فروق هامّة يجب على كل مسلم معرفتها ! - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فروق هامّة يجب على كل مسلم معرفتها !

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-01-11, 23:58   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي فروق هامّة يجب على كل مسلم معرفتها !



السلام عليكم و رحمة الله ...
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..
و بعد :
فهذه بعض الفوائد للإمام ابن قيم رحمة الله تعالى عليه و هي منتقاة
من كتابه القيم (( الروح )) ..
و قد أوضح فيه كثيرا من المسائل المتعلّقة بالروح و أجاب عن الإشكالات
بالتفصيل و قرّب الفهم للقارئ بذكر المثال و نحوه ..

ثم ختم كتابه العظيم بتصحيح بعض المفاهيم التي كثيرا ما نغلط فيها
و ذلك بذكر الفروق بين ما يجب أن يكون و ما لا يجب ..

قال رحمة الله عليه :
ولعل إن ساعد القدر أن نفرد فيه كتابا كبيرا وإنما نبهنا بما ذكرنا على أصوله
واللبيب يكتفي ببعض ذلك والدين كله فرق وكتاب اللّه فرقان محمد صلى اللّه عليه
وآله وسلم فرق بين الناس ومن اتقى اللّه جعل له فرقانا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا
اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً
وسمي يوم بدر يوم الفرقان لأنه فرّق بين أولياء اللّه
وأعدائه فالهدى كله فرقان، والضلال أصله الجمع كما جمع المشركون بين عبادة اللّه
وعبادة الأوثان ومحبته ومحبة الأوثان وبين ما يحبه ويرضاه وبين ما قدره وقضاه
فجعلوا الأمر واحد واستدلوا بقضائه وقدره على محبته ورضاه وجمعوا بين الربا
والبيع فقالوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وجمعوا بين المذكى والميتة، وقالوا: كيف
نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل اللّه و جمع المنسلخون عن الشرائع بين الحلال والحرام
فقالوا: هذه المرأة خلقها اللّه وهذه خلقها وهذا الحيوان خلقه وهذا خلقه فكيف يحل
هذا ويحرم هذا؟ وجمعوا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وجاءت طائفة الاتحادية
فطموا الوادي على القرى وجمعوا الكل في ذات واحدة وقالوا هي اللّه الذي لا إله إلا هو
وقال صاحب فصوصهم وواضع نصوصهم واعلم أن الأمر قرآنا لا فرقانا:
ما الأمر إلا نسق واحد ... ما فيه من مدح ولا ذم
وإنما السعادة قد خصصت ... والطبع والشارع بالحكم
والمقصود أن أرباب البصائر هم أصحاب الفرقان فأعم الناس فرقانا بين المشتبهات
أعظم الناس بصيرة. والتشابه يقع في الأقوال والأعمال والأحوال والأموال والرجال
وإنما أتى أكثر أهل العلم من المتشابهات في ذلك كله ولا يحصل الفرقان إلا بنور يقذفه
اللّه في قلب من يشاء من عباده يرى في ضوئه حقائق الأمور ويميز بين حقها وباطلها
وصحيحها وسقيمها ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ولا تستطل هذا الفصل
فلعله من أنفع فصول الكتاب والحاجة إليه شديدة فإن رزقك اللّه فيه بصيرة خرجت منه
إلى فرقان أعظم منه وهو الفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد المعطلين والفرق بين تنزيه
الرسل وتنزيه أهل التعطيل، والفرق بين إثبات الصفات والعلو والتكليم حقيقة وبين
التشبيه والتمثيل، والفرق بين تجريد التوحيد العملي الإرادي وبين هضم أرباب المراتب
مراتبهم التي أنزلهم اللّه إياها، والفرق بين تجريد متابعة المعصوم وبين الالتفات إليها،
والفرق بين تقليد العالم وبين الاستضاءة بنور علمه والاستعانة بفهمه والفرق أولياء الرحمن
وأولياء الشيطان، والفرق بين الحال الإيماني الرحماني والحال الشيطاني الكفري
والحال النفساني، والفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع على كل واحد والحكم المؤول
الذي تهابته أن يكون جائزة الاتباع عند الضرورة ولا درك على مخالفه.

انتهى كلامه رحمه الله..
و قبل الشروع في الفروق و نظرا لطول الموضوع فضّلت أن أعرض فهرسا لها
و تقسيم الموضوع على شكل مشاركات لتسهيل القراءة و الاستيعاب ..

نسأل الله التوفيق و رحم الله شيخي الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم
و جزاهما الفرودس الأعلى ..

الفهرس:

فصل [الفروق بين الأمور]
فصل [الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة]
فصل [الفرق بين إثبات حقائق الأسماء والصفات وبين التشبيه والتمثيل]
فصل [الفرق بين تجريد التوحيد وبين هضم أرباب المراتب]
فصل [الفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى اللّه عليه وآله وسلم وإهدار أقوال العلماء وإلغائها]
فصل [الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان]
فصل [الفرق بين الحال الإيماني والحال الشيطاني]
فصل [الفرق بين الحكم المنزل والحكم المؤول]
فصل [الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق]
فصل [شرف النفس]
فصل [الفرق بين الحمية والجفاء]
فصل [الفرق بين التواضع والمهانة]
فصل [الفرق بين الجواد والمسرف]
فصل [الفرق بين المهابة والكبر]
فصل [الفرق بين الصيانة والتبكر]
فصل [الفرق بين الشجاعة والجرأة]
فصل [الفرق بين الحزم والجبن]
فصل [الفرق بين الاقتصاد والشح]
فصل [الفرق بين الاحتراز وسوء الظن]
فصل [الفرق بين الفراسة، والظن]
فصل [الفرق بين الهدية والرشوة]
فصل [الفرق بين الصبر والقسوة]
فصل [الفرق بين العفو والذل]
فصل [الفرق بين سلامة القلب والبله والغفل]
فصل [الفرق بين الثقة والغرّة]
فصل [الفرق بين الرجاء والتمني]
فصل [الفرق بين التحدث بنعم اللّه والفخر بها]
فصل [الفرق بين فرح القلب وفرح النفس]
فصل [فرحة المؤمن عند مفارقته الدنيا إلى اللّه]
فصل [الفرق بين رقة القلب والجزع]
فصل [الفرق بين الموجدة والحقد]
فصل [الفرق بين المنافسة والحسد]
فصل [الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة]
فصل الفرق بين الحب في اللّه والحب مع اللّه
فصل [الفرق بين التوكل والعجز]
فصل [الفرق بين الاحتياط والوسوسة]
فصل [الفرق بين إلهام الملك وإلقاء الشيطان]
فصل [الفرق بين الاقتصاد والتقصير]
فصل [الفرق بين النصيحة والتأنيب]
فصل [الفرق بين المبادرة والعجلة]
فصل [الفرق بين الأخبار بالحال وبين الشكوى]

******************
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ..
فصل [الفروق بين الأمور]
و نحن نختم الكتاب بإشارة لطيفة إلى الفروق بين هذه الأمور إذ كل فرق
منها يستدعي بسطه كتابا كبيرا، فالفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد المعطلين أن توحيد
الرسل إثبات صفات الكمال للّه على وجه التفصيل وعبادته وحده لا شريك له فلا يجعل
له ندا في قصد ولا حب ولا خوف ولا رجاء ولا لفظ ولا حلف ولا نذر بل يرفع العبد الانداد
له من قلبه وقصده ولسانه وعبادته كما أنها معدومة في نفس الأمر لا وجود لها البتة
فلا يجعل لها وجودا في قلبه ولا لسانه.
و أما توحيد المعطلين فنفي حقائق أسماءه وصفاته وتعطيلها ومن أمكنه منهم تعطيلها
من لسانه عطلها فلا يذكرها ولا يذكر آية تتضمنها ولا حديثا يصرح بشي ء منها ومن
لم يمكنه تعطيل ذكرها سطا عليها بالتحريف ونفى حقيقتها وجعلها اسما فاعلا لا معنى له
أو معناه من جنس الألغاز والأحاجي على أن من طرد تعطيله منهم علم أنه يلزمه في ما حرف
إليه النص من المعنى نظير ما فر منه سواه فإن لزمه تمثيل أو تشبيه أو حدوث في الحقيقة
لزم في المعنى الذي حمل عليه النص وأن لا يلزم في هذا فهو أولى أن لا يلزم في الحقيقة
فلما علم هذا لم يمكنه إلا تعطيل الجميع فهذا طرد لأصل التعطيل والفرق أقرب منه ولكنه
مناقض يتحكم بالباطل حيث أثبت اللّه بعض ما أثبته لنفسه ونفى عنه البعض الآخر واللازم
الباطل فيهما واحد واللازم الحق لا يفر بينهما.
و المقصود أنهم سموا هذا التعطيل توحيدا وإنما هو إلحاد في أسماء الرب تعالى وصفاته
وتعطيل لحقائقها.

يتبع بإذن الله تعالى ..











 


رد مع اقتباس
قديم 2014-01-12, 12:45   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي



فصل [الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة]
و الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة: أن الرسل نزهوه سبحانه عن النقائض والعيوب
التي نزه نفسه عنها وهي المنافية لكماله وكمال ربوبيته وعظمته كالسنة والنوم والغفلة
والموت واللغوب والظلم وإراداته والتسمي به والشريك والصاحبة والظهير والولد والشفيع
بدون إذنه وأن يترك عباده سدى هملا وأن يكون خلقهم عبثا وأن يكون خلق السموات
والأرض وما بينهما باطلا لا لثواب ولا عقاب ولا أمر ولا نهي وأن يستوي بين أوليائه
وأعدائه وبين الأبرار والفجار وبين الكفار والمؤمنين وأن يكون في ملكه ما لا يشاء
وأن يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه وأن يكون لغيره معه من الأمر شي ء وأن يفرض له
غفلة أو سهو أو نسيان وأن يخلف وعده أو تبدل كلماته أو يضاف إليه الشر اسما أو وصفا
أو فعلا بل أسماءه كلها حسنى وصفاته كلها كمال، وأفعاله كلها خير وحكمة ومصلحة:
فهذا تنزيه الرسل لربهم.
و أما المعطلون فنزهوه عما وصف به نفسه من الكمال فنزهوه عن أن يتكلم أو يكلم واحدا،
ونزهوه عن استوائه على عرشه وأن ترفع إليه الأيدي وأن يصعد إليه الكلم الطيب
وأن ينزل من عنده شي ء أو تعرج إليه الملائكة والروح وأن يكون فوق عباده وفوق
جميع مخلوقاته عاليا عليها، ونزهوه أن يقبض السموات بيده والأرض بيده الأخرى
وأن يمسك السموات على إصبع والأرض على إصبع والجبال على إصبع، والشجر
على إصبع ونزهوه أن يكون له وجه أن يراه المؤمنون بأبصارهم في الجنة وأن يكلمهم
ويسلم عليهم ويتجلى لهم ضاحكا وأن ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يستغفرني
فأغفر له من يسألني فأعطيه فلا نزول عندهم ولا قول، ونزهوه أن يفعل شيئا
لشي ء بل أفعاله لا لحكمة ولا لغرض مقصود، ونزهوه أن يكون تام المشيئة نافذ الإرادة
بل يشاء الشي ء ويشاء عباده خلافه فيكون ما شاء العبد دون ما شاء الرب، ولا يشاء
الشي ء فيكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون.
و سموا هذا عدلا كما سموا ذلك التنزيه توحيدا ونزهوه عن أن يحب أو يحب ونزهوه
عن الرأفة والرحمة والغضب والرضا نزهه آخرون عن السمع والبصر، وآخرون عن العلم،
ونزهه آخرون عن الوجود فقالوا الذي فر إليه هؤلاء المنزهون من التشبيه والتمثيل يلزمنا
في الوجود فيجب علينا أن ننزهه عنه. فهذا تنزيه الملحدين والأول تنزيه المرسلين.





