الروح الإمبراطورية تؤدي إلى الفوضى العالمية، وهذه الظاهرة أدت إلى وقوع حربين عالميتين. وقد استنتج المفكر الفرنسي جاك آتالي في كتابه الأخير “غدا، من يسيّر العالم؟”، أن الفوضى العالمية ستحل سنة 2030، وتنبأ بوقوع حرب كونية، في ظل استمرار غياب القوة الدولية العادلة.
يعدّ المؤرخ البريطاني ايريك هوبزبوم، من أشهر المفكرين والمؤرخين الذين نظّروا وأرّخوا للغرب الحديث. كتب من زاوية يسارية ماركسية، لكنه حظي باحترام الباحثين والمثقفين، لأنه لم ينحز للأيديولوجية الماركسية انحيازا متعصبا، بقدر ما وقف إلى جانب أفكار العدالة والديمقراطية. وقد ساهم في جذب ملايين القراء من مختلف أنحاء العالم إلى قراءة التاريخ، بفضل أسلوبه الواضح في الكتابة وقدرته التي تقترب من الأسلوب الروائي على سرد التاريخ من وجهة نظره الفريدة. وهو من المؤرخين الذين يجعلون القارئ يكتشف هول العالم وانحلاله وانحطاطه وسيره المؤكد نحو الكارثة، فقد حمل كثيرا من السياسيين والنشطاء إلى دق ناقوس الخطر وضرورة اعتماد سياسات أكثر عدلا وعقلانية.
وكتب هوبزبوم في كتابه الشهير “عصر التطرف”: “أصبحنا لا نعرف إلى أين نسير، والتاريخ هو ما أوصلنا إلى هذه النقطة. لم تبق أوروبا محور العالم مع ولادة القرية العالمية الواحدة وتفتت الأنماط القديمة للعلاقات الاجتماعية والإنسانية وكذلك الروابط بين الأجيال، هذه المتغيرات تبدو أوضح ما تكون في البلدان المتطورة ذات النظم الرأسمالية على الطريقة الغربية، حيث تسود نزعة فردية مطلقة منفلتة من تقاليد المجتمع”. هذا الواقع الذي انفصل عن التقاليد، هو الذي يهم هوبزبوم، فهو مثل الأنبياء يدعو إلى الاستقامة والعودة إلى جادة الصواب.
وحسب هوبزبوم، فإن العالم اليوم تسيره الروح الإمبراطورية. وهو نفس الاستنتاج الذي توصل إليه الإيطالي توني نيغري وميخاييل هاردت، في كتابهما “الإمبراطورية”، لما تحدثا عن “النفوذ الشمولي” للرأسمالية العالمية، وهو عبارة عن “امبريالية” جديدة. وتعني توسع الدولة الأمة خارج حدودها، بعد نجاح نشر وتسويق ثقافة الاستهلاك.
وبرزت القوة الإمبراطورية التي عمادها المال، حسب هوبزبوم، بسبب غياب قوة عالمية قادرة على فرض نفوذها وتسيير شؤون العالم بشكل عادل. فهيئة الأمم المتحدة لم تعد قادرة على تحقيق هذه المهمة، بسبب فقدانها للحيادية. لقد أصبحت تخضع لإملاءات الرأسمالية العالمية، وتحقق أجنداتها. فمن يسيّر العالم إذن؟
قدم ايريك هوبزبوم إجابة وافية عن هذا السؤال في أحد أحدث كتبه الصادرة بعنوان “الإمبراطورية.. الإرهاب والديمقراطية”. وقال إن “الدولة الأمة”، وقد اصطبغت بالروح الإمبراطورية (أمريكا وأوروبا)، هي من يسيّر العالم بشكل غير عادل يقوم على التجاوزات.
وتخضع الروح الإمبراطورية الجديدة لفكرة “تسويق الديمقراطية”، وهذه الفكرة عبارة عن وهم رأسمالي حسب هوبزبوم الذي كتب عن الغرب من زاوية “انتصار السوق والليبرالية” في كتابه الشهير “عصر التطرف”.
لذا، يعتقد أن “تسويق الديمقراطية” يعد بمثابة وهم، لأن الديمقراطية التي تعني اختيار نظام حكم دستوري تمثيلي، ليست هي القيمة الإنسانية.
فما هي القيم الإنسانية إذن؟
هي العدالة والحرية والأخوة وحقوق المواطن، بمعنى أن أي نظام في العالم العربي أو في إفريقيا قادر على تحقيق هذه القيم دون الاعتماد على النظام الدستوري التمثيلي، يمكن أن يكون نظاما ديمقراطيا، لأنه يأخذ في الحسبان قيما محلية. فالحزب في إفريقيا، حسب هوبزبوم، قد لا يعني أي شيء أمام اعتبارات العائلة والقبيلة.
واستنتج أن “الحملة من أجل الديمقراطية لن تنجح، فقد تبين خلال القرن العشرين أن الدول غير قادرة على إعادة تشكيل العالم”، في إشارة منه إلى فشل الاستعمار التقليدي.
وعليه، لا تسوّق الإمبراطورية أي قيم إنسانية، لأنها تخضع لرأس المال، وهو في حالة توسع.
الروح الإمبراطورية تؤدي إلى الفوضى العالمية، وهذه الظاهرة أدت إلى وقوع حربين عالميتين. وقد استنتج المفكر الفرنسي جاك آتالي في كتابه الأخير “غدا، من يسيّر العالم؟”، أن الفوضى العالمية ستحل سنة 2030، وتنبأ بوقوع حرب كونية، في ظل استمرار غياب القوة الدولية العادلة.
- s