :
"نوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر الفرائض ; كذلك في صحيح الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن قال من المؤرخين : إن إدريس كان قبله فقد وهم . والدليل على صحة وهمه في اتباعه صحف اليهود وكتب الإسرائليات الحديث الصحيح في الإسراء , حين لقي النبي صلى الله عليه وسلم آدم وإدريس , فقال له آدم : مرحبا بالنبي الصالح , والابن الصالح . وقال له إدريس : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح .
ولو كان إدريس أبا لنوح على صلب محمد لقال له : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . فلما قال له : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح دل على أنه يجتمع معه في أبيهم نوح , ولا كلام لمنصف بعد هذا "
قال شيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أول الرسل عليهم الصلاة والسلام نوح عليه الصلاة والسلام ، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأما قبل نوح فلم يبعث رسول ، وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا : إن إدريس صلى الله عليه وسلم كان قبل نوح ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : في كتابه : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) النساء / 163 .
وفي الحديث الصحيح في قصة الشفاعة " أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له : أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض " فلا رسول قبل نوح ، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب / 40
ثانيا:
قبر النبي صلى الله عليه و سلم :
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"...أما قبره - صلى الله عليه وسلم-فهو في بيته ليس في المسجد، دفنه الصحابة في بيت عائشة خوفاً أن يغلى فيه إذا كان في البقيع بارزاً, فدفنوه في بيته خشية أن يحصل فيه غلو, وأن يتخذ قبره مسجداً، فدفنوه في البيت، ثم لما وسع المسجد أدخل في المسجد البيت نفسه، الحجرة، لما وسعه الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين في زمانه على رأس المائة الأولى من الهجرة, وأدخل الحجر حجر النبي-صلى الله عليه وسلم-في المسجد دخلت حجرة عائشة من ضمنها, وكان علماء وقته قد نصحوه بأن لا يدخله ولكنه رأى أن إدخاله لا يضر؛ لأنه مدفون في بيته والتوسعة تدعو إلى ذلك، وقد أساء في هذا يعفوا الله عنا وعنه وعن كل مسلم, فالمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم- دفن في بيته وليس في المسجد, وإنما البيت أدخل في المسجد فهو الآن في بيته لا في المسجد, ولا يجوز أن يقتدى بذلك فيقول ندفن في المسجد؛ لأن قبر النبي المسجد، لا، قبر النبي في بيته، في بيته-صلى الله عليه وسلم- ولكن أدخلت الحجرة برمتها في المسجد من أجل التوسعة, فالواجب على المسلمين أن يحذروا الدفن في المساجد, وأن يمتثلوا أمر الرسول-صلى الله عليه وسلم-في النهي عن ذلك، يقول - صلى الله عليه وسلم-لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فالمساجد لا يدفن فيها، بل تكون القبور خارج المساجد، فالمساجد معدة للصلاة والعبادة والقراءة فلا يكون فيها قبور".
الموقع الرسمي للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى
ثالثا: قبر يحيى عليه السلام :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"وأما قبور الأنبياء : فالذي اتفق عليه العلماء هو " قبر النبي صلى الله عليه وسلم " فإن قبره منقول بالتواتر وكذلك في صاحبيه ، وأما " قبر الخليل " : فأكثر الناس على أن هذا المكان المعروف هو قبره ، وأنكر ذلك طائفة ، وحكي الإنكار عن مالك وأنه قال : ليس في الدنيا قبر نبي يعرف إلا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم ، لكن جمهور الناس على أن هذا قبره ، ودلائل ذلك كثيرة ، وكذلك هو عند أهل الكتاب ، ولكن ليس في معرفة قبور الأنبياء بأعيانها فائدة شرعية ، وليس حفظ ذلك من الدِّين ، ولو كان من الدِّين لحفظه الله كما حفظ سائر الدين ، وذلك أن عامة من يسأل عن ذلك إنما قصده الصلاة عندها والدعاء بها ونحو ذلك من البدع المنهي عنها ".