فصل [الفرق بين إثبات حقائق الأسماء والصفات وبين التشبيه والتمثيل]
و الفرق بين إثبات حقائق الأسماء والصفات وبين التشبيه والتمثيل ما قاله الإمام أحمد
ومن وافقه من أئمة الهدى أن التشبيه والتمثيل أن تقول يد كيدي أو سمع كسمعي
أو بصري كبصري ونحو ذلك.
و أما إذا قلت سمع وبصر ويد ووجه واستواء لا يماثل شيئا من صفات المخلوقين بل
بين الصفة والصفة من الفرق كما بين الموصوف والموصوف فأي تمثيل هاهنا وأي تشبيه
لو لا تلبيس الملحدين فمدار الحق الذي اتفقت عليه الرسل أن يوصف اللّه بما وصف به نفسه
وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل، إثبات الصفات
ونفي مشابهة المخلوقات فمن شبه اللّه بخلقه فقد كفر، ومن جحد حقائق ما وصف اللّه به
نفسه فقد كفر؛ ومن أثبت له حقائق الأسماء والصفات ونفى عنه مشابهة المخلوقات
فقد هدى إلى صراط مستقيم.




فصل [الفرق بين تجريد التوحيد وبين هضم أرباب المراتب]
و الفرق بين تجريد التوحيد وبين هضم أرباب المراتب: أن تجريد التوحيد أن لا يعطي المخلوق
شيئا من حق الخالق وخصائصه فلا يعبد ولا يصلي له ولا يسجد ولا يحلف باسمه ولا ينذر له
ولا يتوكل عليه ولا يؤله ولا يقسم به على اللّه ولا يعبد ليقرب إلى اللّه زلفى ولا يساوي
برب العالمين في قول القائل ما شاء اللّه وشئت وهذا منك ومن اللّه وأنا باللّه وبك
وأنا متوكل على اللّه عليك واللّه لي في السماء وأنت في الأرض وهذا من صدقاتك
وصدقات اللّه وأنا تائب إلى اللّه وإليك، وأنا في حسب اللّه وحسبك فيسجد للمخلوق
كما يسجد المشركون لشيوخهم، ويحلق رأسه له، ويحلف باسمه، وينذر له، ويسجد
لقبره بعد موته، ويستغيث به في حوائجه ومهماته ويرضيه بسخط اللّه ولا يسخطه
في رضا اللّه ويتقرب إليه أعظم مما يتقرب إلى اللّه ويحبه ويخافه ويرجوه أكثر مما يحب
اللّه ويخافه ويرجوه أو يساويه فإذا هضم المخلوق خصائص الربوبية وأنزله منزلة العبد
المحض الذي لا يملك لنفسه فضلا عن غيره ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشور
ألم يكن هذا تنقصا له ولا حطا من مرتبته ولو رغم المشركون وقد صح عن سيد ولد آدم
صلوات اللّه وسلامه عليه أنه قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا
عبد فقولوا عبد اللّه ورسوله»
و قال: أيها الناس ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي، وقال: لا تتخذوا قبري عيدا،
وقال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، وقال: لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد وقال له
رجل ما شاء وشئت فقال: أ جعلت للّه ندا؟ وقال له رجل أذنب:
اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد، فقال: عرف الحق لأهله،
وقد قال تعالى له: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ
وقال: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ
وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ
وقال: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَداً: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ
ولَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي لن أجد من دونه من ألتجئ عليه وأعتمد عليه وقال لابنته
فاطمة وعمه العباس وعمته صفية: لا أملك لكم من اللّه شيئا
و في لفظ في الصحيح لا أغني عنكم من اللّه شيئا ، فعظم ذلك على المشركين
بشيوخهم وآلهتهم وأبوا ذلك كله وادعوا لشيوخهم ومعبوديهم خلاف هذا كله وزعموا
أن من سلبهم ذلك فقد هضمهم مراتبهم وتنقصهم، وقد هضموا جانب الإلهية غاية الهضم
وتنقصوه فلهم نصيب وافر من قوله تعالى وإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ..









رد مع اقتباس
قديم 2014-01-12, 20:58   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي


فصل [الفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى اللّه عليه وآله وسلم
وإهدار أقوال العلماء وإلغائها]
و الفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى اللّه عليه وآله وسلم وإهدار أقوال العلماء
وإلغائها: أن تجريد المتابعة أن لا تقدم على ما جاء به قول أحد ولا رأيه كائنا
من كان بل تنظر في صحة الحديث.
أولا: فإذا صح لك ما نظرت في معناه.
ثانيا: فإذا تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب ومعاذ اللّه
أن تتفق الأمة على مخالفة ما جاء به نبيها بل لا بد أن يكون في الأمة من قال به
ولو لم تعلمه فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على اللّه ورسوله بل أذهب إلى النص
ولا تضعف، واعلم أنه قد قال به قائل قطعا ولكن لم يصل إليك، هذا مع حفظ مراتب
العلماء وموالاتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه
فهم دائرون بين الأجر والأجرين والمغفرة ولكن لا يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم
قول الواحد منهم عليها لشبهة أنه أعلم بها منك. فإن كان كذلك فمن ذهب إلى النص
أعلم به منك فهلا وافقته إن كنت صادقا فمن عرض أقوال العلماء على النصوص
ووزنها بها وخالف منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم ولم يهضم جانبهم بل اقتدى
فإنهم كلهم أمروا بذلك فمتبعهم حقا من امتثل ما أوصوا به لا من خالفهم في القول
الذي جاء النص بخلافه أسهل من مخالفتهم في القاعدة الكلية التي أمروا ودعوا
إليها من تقديم النص على أقوالهم.
و من هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل ما قال، وبين الاستعانة بفهمه
والاستضاءة بنور علمه، فالأول يأخذ قوله من غير نظر فيه ولا طلب لدليله من الكتاب
والسنّة بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلده به ولذلك سمي تقليدا بخلاف
من استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات اللّه وسلامه
عليه فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل الأول فإذا وصل إليه استغنى بدلالته عن الاستدلال
بغيره فمن استدل بالنجم على القبلة فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى
قال الشافعي أجمع الناس على أن من استبانت له سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.




فصل [الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان]
و الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: إن أولياء الرحمن: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
ولا هُمْ يَحْزَنُونَ هم الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ وهم المذكورون في أول سورة
البقرة إلى قوله: هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وفي وسطها في قوله: ولكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ
الْآخِرِ إلى قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . وفي أول الأنفال إلى
قوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ومَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ وفي أول سورة المؤمنين إلى
قوله: هُمْ فِيها خالِدُونَ وفي آخر سورة الفرقان وفي قوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِماتِ
إلى آخر الآية وفي قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ.
الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ وفي قوله: ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهَ ويَتَّقْهِ
فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ وفي قوله: إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ
إلى قوله: فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ، وفي قوله: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ ،
إلى آخر الآية.
فأولياء الرحمن هم المخلصون لربهم المحكمون لرسوله في الحرم والحل الذين يخالفون
غيره لسنته ولا يخالفون سننه لغيرها فلا يبتدعون ولا يدعون إلى بدعة ولا يتحيزون
إلى فئة غير اللّه ورسوله وأصحابه ولا يتخذون دينهم لهوا ولعبا ولا يستجيبون سماع
الشيطان على سماع القرآن ولا يؤثرون صحبة الافتان على مرضاة الرحمن
ولا المعازف والمثاني على السبع المثاني:
برئنا إلى اللّه من معشر ... بهم مرض مورد للضنا
وكم قلت يا قوم أنتم على ... شفا جرف من سماع الغنى
فلما استهانوا بتنبيهنا ... تركنا غويا وما قد جنا
وهل يستجيب لداعي الهدى ... غوى أصار الغنى ديدنا
فعشنا على ملة المصطفى ... وأتوا على تاتنا تنتنا
ولا يشتبه أولياء الرحمن بأولياء الشيطان إلا على فاقد البصيرة والإيمان وأنى يكون
المعرضون عن كتابه وهدى رسوله وسننه المخالفون له إلى غيره أولياءه،
وقد ضربوا لمخالفته جأشا وعدلوا عن هدى نبيه وطريقته: وما كانُوا أَوْلِياءَهُ
إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
فأولياء الرحمن المتلبسون بما يحبه وليهم الداعون إليه المحاربون لمن خرج عنه، وأولياء
الشيطان المتلبسون بما يحبه ولهم قولا وعملا ويدعون إليه ويحاربون من نهاهم عنه،
فإذا رأيت الرجل يحب السماع الشيطاني ومؤذن الشيطان وإخوان الشيطاني ويدعو
إلى ما يحبه الشيطان من الشرك والبدع والفجور علمت أنه من أوليائه، فإن اشتبه عليك
فاكشفه في ثلاثة مواطن في صلاته ومحبته للسنّة وأهلها ونفرته عنهم ودعوته إلى اللّه
ورسله وتجريد التوحيد والمتابعة وتحكيم السنة فزنه بذلك لا تزنه بحال، ولا كشف،
ولا خارق ولو مشى على الماء وطار في الهواء.




فصل [الفرق بين الحال الإيماني والحال الشيطاني]
و بهذا يعلم الفرق بين الحال الإيماني والحال الشيطاني فإن الحال الإيماني ثمرة المتابعة
للرسول والإخلاص في العمل وتجريد التوحيد ونتيجة منفعة المسلمين في دينهم ودنياهم
وهو إنما يصح الاستقامة على السنّة والوقوف مع الأمر والنهي.
و الحال الشيطاني نسبته إما شرك أو فجور وهو ينشأ من قرب الشياطين والاتصال بهم
ومشابهتهم وهذا الحال يكون لعباد الأصنام والصلبان والنيران والشيطان فإن صاحبه لما
عبد الشيطان خلع عليه حالا يصطاد به ضعفاء العقول والإيمان ولا إله إلا اللّه كم هلك بهؤلاء
من الخلق: لِيُرْدُوهُمْ ولِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فكل حال خرج
صاحبه عن حكم الكتاب ما جاء به الرسول فهو شيطاني كائنا ما كان، وقد سمعت بأحوال
السحرة وعباد النار وعباد الصليب وكثير ممن ينتسب إلى الإسلام ظاهرا وهو بري ء منه
في الباطل له نصيب من هذا الحال بحسب موالاته للشيطان ومعاداته للرحمن، وقد يكون
الرجل صادقا ولكن يكون ملبوسا عليه بجهله فيكون حاله شيطانيا مع زهد وعبادة وإخلاص،
ولكن ليس عليه الأمر لقلة علمه بأمور الشياطين والملائكة وجهله بحقائق الإيمان، وقد حكى
هؤلاء وهؤلاء من ليس منهم بل هو متشبه صاحب مخابيل ومخاريق ووقع الناس في البلاء
بسبب عدم التمييز بين هؤلاء وهؤلاء فحسبوا كل سوداء تمرة وكل بيضاء شحمة والفرقان
أعز ما في العالم وهو نور يقذفه اللّه في القلب يفرق به بين الحق والباطل ويزن به حقائق
الأمور خيرها وشرها وصالحان وفاسدان فمن عدم الفرقان وقع ولا بد في إشراك الشيطان
فاللّه المستعان وعليه التكلان.









