نْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: ((يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ, وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
فكلمة:
((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ))
مثلاً: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾
[سورة الصف الآية: 5]
((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ))
قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
[سورة البقرة الآية: 152]
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾
ا هي معاني الحفظ التي تندرج في حديث النبي (احفظ الله يحفظك) ؟
1- الحفاظ على الصلاة :
أيها الأخوة, ما أبرز أوامر الله عزَّ وجل؟ أجمع العلماء على أنها الصلاة، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين, لا خير في دينٍ لا صلاة فيه, يقول ربنا عزَّ وجل:
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾
[سورة البقرة الآية: 238]
وقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾
[سورة المعارج الآية:
الحفاظ على الوضوء : عندنا أمر آخر: الطهور، لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، المؤمن دائماً متوضئ، خرج من بيته متوضئًا، أَذَّن المغرب دخل وصلى، كان في مجلس الوضوء فيه صعب، فلو قيل: نصلي، فهو متوضئ، فالمحافظة على الوضوء من فروع المحافظة على الصلاة، ما دام يهمك أن تصلي في الوقت المناسب، في الوقت المستحب، وأن تؤدي الصلاة على وجهها، إذاً يجب أن تستعد لها بالوضوء الدائم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده]
- الحفاظ على الأيمان : هناك حفظ ثالث, قال تعالى :
﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾
- حفظ الجوارح من أن ترتكب الأوزار :
حفظ الجوارح من أن ترتكب الأوزار :
((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ))
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ, قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ, وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى, وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى, وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى, وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ, فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
(الرأس وما وعى): ما في الرأس؛ في لسان، وفي عين، وفي أذن، يبدو اللسان لخروج المعاني، والعين والأذن لتلقُّف الصور الصوتية والبصرية، فإذا غضضت بصرك عن محارم الله, فقد حفظت عينك، وإذا كففت عن سماع الغيبة، والنميمة، والمنكر، والفحش، وقول الزور ، وشهادة الزور، والغناء، فقد حفظت أذنك، وإذا لم تنهش أعراض المؤمنين، ولم تتكلم بما لا يرضي رب العالمين, فقد حفظت لسانك، فالرأس فيه العين، والأذن، واللسان، حفظ اللسان بقول الحق، واجتناب ما نهى الله عنه، وحفظ العين بغض البصر عن عورات المسلمين، وحفظ الأذن بكفها عن سماع ما لا يرضي الله عزَّ وجل .
قال: (أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى, وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى): ماذا في البطن؟ ماذا في أعلى البطن؟ القلب، ما المعصية التي يمكن أن يرتكبها القلب؟ أن يصر على جهلٍ، أو استكبارٍ، أو أن يسيء الظن بالله عزَّ وجل، إذاً: أن يحفظ قلبه من سوء الظن بالله، أن يحفظ قلبه من أمراض النفس؛ من العجب، الكبر، الاستعلاء، الحقد، الأنانية .
في البطن معدة, وهي أن يحفظ هذا البطن من أكل مالٍ حرام,
ما معنى كلمة (يحفظك) كما وردت في نص الحديث ؟
حفظ الله لعبده نوعان:
النوع الأول: حفظه له في مصالح دنياه؛ كحفظه في بدنه، وحفظه في ولد
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾
يعطي ربنا توجيهاً للملائكة: احفظوا فلانًا، فتراه لا يذهب من هذا الطريق، لأن حادثة ستقع، هذه الصفقة لا يشتريها، لأنه شعر بضيق في صدره، وربما كانت ستحمله ما لا طاقة له:
عِنِ ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ:
((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي, وَدُنْيَايَ, وَأَهْلِي, وَمَالِي, اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي, وَآمِنْ رَوْعَاتِي, وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ, وَمِنْ خَلْفِي, وَعَنْ يَمِينِي, وَعَنْ شِمَالِي, وَمِنْ فَوْقِي, وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي))
من القوانين الثابتة: أنه من حفظ الله في صباه, وقوته, حفظه الله في حال كبره, وضعف قوته، ومتعه بسمعه, وبصره، وحوله, وقوته، وعقله .
كان بعض العلماء قد تجاوز المئة، وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدة، فتعجب الحاضرون من قوته! فقال هذا العالم: هذه جوارح, حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً, عاش قوياً