مـقــالــة:هـل الأسـرة ضـرورة تـحـتمــهــا طـبــيــعـة الإنــســـــان؟
طــرح الإشــكـــال:
إن الأسرة بمعناها الحديث هب وحدة اجتماعية تتألف من أبوين وأطفالها،وهي تختلف عن الأسرة قديما من عدة جوانب كالقرابة والوظائف،كما أن وظائف الأسرة حاليا تقلصت بشكل كبير عما كانت عليه في القديم ، حيث كانت للأسرة القديمة وظائف شتى في مختلف المجالات التربوية والاقتصادية والسياسية والدينية ، إلا أن تطور الحياة الاجتماعية وتعقدها دفع المجتمع الحديث إلا وضع هيئات ومؤسسات تشارك الأسرة وظائفها القديمة، وتخفف عنها أعباءها المرهقة ، ومن هنا أمكننا التساؤل ماذا بقى للأسرة من وظائف؟ وهل وجودها لا يزال ضروريا بعد تقلص وظائفها أم يمكن الحكم عليها بالزوال؟
مـحــاولـــة حــل الإشــكــــال:
الــقضــيـــــة:الأسرة لم تعد ضرورية ويمكن زوالها.
يرى بعض الفلاسفة أن الأسرة لم تعد ضرورية بسبب تقلص وظائفها ، وأن المجتمع هو الذي أصبح يشرف على كثير من الأشغال والوظائف التي كانت تقوم بها الأسرة في القديم ، وهذا المجتمع لم يعد يريد الأسرة إلا أن تكون الحاضنة الأولى للأفراد وأن تعدهم ليكونوا أعضاء في المجتمع ، كما أن بعضهم أعتبر أن وظائف الأسرة غير ضرورية ، فالجمعيات تقوم بدور التربية والحضانة ، والمدارس والجامعات تقوم بدور التعليم ، والمصانع تنتج الملبس والمأكل ، وهنا مصالح تهتم بالتدفئة والإنارة ، أخرى تهتم بالأمن ، فلم يعد الفرد ينتج لنفسه ولأسرته وإنما للمجتمع ، وهذا دفع أصحاب النظرية التطورية أمثال "سبنسر " و "مورغان " إلى الدعوة لزوال الأسرة بصورة تدريجية ، حيث قال عنها "سبنسر": "الأسرة قشرة ضاغطة على الفرد" وعبر عنها الفيلسوف الفرنسي "أندري جيد عن كراهيته للأسرة في عبارته :"إني أكرهك " ويصفها بأنها " سجن انفرادي " . أما أصحاب النزعة الاشتراكية وعلى رأسهم "كارل ماكس " و "انجلز" يرون أن الأسرة تعمل على إعاقة عملية محو الفوارق القائمة بين الأفراد وتساهم في إقامة اللامساواة ، فالأسرة القائمة على الملكية الفردية وتوارثها ، فهي من الناحية الاجتماعية تغذي الطبقية والرأسمالية فيقول "انجلز": "إن المجتمع يقدم عناية متساوية لجميع الأطفال سواء كانوا شرعيين أو طبيعيين". كما ينظر إليها أصحاب الاتجاه الفوضوي وعلى رأسهم "باكونين" إلى أن الأسرة تستبد بالفرد ولا تتركه يعيش حريته فهي تزرع فيه الروح العائلية وتقيد حريته،كما يعتبر الأسرة نتيجة أخلاق استغلالية تعوق تفتح شخصية الفرد ، وعليه فلا ضرورة للأسرة بعد الآن.
الــنـــقـــــــد:
لكن المجتمع لا يمكنه أن ينوب عن الأسرة في الكثير من وظائفها ، خاصة الوظائف العائلية المحضة كالبيولوجية والنفسية والاجتماعية مما يستدعي بقاء الأسرة مادامت محافظة على مثل هذه الوظائف الرئسية.
نـقــيــض الـقــضــيـــة: الأسرة ضرورية و لا يمكن التخلي عنها.