رد مع اقتباس
قديم 2014-01-13, 19:34   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي


فصل [الفرق بين الحكم المنزل والحكم المؤول]
و الفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع والحكم والمؤول الذي غايته يكون جائز
الاتباع أن الحكم المنزل هو الذي أنزله اللّه على رسول وحكم به بين عباده وهو حكمه
الذي لا حكم له سواه.

و أما الحكم المؤول فهو من أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها ولا يكفر
ولا يفسق من خالفها فإن أصحابها
لم يقولوا هذا حكم اللّه ورسوله بل قالوا اجتهدنا برأينا
فمن شاء قبله، ولم يلزموا به الأمة بل قال أبو حنيفة هذا رأيي فمن جاءنا بخير منه قبلناه
. ولو كان هو عين حكم اللّه لما ساغ لأبي يوسف ومحمد وغيرهما مخالفته فيه، وكذلك
مالك
استشاره الرشيد أن يحمل الناس على ما في الموطأ فمنعه من ذلك وقال: قد تفرق أصحاب
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في البلاد وصار عند كل قوم فهو عم غير ما عند الآخرين.
و هذا الشافعي ينهي أصحابه عن تقليده ويوصيهم بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه،
وهذا الإمام أحمد ينكر على من كتب فتاواه ودوّنها ويقول لا تقلدني ولا تقلد فلانا ولا فلانا
وخذ من حيث أخذوا. ولو علموا رضي اللّه عنهم أن أقوالهم يجب اتباعها لحرموا على أصحابهم
مخالفتهم ولما ساغ لأصحابهم أن يفتوا بخلافهم في شي ء. ولما كان أحدهم يقول القول
ثم يفتي بخلافه فيروى عنه في المسألة القولان والثلاثة وأكثر من ذلك فالرأي والاجتهاد
أحسن أحواله أن يسوغ اتباعه، والحكم المنزل لا يحل لمسلم أن يخالفه ولا يخرج عنه.
و أما الحكم المبدل وهو الحكم بغير ما أنزل اللّه فلا يحل تنفيذه به ولا يسوغ اتباعه
وصاحبه بين الكفر الفسوق والظلم.
و المقصود التنبيه على بعض أحوال النفس المطمئنة واللوّامة والأمّارة وما تشترك فيه النفوس
الثلاثة وما يتميز به بعضها من بعض وأفعال كل واحدة منها واختلافها ومقاصدها
ونياتها وفي ذلك تنبيه على ما رواه، وهي نفس واحدة تكون أمّارة تارة، ولوّامة أخرى،
ومطمئنة أخرى وأكثر الناس الغالب عليهم الأمارة، وأما المطمئنة فهي أقل النفوس البشرية
عددا وأعظمها عند اللّه قدرا وهي التي يقال لها: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي
فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنَّتِي
.
و اللّه سبحانه وتعالى المسئول المرجو الإجابة أن يجعل نفوسا مطمئنة إليه عاكفة بهمتها
عليه، راهبة منه، راغبة فيما لديه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
وأن لا يجعلنا ممن أغفل قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا ولا يجعلنا
من بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً
إنه سميع الدعاء وأهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.


فصل [الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق]
و الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق أن خشوع الإيمان هو خشوع القلب للّه بالتعظيم والإجلال
والوقار والمهابة والحياء
فينكسر القلب للّه كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء وشهود
نعم اللّه وجناياته هو فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح وأما خشوع النفاق فيبدو
على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع، وكان بعض الصحابة يقول أعوذ باللّه
من خشوع النفاق، قيل له وما خشوع النفاق؟ قال أن يرى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع.
فالخاشع للّه عبد قد خمدت نيران شهوته وسكن دخانها عن صدره فانجلى الصدر وأشرق فيه
نور العظمة فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي خشي به وخمدت الجوارح وتوقر القلب
واطمأن إلى اللّه وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه فصار مخبتا له والمخبت المطمئن
فإن الخبت من الأرض ما اطمأن فاستنقع فيه الماء، فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن
كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها، علامته أن يسجد بين يدي
ربه إجلالا له وذلا وانكسارا بين يديه سجدة لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه. وأما القلب المتكبر
فإنه قد اهتز بتكبره عربا فهو كبقعة رابية من الأرض لا يستقر عليه الماء فهذا خشوع الإيمان.
و أما التماوت وخشوع النفاق فهو حال عند تكلف إسكان الجوارح تصنعا ومراءاة ونفسه
في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو يتخشع في الظاهر وحية الوادي وأسد الغابة
رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة.











رد مع اقتباس
قديم 2014-01-14, 13:57   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي


فصل [شرف النفس]
و أما شرف النفس فهو صيانتها عن الدنايا والرذائل والمطامع التي تقطع أعناق الرجال فيربأ
بنفسه عن أن يلقبها في ذلك، بخلاف التيه فإنه خلف متولد بين أمرين إعجابه بنفسه وإرادته
بغيره فيتولد من بين هذين التيه والأول يتولد بين خلقين كريمين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم
مالكها وسيدها أن يكون عبده دنيا وضيعا خسيسا فيتولد من بين هذين الخلقين شرف النفس
وصيانتها، وأصل هذا كله استعداد النفس وتهيؤها وإمداد وليها ومولاها لها فإذا فقد الاستعداد
والإمداد فقد الخير كله.



فصل [الفرق بين الحمية والجفاء]
و كذا الفرق بين الحمية والجفاء فالحمية فطام النفس عن رضاع اللوم من ثدي هو مصب الخبائث
والرذائل والدنايا ولو غزر لبنه وتهالك الناس عليه فإن لهم فطاما تنقطع معه الأكباد حسرات
فلا بد من الفطام فإن شئت عجل وأنت محمود مشكور. وإن شئت أخر وأنت غير مأجور.
بخلاف الجفاء فإن غلظة في النفس وقساوة في القلب وكثافة في الطبع يتولد عنها
خلق يسمى الجفاء.



فصل [الفرق بين التواضع والمهانة]
و الفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتولد من بين العلم باللّه سبحانه ومعرفة أسمائه
وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله،
ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عمله
وآفاتها، من بين ذلك كله خلق هو التواضع وهو انكسار القلب للّه وخفض جناح الذل والرحمة
بعباده فلا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا بل يرى الفضل للناس عليه
والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنما يعطيه اللّه عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه.
و أما المهانة: فهي الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها كتواضع
السفل في نيل شهواتهم وتواضع المفعول به للفاعل وتواضع طالب كل حظ لمن يرجو نيل
حظه منه فهذا كله ضعة لا تواضع واللّه سبحانه يحب التواضع ويبغض الضعة والمهانة:
وفي الصحيح عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأوحى إلى تواضعوا حتى لا يفخر أحد
على أحد ولا يبغي أحد على أحد والتواضع المحمود على نوعين:
النوع الأول: تواضع العبد عند أمر اللّه امتثالا وعند نهيه اجتنابا فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ
في أمره فيبدو منها أنواع إباء وشراد هربا من العبودية وتثبت عند نهيه طلبا للظفر
بما منع منه فإذا وضع العبد نفسه لأمر اللّه نهيه فقد تواضع للعبودية.
و النوع الثاني: تواضعه لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه فكلما شمخت نفسه
ذكر عظمة الرب تعالى وتفرده بذلك وغضبه الشديد على من نازعه ذلك فتواضعت إليه نفسه
وانكسر لعظمة اللّه قلبه واطمأن لهيبته وأخبت لسلطانه، فهذا غاية التواضع وهو يستلزم
الأول من غير عكس والمتواضع حقيقة من رزق لأمرين واللّه المستعان.










رد مع اقتباس
قديم 2014-01-15, 21:41   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي


فصل
و كذلك القوة في أمر اللّه هي من تعظيمه وتعظيم أوامره وحقوقه حتى يقيمها اللّه العلو
في الأرض هو من تعظيم نفسه وطلب تفردها بالرئاسة ونفاذ الكلمة سواء عز أمر اللّه
أو هان بل إذا عارضه أمر اللّه وحقوقه ومرضاته في طلب علوه لم يلتفت إلى ذلك وأهدره
وأماته في تحصيل علوه.
و كذلك الحمية للّه والحمية للنفس، فالأولى يثيرها تعظيم الأمر والآمر.
و الثانية يثيرها تعظيم النفس والغضب لفوات حظوظها فالحمية للّه أن يحمي قلبه له من تعظيم
حقوقه وهي حال عبد قد أشرق على قلبه نور سلطان اللّه فامتلأ قلبه بذلك النور فإذا غضب
فإنما يغضب من أجل نور ذلك السلطان الذي ألقى على قلبه وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم إذا غضب احمرت وجنتاه وبدا بين عينيه عرق بدره الغضب ولم يقم لغضبه شي ء
حتى ينتقم للّه.
و روى زيد بن أسلم عن أبيه أنّ موسى بن عمران صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا غضب اشتعلت
قلنسوته نارا وهذا بخلاف الحمية للنفس فإنها حرارة تهيج من نفسه لفوات حظها أو طلبه
فإن الفتنة في النفس والفتنة هي الحريق والنفس ملتظية بنار الشهوة والغضب فإنما هما
حرارتان تظهران على الأركان حرارة من قبل النفس المطمئنة أثارها تعظيم حق اللّه وحرارة
من قبل النفس الأمّارة أثارها استشعار فوت الحظ.


فصل [الفرق بين الجواد والمسرف]
و الفرق بين الجواد والمسرف أن الجواد حكيم يضع العطاء ومواضعه والمسرف مبذر
وقد يصادف عطاؤه موضعه وكثيرا لا يصادفه
وإيضاح ذلك أن اللّه سبحانه بحكمته جعل
في الماء حقوقا وهي نوعان:
حقوق موظفة وحقوق ثانية (فالحقوق الموظفة) كالزكاة والنفقات الواجبة على من تلزمه نفقته.
و الثاني: كحق الضيف ومكافأة المهدي وما وقى به عرضه ونحو ذلك فالجواد يتوخى بماله
أداء هذه الحقوق على وجه الكمال طيبة بذلك نفسه راضية مؤملة للخلف في الدنيا والثواب
في العقبى فهو يخرج ذلك بسماحة قلب وسخاوة نفس وانشراح صدر بخلاف المبذر فإنه
يبسط يده في ماله بحكمة هواه وشهوته جزافا لا على تقدير ولا مراعاة مصلحة وإن اتفقت له
فالأول بمنزلة من بذر حبة في الأرض تنبت وتوخى ببذره مواضع المغل والإنبات فهذا لا يعد
مبذرا ولا سفيها.
و الثاني: بمنزلة من بذر حبة في سباخ وغراز من الأرض وإن اتفق بذره في محل النبات بذرا
بذرا متراكما بعضه على بعض، فذلك المكان البذر فيه ضائع معطل وهذا المكان بذرا متراكما
بعضه على بعض، فلذلك يحتاج أن يقلع بعض زرعه ليصلح الباقي ولئلا تضعف الأرض
عن تربيته واللّه سبحانه هو الجواد على الإطلاق بل كل موجود في العالم العلوي والسفلي
بالنسبة إلى جوده أقل من قطرة في بحار الدنيا وهي من جوده ومع هذا فإنما ينزل بقدر
ما يشاء وجوده لا يناقض حكمته ويضع عطاءه مواضعه وإن خفي على أكثر الناس أن تلك
مواضعه فاللّه يعلم حيث يضع فضله وأي المحال أولى به.