" مجموع الفتاوى " ( 27 / 444 ) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله : " ونحن نقطع ببطلان قولهم ، وأن أحدا من الصحابة والتابعين لم ير قبرا ظاهرا في مسجد بني أمية أو غيره ، بل غاية ما جاء فيه بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد : أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها صندوق فيه سفط ( وعاء كامل ) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه : هذا رأي يحيى عليه السلام فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال : اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا من الأعمدة ، فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس . رواه أبو الحسن الربعي في فضائل الشام ( 33 ) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه ( ج 2 ق 9 / 10 ) وإسناده ضعيف جدا ، فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة وقال الذهبي " متروك " .
ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة قبر ، حتى أواخر القرن الثاني ؛ لِما أخرجه الربعي وابن عساكر ، عن الوليد بن مسلم أنه سئل : أين بلغك رأس يحى بن زكريا ؟ قال : بلغني أنه ثَم ؛ وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي ، فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد الوليد بن مسلم ، وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة .
وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحى عليه السلام فلا يمكن إثباته ، ولذلك اختلف المؤرخون اختلافا كثيرا ، وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلام مدفون في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق ، كما حققه شيخنا في الإجازة العلامة محمد راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ( ج 1 ص 41-1482 ) تحت عنوان " رأس يحيى ورأس زكريا " فليراجعه من شاء .
ونحن لا يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك ، سواء عندنا أكان الرأس الكريم في هذا المسجد أو ذاك ، بل لو تيقنا عدم وجوده في كل من المسجدين ، فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة ؛ لأن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى على الظاهر لا الباطن كما هو معروف ، وسيأتي ما يشهد لهذا من كلام بعض العلماء ، وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد ، كما هو الحال في مسجد حلب ، ولا منكِر لذلك من علمائها " . انتهى. من "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" ص 63
رابعا :
التحذير من ما يسمى بـ ( شجرة الأنبياء ! )
قال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - في شرحه على العقيدة السفارينية
"وأما أول الرسل فهو نوح ، لقول الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ َوالْكِتَابَ)(الحديد: الآية26)، فإذا كانت النبوة والكتاب في ذرية نوح وإبراهيم دل هذا على أنه ليس قبل نوح رسول ، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ )(النساء: الآية163) ، ويدل لهذا ما ثبت في الصحيح : (( أن الناس يأتون إلى نوح يوم القيامة ويقولون : أنت أول رسول أرسله الله إلى الأرض )) . وبهذا نعرف أن من أقحم إدريس بين نوح وآدم فإنه غلط ؛ لأننا نجد شجرة الأنبياء التي كتبها بعض الناس قد كتب فيها إدريس قبل نوح ، وهذا غلط لاشك فيه . فإن عقيدتنا أن نوحاً هو أول الرسل ".
وقال -ايضا-رحمه الله تعالى عن شجرة الانبياء:
"هذا كذب و يجب على من شاهدها ان يمزقها لانه سيحول عقيدة المسلمين الى خطا. سيحول العقيدة الى ان نعتقد ان نوحا مسبوق برسول و هذا كذب ففي القران ( ﴿إِنّا أوْحيْنا إِليْك كما أوْحيْنا إِلىٰ نوحٍ والنّبِيِّين مِنْ بعْدِهِ﴾[ النساء:163]. )
و في القران ايضا ( و لقد ارسلنا نوحا و ابراهيم و جعلنا في ذريتهما النبوة و الكتاب )
اذا الا يمكن ان توجد نبوة و كتاب قبل نوح و في السنة من الصحيح ان الناس ياتون يوم القيامة الى نوح و يقولون له انت اول رسول ارسله الله ".
تفسير ال عمران شريط 56وجه ب
وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
و من أراد أن يثري الموضوع بمزيد من النقول و الفوائد فاليتفضل مشكورا..