يرى البعض الأخر من الفلاسفة والعلماء أن الأسرة هي الوحدة والنواة التي تؤلف المجتمع ، وأن أفراد الأسرة على وفاء دائم لها ، ولا يمكن أن يتحولوا إلى فرد في المجتمع فحسب ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها ، كما لا يمكن لأية هيئة أخرى أن تحل محلها ، وهذا الموقف دافع عنه علماء الاجتماع بقوة وفي هذا يقول "أوغست كونت " :" إن المجتمع الإنساني يتألف من الأسر لا من الأفراد " ، فإنجاب الأفراد في الأسرة هو الذي يضمن بقاء المجتمع و استمراره ، بينما يقول "دوركايم " :" إننا في الأسرة نجد حلاوة مع من نحبهم وعذوبة حب مع من نعيش معهم ". ويدعم هذا الموقف وبقوة أكبر رجال الديـن وخاصة المسلمين إذ يرون أن الأسرة ضرورية باعتبار أن بعض الوظائف لا تمارس خارجها ( الوظيفة التناسلية مشروعة في نطاق الأسرة لا غير ) ، ولذا خص الإسلام هذه الوظيفة بالتربية والتهذيب وشرع الكثير من القوانين لحماية الأسرة عن طريق ضبط السلوك الجنسي وهو ما جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم " ، كما أن الأسرة هي بيئة الفرد المناسبة منذ الولادة تخصه بالتربية والأدب والغذاء والحماية، وتخلي عن الأسرة يؤدي إلى حياة بهيمية بمخاطرها . أما علماء النفس فيرون أن الأسرة تمد الفرد بالتوازن النفسي وأن النمو السوي للطفل يرتبط بالنمو داخل لأسرة إذ حتى الأم التي لا تهتم فهي في الواقع تمد طفلها بكثير من العواطف والحنان حتى قيل "أسوأ بيت أحسن من أجمل روضة " وعليه فالأسرة ضرورية بوظائفها .
الـنــــقـــــــــــــد:
لكن الأسرة ليست دائما مصدر قوة للفرد ، فقد تكون سببا في الانحراف ( التفكك الأسري مثلا ) الذي كثيرا ما يرد لمشاكل عائلية ، كما أن سلطة الأسرة المتزايدة قد تعيق الفرد في تفتح شخصيته وتحقيق ذاته.
الـتــركـيــــــب: الأسرة باقية ببقاء وظائفها.
تعتبر الأسرة مؤسسة ضرورية لابد من وجودها لتكوين مجتمع سليم يحترم الروابط الاجتماعية ، والأسرة الصحيحة والحقيقة هي التي تعمل على الاحتفاظ بوظائفها المختلفة ، وخاصة البيولوجية والنفسية والتربوية أما إذا فقدت الأسرة وظائفها فلم يعد لها مبرر للوجود ، وهكذا فإن الأسرة الحديثة حتى وإن فقدت الكثير من الوظائف التي كانت تقوم بها ، إلا أن تمسكها ببعض الوظائف الأساسية السالفة الذكر يعطيها مبرر وجودها ولا يمكن لمنطق التطور القضاء عليها . فالأسرة تقدم الرعاية الجسمية والنفسية للطفل ، وهذا يساهم في تحقيق الأمن الاستقرار الاجتماعي ، وقد جاء في القرآن الكريم : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة و رحمة ..." الــروم21.
حــــل الإشــــكــــــــــــال:
إن الأسرة تبقى مؤسسة ضرورية في المجتمع ، وعليها يتوقف إلى حد بعيد قوة المجتمع ، وأن جميع الأصوات التي تدعو إلى زوال الأسرة والقضاء عليها لا تدرك ماذا بعد انهيار الأسرة من مآسي و أخطار ، ولذا نوه بعض المربيين بأهميتها ودورها الإيجابي في حياة الفرد ، حيث قال : النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب فطرتي فليستن بستني وإن من سنتي الـنــكــاح "، فتكوين الأسرة سنة من سنن الإسلام موافقة لسنة الحياة الطبيعية والكون . وعليه يمكن القول أن الأسرة ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها ، والأفضل هم مساعدتها على القيام بوظائفها على أكمل وجه ، فسلامة الأسرة تعني سلامة المجتمع.