فصل [الفرق بين المهابة والكبر]
و الفرق بين المهابة والكبر (أن المهابة) أثر من آثار امتلأ القلب بعظمة اللّه ومحبته وإجلاله
فإذا امتلأ القلب بذلك حل فيه النور ونزلت عليه السكينة وألبس رداء الهيبة فاكتسى وجهه
الحلاوة والمهابة فأخذ بمجامع القلوب محبة ومهابة فحنت إليه الأفئدة وقرت به العيون
وأنست به القلوب فكلامه نور، ومدخله نور، ومخرجه نور وعمله نور، وإن سكت علاه الوقار،
وإن تكلم أخذ بالقلوب والأسماع.
و أما الكبر: فأثر من آثار العجب والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم ترحلت منه العبودية،
ونزل عليه المقت فنظره إلى الناس شزر ومشيه بينهم تبختر ومعاملته لهم معاملة الاستئثار
لا الإيثار ولا الإنصاف ذاهب بنفسه تيها لا يبدأ من لقيه بالسلام وإن رد عليه رأى أنه قد بالغ
في الإنعام عليه لا ينطلق لهم وجهه ولا يسعهم خلقه ولا يرى لأحد عليه حقا ويرى حقوقه
على الناس ولا يرى لأحد عليه حقا ويرى حقوقه على الناس ولا يرى فضلهم عليه ويرى فضله
عليهم لا يزداد من اللّه إلا بعدا ومن الناس إلا صغارا أو بغضا.



فصل [الفرق بين الصيانة و التكبر ]
و الفرق بين الصيانة و التكبر أن الصائن لنفسه بمنزلة رجل قد لبس ثوبا جديدا نقي البياض
ذا ثمن فهو يدخل به على الملوك فمن دونهم فهو يصونه عن الوسخ و الغبار والطبوع وأنواع
الآثار إبقاء على بياضه ونقائه فتراه صاحب تغرر وهروب من المواضع التي يخشى منها
عليه التلوث فلا يمسح بأثر ولا طبع ولا لوث يعلو ثوبه وإن أصابه شي ء من ذلك على غرة
بادر إلى قلعه وإزالته ومحو أثره.
و هكذا الصائن لقلبه ودينه تراه يجتنب طبوع الذنوب وآثارها فإن لها في القلب طبوعا
وآثارا أعظم من الطبوع الفاحشة في الثوب النقي البياض ولكن على العيون غشاوة أن تدرك
تلك الطبوع، فتراه يهرب من مظان التلوث ويحترس من الخلق ويتباعد من تخالطهم مخافة
أن يحصل لقلبه ما يحصل للثوب الذي يخالط الدباغين والذباحين والطباخين ونحوهم.
بخلاف صاحب العلو فإنه وإن شابه هذا في تحرزه وتجنبه فهو يقصد أن يعلو رقابهم
ويجعلهم تحت قدمه، فهذا لون وذاك لون.



فصل [الفرق بين الشجاعة والجرأة]
و الفرق بين الشجاعة والجرأة (أن الشجاعة) من القلب وهي ثباته واستقراره عند المخاوف
وهو خلق يتولد من الصبر وحسن الظن فإنه متى ظن الظفر وساعده الصبر، ثبت كما أن الجبن
يتولد من سوء الظن وعدم الصبر فلا يظن الظفر ولا يساعده الصبر وأصل الجبن من سوء الظن
ووسوسة النفس بالسوء وهو ينشأ من الرئة فإذا ساء الظن ووسوست النفس بالسوء انتفخت
الرئة فزاحمت القلب في مكانه وضيقت عليه حتى أزعجته عن مستقره فأصابه الزلازل
والاضطراب لإزعاج الرئة له وتضيقها عليه ولهذا جاء في حديث عمرو بن العاص الذي رواه
أحمد وغيره عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: شر ما في المرء جبن خالع وشح هالع.
فسمى الجبن خالعا لأنه يخلع القلب عن مكانه لانتفاخ السحر وهو الرئة كما قال أبو جهل
لعتبة بن ربيعة يوم بدر انتفخ سحرك، فإذا قلب عن مكانه ضاع تدبير العقل فظهر الفساد
على الجوارح فوضعت الأمور على غير مواضعها فالشجاعة حرارة القلب وغضبه وقيامه
وانتصابه وثباته فإذا رأته الأعضاء كذلك أعانتها فإنها خدم له وجنود كما أنه إذا ولى
ولت سائر جنوده.
و أما الجرأة فهي إقدام سببه قلة المبالاة وعدم النظر في العاقبة بل تقدم النفس في غير
موضع الأقدام يعرضه عن ملاحظة العارض فأما عليها وإما لها.









رد مع اقتباس
قديم 2014-01-16, 21:26   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي



فصل [الفرق بين الحزم والجبن]
و أما الفرق بين الحزم والجبن فالحازم هو الذي قد جمع عليه همه وإراداته عقله ووزن الأمور
بعضها ببعض فأعد لكل منها قرنه،
ولفظة الحزم تدل على القوة والإجماع ومنه حزمه الحطب
فحازم الرأي هو الذي اجتمعت له شئون رأيه وعرف منها خير الخيرين وشر الشرين
فأحجم في موضع الإحجام رأيا وعقلا لا جبنا ولا ضعفا:
العاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدر


فصل [الفرق بين الاقتصاد والشح]
و أما الفرق بين الاقتصاد والشح، أن الاقتصاد خلق محمود يتولد من خلقين عدل وحكمة
فبالعدل في المنع والبذل وبالحكمة يضع كل واحد منهما موضعه الذي يليق به فيتولد من بينهما
الاقتصاد وهو وسط بين طرفين مذمومين كما قال تعالى: ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ
ولا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً
وقال تعالى: والَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا
ولَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً
وقال تعالى: كُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا .
و أما الشح: فهو خلق ذميم يتولد من سوء الظن وضعف النفس ويمده وعد الشيطان حتى يصير
هلعا والهلع شدة الحرص على الشي ء والشر به فيتولد عنه المنع لبذله والجزع لفقده
كما قال تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً .



فصل [الفرق بين الاحتراز وسوء الظن]
و الفرق بين الاحتراز وسوء الظن، أن المحترز بمنزلة رجل قد خرج بماله ومركوبه مسافرا
فهو يحترز بجهده من كل قاطع للطريق وكل مكان يتوقع منه الشر وكذلك يكون مع المتأهب
والاستعداد وأخذ الأسباب التي بها ينجو من المكروه، فالمحترز كالمتسلح المتدرع الذي
قد تأهب للقاء عدوه، وأعد له عدته فهمه في تهيئة أسباب النجاة، ومحاربة عدوه
قد أشغلته عن سوء الظن به وكلما ساء به الظن أخذ في أنواع العدة والتأهب.
و أما سوء الظن: فهو امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على لسانه وجوارحه،
فهم معه أبدا في الهمز واللمز والطعن والعيب والبغض ببغضهم ويبغضونه، ويلعنهم ويلعنونه،
ويحذرهم ويحذرون منه، فالأول يخالطهم ويحترز منهم، والثاني يتجنبهم ويلحقه أذاهم،
الأول داخل فيهم بالنصيحة والإحسان مع الاحتراز، والثاني خارج منهم مع الغش والدغل والبغض.












رد مع اقتباس
قديم 2014-01-17, 23:02   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي


فصل [الفرق بين الفراسة، والظن]
و الفرق بين الفراسة، والظن أن الظن يخطئ ويصيب

وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره وطهارته ونجاسته ولهذا أمر تعالى
باجتناب كثير منه وأخبر أن بعضه إثم.

و أما الفراسة: فأثنى على أهلها مدحهم في قوله تعالى:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما وغيره أي للمتفرسين
وقال تعالى: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ
وقال تعالى: ولَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
فالفراسة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفى وتنزه من الأدناس وقرب من اللّه
فهو ينظر بنور اللّه الذي جعله في قلبه. وفي الترمذي وغيره
من حديث أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:
(اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه).
و هذه الفراسة نشأت له من قربه من اللّه فإن القلب إذا قرب من اللّه

انقطعت عنه معارضات السوء المانعة من معرفة الحق وإدراكه
وكان تلقيه من مشكاة قريبة من اللّه بحسب قربه منه وأضاء له النور بقدر قربه
فرأى في ذلك النور ما لم يره البعيد والمحجوب، كما ثبت في الصحيح من حديث
أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه: قال
ما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي
يبطش بها ورجله التي يمشي بها
فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، فأخبر
سبحانه أن تقرب عبده منه يفيده محبته له فإذا أحبه قرب من سمعه وبصره ويده ورجله
فسمع به وأبصر به وبطش به ومشى به فصار قلبه كالمرآة الصافية تبدو فيها صور الحقائق
على ما هي عليه فلا تكاد تخطى ء له فراسة فإن العبد إذا أبصر باللّه أبصر الأمر على ما
هو عليه، فإذا سمع باللّه سمع على ما هو عليه،
وليس هذا من علم الغيب بل علّام الغيوب
قذف الحق في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس
التي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه وإذا غلب على القلب النور فاض على الأركان وبادر
من القلب إلى العين فكشف بعين بصره يحسب ذلك النور
..


فصل

وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يرى أصحابه به في الصلاة
وهم خلفه كما يراهم وهم أمامه،
ورأى بيت المقدس عيانا وهو بمكة،
ورأى قصور الشام، وأبواب صنعاء، ومدائن كسرى وهو بالمدينة يحفر الخندق،
ورأى أمراءه بمؤتة وقد أصيبوا وهو بالمدينة،
ورأى النجاشي بالحبشة لما مات وهو بالمدينة فخرج إلى المصلي فصلى عليه،
ورأى عمر سارية بنهاوند من أرض فارس هو وعساكر المسلمين وهم يقاتلون
عدوهم فناداه يا سارية الجبل،
ودخل عليه نفر من مذحج فيهم الأشتر النخعي فصعد فيه البصر وصوبه
وقال أيهم هذا؟

- قال مالك بن الحارث فقال ما له قاتله اللّه إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا.

- و دخل عمرو بن عبيد على الحسن فقال هذا سيد الفتيان إن لم يحدث.

- و قيل إن الشافعي ومحمد بن الحسن جلسا في المسجد الحرام فدخل رجل فقال محمد أتفرس
أنه نجار، فقال الشافعي أتفرس أنه حداد، فسألاه فقال كنت حدادا وأنا اليوم أنجر،


- ودخل أبو الحسن البوسنجي والحسن الحداد على أبي القاسم المناوي يعودانه فاشتريا
في طريقهما بنصف درهم تفاحا نسيئة فلما دخلا عليه قال ما هذه الظلمة؟ فخرجا وقالا ما
علمنا لعل هذا من قبل ثمن التفاح فأعطيا القمن ثم عادا إليه وقع بصره عليهما فقال
يمكن الإنسان أن يخرج من الظلمة بهذه السرعة؟
أخبراني عن شأنكما فأخبراه بالقصة فقال نعم كان كل واحد منكما يعتمد على صاحبه
في إعطاء الثمن والرجل مستح منكما في التقاضي،


- وكان بين أبي زكريا النخشبي وبين امرأة سبب قبل توبته فكان يوما
واقفا على رأس أبي عثمان الحيري فتفكر في شأنها فرفع أبو عثمان إليه رأسه
وقال ألا يستحي..

- وكان شاه الكرماني جيد الفراسة لا تخطى ء فراسته وكان يقول
من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه
بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة وتعود أكل الخلال لم تخطى ء فراسته.

- وكان شاب يصحب الجنيد يتكلم على الخواطر فذكر للجنيد فقال إيش
هذا الذي ذكر لي عنك؟ فقال له أعتقد شيئا،

فقال له الجنيد اعتقدت فقال الشاب اعتقدت كذا وكذا فقال الجنيد لا،
فقال فاعتقد ثانيا قال اعتقدت فقال الشاب اعتقدت كذا وكذا فقال الجنيد لا،

قال فاعتقد ثالثا قال اعتقدت قال الشاب هو كذا وكذا قال لا،
فقال الشاب هذا عجب وأنت صدوق وأنا أعرف قلبي، فقال الجنيد صدقت
في الأولى والثانية والثالثة لكن أردت أن أمتحنك هل يتغير قلبك؟

- و قال أبو سعيد الخراز دخلت المسجد الحرام فدخل فقير عليه خرقتان يسأل شيئا فقلت
في نفسي مثل هذا كل على الناس، فنظر إلي وقال:
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ
فَاحْذَرُوهُ
قال فاستغفرت في سري فناداني وقال: وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ


- وقال إبراهيم الخواص كنت في الجامع فأقبل شاب طيب الرائحة حسن الوجه حسن الحرمة
فقلت لأصحابنا يقع لي أنه يهودي! فكلهم كره ذلك فخرجت وخرج الشاب ثم رجع إليهم
فقال: إيش قال الشيخ في؟ فاحتشموه فألح عليهم فقالوا

قال إنك يهودي فجاء فأكب على يدي فأسلم فقلت ما السبب؟
فقال نجد في كتابنا أن الصديق لا تخطى ء فراسته فقلت أمتحن المسلمين فتأملتهم.
فقلت: إن كان فيهم صديق ففي هذه الطائفة فلبست عليكم فلما اطلع هذا

الشيخ علي وتفرسني علمت أنه صديق.

- و هذا عثمان بن عفان دخل عليه رجل من الصحابة، وقد رأى امرأة في الطريق فتأمل محاسنها،
فقال له عثمان: يدخل أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه فقلت: أوحى بعد رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم؟ فقال لا ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة.


فهذا شأن الفراسة وهي نور يقذفه اللّه في القلب فيخطر له الشي ء فيكون كما خطر له
وينفذ إلى العين فيرى ما لا يراه غيرها.









رد مع اقتباس
قديم 2014-01-18, 19:47   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل [الفرق بين النصيحة والغيبة]
و الفرق بين النصيحة والغيبة أن النصيحة يكون القصد فيها تحذير المسلم من مبتدع أو فتّان
أو غاش أو مفسد فتذكر ما فيه إذا استشارك في صحبته ومعاملته والتعلق به كما قال النبي
صلى اللّه عليه وآله وسلم لفاطمة بنت قيس وقد استشارته في نكاح معاوية وأبي جهم فقال:
أما معاوية فصعلوك، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه على عاتقه، وقال بعض أصحابه
لمن سافر معه إذا هبت عن بلاد قومه فاحذره.
فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة للّه ورسوله وعباده المسلمين فهي قربة إلى اللّه من جملة
الحسنات، وإذا وقعت على وجه ذم أخيك وتمزيق عرضه والتفكه بلحمه والغض منه لتصنع منزلته
من قلوب الناس فهي الداء العضال ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب.



فصل [الفرق بين الهدية والرشوة]
و الفرق بين الهدية والرشوة وإن اشتبها في الصورة القصد، فإن الراشي قصده بالرشوة التوصل
إلى إبطال حق أو تحقيق باطل فهذا الراشي الملعون باطل على لسان رسول اللّه صلى اللّه
عليه وآله وسلم فإن رشا لدفع الظلم عن نفسه اختص المرتشي وحده باللعنة.
و أما المهدي فقصده استجلاب المودة والمعرفة والإحسان فإن قصد المكافأة فهو معاوض
وإن قصد الربح فهو مستكثر.



فصل [الفرق بين الصبر والقسوة]
و الفرق بين الصبر والقسوة: أن الصبر خلق كسبي يتخلق به العبد وهو حبس النفس عن الجزع
والهلع والتشكي، فيحبس النفس عن التسخط واللسان عن الشكوى والجوارح عما لا ينبغي
فعله وهو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية.
و أما القسوة فيبس في القلب يمنعه من الانفعال وغلظة تمنعه من التأثر بالنوازل فلا يتأثر
لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله.
و تحقيق هذا أن القلوب ثلاثة:
قلب قاس: غليظ بمنزلة اليد اليابسة. وقلب مائع: رقيق جدا.
فالأول: لا ينفعل بمنزلة الحجر. والثاني. بمنزلة الماء وكلاهما ناقص وأصح القلوب (القلب الرقيق)
الصافي الصلب فهو يرى الحق من الباطل بصفائه ويقبله ويؤثره برقته ويحفظه،
ويحارب عدوه بصلابته. «و في الأثر القلوب آنية اللّه في أرضه فأحبها إليه
وأرقها وأصلها وأصفاها»
وهذا القلب الزجاجي فإن الزجاجة جمعت الأوصاف الثلاثة،
وأبغض القلوب إلى اللّه القلب القاسي
قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وقال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
وقال تعالى لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ
فذكر القلبين المنحرفين عن الاعتدال هذا بمرضه وهذا بقسوته وجعل
إلقاء الشيطان عتمة لأصحاب هذين القلبين ورحمة لأصحاب الثالث، وهو القلب الصافي
الذي ميز بين إلقاء الشيطان وإلقاء الملك بصفائه قيل الحق بإخباته ورقته
وحارب النفوس المبطلة بصلابته وقوته فقال تعالى عقيب ذلك:
ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ
لَهُ قُلُوبُهُمْ وإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .









رد مع اقتباس
قديم 2014-01-19, 22:16   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي



فصل [الفرق بين العفو والذل]
و الفرق بين العفو والذل: أن العفو إسقاط حقك وجودا وكرما وإحسانا مع قدرتك على الانتقام
فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق بخلاف الذل فإن صاحبه يترك الانتقام عجزا
وخوفا ومهانة نفس، فهذا مذموم غير محمود ولعل المنتقم بالحق أحسن حالا منه
قال تعالى: والَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ .
فمدحهم بقوتهم على الانتصار لنفوسهم وتقاضيهم منها ذلك حتى إذا قدروا على من بغي عليهم
وتمكنوا من استيفاء ما لهم عليه نذبهم إلى الخلق الشريف من العفو والصفح فقال وجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
. فذكر المقامات الثلاثة
العدل وأباحه والفضل ونذب إليه، والظلم وحرمه.
فإن قيل، فكيف مدحهم على الانتصار والعفو وهما متنافيان.
قيل: لم يمدحهم على الاستيفاء والانتقام وإنما مدحهم على الانتصار وهو القدرة والقوة
على استيفاء حقهم، فلما قدروا ندبهم إلى العفو. قال بعض السلف في هذه الآية كانوا يكرهون
أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا، فمدحهم على عفو بعد قدرة لا على عفو ذل وعجز ومهانة،
وهذا هو الكمال الذي مدح سبحانه به نفسه في قوله: وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً، واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
و في أثر معروف: حملة العرش أربعة اثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد
على حلمك بعد علمك، واثنان يقولان سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد على عفوك
بعد قدرتك
. ولهذا قال المسيح صلوات اللّه وسلامه عليه: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ
فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
، أي إن غفرت لهم غفرت عن عزة وهي كمال القدرة وحكمة
وهي كمال العلم فغفرت بعد أن علمت ما عملوا وأحاطت بهم قدرتك إذ المخلوق قد يغفر بعجزه
عن الانتقام وجهله بحقيقة ما صدر من المسي ء والعفو عن المخلوق ظاهره ضيم وذل وباطنه
عز ومهانة. وانتقام ظاهره عز وباطنه ذل فما زاد اللّه بعفو الأعز ولا انتقم أحد لنفسه إلا ذلك
ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو.
و لهذا ما انتقم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لنفسه قط، وتأمل قوله سبحانه:
هُمْ يَنْتَصِرُونَ كيف يفهم منه أن فيهم من القوة ما يكونون هم بها المنتصرين لأنفسهم
لا أن غيرهم هو الذي ينصرهم.
و لما كان الانتصار لا تقف النفوس فيه على حد العدل غالبا بل لا بدّ من المجاوزة شرع فيه
سبحانه المماثلة والمساواة وحرم الزيادة وندب إلى العفو.
و المقصود أن العفو من أخلاق النفس المطمئنة والذل من أخلاق الأمارة و نكتة المسألة أن الانتقام
شي ء والانتصار شي ء، فالانتصار أن ينتصر لحق اللّه ومن أجله ولا يقوى على ذلك إلا من تخلص
من ذل حظه ورق هواها فإنه حينئذ ينال خطأ من العز الذي قسم اللّه المؤمنين فإذا بغى عليه
انتصر من الباغي من أجل عز اللّه الذي أعزه به غيره على ذلك العز أن يستضام ويقهر وحمية
للعبد المنسوب إلى العزيز الحميد أن يستذل، فهو يقول للباغي عليه أنا مملوك من لا يذل مملوكه
ولا يجب أن يذله أحد، وإذا كانت نفسه الأمّارة قائمة على أصولها لم تحب بعد طلبه إلا الانتقام
والانتصار لحظها وظفرها بالباغي تشفيا فيه وإذلالا له.
و أما النفس التي خرجت من ذل حظها ورق هواها إلى عز توحيدها وإنابتها إلى ربها فإذا نالها
البغي قامت بالانتصار حمية ونصرة للعز الذي أعزها اللّه به ونالته منه وهو في الحقيقة حمية
لربها ومولاها. وقد ضرب لذلك مثلا بعبدين من عبيد الغلة حراثين ضرب.
أحدهما: صاحبه فعفا المضروب عن الضارب نصحا منه لسيده وشفقة على الضارب أن يعاقبه
السيد فلم يجشم سيده خلعه عقوبته وإفساده بالضرب فشكر العافي على عفوه ووقع منه
بموقع، وعبد آخر قد أقامه بين يديه وجمله وألبسه ثيابا يقف بها بين يديه فعمد بعض سواس
الدواب وأضرابهم ولطخ تلك الثياب بالعذرة أو مزقها فلو عفا عمن فعل به ذلك لم يوافق عفوه
رأي سيد ولا محبته وكان الانتصار أحب إليه وأوفق كأنه يقول: إنما فعل هذا بك جرأة علي
واستخفافا بسلطاني فإذا مكنه من عقوبته فأذله وقهره ولم يبق إلى أن يبطش به فذل وانكسر
قلبه فإن سيده يحب منه أن لا يعاقبه لحظة وأن يأخذ منه حق السيد فيكون انتصاره حينئذ
لمحض حق سيده لا لنفسه.
كما روي عن علي رضي اللّه عنه أنه مر برجل فاستغاث به وقال: هذا منعني حقي ولم يعطني
إياه، فقال: أعطه حقه، فلما جاوزهما لج الظالم ولطم صاحب الحق فاستغاث بعلي فرجع
وقال: أ تلك الغوث، فقال له استقدمه فقال: قد عفوت يا أمير المؤمنين فضربه على تسع درر
وقال قد عفا عنك من لطمته.
و هذا حق السلطان فعاقبة علي لما اجترأ على سلطان اللّه ولم يدعه ويشبه هذا قصة الرجل
الذي جاء إلى أبي بكر رضي اللّه عنه فقال احملني فو اللّه لأنا افرس منك ومن ابنك
المغيرة بن شعبة فحسر عن ذراعه وصك بها أنف الرجل فسال الدم فجاء قومه إلى أبي بكر
رضي اللّه عنه فقالوا: أقدنا من المغيرة، فقال: أنا أقيدكم من وزعة اللّه؟ لا أقيدكم منه
فرأى أبو بكر أن ذلك انتصارا من المغيرة وحمية للّه وللعز الذي أعز به خليفة رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم ليتمكن بذلك العز من حسن خلافته وإقامة دينه، فترك قوده لاجترائه
على عز اللّه وسلطانه الذي أعز به رسوله ودينه وخليفته فهذا لون والضرب حمية
للنفس الأمّارة لون.



فصل [الفرق بين سلامة القلب والبله والغفل]
و الفرق بين سلامة القلب والبله والغفل أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته
فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته به، وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة.
و هذا لا يحمد إذ هو نقص وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه، والكمال أن يكون القلب
عارفا بتفاصيل الشر سليما من إرادته قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لست بخب ولا يخدعني
الخب
وكان عمر أعقل من أن يخدع، وأروع من أن يخدع وقال تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
، فهذا هو السليم من الآفات التي تعتري القلوب المريضة
من مرض الشبهة التي توجب اتباع الظن ومرض الشهوة التي توجب اتباع ما تهوى الأنفس
فالقلب السليم الذي سلم من هذا وهذا.

















رد مع اقتباس
قديم 2014-01-20, 22:35   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي



فصل [الفرق بين الثقة والغرّة]
و الفرق بين الثقة والغرة: إن الثقة سكون يستند إلى أدلة وأمارات يسكن القلب إليها فكلما
قويت تلك الأمارات قويت واستحكمت ولا سيما على كثرة التجارب وصدق الفراسة واللفظة كأنها
واللّه أعلم من الوثاق وهو الرباط فالقلب قد ارتبط بمن وثق به توكلا عليه وحسن ظن به فصار
في وثاق محبته ومعاملته والاستناد إليه والاعتماد عليه فهو في وثاقه بقلبه وروحه وبدنه
فإذا سار القلب إلى اللّه وانقطع إليه تقيد بحبه وصار في وثاق العبودية فلم يبق له مفزع
في النوائب ولا ملجأ غيره و يصير عدته وشدته وذخيرته في نوائبه وملجأه في نوازله ومستعانه
في حوائجه وضروراته.
و أما الغرة: فهي حال المغتر الذي غرته نفس وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربه
حتى اتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه الأماني والغرور ثقتك بمن لا يوثق به وسكونك إلى
من لا يسكن رجاؤك النفع من المحل الذي لا يأتي بخير كحال المغتر بالسراب قال تعالى:
والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً
ووَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ واللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ
، وقال تعالى في وصف المغترين:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً
وهؤلاء إذا انكشف الغطاء وثبتت حقائق الأمور علموا أنهم
لم يكونوا على شي ء:
وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وفي أثر معروف إذا رأيت اللّه سبحانه يزيدك
من نعمه وأنت مقيم على معصيته فاحذره فإنما هو استدراج يستدرجك به.
و شاهد هذا القرآن في قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ ءٍ
حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ
وهذا من أعظم الغرة أن تراه
يتابع عليك نعمة وأنت مقيم على ما يكره فالشيطان موكل بالغرور، وطبع النفس الأمّارة
الاغترار فإذا اجتمع الرأي والبغي والرأي المحتاج والشيطان الغرور والنفس المغترة لم يقع
هناك خلاف، فالشياطين غروا المغترين باللّه وأطمعوهم مع إقامتهم على ما يسخط اللّه
ويغضبه في عفوه وتجاوزه وحدثوهم بالتوبة لتسكن قلوبهم ثم دافعوهم بالتسويف
حتى هجم الأجل فأخذوا على أسوأ أحوالهم وقال تعالى وغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ
اللَّهِ وغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ
الدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ وأعظم الناس غرورا بربه من إذا مسه اللّه برحمة منه
وفضل قالَ هذا رَبِّي أي أنا أهله وجدير به ومستحق له ثم قال:
وما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً فظن أنه أهل لما أولاه من النعم مع كفره باللّه ثم زاد في غروره
فقال: ولَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعني الجنة والكرامة فكذا تكون الغرة
باللّه فالمغتر بالشيطان مغتر بوعوده وأمانيه وقد ساعد اغتراره بدنياه ونفسه فلا يزال
كذلك حتى يتردى في آبار الهلاك.



فصل [الفرق بين الرجاء والتمني]
و الفرق بين الرجاء والتمني: إن الرجاء يكون مع بذل الجهد واستفراغ الطاقة في الإتيان
بأسباب الظفر والفوز.
و التمني حديث النفس بحصول ذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا والَّذِينَ هاجَرُوا وجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ
فطوى سبحانه بساقي
الرجاء إلا عن هؤلاء.
و قال المغترون: إن الذين ضيعوا أوامره وارتكبوا نواهيه واتبعوا ما أسخطه وتجنبوا ما يرضيه
أولئك يرجون رحمته، وليس هذا ببدع من غرور النفس والشيطان لهم فالرجاء لعبد قد امتلأ
قلبه من الإيمان باللّه واليوم الآخر فمثل بين عينيه ما وعد اللّه تعالى من كرامته وجنته امتد
القلب مائلا إلى ذلك شوقا إليه وحرصا عليه في شبيه بالماد عنقه إلى مطلوب قد صار نصب عينيه.
و علامة الرجاء الصحيح أن الراجي يخاف قوت الجنة وذهاب حظه منها بترك ما يخاف أن يحول بينه
وبين دخولها
فمثله مثل رجل خطب امرأة كريمة في منصب وشرف إلى أهلها فلما آن وقت العقد
واجتماع الأشراف والأكابر وإتيان الرجل إلى الحضور أعلم عشية ذلك اليوم ليتأهب للحضور
فتراه المرأة وأكابر الناس فأخذ في التأهب والتزين والتجميل فأخذ من فضول شعره وتنظف
وتطيب ولبس أجمل ثيابه وأتى إلى تلك الدار متقيا في طريقه كل وسخ ودنس وأثر يصيبه أسد
تقوى حتى الغبار والدخان وما هو دون ذلك، فلما وصل إلى الباب رحب به ربها ومسكن له
في صدر الدار على الفرش والوسائد ورمقته العيون وقصد بالكرامة من كل ناحية فلو أنه ذهب
بعد أن أخذ هذه الزينة فجلس في المزابل وتمرغ عليها وتمعك بها وتلطخ في بدنه وثيابه
عليها من عذرة وقذر ودخل ذلك في شعره وبشره وثيابه فجاء على ذلك الحال إلى تلك الدار
وقصد دخولها للوعد الذي سبق لها لقام إليه البواب بالضرب والطرد والضياع عليه والإبعاد
له من بابها وطريقها فرجع متحيرا خاسئا.
فالأول: حال الراجي وهذا حال المتمني، وإن شئت مثلت حال الرجلين بملك هو من أغير الناس
وأعظمهم أمانة وأحسنهم معاملة لا يضيع لديه حق أحد، وهو يعامل الناس من وراء ستر
لا يراه أحد وبضائعه وأمواله وتجاراته وعبيده وإماؤه ظاهر بارز في داره للمعاملين فدخل
عليه رجلان فكان أحدهما يعامله بالصدق والأمانة والنصيحة لم يجرب عليه غشا ولا خيانة
ولا مكرا فباعه بضائعه كلها واعتمد مع مماليكه وجواريه ما يجب أن يعتمد معهم فكان إذا دخل
عليه ببضاعة تخير له أحسن البضائع وأحبها إليه وإن صنعها بيده بذل جهده في تحسينها
وتنميقها وجعل ما خفي عنها أحسن مما ظهر ويستلم المئونة ممن أمره أن يستلمها منه وامتثل
ما أمره به السفير بينه وبينه في مقدار ما يعمله، صفته وهيئته وشكله ووقته وسائر شئونه
وكان الآخر إذا دخل دخل بأخس بضاعة يجدها لم يخلصها من الغس ولا نصح فيها ولا اعتمد
في أثرها ما قاله المترجم عن الملك والسفير بينه وبين الصناع والتجار بل كان يعملها
على ما يواه.
و مع ذلك فكان يخون الملك في داره إذ هو غائب عن عينه فلا يلوح طمع إلا خانه ولا حرمة
للملك إلا مد بصره إليها وحرص على إفساده ولا شي ء يسخط الملك إلا ارتكبه إذا قدر عليه
فمضيا على ذلك مدة ثم قيل إن الملك يبرز اليوم لمعامليه حتى يحاسبهم ويعطيهم حقوقهم
فوقف الرجلان بين يديه فعامل كل واحد منها بما يستحقه.
فتأمل هذين المثلين فإن الواقع مطابق لهما فالراجي على الحقيقة لما صارت الجنة نصب عينه
ورجاءه وأمله امتد إليها قلبه وسعى لها سعيها فإن الرجاء هو امتد القلب وميله. وحقق
رجاءه كمال التأهب وخوف القوت والأخذ بالحذر.
و أصله من التنحي ورجاء البئر ناحيته وارجاء السماء نواحيها وامتداد القلب إلى المحبوب
منقطعا عما يقطعه عنه هو تنح عن النفس الأمّارة وأسبابها وما تدعو إليه وهذا الامتداد
والميل والخوف من شأن النفس المطمئنة فإن القلب إذا انفتحت بصيرته فرأى الآخرة
وما أعد اللّه فيها لأهل طاعته وأهل معصيته خاف وخف مرتحلا إلى اللّه والدار الآخرة
وكان قبل ذلك مطمئنا إلى النفس، والنفس أم الشهوات والدنيا فلما انكشف عنه غطاء النفس
خف وارتحل عن جوارها طالبا جوار العزيز الرحيم في جنات النعيم، ومن هنا صار كل خائف
راجيا وكل راج خائفا فأطلق اسم أحدهما على الآخر فإن الراجي قلبه قريب الصفة الخائف
هذا الراجي قد نحى قلبه عن مجاورة النفس والشيطان مرتحلا إلى اللّه قد رفع له من الجنة
علم فشمر إليه وله مادا إليه قلبه كله.
و هذا الخائف فار من جوارهما ملتجئ إلى اللّه من حبسه في سجنها في الدنيا فيحبس
معهما بعد الموت ويوم القيامة فإن المرء مع قرينه في الدنيا والآخرة، فلما سمع الوعيد
ارتحل من مجاورة جار السوء في الدارين فأعطى اسم الخائف. ولما سمع الوعد امتد واستطار
شوقا إليه وفرحا بالظفر به فأعطى اسم الراجي وحالاه متلازمان لا ينفك عنهما فكل راج
خائف من فوات ما يرجوه كما أن كل خائف راج أمنه مما يخاف، فلذلك تداول الاسمان
عليه قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً قالوا في تفسيرها لا تخافون للّه عظمة.
و قد تقدم أن اللّه سبحانه طوى الرجاء إلا عن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا.
و قد فسر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الإيمان بأنه ذو شعب وأعمال ظاهرة وباطنة،
وفسر الهجرة بأنها هجر ما نهى اللّه عنه، والجهاد بأنه جهاد النفس في ذات اللّه فقال
المهاجر من هجر ما نهى اللّه عنه، والمجاهد من جاهد نفسه في ذات اللّه.
و المقصود أن اللّه سبحانه جعل أهل الرجاء من آمن وهاجر وأخرج من سواهم من هذه الأمم.
و أما الأماني فإنها رءوس أموال المفاليس أخروها في قالب الرجاء وتلك أمانيهم وهي تصدر
من قلب تزاحمت عليه وساوس النفس فأظلم من دخلها فهو يستعمل قلبه في شواتها وكلما
فعل ذلك منته حسن العاقبة والنجاة وأحالته على العفو والمغفرة والفضل وإن الكريم
لا يستوفي حقه ولا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة ويسمى ذلك رجاء وإنما هو وسواس
وأماني باطلة تقذف بها النفس إلى القلب الجاهل فيستريح إليها قال تعالى:
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ ولا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ولا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَلِيًّا ولا نَصِيراً
. فإذا ترك العبد ولاية الحق ونصرته ترك اللّه ولايته ونصرته ولم يجد له
من دونه وليا ولا نصيرا، وإذا ترك ولايته ونصرته تولته نفسه والشيطان فصارا وليين له
ووكل إلى نفسه فصار انتصاره لها بدلا من نصرة اللّه ورسوله فاستبدل بولاية اللّه ولاية
نفسه وشيطانه، وبنصرته نصرة نفسه وهواه، فلم يدع للرجاء موضعا، فإذا قالت: لك النفس
أنا في مقام الرجاء فطالبها بالبرهان وقل هذه أمنية فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين،
فالكيس يعمل أعمال البر على الطمع والرجاء والأحمق العاجز يعطل أعمال البر ويتكل
على الأماني التي يسميها رجاء. واللّه الموفق.



















رد مع اقتباس
قديم 2014-01-21, 22:23   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي


فصل [الفرق بين التحدث بنعم اللّه والفخر بها]
و الفرق بين التحدث بنعم اللّه والفخر بها: إن المتحدث بالنعمة مخبر عن صفات وليها ومحض
جوده وإحسانه فهو مثن عليه بإظهارها والتحدث بها شاكر له
ناشرا لجميع ما أولاده
مقصودة بذلك إظهار صفات اللّه ومدحه والثناء وبعث النفس على الطلب منه دون غيره
وعلى محبته ورجائه فيكون راغبا إلى اللّه بإظهار نعمه ونشرها والتحدث بها.
و أما الفخر بالنعم: فهو أن يستطيل بها على الناس ويريهم أنه أعز منهم وأكبر، فيركب
أعناقهم ويستفيد قلوبهم ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة قال النعمان بن بشير:
إن للشيطان مصالي «2» وفخوخا، وأن من مصاليه وفخوخه البطش بنعم اللّه والكبر
على عباد اللّه ويفخر بعطية اللّه والهون في غير ذات اللّه.



فصل [الفرق بين فرح القلب وفرح النفس]
و الفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر: فإن الفرح باللّه ومعرفته ومحبته وكلامه
من القلب
قال تعالى: والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ .
فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي فأولياء اللّه وأتباع رسوله أحق بالفرح به
وقال تعالى: وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ

وقال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
قال أبو سعيد الخدري فضل اللّه القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله. وقال هلال بن يساف
فضل اللّه ورحمته الإسلام الذي هداكم إليه والقرآن الذي علمكم هو خير من الذهب
والفضة الذي تجمعون.

قال ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور المفسرين فضل اللّه الإسلام ورحمته القرآن،
فهذا فرح القلب وهو من الإيمان ويثاب عليه العبد فإن فرحه به يطال على رضاه
بل هو فوق الرضا فالفرح بذلك على قدر محبته فإن الفرح إنما يكون بالظفر بالمحبوب
وعلى قدر محبته ويفرح بحصوله له فالفرح باللّه وأسمائه وصفاته ورسوله وسنته
وكلامه محض الإيمان وصفوه وليه وله عبودية عجيبة وأثر في القلب لا يعبر عنه فابتهاج
القلب وسروره وفرحه باللّه وأسمائه وصفاته وكلامه ورسوله ولقائه أفضل ما يعطاه
بل هو جل عطاياه، والفرح في الآخرة باللّه ولقائه بحسب الفرح به ومحبته في الدنيا،
فالفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوة المحبة وضعفها.
فهذا شأن فرح القلب، وله فرح آخر وهو فرحه بما منّ اللّه به عليه من معاملته
والإخلاص له والتوكل عليه والثقة به وخوفه ورجائه به وكلما تمكن في ذلك قوى فرحه
وابتهاجه، وله فرحة؟؟؟ ى عظيمة الوقع عجيبة الشأن وهي الفرحة التي تحصل له بالتوبة
فإن لها فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة، فلو علم العاصي أن لذة التوبة
وفرحتها تزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته
إلى لذة المعصية.
و سر هذا الفرح إنما يعلمه من علم سر فرح الرب تعالى بتوبة عبده أشد فرح يقدر،
ولقد ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلا ليس في أنواع الفرح في الدنيا
أعظم منه وهو فرح رجل قد خرج براحلته التي عليها طعامه وشرابه في سفر ففقدها
في أرض دوية مهلكة فاجتهد في طلبها فلم يجدها فيئس منها فجلس ينتظر الموت حتى
إذا طلع البدر رأى في ضوئه راحلته وقد تعلق زمامها بشجرة فقال من شدة فرحه اللهم
أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فاللّه أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته.

فلا ينكر أن يحصل التائب نصيب وافر من الفرح بالتوبة ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه
وهو أنه لا يصل إلى ذلك إلا بعد ترحات ومضض ومحن لا نثبت لها الجبال فإن صبر لها ظفر
بلدة الفرح وإن ضعف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشي ء وآخر أمره فوات ما آثر
من فرحة المعصية ولذتها فيفوته الأمران ويحصل على ضد اللذة من الألم المركب من وجود
المؤذي وفوت المحبوب فالحكم للّه العلي الكبير.



فصل [فرحة المؤمن عند مفارقته الدنيا إلى اللّه]
و هاهنا فرحة أعظم من هذا كله وهي فرحته عند مفارقته الدنيا إلى اللّه إذا أرسل إليه
فبشروه بلقائه،
وقال له ملك الموت: أخرجي أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب،
أبشري بروح وريحان ورب غير غضبان أخرجي راضية مرضيا عنك
: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنَّتِي
فلو لم يكن بين يدي
التائب إلا هذه الفرحة وحدها لكان العقل يأمر بإيثارها فكيف ومن بعدها أنواع من الفرح
منها صلاة الملائكة الذين بين السماء والأرض على روحه.
و منها: فتح أبواب السماء لها وصلاة ملائكة السماء عليها وتشييع مقربيها لها إلى السماء
الثانية فتفتح ويصلي عليها أهلها ويشيعها مقربوها هكذا إلى السماء السابعة فكيف
يقدر فرحها.

و قد استؤذن لها على ربها ووليها وحبيبها فوقفت بين يديه وأذن لها بالسجود فسجدت
ثم سمعته سبحانه يقول اكتبوا كتابه في عليين ثم يذهب به فيرى الجنة ومقعده فيها
وما أعد اللّه له ويلقى أصحابه وأهله فيستبشرون به ويفرحون به ويفرح بهم فرح الغائب
يقدم على أهله فيجدهم على أحسن حال ويقدم عليهم بخير ما قدم به مسافر هذا كله
قبل الفرح الأكبر يوم حشر الأجساد بجلوسه في ظل العرش وشربه من الحوض وأخذه كتابه
بيمينه وثقل ميزانه وبياض وجهه وإعطائه النور التام والناس في الظلمة وقطعة جسر جهنم
بلا تعويق وانتهائه إلى باب الجنة وقد أزلفت له في الموقف وتلقي خزنتها له بالترحيب
والسلام والبشارة وقدومه على منازله وقصوره وأواجه وسراريه.

و بعد ذلك فرح آخر لا يقدر قدره. ولا يعبر عنه تلاشي هذه الأفراح كلها عنده وإنما يكون
هذا لأهل السنّة المصدقين برؤية وجه ربهم تبارك وتعالى من فوقهم وسلامه عليهم
وتكليمه إياهم ومحاضراته لهم.
وليست هذه الفرحات إلا ... لذي الترحات في دار الرزايا
فشمر ما استطعت الساق واجهد ... لعلك أن تفوز بذي العطايا
وصم عن لذة حشيت بلاء ... للذات خلصن من البلايا
ودع أمنية إن لم تنلها ... تعذب أو تنل كانت منايا
ولا تستبط وعدا من رسول ... أتى بالحق من رب البرايا
فهذا الوعد أدنى من نعيم ... مضى بالأمس لو وفقت رايا









رد مع اقتباس
قديم 2014-01-23, 20:45   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي


فصل [الفرق بين رقة القلب والجزع]
و الفرق بين رقة القلب والجزع أن الجزع ضعف في النفس وخوف في القلب يمده شدة الطمع
والحرص ويتولد من ضعف الإيمان بالقدر وإلا فمتى أن المقدر كائن ولا بدّ كان الجزع عناء
محضا ومصيبة ثانية قال اللّه تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ولا فِي أَنْفُسِكُمْ
إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ
ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ
فمتى آمن العبد بالقدر وعلم أن المصيبة مقدرة في الحاضر
والغائب لم يجزع ولم يفرح.
و لا ينافي هذا رقة القلب فإنها ناشئة عن صفة الرحمة التي هي كمال واللّه سبحانه إنما
يرحم من عباده الرحماء. وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أرق الناس قلبا
وأبعدهم من الجزع، فرقّة القلب رأفة ورحمة وجزعه مرض وضعف، فالجزع حال قلب مريض
بالدنيا قد غشيه دخان النفس الأمّارة فأخذ بأنفاسه وضيق عليه مسالك الآخرة وصار
في سجن الهوى والنفس وهو سجن ضيق الأرجاء مظلم المسالك فانحصار القلب وضيقه
يجزع من أدنى ما يصيبه ولا يحتمله فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد وامتلأ
من محبة اللّه وإجلاله رق وصارت فيه الرأفة والرحمة فتراه رحيما رقيق القلب
بكل ذي قربى ومسلم يرحم النملة في جحرها والطير في وكره فضلا عن بني جنسه
فهذا أقرب القلوب من اللّه قال أنس كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أرحم الناس
بالعيال. واللّه سبحانه إذا أراد أن يرحم عبدا أسكن في قلبه الرأفة والرحمة وإذا أراد
أن يعذبه نزع من قلبه الرحمة والرأفة وأبدله بهما الغلظة والقسوة.
و في الحديث الثابت لا تنزع الرحمة إلا من شقي، وفيه من لا يرحم لا يرحم، وفيه ارحموا
من في الأرض يرحمكم من في السماء، وفيه أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق
ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، والصديق
رضي اللّه عنه إنما فضل الأمة بما كان في قلبه من الرحمة العامة زيادة على الصديقية
ولهذا أظهر أثرها في جميع مقاماته حتى في الأسارى يوم بدر واستقر الأمر على
ما أشار به وضرب له صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلا بعيسى وإبراهيم،
والرب سبحانه
وتعالى هو الرءوف الرحيم وأقرب الخلق إليه أعظمهم رأفة ورحمة كما أن أبعدهم منه
من اتصف بضد صفاته وهذا باب لا يلجه إلا الأفراد في العالم.



فصل [الفرق بين الموجدة والحقد]
و الفرق بين الموجدة والحقد: أن الوجد الإحساس بالمؤلم والعلم به وتحرك النفس في رفعه
فهو كمال. وأما الحقد فهو إضمار الشر وتوقعه كل وقت فيمن وجدت عليه فلا يزايل
القلب أثره.
و فرق آخر وهو أن الموجودة لما ينالك منه، والحقد لما يناله منك، فالموجودة وجود
ما نالك من أذاه، والحقد توقع وجود ما يناله من المقابلة فالموجودة سريعة الزوال والحقد
بطي ء الزوال، والحقد يجي ء مع ضيق القلب واستيلاء ظلمة النفس ودخانها عليه،
بخلاف الموجدة فإنها تكون مع قوته وصلابته وقوة نوره وإحساسه.










رد مع اقتباس
قديم 2014-01-24, 22:56   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

فصل [الفرق بين المنافسة والحسد]
و الفرق بين المنافسة والحسد: أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهد من غيرك
فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر
قال تعالى: وفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ وأصلها من الشي ء النفيس الذي تتعلق
به النفوس طلبا ورغبة فينافس فيه كل من النفسين الأخرى وربما فرحت إذا شاركتها
فيه كما كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتنافسون في الخير ويفرح
بعضهم ببعض باشتراكهم فيه بل يحض بعضهم بعضا عليه مع تنافسهم فيه وهي نوع
من المسابقة وقد قال تعالى:
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ وقال تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ
السَّماءِ
وكان عمر بن الخطاب يسابق أبا بكر رضي اللّه عنهما فلم يظفر بسبقه
أبدا فلما علم أنه قد استولى على الإمامة قال واللّه لا أسابقك إلى شي ء أبدا وقال
واللّه ما سبقته إلى خير إلا وجدته قد سبقني إليه. والمتنافسان كعبدين بين يدي
سيدهما يتباريان ويتنافسان في مرضاته ويتسابقان إلى محابه، فسيدهما يعجبه ذلك
منهما ويحثهما عليه وكل منهما يحب الآخر ويحرضه على مرضاة سيده.

و الحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير فلعجزها ومهانتها
تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها ويتمنى أن لوفاته كسبها حتى يساويها
في العدم كما قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً وقال تعالى:
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ
ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
فالحسود عدو للنعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو
والمنافس سابق النعمة متمن تمامها عليه وعلى من ينافس غيره أن يعلوا عليه ويحب
لحاقه به أو مجاوزته له في الفضل والحسود بحب انحطاط غيره وحتى يساويه في النقصان
وأكثر النفوس الفاضلة الخيرة تنتفع بالمنافسة فمن جعل نصب عينيه شخصا من أهل الفضل
والسبق فنافسه انتفع به كثيرا فإنه يتشبه به ويطلب اللحاق به والتقدم عليه وهذا لا تذمه،
وقد يطلق اسم الحسد على المنافسة المحمودة كما في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه
وآله وسلم: «و لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه اللّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف
النهار ورجل آتاه مالا فسلّطه على هلكته في الحق، فهذا حسد منافسة وغبطة يدل
على علو همّة صاحبه وكبر نفسه وطلبها للتشبيه بأهل الفضل».



فصل [الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة]
و الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة للدعوة إلى اللّه هو الفرق بين تعظيم أمر اللّه
والنصح له وتعظيم النفس والسعي في حظها
فإن الناصح اللّه المعظم له والمحب له
يحب أن يطاع ربه فلا يعصى وأن تكون كلمته هي العليا وأن يكون الدين كله للّه
وأن يكون العباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه فقد ناصح اللّه في عبوديته وناصح
خلقه في الدعوة إلى اللّه فهو الإمامة في الدين بل يسأله ربه أن يجعله للمتقين إماما
يقتدي به المتقون كما اقتدى هو بالمتقين فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى اللّه أن يكون
في أعينهم جليلا وفي قلوبهم مهيبا وإليهم حبيبا وأن يكون فيهم مطاعا لكي يأتموا به
ويقتفوا أثر الرسول على يده لم يضره ذلك بل يحمد عليه لأنه داع إلى اللّه يحب أن يطاع
ويعبد ويوحد فهو يحب ما يكون عونا على ذلك موصلا إليه ولهذا ذكر سبحانه عباده
الذين اختصهم لنفسه وأثنى عليهم في تنزيله وأحسن جزاءهم يوم لقائه فذكرهم
بأحسن أعمالهم وأوصافهم ثم قال:
وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً
فسألوه أن يقر أعينهم بطاعة أزواجهم وذرياتهم له سبحانه وأن يسر قلوبهم باتباع
المتقين لهم على طاعته وعبوديته فإن الإمام والمؤتم متعاونان على الطاعة فإنما
سألوه ما يعانون به المتقين على مرضاته وطاعته وهو دعوتهم إلى اللّه بالإمامة
في الدين التي أساء بها الصبر واليقين كما قال تعالى: وجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ
وسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين
هو سؤال أن يهديهم ويوفقهم ويمن عليهم بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة ظاهرا
وباطنا التي لا تتم الإمامة إلا بها، وتأمل كيف نسبهم في هذه الآيات إلى اسمه الرحمن
جل جلاله ليعلم خلقه أن هذا إنما نالوه بفضل رحمته ومحض وجوده ومنته. وتأمل كيف
جعل جزاءهم في هذه السورة الغرف وهي المنازل العالية في الجنة لما كانت الإمامة
في الدين من الرتب العالية بل من أعلى مرتبة يعطاها العبد في الدين كان
جزاؤه عليها الغرفة العالية في الجنة.
و هذا بخلاف طلب الرئاسة فإن طلابها يسعون في تحصيلها لينالوا بها أغراضهم من العلو
في الأرض وتعبد القلوب لهم وميلها إليهم ومساعدتهم لهم على جميع أغراضهم مع كونهم
عالين عليهم قاهرين لهم فترتب على هذا المطلب من المفاسد ما لا يعلمه إلا اللّه من البغي
والحسد والطغيان والحقد والظلم والفتنة والحمية للنفس دون حق اللّه وتعظيم من حقره اللّه
واحتقار من أكرمه اللّه ولا تتم الرئاسة الدنيوية إلا بذلك ولا تنال إلا به وبأضعافه من المفاسد
والرؤساء في عمى عن هذا فإذا كشف الغطاء تبين لهم فساد ما كانوا عليه ولا سيما
إذا حشروا في صور الذر يطؤهم أهل الموقف بأرجلهم إهانة لهم وتحقيرا وتصغيرا كما
صغروا أمر اللّه وحقروا عباده.









رد مع اقتباس
قديم 2014-01-26, 21:36   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي



فصل الفرق بين الحب في اللّه والحب مع اللّه
و هذا من أهم الفروق، وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا، فالحب في اللّه
هو من كمال الإيمان والحب مع اللّه هو عين الشرك.
والفرق بينهما أن المحب في الله
تابع لمحبة اللّه فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة أن يحب ما يحبه اللّه
فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه، كما يحب رسله وأنبيائه وملائكته
وأوليائه لكونه تعالى يحبهم، ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى يبغضهم وعلامة هذا الحب
والبغض في اللّه أنه لا ينقلب بغضه لبغض اللّه حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه،
ولا ينقلب حبه لحبيبه اللّه بغضا إذا وصل إليه من جهته ما يكرهه ويؤلمه، إما خطأ وإما عمد
ا مطيعا للّه فيه أو متأولا أو مجتهدا أو باغيا نازعا بائنا، والدين كله يدور على أربع قواعد
حب وبغض ويترتب عليهما فعل وترك، فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه للّه فقد استكمل
الإيمان بحيث إذا أحب أحب اللّه وإذا أبغض أبغض اللّه وإذا فعل فعل للّه وإذا ترك ترك اللّه،
وما نقص من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه يحسبه. وهذا بخلاف الحب مع اللّه
فهو نوعان يقدح في أصل التوحيد وهو شرك ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة اللّه
ولا يخرج من الإسلام.


فالأول: كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم قال تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ
، وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم
مع اللّه، كما يحبون اللّه فهذه محبة تأله ومولاه يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء
وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره اللّه
، ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد
وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم وبذلك أرسل اللّه جميع رسله وأنزل جميع
كتبه وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعادهم فيه
وفي مرضاته فكل من عبد شيئا من لدن عرضه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون اللّه إلها
ووليا وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه.


و النوع الثاني: محبة ما زينه اللّه للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسمومة
والأنعام والحرث فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء فهذه المحبة
ثلاثة أنواع فإن أحبها اللّه توصلا بها إليه واستعانه على مرضاته أثيب عليها وكانت
من قسم الحب للّه توصلا بها إليه ويلتذ بالتمتع بها وهذا حال أكمل الخلق الذي حبب إليه
من الدنيا النساء والطيب وكانت محبته لهما عونا له على محبة اللّه وتبليغ رسالته
والقيام بأمره وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإراداته ولم يؤثرها على ما يحبه اللّه
ويرضاه بل نالها بحكم الليل الطبيعي كانت من قسم المباحات ولم يعاقب على ذلك ولكن
ينقص من كمال محبته للّه والمحبة فيه وإن كانت هي مقصوده ومراده وسعيه في تحصيلها
والظفر بها وقدمها على ما يحبه اللّه ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه.
فالأول: محبة السابقين.
و الثانية: محبة المقتصدين.
و الثالثة: محبة الظالمين.

فتأمل هذا الموضوع وما فيه من الجمع والفرق فإنه معترك النفس الأمّارة والمطمئنة.
والمهدي من هداه اللّه.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مسلم, معرفتها, فروق, هامّة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:13

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc